لم يلبِّ الرئيس الأمريكي جو بايدن كل طلبات إسرائيل، خلال زيارتها التي استغرقت يومين، فيما خيّب آمال الفلسطينيين خلال الفترة القصيرة التي خصصها لها، ولم تتجاوز الساعات الأربع.
وبحسابات الربح والخسارة، حصلت إسرائيل على الكثير من الالتزامات والتعهدات والخطوات الرمزية، فيما حصل الفلسطينيون على الكثير من الوعود، ومساعدات مالية.
فإسرائيل حصلت على تعهد أمريكي مكتوب بعدم السماح لإيران بامتلاك السلاح النووي، ولكن دون إجراءات عملية لتحقيق هذا الهدف، فيما حصل الفلسطينيون على تصريح مكتوب بالالتزام بحل الدولتين على حدود 1967، مع تبادل للأراضي، ولكن مع التأكيد بأن هذا الحل "بعيد المنال".
كما أعلن بايدن عن استئناف مساعدات مالية، كان قد أوقفها سلفه دونالد ترامب.
ويقول الدكتور إيمانويل نافون، أستاذ العلوم السياسية بجامعة تل أبيب، إن الإسرائيليين راضون عن الزيارة، رغم أنها لم تحقق كل مطالبهم.
وأضاف نافون في حوار مع وكالة الأناضول: "أعتقد أنني كإسرائيلي راضٍ عن زيارة بايدن، رغم أنها لم تتضمن الكثير من المحتوى، وإنما خطوات رمزية وتصريحات".
وتابع: "الإعلان الذي تم توقيعه في القدس كان بمثابة بيان عام دون تأثير عملي، وللأسف فإن زيارة بايدن إلى السعودية لم تتمكن من إقناع القيادة السعودية بالقيام بالمزيد من الخطوات باتجاه التطبيع".
وأكمل: "بهذا المعنى لا يمكنني أن أقول إنها مثلت نجاحاً كاملاً، ولكن على الأقل، من وجهة نظر إسرائيلية، كانت هناك التزامات وتصريحات وتعزيز لصداقة بين البلدين، وهذا بحد ذاته تقدم طبعاً".
وتعهد الإعلان الذي حمل عنوان "إعلان القدس للشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وإسرائيل" بعدم سماح الولايات المتحدة لإيران يوماً بامتلاك سلاح نووي.
لكنّ المؤتمر الصحفي المشترك بين بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد، أظهر خلافاً حول آلية التعامل مع إيران.
فرئيس الوزراء الإسرائيلي قال: "إن الطريقة الوحيدة الكفيلة بوقفها (إيران) عند حدها هي طرح تهديد عسكري عالي المصداقية على الطاولة"، فيما قال الرئيس الأمريكي إنه ما زال يعتقد أن الدبلوماسية هي أفضل طريقة لتحقيق هذه النتيجة.
ومع ذلك، يقول نافون: "لا يوجد خلاف حقيقي، لأن الولايات المتحدة الأمريكية ملتزمة بمنع إيران من امتلاك قدرات نووية، وبهذا الشأن لا يوجد خلاف، وعلى الرغم من أن بايدن قال إنه مبدئياً يفضل إغلاق طريق إيران إلى القنبلة النووية عبر الدبلوماسية، فإنه من الناحية العملية، هو شخصياً على دراية بأنه في هذه المرحلة لا مجال للتوصل إلى اتفاق (مع إيران)، ولذا أقول إن الخلاف نظري، أكثر منه عملياً".
ومن جهة ثانية، فقد أشادت إسرائيل بقرار السعودية فتح مجالها الجوي أمام الطائرات المدنية الإسرائيلية، بغض النظر عن وجهتها بعد أن كان الإذن ممنوحاً فقط للطائرات المغادرة والقادمة من الإمارات والبحرين.
غير أن السفير الأمريكي السابق في إسرائيل ديفيد فريدمان، المقرب من الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، حاول التقليل من أهمية الخطوة، حيث قال في تغريدة على تويتر، الجمعة: "أنا أسافر من تل أبيب إلى أبوظبي ودبي والمنامة، منذ ما يقرب من عامين، بالتزامن مع الإعلان عن اتفاقيات إبراهيم، كانت جميع هذه الرحلات تقريباً تحلق فوق المجال الجوي السعودي".
"طمع" إسرائيلي في تطبيع أكبر
لكن نافون، رأى أن الخطوة السعودية مهمة، حيث قال: "اليوم، ليس فقط الطائرات الإسرائيلية المتوجهة إلى الإمارات والبحرين تستطيع العبور عبر السعودية، وإنما أيضاً المتوجهة إلى شرق آسيا، وهذا من شأنه اختصار المسافة وتكاليف السفر من إسرائيل إلى هذه الدول، إنها بادرة طيبة من السعودية".
ولكنّ إسرائيل كانت تأمل بتحقيق خطوات تطبيع كبيرة، من السعودية، التي بدورها رهنت تطبيع العلاقات بتطبيق خيار حل الدولتين (فلسطينية وإسرائيلية).
وعسكرياً، جددت الولايات المتحدة الأمريكية في "إعلان القدس" على "التزامها الثابت بالحفاظ على قدرة إسرائيل على ردع أعدائها وتعزيزها".
كما شدد الإعلان على أن الولايات المتحدة وإسرائيل ستواصلان العمل على "محاربة كافة الجهود الرامية إلى مقاطعة إسرائيل أو نزع الشرعية عنها، أو إنكار حقها في الدفاع عن نفسها، أو استبعادها بشكل غير عادل من أي منتدى، بما في ذلك الأمم المتحدة أو المحكمة الجنائية الدولية، وتعربان عن رفضهما لحملة المقاطعة بشدة مع احترامهما الكامل للحق في حرية التعبير".
زيارة الساعات الأربع لفلسطين
وخصص بايدن 4 ساعات من وقته، للفلسطينيين، حيث زار مستشفى المُطّلَع "أوغستا فكتوريا" بالقدس الشرقية لمدة ساعة، أتبعها بزيارة بيت لحم بالضفة الغربية؛ حيث التقى الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في زيارة استغرقت نحو 3 ساعات.
وفي بيت لحم، أعلن الرئيس الأمريكي فعلياً، طي صفحة سلفه دونالد ترامب في العلاقة مع الفلسطينيين، بتصريحات سياسية وقرارات مالية.
فسياسياً، تحدث الرئيس الأمريكي عن خيار حل الدولتين على حدود 1967 مع تبادل للأراضي.
وكان الرئيس الأمريكي قد أعلن مراراً دعمه لحل الدولتين، ولكنها المرة الأولى التي يربط الحل بحدود عام 1967، مكرراً بذلك تصريحات مشابهة أدلى بها سلفه باراك أوباما في 19 مايو/أيار 2011.
وتشمل حدود 1967، المناطق التي احتلتها إسرائيل في ذلك العام، وهي الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وقطاع غزة.
وفي بيان أمريكي حول لقاء الرئيس الفلسطيني في بيت لحم، حصلت وكالة الأناضول على نسخة منه، حدد البيت الأبيض ما يمكن اعتباره رؤية بايدن للحل.
فقد قال: "جدد الرئيس بايدن التأكيد على العلاقات الدائمة بين الشعبين الفلسطيني والأمريكي، وكذلك شدد على التزامه بحل الدولتين على خطوط سنة 1967 مع تبادل للأراضي يتفق عليه الإسرائيليون والفلسطينيون".
ولكن موقفه بشأن القدس لن يتغير جوهرياً عن موقف سلفه ترامب، إذ قال البيت الأبيض: "جدد الرئيس بايدن التأكيد على الموقف الأمريكي بأن القدس هي عاصمة إسرائيل، وأن سياسة الولايات المتحدة لا تزال تقضي بضرورة حل (مسألة) حدود السيادة من خلال مفاوضات الوضع النهائي بين الإسرائيليين والفلسطينيين".
كما أعاد التأكيد على ضرورة الحفاظ على الوضع التاريخي الراهن في الأماكن المقدسة في القدس، "معترفاً بالدور الحاسم للمملكة الأردنية الهاشمية كوصي".
غير أن بايدن، حطّم موقفه السياسي هذا، بقوله في المؤتمر الصحفي المشترك مع الرئيس الفلسطيني: "أَعلم أن حل الدولتين، يبدو بعيداً جداً".
مساعدات مشروطة
وبالمقابل، فإن الزيارة شهدت الإعلان عن مساعدات مالية، بعضها مشروط، وإجراءات قال البيت الأبيض إن إسرائيل التزمت بها، وهي كما يلي:
– مساهمة أمريكية لعدة سنوات تصل إلى 100 مليون دولار لشبكة مستشفيات القدس الشرقية، بعد الحصول على موافقة الكونغرس على ذلك.
– تقديم مبلغ 201 مليون دولار إضافي لوكالة (أونروا) الأممية المتخصصة في إغاثة اللاجئين الفلسطينيين.
– تقديم 15 مليون دولار كمساعدات إنسانية إضافية للفلسطينيين الضعفاء.
– موافقة إسرائيل على تمكين الوصول عبر معبر الكرامة "اللنبي"، بين الضفة الغربية والأردن، على مدار الساعة بحلول 30 سبتمبر/أيلول 2022.
– التزام إسرائيل بتسريع التحوّل من الجيل الثالث إلى الجيل الرابع للاتصالات في الضفة الغربية وغزة بحلول نهاية عام 2023.
وخلت الزيارة من أي إعلان أمريكي عن إعادة فتح القنصلية الأمريكية العامة القدس، وإعادة فتح مكتب تمثيل منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، وشطب المنظمة من قائمة الإرهاب الأمريكية وإطلاق عملية سياسية.
وقال مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان، في إيجاز للصحفيين حصلت الأناضول على نسخة منه: "لقد تحدث (بايدن) بالفعل مع الرئيس عباس حول سياسته الثابتة، منذ أن كان مرشحاً ومنذ توليه منصب الرئيس خلال الأشهر الـ18 الماضية، لإعادة فتح القنصلية، ما يزال هذا هو الموقف الأمريكي، ونحن نواصل التعامل مع كل من الإسرائيليين والفلسطينيين بشأن هذه القضية، وتحدثنا مع الإسرائيليين والفلسطينيين حول هذه القضية في الرحلة".
واعتبر سوليفان أن المواقف والقرارات التي عبّر عنها بايدن، كانت على النقيض من "سلسلة من الخطوات التي يعتقد أنها خطأ"، للإدارة السابقة برئاسة ترامب.
وقال عن الإدارة الأمريكية السابقة: "لقد ابتعدوا عن (خيار حل) الدولتين، الإدارة الأخيرة ابتعدت عن حل الدولتين في أي تفكير أو اعتبار جدي، لقد ابتعدت عن الفلسطينيين، وقطعت كل التمويل عنهم، والذي أعدناه".
وأكمل: "لقد ابتعدت (إدارة ترامب) بشكل أساسي عن العلاقات الدبلوماسية مع الفلسطينيين، التي أعادها الرئيس (بايدن) بشكل واضح، ورأيتم ذلك على أعلى مستوى مع اجتماعه مع (الرئيس الفلسطيني) أبو مازن".