يبدو أن محاولات إيلون ماسك التملص من صفقة تويتر، دون أن يدفع مليار دولار كشرط جزائي، في طريقها للفشل، بعد تحديد القضاء موعداً لبدء المحاكمة في النزاع، فهل وقع أغنى رجل في العالم في فخ بسبب التسرع؟
كان قاضٍ أمريكي قد رفض طلب فريق ماسك القانوني تأجيل بدء المحاكمة في النزاع بين صاحب شركتي تيسلا للسيارات الكهربائية، وسبيس إكس من جهة، وبين شركة تويتر من جهة أخرى، بعد نحو 3 أشهر من الاتفاق بين الطرفين على شراء رجل الأعمال الأمريكي لمنصة التواصل الاجتماعي المفضلة للسياسيين والمشاهير مقابل مبلغ قياسي قيمته 44 مليار دولار.
وعلى الرغم من أن أغنى رجل في العالم هو من سعى للاستحواذ على تويتر، وظل يضغط على مجلس الإدارة لمدة أسبوعين حتى وافقوا على عرضه بالفعل يوم 25 أبريل/ نيسان الماضي، فإن الفترة التالية لذلك الخبر الضخم شهدت مماطلات من جانب إيلون ماسك، حتى لجأ مجلس إدارة تويتر إلى القضاء لإجباره على إتمام الصفقة بالمبلغ المتفَق عليه.
ما سبب الخلاف بين ماسك وتويتر؟
كان الإعلان عن الاتفاق بشأن صفقة تويتر واحداً من أكثر الأخبار متابعة حول العالم، وذلك بسبب ما قد يعنيه تحوُّل المنصة، التي يستخدمها يومياً عشرات الملايين من الأشخاص، ويعتمد عليها زعماء العالم السياسيون والاقتصاديون وغيرهم، من شركة مساهمة إلى ملكية فردية، وما قد يعنيه ذلك من تغييرات جذرية على أداء تويتر.
لكن منذ اللحظة الأولى لتوقيع الصفقة يوم 25 أبريل/نيسان الماضي، بدا وكأن ماسك يشكك في دقة التقارير العامة والإفصاحات الصادرة عن تويتر بشأن حسابات البريد الوهمية التي تمثل أقل من 5% من قاعدة مستخدمي منصة التواصل الاجتماعي، قائلاً إنها يجب أن تكون 20% على الأقل.
لكن تشكيك ماسك في تلك الإفصاحات تجاهل بشكل واضح حقيقة أن تويتر نفسها أقرت، في تلك الإفصاحات، بأن الأرقام الخاصة بالحسابات الوهمية قد تكون أعلى من التقديرات التي تحملها التقارير الخاصة بالشركة. وكان باحثون مستقلون قد توقعوا أن 9 إلى 15% من ملايين الملفات الشخصية على تويتر ما هي إلا حسابات مزيفة.
ثم أعلن ماسك، يوم 13 مايو/ أيار الماضي، عن تعليق صفقة شراء تويتر "بشكل مؤقت"، بعد أن نشرت منصة التواصل الاجتماعي تقريراً يربط بين عدد الحسابات المزيفة والعشوائية ومستخدميها النشطين المربحين. ووقتها نقل تقرير لـ"رويترز" وثائق رسمية قدمتها "تويتر"، ذكرت أن أقل من 5% من 226 مليون مستخدم نشط، يُدرُّون المال على الشركة، هم من الحسابات المزيفة والعشوائية.
لكن ماسك أعلن، يوم 16 مايو/أيار، أن الصفقة يمكن أن تتم بسعر أقل، دون أن يذكر سعراً محدداً، فيما رآه مراقبون المؤشر الأبرز على أن رجل الأعمال يريد إما تخفيض قيمة الصفقة أو إيجاد مبررات قانونية للانسحاب منها بشكل نهائي، دون أن يضطر لخسارة مليار دولار، قيمة الشرط الجزائي المنصوص عليه في اتفاق الشراء الموقع بين الطرفين.
لكن حالة الضبابية التي أحاطت بـ"تويتر"، والتي كان رئيس تويتر التنفيذي، باراغ أغراوال، قد صرح بها في حديثه للموظفين يوم الإعلان عن الاتفاق مع ماسك، تسببت في خسائر للشركة، وهو ما استغلته الشؤون القانونية في تويتر للتقدم بدعوى قضائية أمام المحاكم لإجبار ماسك على إكمال الصفقة بالسعر المتفق عليه، أو على الأقل إجباره على دفع الشرط الجزائي، وإغلاق صفحة أغنى رجل في العالم للأبد، رغم كونه أكبر مساهمي الشركة.
وبالفعل كشفت سجلات محكمة ديلاوير العليا يوم 15 يوليو/تموز أن القاضية كاثلين ماكورمك، مستشارة المحكمة، ستعقد جلسة الثلاثاء 19 يوليو/تموز، للاستماع للدفوع الخاصة بطلب شركة تويتر النظر في دعوى أقامتها ضد إيلون ماسك لإلزامه بالاتفاق الذي توصلت إليه معه لشراء منصتها للتواصل الاجتماعي بمبلغ 44 مليار دولار.
ماذا أراد ماسك من المحكمة؟
وانعقدت الجلسة بالفعل؛ حيث طلب فريق محامي إيلون ماسك تأجيل المحاكمة إلى بداية العام المقبل، نظراً لتعقيداتها. لكنّ تويتر طالبت ببدء الجلسات في سبتمبر/أيلول.
واتهمت الدعوى ماسك بـ"قائمة طويلة" من انتهاكات اتفاقية الاندماج التي "ألقت بظلالها على تويتر وأعمالها". وقال كبير مستشاري تويتر ويليام سافيت في جلسة الاستماع، إن استمرار حالة الغموض حول عملية الاستحواذ، "تلحق الضرر بتويتر يومياً". وأضاف سافيت أن "ماسك كان ولا يزال ملزماً تعاقدياً ببذل قصارى جهده لإتمام الصفقة. وما يفعله هو عكس ذلك تماماً. إنه تخريب".
على الجانب الآخر، ردّ محامي ماسك، أندرو روسمان، بأن إيلون لا يزال أحد أهم المساهمين في تويتر. وقال إنه يجب إحالة القضية إلى المحاكمة العام المقبل، وفق جدول زمني "معقول" يمنح الجانبين وقتاً للاستعداد، بحسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية BBC.
ومنذ أن بدأ ماسك بإثارة الشكوك حول عدد الحسابات المزيفة والمتطفّلة على منصة تويتر في مايو/أيار، شهدت الشركة هبوطاً في أسعار الأسهم من أعلى مستوياتها الذي بلغ 50 دولاراً للسهم الواحد. ويبلغ ثمن السهم في الشركة حالياً 39.45 دولاراً – أقلّ بكثير من الثمن الذي تأمل الشركة أنها الصفقة به وهو 54.20 دولاراً للسهم.
وبعد أن استمعت القاضية إلى دفوع الطرفين، رفضت مطلب ماسك واتفقت مع شركة تويتر على أن تأجيل القضية قد يعطي انطباعاً "من عدم اليقين".
ماذا يريد ماسك من تويتر؟
الآن، وقد وصل قطار الصفقة إلى مرحلة التقاضي خلال أسابيع قليلة، تدور التساؤلات حول خطوة إيلون ماسك المقبلة، إضافة إلى نواياه الحقيقة منذ الإعلان عن الاتفاق.
فماسك، الذي يصف نفسه بأنه "مناصر لحرية التعبير"، كان قد تعهد بتخفيف قواعد الإشراف على محتوى تويتر بمجرد أن تنتقل إليه ملكية الشركة، كما دعا إلى مزيد من الشفافية حول كيفية تقديم المنصة التغريدات للمستخدمين – وهو نظام يسمح حالياً بالترويج للبعض، ومنح جماهير أوسع.
وهناك نظرية تقول إن ماسك لا يزال يريد شراء تويتر، لكنه يحاول فقط خفض السعر. لكن إن كان الأمر كذلك، فإنّ محامي رجل الأعمال الأمريكي يلعبون مقامرة شديدة الخطورة، بسعيهم إلى تأجيل المحاكمة بحجة أنهم بحاجة إلى مزيد من الوقت للغوص في المعلومات، بحثاُ عن الحسابات الوهمية.
وكرر الفريق القانوني تأكيدات ماسك على أنه قد يكون لدى موقع تويتر حسابات مزيفة أكثر مما تدعي الشركة، لكن هذا الاتهام مدمر بشدّة، وبالتالي من الغريب الحديث حول ما إذا كان ماسك لا يزال مهتماً بشراء الشركة بسعر أقل، بحسب تقرير بي بي سي.
فاتهامات ماسك قد وجهت ضربة عنيفة لسمعة تويتر، إذ تعتمد عائدات الشركة بشكل كامل تقريباً على الإعلانات، وكلّما قلّ عدد الحسابات الحقيقية على المنصّة، كلمّا قلّت الأرباح التي يمكن أن تحققها الشركة. فالحسابات المزيّفة لا يمكنها أن تساهم في ذلك.
لذلك تريد شركة تويتر إتمام العملية بسرعة، والسيناريو الأفضل إلى الآن بالنسبة للشركة، هو بيعها لماسك مقابل 54.20 دولاراً للسهم، وأن يحدث ذلك في أقرب وقت ممكن.
لذلك يعتبر الأمر القضائي خبراً جيداً لتويتر، فقد وقفت المحكمة في صفّ محامي الشركة، لجهة إصدار حكم مبكر في القضية، وهو ما يضع مزيداً من الضغوط على ماسك، الذي يواجه موقفاً غريباً في احتمال اضطراره شراء شركة، لم يعد يرغب بالحصول عليها. ومع ذلك، من المرجّح أن تؤدي هذه الضغوط إلى دفع ماسك نحو التسوية، أي دفع الشرط الجزائي البالغ قيمته مليار دولار، أو جزء منه لتويتر ونسيان الصفقة تماماً.