تعرض رئيس الوزراء الياباني السابق شينزو آبي لعملية اغتيال لقي حتفه على إثرها بساعات بعد نقله إلى المستشفى، حيث تعرض آبي خلال تجمع انتخابي في مدينة نارا وسط البلاد، لإطلاق نار من الخلف، من قبل رجل مجهول ألقي القبض عليه على الفور. وذكرت وكالة كيودو للأنباء أن شينزو آبي، الذي يبلغ من العمر 67 عاماً، فقد وعيه على الفور بعد تعرضه لإطلاق النار قبل أن تعلن الحكومة عن وفاته في المشفى. وأثار الحدث صدمة دولية واسعة وإدانة شديدة لهذا العمل. فمن هو شينزو آبي الذي يعتبر أطول رئيس وزراء حكماً لليابان؟
من هو شينزو آبي؟
- ولد شينزو آبي في 21 سبتمبر/أيلول 1954 في طوكيو، لعائلة سياسية عريقة تتمتع بنفوذ اقتصادي كبير طوال فترة ما قبل الحرب وأوقات الحرب وما بعد الحرب في اليابان.
- شغل أبوه "شيناترو آبي" منصب وزير خارجية اليابان في الفترة من 1982 حتى 1986، وكان جده "نوبوسوكه كيشي" – الذي شغل منصب رئيس وزراء اليابان مرتين – ملكاً "اقتصادياً" فعلياً للصين المحتلة، وكوريا، ومانشوكو.
- تقلب "آبي" في مناصب حزبية عدة منذ عام 1993 حتى وصل عام 2006 إلى زعامة الحزب الليبرالي الديمقراطي، وأصبح رئيساً للوزراء كأصغر من تولوا المنصب سناً منذ الحرب العالمية الثانية، إلا أنه استقال بعد ذلك بنحو عام واحد لأسباب صحية.
- وعاد شينزو آبي لتولي رئاسة الوزراء من جديد في ديسمبر/كانون الأول 2012، وبقي في المنصب إلى أن قدم استقالته اليوم بتاريخ 28 أغسطس/آب 2020 بسبب عودة مرض التهاب القولون التقرحي.
- تخرج آبي من قسم العلوم السياسية في جامعة شيكاي اليابانية الخاصة عام 1977، وفي عام 1978 انتقل إلى الولايات المتحدة للدراسة في جامعة كاليفورنيا الجنوبية، قبل أن يعود إلى اليابان عام 1979 ويعمل في شركة للصناعات المعدنية.
- ترك آبي الشركة عام 1982 وتولى عدداً من المناصب الحكومية بما في ذلك المساعد التنفيذي لأبيه، وزير الخارجية آنذاك.
كيف كانت فترة حكم شينزو آبي؟
يشير مراقبون إلى نجاح شينزو آبي الواضح في تحقيق استقرار سياسي وتوسيع قاعدة سلطته، لكن بالرغم من ذلك تراجعت شعبيته لأدنى مستوى خلال فترة حكمه الأخيرة، منذ توليه المنصب، وواجه انتقادات حادة لطريقة تعامله مع جائحة "كورونا"، رغم أن تفشي الوباء في البلاد أقل بكثير من العديد من الدول، خصوصاً في أوروبا والولايات المتحدة وأمريكا اللاتينية.
وكان شينزو آبي معروفاً بسياساته المتشددة واستراتيجيته الاقتصادية المتمثلة في مصطلح "أبينوميكس"(Abenomics). وأبينوميكس هو لفظ منحوت من "آبي" و"إكونوميكس" يشير إلى السياسات الاقتصادية التي يؤيدها شينزو آبي.
واستراتيجيته الاقتصادية مبنية على التيسير النقدي والتحفيز المالي والإصلاحات الهيكلية، حيث أدت هذه التدابير إلى النمو خلال فترة ولايته الأولى، لكن التباطؤ اللاحق أثار تساؤلات حول فاعلية أبينوميكس.
وفي عهد آبي وتحديداً بين عامي 2013 و2014، حققت البلاد قفزة كبيرة من المرتبة السابعة عشرة إلى العاشرة على سلم الترتيب، ومنها إلى المرتبة الثامنة في 2018، رغم أن دستورها يقيد عمليات التسليح والتطوير الكبيرة والمشاركة في النزاعات.
وبمعدل إنفاق سنوي ثابت لا يتجاوز 1% من الناتج الإجمالي الخام، تمكنت طوكيو من ترسيخ وجودها في قائمة القوى العسكرية العشر الأولى، حسب تصنيف موقع "غلوبال فاير باور".
وفي مايو/أيار 2017، كشف رئيس الوزراء الراحل شينزو آبي عزمه إلغاء أو تعديل المادة التاسعة من الدستور، التي تقيد تسليح البلاد أو امتلاك قدرات هجومية، وذلك بحلول عام 2020.
ويقول تقرير لمجلة الإيكونومست البريطانية، إن الثقة التي اكتسبها آبي من القادة الأجانب اليابان مكنته من لعب دور أكبر في العالم، مع الحفاظ على النظام الليبرالي بعد الحرب الذي عزز ازدهار اليابان.
ما أبرز الانتقادات التي وجهت له؟
يرى النقاد الكثير من أوجه القصور في سياسات آبي الاقتصادية. حتى تفشي كوفيد -19، كان وقته في المنصب خالياً إلى حد كبير من الصدمات الخارجية. كانت أكبر الأزمات من صنع الذات: زيادتان في توقيت غير مناسب في ضريبة الاستهلاك، باسم النزاهة المالية، وكلتاهما دفعت الاقتصاد إلى الركود. ونتيجة لذلك، حشدت حكومته نمواً اقتصادياً ضئيلاً بلغ 1.1% سنوياً في المتوسط خلال السنوات الثماني التي قضاها في المنصب، أي أقل من 2% التي وعد بها.
وشهدت الشركات ارتفاعاً في أرباحها، لكن الكثير منها تعرض للركود، وحصلت النساء على وظائف أكثر، لكن لم يكن لديهن ترقيات كافية، كما انخفض متوسط الأجور بعد حساب التضخم.
وعلى الرغم من الزيادات في ضريبة الاستهلاك، فإن آبي ترك وراءه ديناً عاماً ضخماً، حالياً 238% من الناتج المحلي الإجمالي. تبدو الأسواق غير قلقة: فالعائد على العديد من السندات الحكومية سلبي. لكن جبل الديون قد يثقل كاهل الأجيال اليابانية القادمة. يقول مسؤول سابق في بنك اليابان: "يفترض الناس أن هذا المال مجاني ولكنه ليس كذلك: سيتعين عليه العودة فيما يتعلق بضرائب أعلى أو خدمات أصغر".
على الرغم من أن اليابان عانت من عدد قليل نسبياً من الوفيات الناجمة عن فيروس كوفيد -19، خاصة بالنسبة لسكانها، إلا أن الجمهور غير راضٍ عن تعامل آبي مع الوباء. كانت الحكومة بطيئة في اتخاذ تدابير للحد من انتشاره، تاركة القادة المحليين مثل حاكم طوكيو، كويكي يوريكو، في القيادة.
كما أدت سلسلة من فضائح الفساد إلى إضعاف مكانته. قبل فترة وجيزة من استقالته، كانت نسبة التأييد لحكومة آبي 34%، وهي الأدنى منذ عودته إلى المنصب. في خطاب استقالته، أعرب آبي عن أسفه لأنه غير قادر على تعديل الدستور أو حل نزاع إقليمي مع روسيا.
تفاصيل اغتيال شينزو آبي التي صدمت العالم
أثار حادث اغتيال آبي ردود فعل عالمية، إذ أعربت الولايات المتحدة الجمعة 8 يوليو/تموز 2022 عن "قلقها العميق" لإطلاق النار الذي تعرض له شينزو آبي. فيما قال رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون إنه شعر بالفزع والحزن الشديد لسماع خبر "الهجوم الخسيس" على رئيس وزراء اليابان السابق شينزو آبي.
المتحدث باسم الحكومة اليابانية هيروكازو ماتسونو قال لصحافيين وفقاً لما نشرته وكالة الأنباء الفرنسية إنه "تم إطلاق النار على رئيس الوزراء السابق آبي حوالى الساعة 11:30 صباحاً في نارا. وأوقف رجل يشتبه بأنه مطلق النار"، وأضاف ماتسونو: "أياً كان السبب، لا يمكن التسامح مع عمل همجي من هذا النوع ونحن ندينه بشدة".
من جهته، قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن للصحافيين على هامش اجتماع مجموعة العشرين في بالي قبل إعلان وفاة شينزو آبي: "إنها لحظة حزينة جداً"، مؤكداً أن الولايات المتحدة "حزينة جداً وقلقة جداً". وأضاف بلينكن: "أفكارنا وصلواتنا معه ومع أسرته والشعب الياباني".
وكانت محطة "إن إتش كيه" العامة ذكرت قبيل ذلك أنّ رجلاً في الأربعين من العمر أوقف بتهمة محاولة القتل بعد إطلاق النار على آبي وتم ضبط قطعة سلاح كانت بحوزته.
فيما قالت شابة كانت في مكان الحادث للمحطة نفسها إن آبي "كان يلقي كلمة ووصل رجل من خلفه". وأضافت أن "الطلقة الأولى بدت وكأنها لعبة ولم يسقط وسمع دوي انفجار كبير. الطلقة الثانية كانت أكثر وضوحاً وتمكنا من رؤية الشرارة والدخان". وتابعت: "بعد الطلقة الثانية أحاط به الناس وقاموا بتدليك قلبه".
من جهتها، ذكرت هيئة الإذاعة والتلفزيون اليابانية نقلاً عن الشرطة أن المتهم بإطلاق النار على شينزو آبي أبلغ الشرطة أنه كان يشعر بالاستياء تجاه آبي وكان ينوي قتله. فيما قالت وسائل إعلام يابانية إن المتهم عضو سابق في قوات الدفاع الذاتي البحرية اليابانية.