يُشرف حسين الشيخ منذ سنوات على التنسيق الأمني والعلاقات اليومية بين السلطة الفلسطينية والإسرائيليين، وهو الدور الذي قلل من شعبيته، لكنه قربه من رئيس السلطة الطاعن في السن محمود عباس. حيث قرر الأخير في مايو/أيار تعيين الشيخ في واحدٍ من أعلى المناصب بحركته السياسية، ليشار له اليوم بأنه الوريث الأكثر حظاً لعباس. فمن هو حسين الشيخ؟ وكيف وصل إلى هذا المنصب؟
من هو حسين الشيخ، وهل يكون وريث عباس القادم؟
لم يسبق لعباس (87 عاماً) أن عيّن وريثاً واضحاً لقيادة السلطة الفلسطينية. لكن صعود الشيخ المفاجئ دفع المحللين والدبلوماسيين إلى التساؤل عما إذا كان يجري تجهيزه كخليفة.
وتحوّل الشيخ بفضل ترقياته السريعة، وتفاعله المنتظم مع مسؤولي الاحتلال، وثروته (تمتلك عائلته أعمالاً تجارية وعقارية ضخمة) إلى هدفٍ لانتقادات الفلسطينيين، كما يقول تقرير لصحيفة New York Times الأمريكية – التي أجرت مقابلة معه في مكتبه برام الله- إذ تداولت إحدى الميمات على الشبكات الاجتماعية صورةً مُعدّلة تحمل رأسه فوق جسم جنرالٍ إسرائيلي، مع جملةٍ تقول: "المتحدث باسم الاحتلال".
ويقول الشيخ إن خلفيته وسيرته الذاتية تمنحانه شرعية القيادة، رغم وصوله لمنصبه بالتعيين وليس الانتخاب. إذ وُلِد في رام الله عام 1960، عندما كان الأردن يحكم الضفة الغربية. وتنحدر عائلته من بلدةٍ قرب تل أبيب، فرّ سكانها الـ700 ألف بعد طردهم من منازلهم في نكبة 1948.
وبلغ حسين عمر السادسة عندما استولى الاحتلال على الضفة الغربية وقطاع غزة في حرب 1967. ثم انضم إلى حركة فتح مع بلوغه سن المراهقة، وقضى مدة في سجون الاحتلال لهذا السبب، كما يقول لـ"نيويورك تايمز".
وبعد تأسيس السلطة الفلسطينية في التسعينيات، أصبح الشيخ عقيداً في الأجهزة الأمنية الفلسطينية المُشكّلة حديثاً، وسط آمال بكون الفلسطينيين على مشارف إحياء دولتهم.
وقال الشيخ لمراسل "نيويورك تايمز": "أنت تتحدث اليوم إلى شخصٍ يدور تاريخه بأكمله حول نضال الشعب الفلسطيني، وأعرف جيداً كيفية قيادة شعبي نحو الطريق الصحيح".
وعُيِّن الشيخ في وظيفة المنسق الفلسطيني الرئيسي مع جيش الاحتلال عام 2007. ثم انضم بعدها بعامٍ واحد إلى اللجنة المركزية لحركة فتح. ومع تعثّر المساعي الفلسطينية لتحقيق الاستقلال على مدار العقد التالي، بدأ الشيخ في التقرب من عباس أكثر، وانضم إليه بشكلٍ متكرر في اجتماعاته بزعماء الغرب.
تنسيق على مدار الساعة مع الاحتلال الإسرائيلي
تُشير استطلاعات الرأي إلى أن الشيخ سيعاني كثيراً من أجل الفوز بأي انتخابات. إذ يريده 3% فقط من الفلسطينيين كزعيمٍ مُقبل، وفقاً لآخر استطلاعات الرأي. بينما كشف استطلاعٌ آخر أن نحو ثلاثة أرباع الفلسطينيين عارضوا ترقيته في مايو/أيار لمنصب الرجل الثاني في منظمة التحرير الفلسطينية.
لكن أنصاره القليلين يرون فيه الرجل المناسب لهذه الفترة العصيبة، باعتباره "شخصيةً براغماتية يمكنها تحسين ظروف الحياة اليومية للفلسطينيين"، الذين يعيشون عصراً أصبح فيه حلم الدولة المستقلة بعيد المنال أكثر من ذي قبل بسبب الاحتلال. وقال حسين الشيخ خلال مقابلته مع صحيفة New York Times الأمريكية إنه لا يعتقد أن إسرائيل جادةً حيال مسألة إنهاء الاحتلال، ولهذا ليس أمام الفلسطينيين خيار سوى مواصلة العمل في ظل الترتيب الراهن.
وأردف، أثناء حديثه من مكتبه في رام الله، بالضفة الغربية: "إذا قمنا بتفكيك السلطة الفلسطينية، فما البديل؟ سيكون البديل هو العنف، والفوضى، وسفك الدماء. وأُدرك تداعيات مثل هذا القرار، وأعلم أن الفلسطينيين هم من سيدفعون الثمن".
تقول الصحيفة الأمريكية إن مكتب حسين الشيخ يتعاون يومياً مع الاحتلال لفحص طلبات تراخيص العمل للفلسطينيين، وتنسيق عبور البضائع بين الضفة الغربية وغزة وإسرائيل والأردن. وتوفر المهمتان مصدر دخلٍ تشتد الحاجة إليه بين سكان الضفة الغربية.
ويرى محمد دراغمة، الصحفي الفلسطيني إن "نهج الشيخ هو النهج الوحيد القابل للتحقيق في الوقت الحالي. ويعتمد هذا النهج على الاعتراف بعدم وجود فرصة فورية لإقامة دولة فلسطينية، وفعل ما بالإمكان لمنع تحوّل الأمور من سيئ إلى أسوأ"، حسب تعبيره.
شخصية مفضلة لدى الإسرائيليين والأمريكيين
وأظهر استطلاعٌ للآراء في يونيو/حزيران، أن نحو ثلثي الفلسطينيين في الضفة الغربية يدعمون تدابير التعاون الأخيرة بين الاحتلال والسلطة الفلسطينية، التي شارك الشيخ في تنسيقها.
بينما قال دانيال شابيرو، السفير الأمريكي السابق لإسرائيل، إن المسؤولين الأمريكيين والإسرائيليين أثنوا على جهود الشيخ.
لكن بعض الفلسطينيين يمقتونه لهذا السبب تحديداً، قائلين إن مؤسسات الضفة الغربية أصبحت تابعةً لسلطة الاحتلال بقدر كونها حركةً قومية لتقرير المصير. وتساعد الأجهزة الأمنية الفلسطينية في صمت وكالات المخابرات الإسرائيلية لاستهداف أي نشاط فلسطيني مقاوم للاحتلال، بحسب "نيويورك تايمز".
ولا شك أن صعود الشيخ للسلطة بمرسومٍ رئاسي ودون نقاشٍ عام يُجسّد العجز الديمقراطي في السياسة الفلسطينية، من وجهة نظر المعارضين.
إذ قال سمير سنجلاوي، زعيم إحدى الفصائل الثورية في فتح: "ليس مسؤولاً منتخباً. ومصدر سلطته الوحيد هو عباس، وسوف يختفي برحيل عباس عن السلطة".
"القيادة الفلسطينية أكبر عقبة أمام الفلسطينيين"
ويُذكر أن السلطة الفلسطينية لم تعقد انتخابات وطنية منذ عام 2006، ويرجع السبب جزئياً لخشية عباس أن يخسر الانتخابات لصالح حركة حماس. ولا شك أن الانقسامات القائمة بين الفلسطينيين وسطوة الاحتلال وتعطيله للمفاوضات، قد حالت دون الضغط المتحد من أجل الاستقلال، مما قلّص فرص إقامة دولة مستقلة لأدنى مستوياتها منذ عقود.
إذ توقفت "مفاوضات السلام" مع إسرائيل عام 2014، وتوسعت المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية أقدامها أكثر من ذي قبل، ولم تعد الولايات المتحدة تضغط على إسرائيل كثيراً لكسر حالة الجمود. فيما تضاءل تضامن قادة العرب الآخرين، خاصةً بعد تطبيع ثلاث دول عربية لعلاقاتها الدبلوماسية مع الاحتلال عام 2020.
ومع ذلك، تقول الصحيفة الأمريكية، إن العديد من الفلسطينيين يشعرون بأن قيادتهم تظل واحدةً من أكبر العقبات في طريق إحياء دولتهم. إذ أُجرِيَ استطلاعٌ في يونيو/حزيران لسؤال الفلسطينيين عن المشكلة الأكثر إلحاحاً في وجهة نظرهم، فأجاب ربع المشاركين قائلين إن المشكلة الأكبر هي فساد السلطة الفلسطينية.
حيث يكتب عباس القوانين ويُعيّن المسؤولين بالمراسيم الملكية في ظل عدم وجود برلمان فعال أو محاسبة.
وفي سبتمبر/أيلول الماضي، اتُّهِم 14 ضابطاً فلسطينياً بتهمة اغتيال الناشط المناهض للفساد نزار بنات، الذي اعتُقِلَ بعد نشره انتقادات للسلطة الفلسطينية على شبكات التواصل الاجتماعي.
وقال ناصر القدوة، وزير الخارجية الفلسطيني السابق، الذي انفصل عن عباس العام الماضي ويعيش في المنفى اليوم: "إنها ديكتاتورية، وأصبح الوضع داخل الضفة مزرياً بدرجةٍ لم نشهدها منذ النكبة".