مع إعلان سريلانكا مؤخراً إفلاسها، وتحذير صندوق النقد الدولي وغيره من المنظمات المالية الدولية من أن بلداناً أخرى- بعضها عربية- ستُلاقي المصير ذاته، ولن تكون قادرة على سداد ديونها قريباً، يكثر الحديث عن "نادي باريس" ودوره في إيجاد حلول لمشكلة ديون هذه الدول أو إعادة هيكلتها. فما هو نادي باريس، ومن هم أعضاؤه، وما دوره في حل أزمات الديون وما أهدافه؟
ما هو نادي باريس؟
يعرّف نادي باريس نفسه بأنه مجموعة غير رسمية من الدول الدائنة، هدفها إيجاد حلول عملية لمشاكل الدفع والسداد التي تواجهها الدول المدينة. وهي مجموعة تقدم خدمات مالية مثل إعادة جدولة الديون للدول المدينة بدلاً من إعلان إفلاسها، أو تخفيف عبء الديون بتخفيض الفائدة عليها، وإلغاء الديون بين الدول المثقلة بالديون ودائنيها. والدول المدينة غالباً ما يتم التوصية بها أو تسجيلها في النادي عن طريق صندوق النقد الدولي، بعد أن تكون الحلول البديلة لتسديد ديون تلك الدول قد فشلت.
يقول النادي الذي يتخذ من باريس مقراً له، حيث تُعقد الاجتماعات في وزارة الخزانة الفرنسية، التي توفر سكرتارية صغيرة لتنظيم الاجتماعات، ومسؤولاً كبيراً لرئاستها، إنه يسعى لإيجاد "حلول مستدامة ومنسقة" لمشاكل الدفع التي تواجهها البلدان المدينة. ونظراً لأن البلدان التي لديها ديون كبيرة تقوم بإصلاحات لاستعادة استقرار أوضاعها المالية والاقتصادية الكلية، فإن الدائنين في نادي باريس يقدمون معالجة للديون تتناسب مع أوضاع هذه الدول.
وقد يسهل دائنو نادي باريس إعادة جدولة الديون للدول المدينة (إعادة الجدولة تعني إعادة التفاوض على شروط القرض)، والتي قد تشمل تأجيل السداد. تُعرض على بعض البلدان إعادة جدولة ميسرة، وتخفيض التزامات خدمة الدين خلال فترة محددة.
من أين جاءت فكرة نادي باريس؟
يقول النادي، إن الهدف من تشكيله هو تجنب أزمات الديون وما ينتج عنها من توترات دولية أدت في الماضي إلى الصراعات وحتى غزو البلدان المدينة. وكانت معاملة ديون نادي باريس الخيار الأفضل للبلدان النامية لإدارة ديونها والحصول على إعفاء، خاصة خلال القرن العشرين.
وتولدت فكرة النادي من المحادثات التي عقدت في باريس عام 1956 لمناقشة الأزمة بين الأرجنتين ودائنيها المختلفين، وبما أن نادي باريس عبارة عن مجموعة غير رسمية، فليس هناك تاريخ تأسيس.
ولاحقاً، دوّن نادي باريس مبادئه وإجراءاته في فترة السبعينيات من القرن الماضي، في سياق الحوار بين الشمال والجنوب. ومنذ عام 1956 أبرمت الدول الدائنة الأعضاء في النادي ما يزيد على 478 اتفاقية تتعلق بـ102 دولة مدينة. ومنذ ذلك الحين، بلغ مجموع الدين المغطى في هذه الاتفاقيات 612 مليار دولار بحسب الموقع الرسمي لنادي باريس.
وبصفته مجموعة غير رسمية فليس للنادي أي قوانين تشريعية، الأمر الذي يمنح الدول الدائنة الأعضاء مرونة في مواجهة المواقف الخاصة لكل دولة مدينة تواجه صعوبات في سداد ديونها.
من هم أعضاء نادي باريس؟
يبلغ عدد الأعضاء الدائمين في نادي باريس 22 دولة، وهي دول تتفق على المبادئ والقواعد الرئيسية لنادي باريس، وتطبق باستمرار الشروط المحددة في المحاضر المتفق عليها في النادي على مطالباتها الثنائية، ويجب أن تكون قد قامت بتسوية أي نزاعات ثنائية أو متأخرات مع دول نادي باريس، إن وجدت.
والدول الأعضاء في نادي باريس هي: فرنسا، أستراليا، النمسا، بلجيكا، البرازيل، كندا، الدنمارك، فنلندا، ألمانيا، أيرلندا، "إسرائيل"، إيطاليا، اليابان، كوريا الجنوبية، هولندا، النرويج، روسيا، إسبانيا، السويد، سويسرا، المملكة المتحدة، الولايات المتحدة الأمريكية.
كما يوجد للنادي مراقبون يستطيعون حضور جلسات التفاوض الخاصة بنادي باريس، ولكن لا يمكنهم المشاركة فيها. وفيما يلي ثلاث فئات للمراقبين:
1 – ممثلو المؤسسات والمنظمات الدولية، وهي:
- صندوق النقد الدولي (IMF).
- البنك الدولي.
- منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD).
- مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد).
- المفوضية الأوروبية.
- بنك التنمية الإفريقي.
- بنك التنمية الآسيوي.
- البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير (EBRD).
- بنك التنمية للبلدان الأمريكية (IADB).
2- الأعضاء الذين ليس لديهم مطالبات: وهؤلاء هم ممثلو الأعضاء الدائمين في نادي باريس، الذين ليس لديهم مطالبات فيما يتعلق بمعاملة الديون، على سبيل المثال الدائنون الذين يشمل إقراضهم شرط الحد الأدنى، أو الذين لا يدينون بأموال الدولة المدينة، ولكنهم مع ذلك يرغبون في حضور الاجتماع.
3- ممثلو البلدان غير الأعضاء في نادي باريس: وهي الدول التي لديها مطالبات على البلد المدين، ولكنها ليست في وضع يسمح لها بالتوقيع على اتفاقية نادي باريس كمشاركين مؤقتين، شريطة أن يتفق الأعضاء الدائمون والبلد المدين على حضورهم.
ما مبادئ نادي باريس والآلية التي يعمل بها؟
يجتمع أعضاء نادي باريس كل شهر، باستثناء فبراير/شباط، وأغسطس/آب، في العاصمة الفرنسية باريس. وقد تشمل هذه الاجتماعات الشهرية أيضاً مفاوضات مع واحد أو أكثر من البلدان المدينة التي استوفت الشروط المسبقة للنادي للتفاوض بشأن الديون.
وتعد الشروط الرئيسية التي يتعين على الدولة المدينة الوفاء بها، أنه ينبغي أن تكون لديها حاجة واضحة لتخفيف عبء الديون، وأن تلتزم بتنفيذ الإصلاح الاقتصادي. في الواقع هذا يعني أن البلد يجب أن يكون لديه بالفعل برنامج مع صندوق النقد الدولي (IMF)، مدعوماً بترتيب مشروط.
ويتعامل نادي باريس مع الديون المستحقة على حكومات البلدان المدينة وبعض كيانات القطاع الخاص على أنها مضمونة من قِبل القطاع العام لأعضاء نادي باريس. ويقدم النادي مجموعة قياسية من الشروط المتدرجة لمعالجة الديون، بدءاً من إعادة جدولة المدفوعات بأسعار السوق إلى إلغاء ما يصل إلى 90% من بعض الديون. ومجموعة الشروط المحددة المقدمة لكل دولة مدينة هي على أساس كل حالة على حدة، بناءً على مركزها وخصائصها وسجل السداد لديها.
وفيما يتعلق بآلية عمل النادي، فإن البلدان الدائنة تجتمع 10 مرات في السنة في باريس للأعمال العامة، وللتفاوض مع ممثلي البلدان المدينة. وفي هذه الاجتماعات يعرض ممثلو البلدان المدينة قضيتهم بشأن تخفيف عبء الديون على أعضاء نادي باريس، الذين يقررون بعد ذلك في جلسة مغلقة ما هي المعاملة التي يجب أن يقدمها المدين.
ويمكن أن تتكرر هذه العملية بعد ذلك مع إجراء جلسات إضافية وطلبات للحصول على معلومات حتى يتم التوصل إلى صفقة. وتعد الاتفاقات الناتجة غير ملزمة قانونياً بحد ذاتها، ولكن يجب استخدامها كأساس لترتيبات ثنائية ملزمة قانوناً بين الدولة المدينة والدول الدائنة في نادي باريس.
ما أبرز الأمثلة على الدول التي تدخل نادي باريس لإنقاذها من أزمة الديون؟
في التسعينات، بدأ النادي معاملة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون بطريقة مختلفة، حيث منح النادي امتيازات أكبر للدول المثقلة بالديون. بينما اتبع سياسات منح السندات المالية واللجوء للدائنين غير الحكوميين مع البلاد الأخرى.
وأبرم النادي اتفاقاً في عام 2003 مع إندونيسيا لإعادة جدولة ديون بقيمة 5.4 مليار دولار، كما أعاد جدولة ديون بقيمة 12.5 مليار دولار مع باكستان في العام 2001 على مدار فترة تمتد لـ38 عاماً.
وفي العام 2001 أيضاً، تم جدولة ديون يوغوسلافيا (التي تفككت في عام 2006) بقيمة ثلاثة مليارات دولار، ويُحدد جدول السداد بحسب مدى قدرات تلك الدولة وإمكاناتها الاقتصادية، بناء على توصيات صندوق النقد الدولي.
وفي عام 2004 قرر النادي شطب ديون العراق بالكامل. وكذلك بعد زلزال المحيط الهندي في نفس العام، قرر نادي باريس إعطاء تسهيلات كبيرة للبلدان المتضررة في سداد التزاماتها.