قبل توليه منصبه، أشار الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى الشرق الأوسط على أنه "موقع الكثير من الأخطاء في أجندة سلفه". لقد دمّر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الاتفاق النووي الإيراني دون داعٍ، وأعاد فرض العقوبات التي دفعت طهران إلى زيادة تخصيب اليورانيوم وتقترب أكثر مما لا يمكن تصوره: القدرة على إنتاج سلاح نووي.
وحطم ترامب معايير الحزبين حول إسرائيل، وربط السياسة الأمريكية برئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك بنيامين نتنياهو ومصالح حركة الاستيطان اليهودية اليمينية المتطرفة. كما قام بحماية ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في أعقاب اغتيال المعارض جمال خاشقجي؛ مما سمح لوجهة نظره العالمية المتعلقة بالمصالح أن تطغى على "القيم الأساسية الأمريكية".
لكن بعد عامين من رئاسته، وبينما يقوم بأول زيارة رئاسية له إلى الشرق الأوسط، لا يزال بايدن يسير على خطى ترامب من نواحٍ كثيرة، ولم تختلف سياساته عن سلفه الجمهوري الذي لطالما هاجمه واتهمه بالانحياز والفشل. كيف ذلك؟
بايدن على خطى ترامب.. من العلاقة مع إيران إلى تعزيز التطبيع والعلاقة مع السعودية
1- عداء إيران وحصارها
تقول صحيفة washingtonpost الأمريكية، إن جولات المفاوضات لإحياء الاتفاق النووي لم تؤت سوى القليل من الثمار؛ يبدو الآن أن إدارة بايدن والمسؤولين الإسرائيليين، مقتنعون بشكل متزايد بأن اتفاقية عام 2015 -التي أعطت إيران تخفيفاً للعقوبات مقابل القيود الصارمة على برنامجها النووي- ربما لم تعد صالحة للغرض.
كما رفض بايدن الدعوات الإيرانية لرفع التصنيفات الإرهابية التي فرضها ترامب على الحرس الثوري الإسلامي الإيراني، وهي خطوة قضت على جميع الجهود المبذولة لإحياء خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)، كما يقول تقرير لصحيفة The Hill الأمريكية.
وفي أول يوم له من جولته إلى الشرق الأوسط في 13 تموز/يوليو2022، هاجم بايدن إيران بشدة من تل أبيب وقام بتهديدها؛ حيث حذر بايدن طهران من تحركاتها في تطوير الأسلحة النووية، وهدد بايدن باستخدام القوة إذا لزم الأمر؛ حيث قال في رد على سؤال في مقابلة تلفزيونية إسرائيلية عما إذا كان بإمكان الولايات المتحدة استخدام القوة إذا لزم الأمر تجاه إيران، قال: "إذا كان هذا هو الملاذ الأخير، نعم.. الشيء الوحيد الأسوأ من إيران الموجودة الآن، هو وجود إيران تملك أسلحة نووية، وإذا تمكنا من العودة إلى الاتفاق، فيمكننا تقييدها".
في الوقت نفسه، سيترأس بايدن المناقشات التي تهدف إلى تعزيز التنسيق الدبلوماسي والسياسي والعسكري في المنطقة، ضمن ما يظهر بهدوء على أنه تحالف إقليمي معادٍ لإيران، يضم دول الخليج وإسرائيل، بالإضافة لمصر والأردن، وهو ما رفضته إيران بالكامل، وتوعّدت بالردّ بشكل "ساحق" على أدنى تهديد يستهدف أراضيها.
2- تعزيز التطبيع مع إسرائيل
يأمل بايدن أيضاً في توسيع نطاق "اتفاقات أبراهام"، اتفاقيات التطبيع الدبلوماسي بين إسرائيل ومجموعة من الأنظمة الاستبدادية العربية التي توسّطت فيها إدارة ترامب لأول مرة، على رأسها السعودية.
وفي إطار حفاظه على شريك "استراتيجي" مثل السعودية وتقريبه إليه، يحاول بايدن إقناع الرياض بمزيد من التقارب والتنسيق مع إسرائيل، رغم أنه من غير المحتمل أن توافق المملكة على الفور أو على المدى القصير، بالدخول إلى ما يسمى "اتفاقات إبراهام"، على غرار دول أخرى في المنطقة، إلا أن التعاون وراء الكواليس أمر ممكن بالتأكيد.
حيث أفاد موقع "أكسيوس" الأمريكي أن البيت الأبيض يعمل على "خارطة طريق" لتطبيع العلاقات بين الرياض وتل أبيب. ووفق تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال" تجري محادثات سرية بالفعل حول مزيد من التعاون الإسرائيلي السعودي، على سبيل المثال في الاقتصاد والقضايا الأمنية؛ حيث يمكن للمملكة أن تفتح مجالها الجوي أمام الطائرات التجارية الإسرائيلية، والانضمام إلى "ناتو" شرق أوسطي لمواجهة إيران.
3- تهميش الفلسطينيين
فيما يتعلق بالصراع في الأراضي الفلسطينية المحتلة، تراجعت إدارة بايدن عن عدد صغير من التحركات العقابية التي اتخذتها إدارة ترامب ضد الفلسطينيين، لكنها لم تفعل الكثير لإظهار اهتمام كبير بالتعامل مع حل الدولتين المحتضر منذ فترة طويلة، أو في الدفاع عن الحقوق المدنية لملايين الفلسطينيين الذين يعيشون كأمر واقع، تحت الاحتلال العسكري الإسرائيلي، أو تحت حكم السلطة الفلسطينية الذي لا يحظى بشعبية بائسة.
وفي خطابه الذي ألقاه بعد وصوله إلى إسرائيل، كان واضحاً أن دعمه للدولة الفلسطينية النظرية باهت، حينما قال في الإشارة إليها: "على الرغم من أنني أعلم أنها لن تكون على المدى القريب". تقول الكاتبة في صحيفة هآرتس نوا لانداو تعليقاً على ذلك: "في عهد بايدن، يبدو أن الولايات المتحدة تريد فقط التخلص من العبء الإسرائيلي الفلسطيني، كما أن التزام الولايات المتحدة بحل الدولتين لم يبدُ أبداً رديئاً ومهيناً أكثر من تصريحات بايدن على السجادة الحمراء لمطار بن غوريون".
فيما تقول شيرا روبين من صحيفة واشنطن بوست: "بالنسبة للعديد من الفلسطينيين الذين لم يعرفوا أبداً عملية سلام، ويرون أن القضية الفلسطينية مهمشة إلى حد بعيد من قبل الإدارة الأمريكية، فإن زيارة بايدن هي تذكير صريح بأن الولايات المتحدة لم تعد مهتمة بدعم قضيتهم". وتضيف روبين: "في حين أن زيارة بايدن ستحتفل بالتكامل الإسرائيلي المتزايد في المنطقة، يجد الفلسطينيون أن وضعهم الخاص يزداد سوءاً بشكل مطرد لأنهم محكومون بما يرون أنه حكومة استبدادية أكثر انسجاماً مع احتياجات إسرائيل من احتياجاتهم الخاصة".
4- تعزيز العلاقة مع السعودية وعدم محاسبتها على انتهاكاتها
وعندما يتعلق الأمر بالمملكة العربية السعودية، فإن بايدن، بالكاد أوفى بوعده في حملته الانتخابية بتحويل الرياض إلى دولة "منبوذة" بسبب مقتل خاشقجي، لكن شيئاً من هذا لم يحصل، وسيزور بايدن جدة رغم حديثه عن عدم جلوسه بشكل مباشر وثنائي مع الأمير محمد بن سلمان. وبدلاً من ذلك، سيعمل بايدن على بناء الأسس لدفع المملكة نحو تطبيع العلاقات كاملة مع إسرائيل.
أيضاً، تدرس إدارة بايدن استئناف مبيعات الأسلحة الهجومية للسعوديين، خاصة في ضوء جهود الرياض للحفاظ على هدنة هشة في اليمن الذي مزقته الحرب، بحسب ما ذكرت وكالة رويترز. وفي لحظة من التقلبات الاقتصادية والسياسية العالمية، يتعامل المسؤولون الأمريكيون مع نظرائهم السعوديين ليس كـ"أشرار" في مجال حقوق الإنسان، ولكن باعتبارهم لاعبين أساسيين في المنافسات الأمريكية الغربية مع روسيا والصين.
وستؤكد زيارة بايدن كيف أن ولي العهد السعودي، لم يُحاسب على شيء بعد مقتل خاشقجي؛ حيث يعتقد مسؤولو المخابرات الأمريكية أن الأمير محمد وافق مباشرة على مؤامرة اختطاف خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول في أكتوبر/تشرين الأول 2018. ويقول أيهم كامل من مجموعة أوراسيا للسياسات، لوكالة رويترز: "محاولة الغرب وواشنطن بعد مقتل خاشقجي للحد من التعامل مع محمد بن سلمان تآكلت بشكل متزايد، وستضع زيارة بايدن الرصاصة الأخيرة لهذه الفكرة".
ويحذر منتقدون ونشطاء مناهضون من سابقة قاتمة يخاطر بايدن بالاجتماع مع محمد بن سلمان، الذي تواصل حكومته استهداف المعارضين في الخارج، بينما تقوم بقمع المجتمع المدني في الداخل. وكتبت نهى أبو الدهب، وهي أستاذ مساعد في جامعة جورجتاون في قطر، في مقالة لها بموقع DAWN MENA للحرية والديمقراطية في الشرق الأوسط، أن "زيارة الرئيس الأمريكي إلى السعودية وانخراطه مع العديد من الحكام المستبدين في المنطقة تبعث برسالة مشؤومة ومألوفة للغاية لضحاياهم: إن حياتك لا تهم عندما يمكننا تحقيق مكاسب أمنية".
5- الفشل في صياغة رؤية أمريكية مقنعة في الشرق الأوسط
من جهته، يقول المعلق والخبير بشؤون الشرق الأوسط، بول بيلار، في مقالة له بمجلة National Interest، إن إدارة بايدن مثل إدارة سلفه ترامب، لم تتغلب على المشكلة الأكثر جوهرية في السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط، المتمثلة في النظر بشكل دائم إلى المنطقة على أنها مقسمة بين الأخيار والأشرار، وبين الحلفاء والخصوم، دون تجاوز هذه التسميات وإيلاء الاهتمام الكافي لمتغيرات وواقع المنطقة؛ حيث تصور النظرة الأمريكية الثابتة المعتادة إسرائيل والدول العربية التي تتعاون مع واشنطن بنشاط على أنهم الأخيار، وإيران على أنها الرجل الشرير.
لكن تعتبر الحرب في اليمن مثالاً رائداً على كيفية عدم توافق وجهة النظر مع من يفعل ماذا، وكيف يمكن للولايات المتحدة أن تنجرّ إلى الفوضى التي أوجدتها الطموحات المحلية للاعبين الإقليميين؛ مثل السعودية والإمارات؛ حيث أعلنت إدارة بايدن العام الماضي أنها ستنهي دعمها لـ "العمليات الهجومية" السعودية، لكن الدعم الأمريكي المباشر وغير المباشر للقوات الجوية السعودية ما زال مستمراً في عدة أشكال.
وتقول صحيفة "واشنطن بوست" إنه بالنسبة لرئيس أمريكي راهن برؤيته الدولية على قوة القيم الديمقراطية لأمته، سينتهي الأمر إلى أنه يبدو مثل سلفه ترامب، صاحب السياسة الخارجية "غير الأخلاقية"، الذي أعطى الأولوية لمبيعات الأسلحة وأسعار النفط والحماسة المؤيدة لإسرائيل وزعماء اليمين المتطرف فيها.
ويجادل المحللون بأن هذا ناتج عن ارتباك السياسات أكثر من البراغماتية، فمنذ استبدال ترامب، فشل بايدن في صياغة رؤية أمريكية مقنعة أو واضحة في الشرق الأوسط، على عكس نهجه في أوكرانيا؛ حيث حشد استجابة أقوى من المتوقع لأكبر التهديدات الأمنية التي واجهتها أوروبا منذ نهاية الحرب الباردة، كما يقول ثاناسيس كامبانيس، الزميل الأول ومدير برنامج السياسة الدولية في مؤسسة القرن.
ونتيجة لكل ذلك، فإن إرث ترامب في الشرق الأوسط يطول أكثر في عهد بايدن، ويجادل المعلق الأمريكي المعروف بيتر بينارت، المحرر السابق في صحيفة New York Times، بأن "بايدن لن يذهب إلى إسرائيل لمعارضة الاستبداد، بل سيعرض دعم أمريكا لها، ليس فقط في إسرائيل ولكن في جميع أنحاء المنطقة".