في كل مرة يثار بها تاريخ الاستعمار الأوروبي لمناطق مختلفة من العالم تتكرر مصطلحات لأسماء مختلفة لمنظمات وهيئات دولية تعقد قمماً سنوية، تربط الإمبراطوريات الاستعمارية مثل بريطانيا مع مستعمراتها السابقة، للحفاظ على نفوذها وتعزيز الروابط التاريخية بين الدول الأعضاء. ومن أبرز تلك الهيئات رابطة دول الكومنولث، فما هي هذه الرابطة ومن هم أعضاؤها، ومن أين جاءت تسميتها وما أهميتها؟
ما هي رابطة دول الكومنولث؟
تعد رابطة شعوب بريطانيا أو الكومنولث واحدة من أقدم الاتحادات السياسية في العالم، تتكون من 53 دولة موجودة في 6 قارات. القاسم المشترك ما بين هذه الدول خضوعها السابق لحكم الإمبراطورية البريطانية خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، إلا أن دولاً مثل الكاميرون وموزمبيق ورواندا انضمت إلى هذا الاتحاد بالرغم من أنها لم تخضع أبداً للإمبراطورية البريطانية.
وتعتبر العضوية في هذا الاتحاد طوعية وتستند إلى التزام مشترك بالقيم بما في ذلك الحرية وحقوق الإنسان والتجارة والحكم الرشيد. ويعترف جميع الأعضاء المستقلون في كومنولث الأمم ببريطانيا برئيس لهذه المنظمة، ولكن هذه الرئاسة رمزية فقط، بمعنى أنها لا تحمل أي سلطات أو صلاحيات على الأعضاء. وهناك خمس عشرة دولة من بين هذه الدول بالإضافة إلى بريطانيا دول ملكية تعترف في الوقت نفسه بملكة بريطانيا رئيسة لها. بينما هناك مجموعة صغيرة لها ملوك يحكمونها. وأكثر من نصف أعضاء منظمة كومنولث الأمم جمهوريات.
ويبلغ عدد سكان الكومنولث 2.4 مليار نسمة (ثلث سكان العالم تقريباً) يتوزعون على مناطق مختلفة، من بينها كندا وأستراليا ونيجيريا والهند والكثير من دول الكاريبي. ومن بين أغنى الدول الأعضاء في رابطة الكومنولث: أستراليا وبريطانيا وكندا، ومن أفقرها بنغلاديش.
وتتمثل المؤسسات الرئيسية للمنظمة بأمانة الكومنولث، والتي تركز على الجوانب الحكومية الدولية، ومؤسسة الكومنولث، التي تركز على العلاقات غير الحكومية بين الدول الأعضاء.
تبلورت الرابطة في صيغتها المعروفة منذ إعلان وستمينستر عام 1931، وقد أسستها بريطانيا وكندا وأستراليا وأيرلندا ونيوزيلندا ونيو فاوندلند وجنوب إفريقيا.
وتقوم هيكلة الكومنولث على الأمانة العامة (السكرتارية) ومقرها لندن وتأسست عام 1965. وقمة الكومنولث التي تعقد كل عامين، وكومنولث التعليم ومقرها فانكوفر بكندا.
من أين جاءت تسمية الكومنولث؟
ظهر مصطلح "الكومنولث" أو (Commonwealth) في القرن الخامس عشر، وهي كلمة أصلها بمعنى الثروة المشتركة، أو الرخاء الجماعي. ولكن في الوقت الحاضر أصبح هذا المصطلح أكثر عمومية ويشير إلى تجمع سياسي بقيادة بريطانيا.
ويعود تاريخ الكومنولث إلى النصف الأول من القرن العشرين عند إنهاء استعمار الإمبراطورية البريطانية من خلال زيادة الحكم الذاتي لأراضيها. تأسس في الأصل باسم "الكومنولث البريطاني" من خلال إعلان بلفور في المؤتمر الإمبراطوري في عام 1926، وأضفت عليه المملكة المتحدة الطابع الرسمي من خلال تشريع وستمنستر لعام 1931. وتشكل الكومنولث الحالي رسمياً بموجب إعلان لندن في عام 1949، والذي أدى إلى تحديث المجتمع وجعل الدول الأعضاء "حرة ومتساوية".
ويترأس الكومنولث حالياً الملكة إليزابيث الثانية، لكن اجتماع رؤساء حكومات الكومنولث لعام 2018 عيّن الأمير تشارلز (أمير ويلز) ليكون الخليفة المعين لها، وذلك على الرغم من عدم انتقال المنصب بالوراثة. وتُعد إليزابيث الثانية رئيسة المجموعة المكونة من 16 دولة عضو، والمعروفة باسم "عوالم الكومنولث"، وذلك بالإضافة إلى 33 دولة من الأعضاء الجمهوريين وامتلاك خمس دول أعضاء أخرى ملوكاً مختلفين.
لا تملك الدول الأعضاء التزامات قانونية تجاه بعضها البعض، ولكنها مرتبطة من خلال استخدامها للغة الإنجليزية والروابط التاريخية. تُكرَّس قيمهم المشتركة المعلنة للديمقراطية وحقوق الإنسان وسيادة القانون في ميثاق الكومنولث، وعززتها دورة ألعاب الكومنولث التي تقام كل أربع سنوات.
ما الدول الأعضاء في رابطة الكومنولث؟
تشكل ثلاثة وخمسين دولة حالياً رابطة دول الكومنولث البريطانية، وتتمثل هذه البلدان في: المملكة المتحدة، أنتيجوا وبربودا، أستراليا، الباهاما، بنغلاديش، بربادوس، بليز، بوتسوانا، بروناي، الكاميرون، كندا، قبرص، دومينيكا، فيجي، غامبيا، غانا، جرينادا، غيانا، الهند، جامايكا، كينيا، كيريباس، ليسوتو، مالاوي، ماليزيا، مالطا، موريشيوس، موزمبيق، ناميبيا، ناورو، نيوزيلندا، نيجيريا، باكستان، بابوا غينيا الجديدة، رواندا، سانت كيتس ونيفيس، القديسة لوسيا، سانت فنسنت وجزر جرينادين، ساموا، سيشل، سيرا ليون، سنغافورة، جزر سليمان، جنوب إفريقيا، سريلانكا، سوازيلاند، تنزانيا، تونغا، ترينداد وتوباغو، توفالو، أوغندا، فانواتو وزامبيا.
ما أهمية هذه المنظمة التي ترتبط بالتاريخ الاستعماري لبريطانيا؟
تقول منظمة الكومنولث إنها تهدف إلى تقوية الروابط الاقتصادية والسياسية واللغوية والثقافية بين البلدان الأعضاء. وتؤكد في وثائقها أنها تسعى إلى دعم قطاع المشاريع الاقتصادية الصغرى لأهميتها بالنسبة للطبقة الوسطى التي تعتمد عليها الدول السائرة في طريق النمو، لتحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي.
لكن في الكثير من الأحيان تثار أسئلة حول أهمية هذا الاتحاد وتاريخه الاستعماري، وعلى الرغم من ادعاء "الاستقلالية" هذا فإن للكومنولث أصولاً إمبراطورية استعمارية، حيث إن العديد من الدول الأعضاء في المنظمة هي مستعمرات سابقة للإمبراطورية البريطانية.
فيما يصف الناقدون لهذه المنظمة الطريقة التي تحولت بها الإمبراطورية إلى منظمة بأنها "عشوائية"، وأن المملكة المتحدة وحدها استفادت من تشكيل هذه الرابطة، حيث تسمح هذه المنظمة لبريطانيا بمواصلة دورها المتسم بالامتياز والنفوذ الدولي والذي ينبع من التاريخ الاستعماري.
وخلال السنوات الأخيرة، بات دور هذه المنظمة بشكل متزايد موضع تشكيك في فترة انتقالية للملكية البريطانية، مع طرح أسئلة تعيد التفكير في ماضيها الاستعماري.
وفي قمة الكومنولث التي عقدت في شهر يونيو/حزيران 2022 في كيغالي، عاصمة رواندا، قال الأمير البريطاني تشارلز، إن الدول الأعضاء حرة في التخلي عن التاج، معبّراً عن حزنه لماضي بريطانيا الاستعماري. حيث لم تخف نحو 14 دولة في الكومنولث رغبتها في أخذ مسافة من النظام الملكي، عقب إعلان بربادوس رسمياً أنها باتت جمهورية في نوفمبر/تشرين الثاني 2021.
وقال الأمير تشارلز، في 24 يونيو/حزيران 2022: "أريد أن أوضح كما قلت من قبل أن النظام الدستوري لكل بلد عضو كجمهورية أو ملكية هو أمر يعود لقرار كل دولة عضو"، مشيراً إلى أن جذور الكومنولث "تعود إلى أكثر الأوقات إيلاماً في تاريخنا". وأضاف "لا أستطيع أن أصف حزني العميق شخصياً أمام معاناة كثير من الناس، في حين أواصل تعميق فهمي للآثار الدائمة للعبودية".
كيف تستفيد بريطانيا من منظمة الكومنولث؟
تحظى بريطانيا حتى اليوم بتأثير ثقافي كبير على دول الكومنولث مثل استخدام اللغة الإنجليزية في معظم الدول الأعضاء الحالية والسابقة في المنظمة، والعديد من القوانين والأنظمة البريطانية، كما تطمح لندن لأن تلعب دوراً أكبر على المسرح الدولي عبر زعامة هذه المنظمة.
واقتصادياً، تقول الأمانة العامة للكومنولث إن التجارة البينية داخل المنظمة تجاوزت بالفعل 700 مليار دولار حتى العام 2021، كما أنها تهدف إلى أن تصل إلى تريليوني دولار بحلول عام 2030. وبالتالي كلما زادت اتفاقات التجارة الحرة بين دول الكومنولث زادت المكاسب المحتملة لبريطانيا.
وتمتلك المملكة المتحدة أكبر اقتصاد في الكومنولث وفقاً لأحدث أرقام الناتج المحلي الإجمالي من صندوق النقد الدولي، لكن من المتوقع أن تتفوق عليها الهند في السنوات القليلة المقبلة.
ويبلغ إجمالي الناتج المحلي المجمع لـ54 دولة ما يزيد عن 10 تريليونات دولار (7.5 تريليون جنيه إسترليني). هذا ضعف حجم اليابان (5 تريليونات دولار، 3.75 تريليون جنيه إسترليني)، لكنه متأخر إلى حد ما عن نظيره في الولايات المتحدة على 23 تريليون دولار (17.2 تريليون جنيه إسترليني).
وشكلت التجارة مع الكومنولث 9.1% من إجمالي تجارة المملكة المتحدة في عام 2019، تقريباً نفس إجمالي تجارة المملكة المتحدة مع ألمانيا. كما بلغت قيمة صادرات المملكة المتحدة إلى الكومنولث حوالي 65 مليار جنيه إسترليني، وبلغت الواردات من الكومنولث حوالي 64 مليار جنيه إسترليني.