رغم غياب الوجود العربي في قمة مجموعة السبع التي عقدت في جنوب ألمانيا، فإن النفط العربي لم يغِب عن المباحثات والحوارات داخل وخارج غرف قصر إلماو المغلقة، إذ ظهر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مقاطعاً الرئيس الأمريكي جو بايدن أمام عدسات الكاميرات، ليخبره أن رئيس دولة الإمارات محمد بن زايد أبلغه أن السعودية والإمارات، وهما منتجان رئيسيان للنفط في "أوبك"، يمكنهما بالكاد زيادة إنتاج النفط الخام.
وسُمع ماكرون وهو يقول لبايدن على هامش أعمال القمة: "أجريت اتصالاً هاتفياً مع محمد بن زايد، وأبلغني شيئين: أن بلاده بلغت الحد الأقصى للطاقة الإنتاجية، ثم قال إن السعوديين يمكنهم زيادة الإنتاج بمقدار 150 (ألف برميل يومياً)، ربما أكثر قليلاً، لكنهم ليس لديهم قدرات أعلى للإنتاج قبل مرور ستة أشهر".
النفط والغاز العربي يهيمنان على مباحثات قمة مجموعة السبع
ويظهر هذا الحديث الثنائي الذي رصدته عدسات الكاميرات الحضور الطاغي لأزمة الطاقة في قمة السبع، إذ يرى خبراء الاقتصاد والطاقة أنه لا مناص للغرب من الاعتماد على النفط والغاز العربي في المرحلة الانتقالية إلى الطاقة المستدامة، التي يمكن أن تساهم فيها أيضاً دول عربية.
ووضعت حرب روسيا على أوكرانيا الدول الغربية في موقف صعب، فبعد أن كانت الآمال معلقة على التوقف سريعاً عن استخدام الوقود الأحفوري في أقرب وقت ممكن، للتمكن من السيطرة على تغير المناخ، أصبحت قضية الاعتماد على هذا الوقود أكثر أهمية والانتقال إلى الطاقة المتجددة أمراً بحاجة إلى المزيد من الوقت.
وكان خيار التخلي عن نفط وغاز روسيا واللجوء إلى الدول العربية المنتجة للغاز والنفط قد طُرح بقوة بعد الحرب الروسية على أوكرانيا. ورغم غياب الحديث عن ذلك في قمة "إلماو" لدول مجموعة السبع، فإنها تعتمد فعلاً على الوقود من مصادر عربية، أو تخطط لذلك؛ ولكنها تتجنب الإعلان عنه كي لا تثير حنق جمعيات البيئة في الغرب.
يقول الدكتور أكسيل بيرغر، نائب مدير المعهد الألماني لسياسات التطوير، خلال ورشة عمل على هامش قمة مجموعة السبع لوكالة الأنباء الألمانية، "إن الاعتماد على الوقود من دول الشرق الأوسط فكرة ليست جيدة، لكنها ضرورية، خصوصاً بعدما خاضت أوروبا تجربة الاعتماد على الغاز والنفط الروسيين"، مؤكداً أن "الاعتماد على الطاقة من مصادر عربية يجب ألا يكون مركزياً وأن يكون خطوة للتعاون في مجال الطاقة المستدامة".
قادة مجموعة السبع يتفقون على ضرب عائدات النفط الروسي
وأعلن مسؤول كبير في البيت الأبيض، الثلاثاء 28 يونيو/حزيران 2022، أن قادة مجموعة السبع، المجتمعين في قمة في ألمانيا، سيطلقون العمل الهادف لوضع آلية لتحديد سقف لسعر النفط الروسي؛ بهدف ضرب مصدر مهم لعائدات موسكو.
المسؤول بالبيت الأبيض قال، نقلاً عن وكالة الأنباء الفرنسية، قبل ساعات من اختتام القمة، إن مجموعة السبع "ستطلب من الوزراء العمل بشكل عاجل على وضع سقف لأسعار النفط بالتشاور مع دول أخرى والقطاع الخاص؛ بهدف وضع مثل هذا السقف".
بالتالي فإن البيان الختامي المنتظر مع انتهاء هذه القمة المنعقدة في جنوب ألمانيا، سيشمل اتفاقاً مبدئياً على وضع هذه الآلية غير المسبوقة والمعقدة التي تهدف إلى منع روسيا من بيع نفطها مقابل ما يفوق سعراً معيناً.
يأتي هذا بينما قفزت أسعار خام برنت القياسي أكثر من دولارين، متجاوزة 115 دولاراً للبرميل وسط شح في الإمدادات العالمية وتزايد الطلب بعد الحرب الروسية على أوكرانيا.
وتبحث أوروبا عن سبل لإبدال ما يصل إلى مليوني برميل يومياً من الخام الروسي، وحوالي مليوني برميل يومياً من المنتجات المكررة التي كانت تستوردها من روسيا قبل أن تبدأ موسكو هجومها على أوكرانيا.
الفرصة الأخيرة لبايدن ستكون في الرياض
بالعودة إلى حوار ماكرون وبايدن على هامش قمة السبع، يبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية قد فشلت في جميع محاولات إقناع السعودية والإمارات بزيادة الإنتاج لخفض أسعار النفط، التي انعكست على الشارع الأمريكي بشكل كبير، وهزت الأسواق الغربية والعالمية.
ولذلك يتبقى لبايدن محاولة أخيرة لإقناع الرياض بهذا الأمر، خلال زيارته المرتقبة للمنطقة في منتصف يوليو/تموز 2022، حيث من المفترض أن يلتقي بايدن بالملك سلمان وولي عهده الأمير محمد، وذلك رغم الأزمة التي مرت بها العلاقة بين واشنطن والرياض منذ صعود بايدن لسدة الحكم، حيث كان الرئيس الأمريكي قد وجَّه انتقادات حادة لولي العهد السعودية على خلفية مقتل الصحفي جمال خاشقجي، قائلاً إنه سيجعل من السعودية دولة "منبوذة".
ويُنظر إلى السعودية ودولة الإمارات على أنهما البلدان الوحيدان في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وفي العالم، اللذان ما زالا لديهما طاقة إنتاجية فائضة، وقد يساعدان في زيادة الإمدادات العالمية.
بدوره، يسعى الغرب إلى سبل لتقليل واردات النفط من روسيا؛ لمعاقبة موسكو على غزوها لأوكرانيا. وتنتج السعودية حالياً حوالي 10.5 مليون برميل يومياً، وتبلغ طاقتها الإنتاجية ما بين 12 مليوناً و12.5 مليون برميل يومياً، وهو ما سيسمح لها من الناحية النظرية بأن تزيد إنتاجها بمليوني برميل يومياً.
أما الإمارات فتنتج حوالي ثلاثة ملايين برميل يومياً، ولديها طاقة إنتاجية قدرها 3.4 مليون برميل يومياً، وتعمل على زيادتها إلى أربعة ملايين برميل يومياً.
كانت وكالة الأنباء الإماراتية (وام) قد نقلت، الإثنين 27 يونيو/حزيران 2022، عن وزير الطاقة سهيل المزروعي قوله إن إنتاج بلاده قريب من سقف الإنتاج المرجعي للدولة في اتفاق "أوبك بلس" البالغ 3.168 مليون برميل يومياً، وأضاف: "التزامنا قائم بهذا السقف إلى نهاية الإتفاقية".
وأظهرت بيانات من وزارة الطاقة الأمريكية أن مخزون النفط الخام في الاحتياطي البترولي الاستراتيجي للولايات المتحدة هبط بمقدار 6.9 مليون برميل على مدار الأسبوع المنتهي في 24 يونيو/حزيران 2022، وفقاً لما أوردته وكالة رويترز، الإثنين 27 يونيو/حزيران 2022.
بحسب البيانات، هبط مخزون الخام في احتياطي الطوارئ إلى 497.9 مليون برميل، وهو أدنى مستوى منذ أبريل/نيسان 1986، كما أشارت البيانات إلى أنه جرى إطلاق حوالي مليون برميل من الخام الخفيف وستة ملايين برميل من خامات ثقيلة من الاحتياطي البترولي إلى السوق.
الوقود العربي وإشكالية العقود طويلة الأجل
وتحاول أوروبا تنويع مصادر الطاقة لديها، وبحسب ما صرح به المستشار الألماني أولاف شولتز مؤخراً، فإن البنية التحتية في ألمانيا (الأكثر تضرراً من انقطاع الغاز الروسي) ستكون جاهزة لهذا التنوع في غضون أشهر، لا سنوات.
وكان وزير الاقتصاد وحماية المناخ الألماني روبرت هابيك قد تحدث عن إنشاء وحدات لتحويل الغاز المسال إلى حالته الطبيعية، وذلك بعد إعلان ألمانيا نيتها استيراد الغاز الطبيعي من قطر، لكن الدوحة تريد عقوداً طويلة الأجل، فيما ترغب ألمانيا وأوروبا بالانتقال إلى الطاقة المستدامة بأسرع ما يمكن.
ويرى أكسيل بيرغر أن الاستيراد من دول الخليج سيكون طويل الأجل؛ لأن استيراد مثل هذه الطاقة يعتمد على وجود بنية تحتية واستثمارات في هذا المجال.
لكنَّ هناك فرصاً للتعاون مع العالم العربي، والطريق إلى التعاون مع دول الشرق الاوسط ذو اتجاهين، قائلاً: "الشمس تشرق أكثر هناك، كما أن طاقة الرياح يمكن لها أن توفر مصدراً نظيفاً آخر، ولعل مثل هذه المشاريع في الشرق الأوسط يمكن أن توفر فرص عمل كبيرة وتؤدي لاستقرار سياسي أفضل"، حسب تعبيره.