زلزال سياسي جديد يضرب إسرائيل، بعدما أعلن رئيس الوزراء المستقيل نفتالي بينيت اعتزاله الحياة السياسية، على خلفية فشل حكومته، ومن ثم لجوء البلاد إلى انتخابات برلمانية خامسة في 3 سنوات.
انهيار الحكومة الأخير، والذي أعقبه حل الكنيست، صار جزءاً من الخلافات السياسية المستمرة منذ سنوات في إسرائيل، والتي يستفيد منها على الوجه الأكمل رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو.
في مارس/آذار الماضي مرت الذكرى الأولى لتلك الانتخابات الرابعة، احتفل "تحالف التغيير" بقيادة رئيس الوزراء نفتالي بينيت، ووزير الخارجية يائير لابيد، بأحزابه الثمانية المتنوعة، بما يزيد قليلاً عن تسعة أشهر في السلطة.
يبدو أن المغامرة غير المتوقعة من قِبل مجموعة من الأحزاب المتنوعة، بما في ذلك اليهود الأرثوذكس اليمينيون والإسلاميون واليساريون- تلك الأحزاب التي تجمعها أساساً الرغبة في إبعاد رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو عن السلطة- قد آتت أُكلها.
ثم فجأة انهار كل شيء، بدأت عملية تدهور داخلي استمرت ثلاثة أشهر وتولَّدت دوامة هبوط لا يمكن وقفها واكتسبت زخماً. والنتيجة: سيقر المشرعون يوم الأربعاء التصويت النهائي لحل الكنيست، وستُجرى انتخابات جديدة، إما في 25 أكتوبر/تشرين الأول أو 1 نوفمبر/تشرين الثاني، بحسب تقرير لصحيفة Haaretz الإسرائيلية.
أين تكمن المشكلة؟
بحسب الصحيفة العبرية لم تكن مشكلة نفتالي بينيت الرئيسية هي ندرة مقاعد الكنيست التي يشغلها حزبه، ولا حتى عدم الولاء القبيح لبعض أعضاء الحزب تجاه الزعيم الذي اختارهم، كانت المشكلة أن بينيت نفسه لم يعتقد أنه يستحق أن يكون رئيساً للوزراء، حقيقة أن بينيت لم ينتقل إلى منزل رئيس الوزراء في شارع بلفور هو أمرٌ يحرجه بحرفيته التبسيطية.
لم يؤمن بينيت بأنه يستحق أن يكون رئيساً للوزراء، لأنه في نهاية المطاف فشل في الهروب من الظل الخانق للأب بنيامين نتنياهو، منذ اللحظة التي تولى فيها منصبه حاول بينيت تهدئة معسكر نتنياهو، وكسبه بكلمات الاحترام والوحدة.
كيف حدث كل هذا؟ كانت "بداية النهاية" بلا منازع في يوم 6 أبريل/نيسان.
في ذلك اليوم، ألقت إديت سيلمان، عضو حزب يمينا الذي يتزعمه بينيت، قنبلةً على التحالف الحاكم. في خطوة مفاجئة قبل عيد الفصح، أعلنت استقالتها من الائتلاف، وانسحابها إلى المعارضة بقيادة الليكود ونتنياهو، داعيةً إلى استبدال الائتلاف بـ"حكومة وطنية ويهودية وصهيونية".
جاء تحركها بعد حملة طويلة من الضغط والإغراءات من جانب حزب نتنياهو، حيث الجزرة المتمثلة في المكان الموعود على قائمة حزب المعارضة في الانتخابات المقبلة، والعصا التي تمثلت في استمرار حملة المضايقات التي تستهدف أعضاء الائتلاف اليميني منذ تشكيل الحكومة العام الماضي.
لم تكن سيلمان أولى أعضاء حزب بينيت اليميني الديني، التي تقرر أنها لا تستطيع تحمل الجلوس في ائتلاف مع حزبي اليسار، العمل وميرتس، والقائمة العربية الموحدة. كان عضو الكنيست عن يمينا عميحاي شيكلي قد قفز على متن السفينة في تشكيل الحكومة، في يونيو/حزيران الماضي؛ ما خلق وضعاً محفوفاً بالمخاطر، حيث انخفض الائتلاف الحاكم من 62-58 إلى أغلبية ضئيلة 61-59 في الكنيست.
لكن انشقاق سيلمان كان أكثر ضرراً بكثير، حيث كان إيذاناً بنهاية تلك الأغلبية ورفع العد إلى 60-60؛ ما أدى إلى إصابة الحكومة بالشلل وبدء العد التنازلي على زوالها.
الضربة الثانية لتحالف بينت
جاءت الضربة التالية في 19 مايو/أيار، عندما أصبحت النائبة عن حزب ميرتس غيداء ريناوي الزعبي المنشقة التالية عن الائتلاف، معلنةً أنها هي الأخرى ستتخلى عن قيادة حزبها، وترفض التصويت مع الائتلاف، وهذا سيجعلها حكومة أقلية، وتدق ناقوس الموت بشكل أساسي.
بعد ثلاثة أيام من الضغط، اقتنعت ريناوي الزعبي بالعودة رسمياً إلى الحظيرة مقابل عروض مالية للمجتمع العربي.
ولكن بينما عاد العدد إلى 60-60، كان الضرر قد حدث بالفعل، أظهر ذلك أن أي مشرِّع لديه الآن القدرة على جعل التحالف الضعيف رهينة.
عُزِّزَت هذه الرسالة في 25 مايو/أيار، عندما أصبح عضو الكنيست مايكل بيتون، من حزب أزرق أبيض، هو التالي في الصف، وأعلن أنه لن يصوت بعد الآن مع الائتلاف الحاكم، إلا في تصويت بحجب الثقة، حتى يتم التوصل إلى اتفاق بشأن ما يثير قلقه بشكلٍ خاص: إصلاح نظام النقل العام.
ومع ذلك، فإن اللغم الذي فجر الحكومة في نهاية المطاف لم يأتِ في شكل فرد بل تشريع.
كان من المقرر تجديد مشروع القانون الذي أخضع الإسرائيليين في الضفة الغربية المحتلة للقانون الإسرائيلي. القانون الذي يطبق أنظمة "الطوارئ" على المستوطنين، ساري المفعول منذ عام 1967، ويُصدَّق عليه كل خمس سنوات منذ ذلك الحين. حذر أعضاء الائتلاف اليميني، مثل جدعون ساعر، زعيم حزب أمل جديد، من أنه إذا لم يُمرَّر التشريع فمن غير المرجح أن يستمر التحالف قائماً.
انتهزت معارضة نتنياهو بقيادة الليكود الفرصة لإحراج حكومة بينيت بالتصويت ضد أيديولوجيتها المؤيدة للاستيطان ورفض تجديد اللوائح، وكشف ضعف التحالف الذي كان، على حد تعبيرهم "معتمداً على مؤيدي الإرهاب"، وكانت تلك إهانةً شائعة تستهدف القائمة العربية الموحدة وزعيمها منصور عباس.
حل الكنيست
وأشار الأعضاء العرب في الائتلاف إلى أنهم سيدعمون التشريع الذي يضفي الشرعية على الاحتلال فقط إذا كان سينقذ الحكومة. وعندما أصبح واضحاً أن المعارضة وسيلمان سيعارضونها، لم يروا أي قيمة في التصويت لها. وفي النهاية صوَّت 58 نائباً ضد التشريع و52 لصالحه، وصوَّت اثنان من أعضاء التحالف العربي ضده وامتنع آخرون عن التصويت.
وكان التصويت بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير بالنسبة لنير أورباخ، وهو نائب آخر يميني متضارب في يمينا، والذي ظل عالقاً مع التحالف بسبب ولائه الشخصي لبينيت، كان الفشل في تمرير تشريعات الضفة الغربية خطوة بعيدة جداً بالنسبة لعضو الكنيست المؤيد للمستوطنين. في 19 يونيو/حزيران، أخبر بينيت أنه لن يصوت مع الائتلاف مرة أخرى حتى يُمرَّر القانون.
سرعان ما اتضح أن هذا مستحيل.
مع خروج أورباخ من الصورة علمت قوى المعارضة التابعة لنتنياهو أن لديها ما يكفي من الأصوات لحل الكنيست، وبدأت في صياغة خطة للقيام بذلك، وهذه الخطة هي تأخير الخطوة لفترة كافية لمواصلة محاولة اقتطاع عدد كافٍ من أعضاء الائتلاف الإضافيين لتشكيل أغلبية 61؛ ما سيسمح لهم بالعودة إلى السلطة دون انتخابات.
قرر بينيت ولابيد عدم الانتظار لمعرفة ما سيفعله الليكود، أو متى سيفعله. ألقوا قنابلهم في 20 يونيو/حزيران، معلنين أنهم سيشرعون في حل الكنيست؛ ما يؤدي إلى انتخابات جديدة هذا الخريف، ونقل السلطة إلى لابيد في غضون ذلك كرئيس وزراء مؤقت.
كان ذلك اعترافاً بأنه بعد عامٍ من الصراع نجحت معارضة نتنياهو في نهاية المطاف في استغلال الانقسامات الأيديولوجية داخل "تحالف التغيير" وتقسيمه.
نتيجة لذلك، وللمرة الخامسة خلال ثلاث سنوات ونصف السنة، سيتوجه الإسرائيليون مرة أخرى إلى صناديق الاقتراع؛ سعياً منهم لإنجاز شيء فشلوا في تحقيقه منذ مارس/آذار 2015. انتخابات تتمكَّن أخيراً من الصمود.