غادر الرئيس الأمريكي جو بايدن، الشرق الأوسط بعد انتهاء زيارته الأولى دون أن يحقق الهدف الرئيسي من زيارته وهو زيادة إنتاج النفط وتخفيض الأسعار، كما لم يجد "الناتو العربي" طريقه إلى النور، فماذا أنجز بايدن؟
كان بايدن قد وصل إلى إسرائيل الأربعاء 13 يوليو/تموز، في مستهل زيارته الأولى للمنطقة، ثم غادر تل أبيب إلى السعودية الجمعة 15 يوليو/تموز، حيث عقد اجتماعات مع العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، ثم مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وحضر اجتماع قمة مع قادة مجلس التعاون الخليجي بحضور الرئيس المصري والعاهل الأردني ورئيس الوزراء العراقي.
لكن بايدن غادر الشرق الأوسط دون الحصول على تعهد فوري من السعودية بزيادة إنتاج النفط أو دعم الجهود الأمريكية لإنشاء محور أمني في المنطقة من شأنه أن يشمل إسرائيل، فهل يعني ذلك أن الرئيس الأمريكي قد عاد إلى واشنطن خالي الوفاض تماماً؟
النفط أهم ما أراده بايدن من زيارته
جاء بايدن إلى السعودية على أمل إقناعها بزيادة إنتاج النفط من خلال منظمة أوبك، لكن المملكة تمسكت باستراتيجيتها التي تقضي بضرورة العمل في إطار تحالف أوبك+، الذي يضم روسيا، وعدم التصرف من جانب واحد، بحسب تقرير لـ"رويترز".
وأدت أسعار البنزين المرتفعة إلى زيادة التضخم في الولايات المتحدة والعالم، مما أدى إلى تراجع التأييد لبايدن في استطلاعات الرأي بينما يتجه إلى انتخابات التجديد النصفي للكونغرس في نوفمبر/تشرين الثاني، وهي انتخابات حاسمة لبايدن وللديمقراطيين.
لكن مسؤولي البيت الأبيض واثقون بأن جهودهم الدبلوماسية ستساعد في سير المحادثات عندما يعقد أعضاء أوبك+ اجتماعهم المقبل. وقال بن كيهيل محلل شؤون الطاقة بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، لـ"رويترز": "كل الأنظار تتجه إلى اجتماع أوبك+ في الثالث من أغسطس/آب. إذا أراد السعوديون والإماراتيون زيادة الإنتاج، فسوف يفعلون ذلك عبر أوبك+… لست متأكداً من أن هذه الدول مقتنعة بأن السوق بحاجة لمزيد من المعروض من الخام".
ونشرت شبكة CNN الأمريكية تقريراً حول نتائج زيارة الرئيس الأولى للشرق الأوسط ركز على أن "بايدن غادر السعودية دون أي وعود بزيادة إنتاج النفط"، ألقى الضوء على أنَّ توجه الرئيس الأمريكي إلى جدة كان مدفوعاً، بالأساس بالبحث عن "حل لمشاكله السياسية الداخلية المتمثلة بالأساس في أسعار البنزين المرتفعة.. لكن الرحلة لم تؤدِّ إلى أي زيادات فورية لإنتاج النفط".
صحيفة الغارديان البريطانية نشرت تحليلاً بعنوان "النفط أهم من حقوق الإنسان، وبايدن مجبر على تقديم تنازلات في الشرق الأوسط"، رصد كيف أن السعودية تمتلك ثاني أضخم احتياطي من النفط عالمياً، وهي المنتج الرئيسي وصاحب التأثير الأضخم في تحديد أسعار الخام عالمياً.
ورغم ذلك، فإن بايدن قد عاد إلى البيت الأبيض دون أن ينجح في الحصول "ولو على إعلان واضح بزيادة الإنتاج"، وكان كل ما حصل عليه هو وعد بضخ مزيد من النفط إذا ما كانت الأسواق بحاجة إلى ذلك.
ماذا عن "الناتو العربي"؟
وفي ظل الانسحاب الأمريكي من منطقة الشرق الأوسط خلال السنوات الماضية، بدا واضحاً أن بايدن أراد تأكيد "عودة أمريكا" إلى المنطقة وعدم ترك فراغ تستغله "روسيا والصين وإيران"، وهذا ما قاله بالفعل، حيث أبلغ الزعماء العرب أن الولايات المتحدة ستظل شريكاً فعالاً في الشرق الأوسط، فهل حصل ساكن البيت الأبيض على شيء ملموس في هذا الشأن؟ أو بمعنى أدق، هل نجحت "كلماته" في إقناع مستمعيه بأن هناك تغييراً حقيقياً قادماً؟
بايدن قال إن "الولايات المتحدة تستثمر في بناء مستقبل إيجابي للمنطقة بالشراكة معكم جميعاً"، وقدّم رؤيته واستراتيجيته لدور الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، ولكن البيان الختامي للقمة، التي ضمت قادة مجلس التعاون الخليجي ومصر والعراق والأردن، كان غامضاً وبددت السعودية آمال واشنطن بأن تساعد القمة في إرساء الأساس لتحالف أمني إقليمي يضم إسرائيل للتصدي للتهديدات الإيرانية، بحسب رويترز.
كان الحديث عن تشكيل هذا التحالف الأمني، أو ما يعرف باسم "الناتو العربي"، محوراً أساسياً من محاور المناقشات التي سبقت زيارة بايدن الأولى للمنطقة، لكن الرئيس الأمريكي أخفق في الحصول على التزامات بإنشاء هذا المحور الأمني الإقليمي الذي من شأنه أن يشمل إسرائيل.
مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية قال لـ"رويترز": "نعتقد أن هناك قيمة كبيرة في حشد أكبر قدر ممكن من القدرات بهذه المنطقة، وبالتأكيد إسرائيل تمتلك قدرات دفاعية جوية وصاروخية كبيرة بما يتماشى مع احتياجاتها. لكننا نجري هذه المناقشات على المستوى الثنائي مع هذه الدول".
لكن خطة ربط أنظمة الدفاع الجوي للدول العربية التي ليست لها علاقات مع إسرائيل، لا يبدو أنها تسير في الاتجاه الذي تريده واشنطن، فبعض تلك الدول ترفض أن تكون جزءاً من تحالف يُنظر إليه على أنه ضد إيران، التي لديها شبكة قوية من الوكلاء بالمنطقة، وضمن ذلك في العراق ولبنان واليمن.
وقال وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود، السبت 16 يوليو/تموز، إنه ليس لديه علم بأي مناقشات بشأن إقامة تحالف دفاعي خليجي-إسرائيلي، وإن السعودية لا تشارك في مثل هذه المحادثات.
وأضاف للصحفيين بعد القمة الأمريكية العربية أن قرار الرياض فتح مجالها الجوي أمام جميع شركات الطيران ليسا له علاقة بإقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل وليس مقدمة لخطوات أخرى.
العلاقة بين بايدن وولي العهد
في سياق آخر لا يقل أهمية عن باقي المحاور بل ربما يكون الأساس في جميع المحاور، بدا أن توتر العلاقات بين بايدن وولي العهد قد طغى على المشهد خلال زيارة السعودية، حيث تجنب الرئيس الأمريكي الظهور كأنه يعانق ولي العهد المتورط- بحسب المخابرات الأمريكية– في القتل الوحشي للصحفي بجريدة "واشنطن بوست" جمال خاشقجي عام 2018، وهو اتهام تنفيه السلطات السعودية.
وستظل المصافحة بقبضة اليد بين بايدن والأمير محمد أمام القصر الملكي في جدة بمثابة الصورة المميزة لهذه الزيارة التي استغرق الترتيب لها عدة أشهر، إذ كان مسؤولو البيت الأبيض منقسمين بين مكافأة الأمير محمد بهذه الزيارة والتذمر من الشكل الذي ستبدو عليه، بحسب رويترز.
في النهاية، قرروا أن الحفاظ على العلاقات الاستراتيجية مع السعودية والتي تعود لأكثر من 80 عاماً أمر مهم لمصالح الولايات المتحدة وأنه سيساعد الجانبين على طي هذه الصفحة.
وربما يكون أحد أهم أهداف زيارة بايدن هو إقناع حلفاء واشنطن في الشرق الأوسط بأن الولايات المتحدة لا تزال حليفاً يمكن الاعتماد عليه وعدم ترك المجال أمام مزيد من التقارب مع روسيا والصين، خصوصاً بعد أن وصلت الأمور إلى حد دراسة الرياض تسعير النفط باليوان الصيني، وهو ما قد يمثل ضربة قاصمة لهيمنة الدولار الأمريكي عالمياً.
ويرى بروس ريدل، الباحث في شؤون السياسات الخارجية بمعهد بروكينغز، أن "القمة التي جمعت تسعة زعماء عرب إنجاز واضح مثل (إنجاز) دعم الهدنة في اليمن. لكن هذين الإنجازين كان ثمنهما (مصافحة) بقبضة اليد".
ماذا عن العلاقات الإسرائيلية السعودية؟
قبل أن يأتي بايدن إلى المنطقة، كان الحديث عن قرب الإعلان عن تطبيع العلاقات بين الرياض وتل أبيب حاضراً في كل ما يتعلق بالتحليلات المتعلقة بالزيارة، وعلى الرغم من أن الزيارة قد شهدت بالفعل تحسناً طفيفاً في العلاقات بين السعودية وإسرائيل، بعد أن قالت الرياض إنها ستفتح مجالها الجوي أمام جميع شركات الطيران مما يمهد الطريق أمام مزيد من رحلات الطيران من وإلى إسرائيل، فإن وزير الخارجية السعودي قلل من شأن الخطوة.
وتم التوصل أيضاً إلى اتفاق بوساطة أمريكية بين إسرائيل ومصر والسعودية يقضي بانسحاب وحدة حفظ سلام دولية صغيرة تقودها الولايات المتحدة، من جزيرة تيران الاستراتيجية التي تنازلت القاهرة عن السيطرة عليها للرياض في عام 2017. وتأمل الولايات المتحدة وإسرائيل أن تساعد هذه الخطوات والقمة في بناء زخم نحو دمج إسرائيل بشكل أكبر في المنطقة وضمن ذلك مع السعودية.
لكن وزير الخارجية السعودي استبعد أي تطبيع وشيك مع إسرائيل، قائلاً إن هذا ليس مقدمة لخطوات أخرى. وقال إن الرياض ليست طرفاً في أي مناقشات بشأن إقامة تحالف دفاعي خليجي-إسرائيلي لمواجهة إيران.
ووقعت الولايات المتحدة وإسرائيل على تعهد مشترك يوم الخميس لحرمان إيران من الحصول على أسلحة نووية، في إظهار للوحدة بين الحلفاء المنقسمين منذ فترة طويلة بشأن الدبلوماسية مع طهران. وكان الإعلان جزءاً من جهود بايدن لحشد الحلفاء الإقليميين وراء جهود الولايات المتحدة لإحياء الاتفاق النووي المبرم عام 2015 مع إيران.
وكانت السعودية وإسرائيل تشعران باستياء من الاتفاق النووي الأصلي الذي توسطت فيه إدارة الرئيس السابق باراك أوباما واحتفلتا بانسحاب دونالد ترامب سلف بايدن من الاتفاق.
والآن يطلب بايدن التحلي بالصبر ويؤكد لهم أن الولايات المتحدة مستعدة لاستخدام القوة كملاذ أخير إذا فشلت المحادثات واستمرت إيران فيما يعتقد الغرب أنه برنامج لتطوير أسلحة نووية. وتنفي طهران أنها تسعى لامتلاك سلاح نووي. وتريد السعودية والإمارات معالجة المخاوف الإقليمية بشأن برنامج إيران الصاروخي والوكلاء الإقليميين.
الخلاصة هنا هي أن بايدن جاء إلى الشرق الأوسط آملاً الحصول على إعلان صريح بزيادة إنتاج النفط بصورة تؤدي إلى انخفاض فوري في الأسعار، لكن ذلك لم يحدث، وكانت هناك توقعات بالإعلان عن وضع حجر الأساس لما يعرف باسم "الناتو العربي"، لكن ذلك لم يحدث، وحتى إدانة روسيا بسبب الحرب في أوكرانيا لم تحدث أيضاً، فهل عاد بايدن إلى البيت الأبيض بخُفَّي حُنين؟