هناك مؤشرات على أن زعيم كوريا الشمالية يوشك على اتخاذ خطوة نووية قد تزيد الموقف على الحدود مع جارته الجنوبية اشتعالاً مما هو عليه بالفعل، فما تفاصيل ذلك التطور المرعب؟
صحيفة The Independent البريطانية نشرت تقريراً عنوانه "هل تنقل كوريا الشمالية أسلحتها النووية إلى حدودها؟"، رصد عدداً من المؤشرات على أن كيم ربما يكون في طريقه بالفعل إلى نشر صواريخ نووية تكتيكية قرب المنطقة منزوعة السلاح، والتي تفصل الكوريتين ولا تبعد كثيراً عن العاصمة الجنوبية سيول.
يأتي هذا السيناريو المخيف في توقيت عصيب بالنسبة للعالم، فقارة أوروبا تشهد حرباً هي الأكبر منذ الحرب العالمية الثانية نتجت عنها أزمة جيوسياسية ضخمة قسمت العالم بين معسكر غربي تقوده أمريكا وآخر يتزعمه أعداء واشنطن كروسيا والصين وغيرهما، والحديث عن سيناريو تطور الحرب الأوكرانية إلى مواجهة نووية لا يتوقف على مدى الأشهر الماضية.
ما هي أحدث خطوات كيم النووية؟
وفي هذا السياق تساءل تحليل الصحيفة البريطانية: هل تستعد كوريا الشمالية لنشر أسلحة نووية تكتيكية على طول حدودها المتوترة مع منافستها كوريا الجنوبية، التي لا تبعد سوى مسافة قصيرة بالسيارة عن 26 مليون شخص يعيشون حول عاصمتها سيول؟
وجاءت الإجابة بالإيجاب، إذ هكذا يبدو الأمر للعديد من الخبراء الذين يراقبون عن كثب الاجتماع العسكري رفيع المستوى لكوريا الشمالية هذا الأسبوع. ويمثل النشر المحتمل- بعد شهرين فقط من تهديد مستتر من الزعيم كيم جونغ أون باستخدام الأسلحة النووية استخداماً استباقياً- تطوراً كبيراً في المواجهة المستمرة منذ عقود في شبه الجزيرة الكورية.
وتمتلك كوريا الشمالية بالفعل الآلاف من الأسلحة التقليدية التي تستهدف كوريا الجنوبية وقرابة 30 ألف جندي أمريكي متمركزين هناك، لكن نقل صواريخها النووية قصيرة المدى إلى الحدود سيكون أوضح علامة حتى الآن على أنَّ كيم يتطلع إلى استخدام أسلحته النووية لتهديد كوريا الجنوبية وانتزاع الامتيازات من المفاوضين النوويين الخارجيين.
فخلال اجتماع عسكري انتهى يوم الخميس 23 يونيو/حزيران، أكد كيم وغيره من كبار المسؤولين "واجبات تشغيلية" و"خطط عمليات مُعدّلة" إضافية للوحدات العسكرية بالقرب من الحدود مع كوريا الجنوبية.
ولم تذكر مراسلات الدولة الإعلامية الأسلحة النووية مباشرةً، لكن خبراء خارجيين يعتقدون أنَّ اللغة الغامضة لكوريا الشمالية تشير إلى نيتها نشر أنظمة أسلحة نووية تكتيكية نشراً استباقياً. ويعتمد هؤلاء الخبراء في تقييمهم جزئياً على التعليقات العامة الأخيرة من كوريا الشمالية حول مثل هذه الخطط، وعلى عدد كبير من تجارب الصواريخ قصيرة المدى ذات القدرة النووية المصممة لمهاجمة المنشآت الاستراتيجية في كوريا الجنوبية، بما في ذلك القواعد العسكرية الأمريكية هناك.
جاء تلميح واحد كبير في أبريل/نيسان، عندما اختبرت كوريا الشمالية إطلاق سلاح مُوجَّه مُطوَّر حديثاً قالت إنه سيحسن التشغيل الفعّال لـ"الأسلحة النووية التكتيكية" ويعزز القوة النارية لوحدات المدفعية في الخطوط الأمامية. وفي وقت لاحق من ذلك الشهر، قال كيم إنه يمكن أن يستخدم برنامجه النووي استباقياً إذا تعرض للاستفزاز.
لماذا قد يحدث هذا التحرك النووي الآن؟
وقال كيم يول سو، الخبير في معهد كوريا للشؤون العسكرية في كوريا الجنوبية، إنَّ كوريا الشمالية لديها الآن "فرصة أكبر بكثير لاستخدام أسلحتها النووية التكتيكية في ساحة المعركة" إذا اندلعت حرب في شبه الجزيرة الكورية.
والأسلحة التي يُرجَّح نشرها على الحدود هي بعض الصواريخ المحمولة التي تعمل بالوقود الصلب وصواريخ قصيرة المدى، التي أجرت كوريا الشمالية تجارب على إطلاقها منذ انهيار الدبلوماسية النووية مع الولايات المتحدة في عام 2019.
وقد أطلقت كوريا الشمالية على هذه الصواريخ- التي يقول خبراء أجانب إنها قد تكون قادرة على التهرب من الدفاعات الصاروخية الكورية الجنوبية والأمريكية – أسلحة "تكتيكية"؛ مما يشير إلى نيتها تسليحها بأسلحة نووية منخفضة القوة.
ومن المحتمل أن تكون كوريا الشمالية قد اكتسبت بالفعل التكنولوجيا اللازمة لتسليح صواريخها برؤوس نووية؛ لذا فإنَّ نشرها للأسلحة النووية التكتيكية يمكن أن يحدث في أي وقت، حسبما قال كيم تايو، الرئيس السابق للمعهد الكوري للوحدة الوطنية الذي تموله الدولة في سيول، للصحيفة البريطانية.
لكن بعض الخبراء قالوا إنَّ كوريا الشمالية قد لا تنشر صواريخ مسلحة نووياً بسبب مشكلات محتملة في صيانتها.
هل ستستجيب كوريا الجنوبية بنشر أسلحة نووية؟
قالت حكومة كوريا الجنوبية المحافظة الجديدة، التي تولّت السلطة الشهر الماضي، إنها ستوسع قدراتها في مجال التسلح التقليدي وتعزز دفاعاتها بالتعاون مع الولايات المتحدة.
وفي هذا السياق، كان موقع Responsible Statecraft الأمريكي قد نشر تقريراً مطلع عام 2021 حول خفايا سباق التسلح في الجزيرة الكورية، ألقى فيه الضوء على أبعاد الصراع بين سيول وحليفتها واشنطن من جهة وبيونغ يانغ من جهة أخرى وتداعيات ذلك الصراع على آسيا والعالم بأسره.
وكانت أشهر الخريف العام الماضي قد شهدت شيئاً أشبه باستعراض عسكري من جانب الكوريتين بدا موجهاً للعالم بأسره. وبينما كانتا تستعرضان عضلاتهما- اختبار الصواريخ وعرض القدرات الجديدة- تكهَّن المعلِّقون بحدوث تسارع لسباق التسلُّح، وتساءلوا عما إذا كانت شبه الجزيرة في طريقها ربما نحو لحظة أزمة بعد عدة سنوات من الهدوء النسبي.
إذ تتمتع كوريا الشمالية بتاريخ من توجيه التهديدات والاستفزازات المتصاعدة عند تنصيب حكومة جديدة في كوريا الجنوبية أو الولايات المتحدة لخلق بيئة مواتية محتملة للمفاوضات المستقبلية. وبعدها، غالباً ما تخفف الدولة من خطابها وترسل إشارات أكثر دبلوماسية، بحسب تقرير الإندبندنت.
وقد يحدث هذه المرة أيضاً، لكن الأسلحة النووية على الخطوط الأمامية من شأنها تعقيد كيفية رد كوريا الجنوبية على أي استفزاز كوري شمالي مستقبلي.
وقال الجيش الكوري الجنوبي إنه يراقب عن كثب أنشطة كوريا الشمالية بشأن التحرك المحتمل لنشر أسلحة نووية تكتيكية، لكنه لم يخُض في مزيد من التفاصيل.
لكن يون قال إنه لن يسعى إلى تطوير نووي أو يطلب من الولايات المتحدة إعادة نشر الأسلحة النووية في كوريا الجنوبية للردع ضد أي عدوان محتمل من كوريا الشمالية.
ويقول بعض الخبراء إنَّ توسع كوريا الشمالية في الأسلحة النووية التكتيكية والسعي وراء صواريخ بعيدة المدى قادرة على الوصول إلى البر الرئيسي للولايات المتحدة قلّل من مصداقية "المظلة النووية" الأمريكية، على الرغم من أنَّ إدارة بايدن أعادت التأكيد مراراً وتكراراً على التزام الولايات المتحدة بالدفاع عن كوريا الجنوبية باستخدام نطاقها الكامل من القدرات العسكرية.
وهناك أيضاً دعوات لإعادة إدخال الأسلحة النووية الأمريكية في كوريا الجنوبية.
وقال كيم تايو، الرئيس السابق للمعهد الكوري للوحدة الوطنية: "يجب أن ننتقل إلى استراتيجية إنهاء التهديدات النووية لكوريا الشمالية من خلال التوازن النووي. إنَّ نشر أسلحة نووية تكتيكية يعني أنَّ التهديد النووي لكوريا الشمالية سيكون أمامنا مباشرة".
ما الخطوة التالية؟
كانت الأسلحة النووية التكتيكية جزءاً من خطة تطوير أسلحة مدتها خمس سنوات أعلن عنها زعيم كوريا الشمالية، كيم جونغ أون، العام الماضي. وقد كثّف من اختبارات الصواريخ الباليستية بوتيرة غير مسبوقة هذا العام لتعزيز قدرة بلاده على مهاجمة كل من البر الرئيسي للولايات المتحدة وكوريا الجنوبية.
وعلى مدار أسابيع، لاحظ المسؤولون الأمريكيون والكوريون الجنوبيون دلائل على إجراء كوريا الشمالية تجربة نووية وشيكة، ستكون الأولى منذ عام 2017 والسابعة في المجموع. ويمكن أن يكون مثل هذا الاختبار جزءاً من محاولة لبناء رأس حربي قد يصلح لاستخدامه في صواريخ تكتيكية أو صواريخ متعددة الرؤوس.
لكن كوريا الشمالية لم تنفذ مثل هذا الاختبار حتى الآن، ربما بسبب استمرار تفشي "كوفيد-19" ومعارضة الصين، آخر حليف رئيسي لها وأكبر مزود للمساعدات.
ويقول الخبراء إنها مسألة وقت فقط قبل أن تجري كوريا الشمالية تجربة نووية، التي يُنظَر إليها على أنها خطوة أساسية في توسيع ترسانتها النووية بموجب خطة كيم الخمسية. ومن المرجح أن يؤدي مثل هذا الاختبار إلى تعقيد الضغط لاستئناف الدبلوماسية النووية.