أعلنت بريطانيا مؤخراً أنّها سترسل خبراء عسكريين إلى البوسنة والهرسك "لمواجهة النفوذ الروسي وتدعيم مهمة حلف شمال الأطلسي وتعزيز الاستقرار والأمن في البلاد". وقال رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون في بيان صحفي في 30 يونيو/حزيران 2022: "لا يمكننا أن نسمح لغرب البلقان بأن يصبح ملعباً آخر لمساعي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الخبيثة". فماذا وراء هذه التحذيرات، وهل تكون البوسنة والهرسك برميل البارود التالي الذي يوشك على الانفجار بين الغرب وروسيا بعد أوكرانيا؟
ماذا وراء التحذيرات البريطانية من التدخل الروسي في البوسنة والهرسك؟
تتهم الحكومة البريطانية روسيا بأنها "تسعى إلى عكس مكاسب العقود الثلاثة الماضية في البوسنة والهرسك، من خلال تأجيج نيران الانفصال والطائفية". وكانت وزيرة الخارجية البريطانية ليز تراس حذرت، في مايو/أيار 2022 من "مؤشرات على تدخل روسيا في البوسنة والهرسك، الأمر الذي قد يُغرقنا مجدداً في أيام مظلمة".
وبعد نحو شهر من غزو روسيا لأوكرانيا، توعدت موسكو البوسنة والهرسك بمصير مشابه بأوكرانيا إذا قررت الانضمام لحلف الناتو، حيث قال السفير الروسي إيغور كالابوهوف، في 17 مارس/آذار 2022، إن البوسنة لها الحق في اتخاذ قرار بشأن الانضمام إلى الناتو، لكن موسكو لها الحق في الرد على هذا القرار، وفقاً لمصالحها الخاصة.
وقال كالابوهوف، في تصريحات لبرنامج على قناة محلية في البوسنة: "إذا قررت البوسنة والهرسك أن تصبح عضواً في أي اتحاد، فإن لروسيا رد فعل أيضاً شبيهاً بما يحصل في أوكرانيا"، بحسب ما نقلت وكالة الأناضول التركية.
وتخشى روسيا من انضمام المزيد من الدول في غرب أوروبا والبلقان إلى حلف الناتو أو الاتحاد الأوروبي، وقال العضو البوسني في المجلس الرئاسي للبوسنة والهرسك، شفيق دزافيروفيتش، في رد على تصريحات السفير الروسي، إن "البوسنة والهرسك دولة ذات سيادة؛ حيث تتخذ قراراتها الخاصة بشأن مستقبلها في إطار الدستور والقوانين، وتعمل على مطالب ومصالح مواطنيها. ونحن لا نقرر وفقاً لمصالحهم، وليس لروسيا الحق في تحمُّل مسؤولية مستقبل البوسنة".
كما أشار دزافيروفيتش إلى أن عملية تقديم البوسنة والهرسك لكل من المسار الأوروبي الأطلسي وعضوية الناتو تتم بقرار من مؤسساتها الخاصة، وقال: "إننا نتابع هذا بشأن الإجراءات والأسس الديمقراطية، وسيظل الأمر على هذا النحو".
فيما أعلنت الولايات المتحدة ودول غربية أخرى أن "تهديدات موسكو للبوسنة والهرسك غير مسؤولة وغير مقبولة، ولا يمكن للأطراف الثالثة أن تقرر الترتيبات بين الناتو والدول ذات السيادة".
هل تفجر روسيا برميل البارود في البوسنة والهرسك؟
وبينما يتركز اهتمام العالم على سير المعارك في أوكرانيا، فإن تصاعد التوترات الانفصالية في البوسنة والهرسك يمكن أن يُدخل البلاد في حرب أخرى أو تقسيمها لدويلات عِرقية مع تزايد النزاعات بين المسلمين والصرب والكروات، وسط مخاوف من دور روسي يؤجج الأوضاع، في اتجاه حرب مسيحية ضد المسلمين.
فقد حذر مسؤولون ومحللون من أن الغزو الروسي لأوكرانيا قد تمتد آثاره إلى غرب البلقان، وتحديداً إلى البوسنة والهرسك، الدولة الصغيرة التي أصبحت ساحة تنافس بين الناتو وموسكو، خاصة أنه من المعروف أن الصرب تاريخياً حلفاء لموسكو، حتى إن روسيا دخلت الحرب العالمية الأولى بسبب تعرضهم لهجوم الإمبراطورية النمساوية المجرية.
وتصاعدت المخاطر الأمنية في البوسنة والهرسك منذ فبراير/شباط بعد أن صوّت نواب الكيان الصربي في البوسنة، المعروف باسم جمهورية صربسكا، على الانسحاب من مؤسسات الدولة الرئيسية بما فيها الجيش وإنشاء هيئات صربية فقط.
يقول تقرير لمجلة Forbes الأمريكية، إن هذه الخطوة يُنظر لها في الغرب على نطاق واسع على أنها خطوة رئيسية نحو انفصال الكيان الذي يمكن أن يمهد الطريق لتفكك البلاد.
وقد سبق أن تعهد فلاديمير بوتين بدعم صرب البوسنة في خلافاتهم حول تقاسم السلطة في البوسنة. كما عرضت موسكو دعماً مالياً لجمهورية صربسكا، كما قالت السفارة الروسية في سراييفو إن روسيا سترد إذا اتخذت البوسنة خطوات نحو الانضمام إلى الناتو؛ لأن موسكو ستعتبر ذلك "عملاً عدائياً".
تحريض صربي بدعم روسي.. شبح الحرب يخيم على مسلمي البوسنة
وتتكون جمهورية البوسنة والهرسك التي عانت حرباً أهلية مدمرة أدت إلى مقتل مئة ألف شخص أغلبهم من المسلمين من كيانين هما: جمهورية صربسكا ذات الأغلبية الصربية واتحاد البوسنة والهرسك، الذي يسكنه بشكل رئيسي البوسنيون المسلمون والكروات المسلمون.
وفقاً لآخر إحصاء سكاني من عام 2013، يمثل البوشناق المسلمون 50.11% من سكان البلاد، والصرب البوسنيون 30.78% من السكان، والكروات 15.43%.
وطوال الأشهر الماضية، يتحرك الساسة الصرب للانسحاب من المؤسسات الرئيسية بالبوسنة، ما أدخل البلاد في أزمة، وأثار مخاوف من نشوب صراع جديد، وأعاد الذكريات القديمة التي كانت قد دُفِنَت عميقاً بعد توقيع "اتفاقية دايتون" لعام 1995.
تقول إهليمانا ميميسيفيتش، المؤرخة القانونية والباحثة في شؤون الإبادة الجماعية في سراييفو، إنَّ تصاعد الأزمة السياسية في البوسنة والهرسك خلال الأشهر الأخيرة، والتي وصفها تقرير قُدِّمَ إلى الأمم المتحدة العام الماضي بأنَّها أكبر "تهديد وجودي في فترة ما بعد الحرب"، أعاد إيقاظ الصدمة التي أصابت مسلمي البوسنة بسبب الحرب، وأكَّد خطر إمكانية اشتعال كل ذلك مجدداً قريباً.
وتشير ميميسيفيتش في مقالة لها بموقع MEE البريطاني، إلى أن الأزمة السياسية تصاعدت في البلاد حين أعلن "مكتب الممثل السامي"، الذي يشرف على تطبيق اتفاقية السلام التي أنهت حرب البوسنة، في يوليو/تموز الماضي 2021، تجريم إنكار الإبادة الجماعية في البوسنة والهرسك. ورفض ميلوراد دوديك، العضو الصربي في الرئاسة الثلاثية بالبوسنة، بعدها هذا الإعلان، قائلاً إنَّ القانون لن يُقبَل أبداً وإنَّ جمهورية صربسكا "ستبدأ في عملية التفكك".
وفي ديسمبر/كانون الأول 2021، تحركت الجمعية الوطنية لجمهورية صربسكا من أجل الانسحاب من المؤسسات القضائية والأمنية والدفاعية البوسنية. وهدد دوديك أيضاً بطرد قوات الجيش البوسني من صربسكا. وحذَّر الممثل السامي للبوسنة، في تقرير للأمم المتحدة، من أنَّ تصرفات دوديك "تُعَد بمثابة انفصال دون إعلانه"، وفي حال لم يتدخل المجتمع الدولي سريعاً، "فإنَّ أفق حدوث مزيد من الانقسام والصراع سيكون واقعاً جداً".
وقال دوديك حينها إنَّ الغرب إذا ما حاول التدخل عسكرياً، فإنَّ لديه "أصدقاء" سيساعدون القضية الصربية، في إشارة إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وقد حضر الاحتفالات التي جرت في 9 يناير/كانون الثاني في صربسكا مسؤولون كبار من صربيا والسفير الروسي ونائب السفير الصيني وسياسيون من اليمين المتشدد من أوروبا الشرقية.