تتجه أنظار مديري الأصول العالمية إلى دول الخليج، في الوقت الذي تبرز فيه المنطقة الغنية بالنفط باعتبارها مصدراً نادراً لرأس المال الفائض في سوق نجح في الصمود أمام الحرب في أوكرانيا، وعمليات الإغلاق والتضخم بسبب فيروس "كوفيد-19".
دول الخليج.. فوائض مالية حكومية ضخمة بسبب ارتفاع أسعار النفط
يقول مسؤولون وتنفيذيون إنَّ الإمارات العربية المتحدة هدف رئيسي لمديري الأموال الذين يسعون للاستفادة من هذه السيولة. ويتطلع الكثيرون إلى التمركز في المراكز المالية في دبي وأبوظبي، بصفتها نقطة انطلاق لجمع الأموال في جميع أنحاء المنطقة، حيث تؤدي أسعار النفط الخام المرتفعة إلى تحقيق فوائض حكومية ضخمة.
وقال محمد أفخامي، العضو المنتدب لشركة Magenta Capital Services ومقرها دبي، وهو مستشار إقليمي لبعض أكبر مديري الصناديق المالية العالمية، لصحيفة The Financial Times البريطانية: "تدفقت الصناديق الغربية طوال الصيف، وهو ما لم يحدث من قبل. إنهم قلقون بشأن تفويت فترة الازدهار الاقتصادي".
يُنظَر إلى صناديق الثروة السيادية في المملكة العربية السعودية والكويت وقطر والإمارات العربية المتحدة على أنها بعض من آخر معاقل رأس المال المتاح، حيث تحرص الحكومات على استثمار ثرواتها من الطاقة في الأسواق العالمية.
ووفقاً لأفخامي، زاد المستثمرون المؤسسيون في الخليج من مخصصاتهم للصناديق الخارجية بنسبة 30 إلى 50%.
الصناديق السيادية في دول الخليج
تعمل الصناديق السيادية في المنطقة أيضاً على زيادة استثماراتها في الأسهم الخاصة والبنية التحتية والعقارات لحماية نفسها من تقلبات سوق الأسهم. وقال أفخامي إنَّ الصناديق السيادية الخليجية، التي تشرف على أصول تتراوح بين ثلاثة وأربعة تريليونات دولار، من المرجح أن تزيد مخصصاتها للأصول الخاصة من 30 إلى 40-50% في السنوات المقبلة.
وبدأ مديرو الأصول العالمية في التوسع بالفعل استجابةً لهذا الطلب المتزايد. فقد أنشأت شركتا CVC Capital Partners وHPS Investment Partners مكاتب في المنطقة، العام الماضي، بينما وسّعت شركة Apollo هذا العام شراكتها مع شركة "مبادلة" في أبوظبي، أحد أكبر المستثمرين وأنشطهم في الإمارات العربية المتحدة.
كما حددت صناديق التحوط الإمارات العربية المتحدة بأنها موقع تجاري جيد، ويرجع ذلك جزئياً إلى معدلات الضرائب المنخفضة على الموظفين.
قال أحد الأشخاص المطلعين على خطط صندوق التحوط في الولايات المتحدة Millennium Capital، إنه "يتطلع بنشاط لتوسيع" مكتبه الذي يضم أكثر من 30 شخصاً في مركز دبي المالي العالمي.
عوامل جذب عديدة
تقول فايننشال تايمز، إن عوامل الجذب لقاعدة الإمارات العربية المتحدة تشمل المنطقة الزمنية التي تمتد عبر آسيا وأوروبا، ورواتب حُرة من الضرائب المحلية، ونجاح أماكن مثل دبي في الحفاظ على اقتصادها مفتوحاً بمعدلات منخفضة نسبياً من حالات فيروس كورونا المستجد. ومن بين المقيمين الأثرياء الجدد في دبي، الآسيويون الفارون من عمليات الإغلاق، وأصحاب المليارات من العملات المشفرة، والعاملون عن بُعد الذين يستفيدون من خطط التأشيرات المرنة.
ووفقاً لشخص مطلع على التفاصيل، فإنَّ صناديق التحوط الأخرى التي تفكر في التوسع في الإمارات العربية المتحدة تشمل مجموعات أمريكية مثل Exodus Point وPoint72 وVerition، والبريطانية Brevan Howard.
ويمتلك BlueCrest، صندوق التحوط السابق الذي أصبح الآن شركة عائلية، مديريّ محفظة على الأقل، أحدهما يركز على النفط، ومحلل مقيم في دبي، وفقاً لمنصة LinkedIn. وبدأ مديرو الصناديق العمل هناك، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
وقبل عام، افتتح صندوق التحوط الكمي Florin Court Capital، ومقره لندن، مكتباً في أبوظبي، يتألف من التجارة والعمليات والأبحاث والتسويق.
وقال مؤسس الشركة دوج غرينغ: "كنا بحاجة إلى منطقة زمنية تميل أكثر إلى الشرق؛ نظراً إلى أننا نجري عمليات تداول مكثفة في الأسواق الآسيوية. كان هذا حلاً أفضل من وجود أشخاص يعملون في الساعة 4 صباحاً خارج لندن".
أضاف غرينغ أنَّ مكتب أبوظبي للاستثمار، وهو هيئة حكومية تركز على جذب الاستثمار الأجنبي، قدم "حوافز مالية" لدعم خططه هناك.
وفي هونغ كونغ، أدت الاضطرابات السياسية والإجراءات العقابية لـ(كوفيد-19) والسيطرة الصينية المتزايدة إلى توجه مديري الصناديق بالبحث في مكان آخر. وقال شخص مطلع على القرار، إنَّ ARCM، وهو صندوق تحوط مقره هونغ كونغ، يدرس إنشاء مكتب في دبي.
ووفقاً لأشخاص آخرين مطلعين على الوضع، يحظى سوق أبوظبي العالمي، المركز المالي للعاصمة، باهتمام كبير من مديري الأصول في هونغ كونغ.
تحويل رؤوس الأموال من لندن إلى دبي
بحسب الصحيفة البريطانية، يحاول المسؤولون في دبي أيضاً جذب الصناديق التي تتخذ من المملكة المتحدة مقراً لها، والتي فقدت وصولها السهل إلى أسواق الاتحاد الأوروبي. قال أحد المسؤولين: "مع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي فقدت هذه الميزة؛ لذا يمكنها دمج عملياتها خارج مركز دبي المالي العالمي".
ومع ذلك، فإنَّ الكثير من شركات إدارة الأصول في الإمارات العربية المتحدة تتكون من التسويق وإدارة العملاء، بينما تتُخَذ قرارات الاستثمار وتُنفَذ في المراكز المالية في نيويورك ولندن.
ويعمل المسؤولون الإماراتيون على خطة لإقناع مديري الصناديق ببناء عمليات أكبر على الأرض ونقل المزيد من الموظفين إلى المنطقة.
وقال أحد المسؤولين: "من الجيد جداً المجيء إلى هنا لجمع الأموال، لكن ما يريده الشرق الأوسط الآن هو أن يبني مديرو الأصول عمليات حقيقية هنا، ويجري صانعو القرار الموجودون هنا استثمارات حقيقية في الاقتصاد الحقيقي".
على الجانب الآخر، يحذر البعض أيضاً من أوجه التشابه مع عام 2008، عندما كانت منطقة الخليج في البداية غير متأثرة بالأزمة المالية العالمية.
وقالت مي نصر الله، مؤسسة شركة deNovo Corporate Advisors في دبي: "نحن نعيش في عالم مترابط، وكما رأينا في عام 2008، كان الفصل الاقتصادي قصير الأمد نسبياً". ففي نهاية المطاف، كانت المنطقة غير قادرة على تجنب التباطؤ الاقتصادي وتراكم الديون وإعادة الهيكلة، في أعقاب الأزمة العالمية.
وأشارت إلى أنَّ الخليج أصبح الآن في وضع أفضل لتجنب الصدمات الاقتصادية، مع تراجع فرص التعرض للمخاطر الخارجية، ومستويات ديون أقل. وأردفت: "ومع ذلك، بينما نواصل العيش في اقتصاد عالمي مترابط، سوف نتأثر في النهاية بالانكماش والركود التضخمي والركود المتوقع في أوروبا والولايات المتحدة".