حجم رغيف الخبز انخفض للنصف وزاد سعره بأكثر من الضعف، لكن هذه فقط قمة جبل الجليد لمعاناة الفلسطينيين في غزة بسبب الهجوم الروسي على أوكرانيا، فهل يفتك الجوع بأهل القطاع؟
وعلى الرغم من أن أزمة الغذاء عالمية، وتواجه أغلب مناطق العالم تحدياً للحفاظ على أمنها الغذائي، فإن كثيراً من الشعوب العربية تواجه خطر مجاعة حقيقية، لأن العرب يستوردون نحو نصف احتياجاتهم من القمح من روسيا وأوكرانيا.
كانت أسعار القمح قد قفزت، خلال أقل من 4 أشهر، من 260 إلى أكثر من 480 دولاراً للطن الواحد، وهو ما أدى بالتبعية إلى ارتفاع أسعار الكثير من الأغذية. ورغم أن أسعار الغذاء المرتفعة تمثل أزمة عالمية، فإن التأثير في بعض الدول العربية يصل حد الكارثة، ويهدد شعوبها بالجوع، بحسب تقارير أممية.
وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الجمعة 24 يونيو/حزيران، إن هناك "خطراً حقيقياً" فيما يتعلق بحدوث مجاعات هذا العام، ودعا اجتماعاً على مستوى الوزراء حول الأمن الغذائي إلى اتخاذ خطوات عملية لتحقيق الاستقرار في أسواق الغذاء وتقليل التقلبات في أسعار السلع.
وقال غوتيريش عبر الفيديو للاجتماع المنعقد في برلين "نواجه أزمة جوع عالمية غير مسبوقة… أدت الحرب في أوكرانيا إلى تفاقم المشكلات التي تراكمت على مدى سنوات، مثل اضطرابات المناخ وجائحة كوفيد-19، والخلل الكبير في (وتيرة) التعافي".
لكن قطاع غزة يتعرض لحصار إسرائيلي منذ أكثر من 15 عاماً، ويواجه سكانه بالفعل ظروفاً معيشية تعتبر من الأقسى حول العالم، أي أنهم يعانون بالفعل قبل أن تندلع الحرب في أوكرانيا. ونشر موقع Middle East Eye البريطاني تقريراً عنوانه "أزمة الغذاء في قطاع غزة المحاصر تفاقمها الحرب الأوكرانية"، رصد بعضاً من قصص الأسر الفلسطينية في القطاع.
قصة رغيف الخبز في غزة
بحسب مؤشر الأمن الغذائي العالمي، وهو مقياس تستخدمه وكالات الأمم المتحدة والأجهزة الإقليمية وجماعات الإغاثة لتحديد مستوى انعدام الأمن الغذائي، يتعرض أكثر من 460 ألف شخص في الصومال واليمن وجنوب السودان لظروف المجاعة. وهذه هي مرحلة ما قبل الإعلان عن حدوث مجاعة في منطقة ما. ووفقاً مؤشر الأمن الغذائي العالمي، يقف ملايين الأشخاص في 34 دولة أخرى على شفا المجاعة.
يقول أبو أحمد المدهون، الأب لخمسة أبناء، وهو يحمل ربطة خبز في مخبز العائلات في شارع النصر شمال غربي مدينة غزة في حديثه مع موقع Middle East Eye: "هل ترى هذا الرغيف؟ كان حجمه ضعف هذا الحجم قبل بضعة أشهر. واليوم لم يعد أصغر حجماً فقط، ولكن سعره ارتفع أيضاً".
والمدهون ليس وحده الذي يجاهد للعثور على طعام بأسعار معقولة في قطاع غزة المحاصر.
فمنذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، يواجه الفلسطينيون في القطاع الساحلي أزمة غذائية متفاقمة. والأسر الفقيرة التي كانت بالكاد تجد قوت يومها حتى قبل أن يصل إليها تأثير الحرب هي الأكثر تضرراً.
واقتصاد غزة كان متأثراً بالفعل بالحصار الذي تفرضه إسرائيل عليه منذ 15 عاماً، والذي أثر بشكل كبير على القوة الشرائية لسكانه، والارتفاع الجديد في الأسعار لن يزيد الوضع إلا سوءاً.
في أبريل/نيسان الماضي، نبهت منظمة أوكسفام إلى أن احتياطيات دقيق القمح في الأراضي الفلسطينية قد تنفد في غضون ثلاثة أسابيع، مضيفة أن تكلفة القمح ارتفعت بنسبة 25%.
وكان تأثير ارتفاع الأسعار على المدهون (46 عاماً)، الذي يعمل نادلاً ويتقاضى راتباً قدره 290 دولاراً شهرياً، مباشراً.
وقال: "ربطة خبز كانت تكلفني دولارين وتستمر لأربعة أيام. واليوم تكلف 3 دولارات وتستمر ليومين فقط".
لكن تأثير الهجوم الروسي على أوكرانيا، الذي تصفه موسكو بأنه "عملية عسكرية خاصة" بينما يصفه الغرب بأنه "غزو"، لم يقتصر على القمح فقط، بل امتدت تداعياته إلى المواد الغذائية الأساسية الأخرى أيضاً.
ففي عموم الأراضي الفلسطينية، ارتفع سعر دقيق القمح بنسبة 23.6% وزيت الذرة بنسبة 26.3% والعدس بنسبة 17.6% وملح المائدة بنسبة 30%، بحسب برنامج الغذاء العالمي.
وفي 15 مايو/أيار، أعلنت وزارة الاقتصاد التي تديرها حماس في قطاع غزة عن زيادة أسعار الدقيق والخبز بسبب الزيادة "غير المسبوقة" في تكلفة القمح وامتناع وزارة المالية التي تديرها السلطة الفلسطينية في رام الله عن إدراج غزة في إعفاء ضريبة القيمة المضافة للقمح.
لكن على الجانب الآخر، نفى وزير الاقتصاد الوطني الفلسطيني في رام الله خالد العسيلي هذه المزاعم، موضحاً أن قرار وزارة المالية يشمل مستوردين فلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة على حد سواء.
وقال لجريدة الأيام في رام الله: "هذا القرار يقضي بإعادة ما تمت جبايته من مستوردي القمح والدقيق المسجلين بعد ثلاثة أشهر، بحسب القرار الذي صدر نهاية شهر مارس/آذار الماضي، ولم يمض على هذا القرار منذ فرضه ثلاثة أشهر".
تأثير الحصار الإسرائيلي والحرب على القطاع
يقول عبد الدايم عواد، مدير شركة مطاحن السلام، لموقع Middle East Eye إن شركته قدمت طلب إعفاء ضريبي إلى وزارة المالية في رام الله وما زالت تنتظر الرد.
وقال: "تأثرنا إلى حد كبير بارتفاع الأسعار. وحتى الآن سرّحنا حوالي 50% من عمالنا وموظفينا لأننا لم نتمكن من دفع رواتبهم الشهرية".
وأضاف للموقع البريطاني: "مطاحننا تعمل حالياً بحوالي خمسة إلى 10% من طاقتها، ولم نتمكن من بيع منتجاتنا في الأشهر الثلاثة الماضية، لأن السوق يعتمد الآن على القمح المصري، لأنه معفى من ضرائب القيمة المضافة، وبالتالي فهو أرخص من القمح الفلسطيني".
وأشار عواد للموقع البريطاني إلى أن سعر طن الدقيق ارتفع من 360 دولاراً إلى 550 دولاراً منذ اندلاع حرب أوكرانيا، أواخر فبراير/شباط الماضي.
ولكن حتى قبل بداية الهجوم الروسي على أوكرانيا، كانت الشركات في قطاع غزة متضررة بالفعل جراء الحصار الخانق، وتجاهد للتعافي من تأثير الهجوم الإسرائيلي الذي استمر 11 يوماً على قطاع غزة، في مايو/أيار عام 2021.
فقد نتج عن هذا الهجوم تدمير أو تضرر حوالي 1500 مؤسسة اقتصادية، وبلغ إجمالي الخسائر والأضرار 479 مليون دولار.
ارتفاع أسعار الدجاج أيضاً
وأثرت الأزمة أيضاً على أسعار اللحوم والبيض والدجاج، وهذا عجّز نسبة كبيرة من سكان غزة عن تحمل تكلفتها.
يقول أحمد الشاعر (40 عاماً)، من سكان مخيم الشاطئ غرب غزة، لموقع Middle East Eye: "في الشهرين الماضيين بلغت أسعار الدجاج حوالي 5 دولارات للكيلوغرام، بعد أن كانت 3.2 دولار فقط".
وأضاف الشاعر الذي يعمل نجاراً: "خلال هذه الفترة، أنا شخصياً لم أكن أتمكن من شراء دجاج لعائلتي، لذلك أصبحنا نباتيين لبعض الوقت".
ويعود ارتفاع أسعار الدجاج إلى ارتفاع أسعار العلف المصنوع من القمح. ومع بداية عام 2022، كان 64% من سكان قطاع غزة يعانون انعدام الأمن الغذائي، مقارنة بـ9% في الضفة الغربية، بحسب أرقام برنامج الغذاء العالمي.
وقال الشاعر: "قبل الأزمة كنت أشتري دجاجة واحدة أسبوعياً لعائلتي المكونة من ستة أفراد. والآن أشتري دجاجة واحدة كل عشرة أيام".
ويبلغ معدل البطالة في غزة حوالي 50.2% ويعيش أكثر من نصف سكانه في فقر.
ومع دخول الحرب في أوكرانيا شهرها الرابع، لا يبدو أن الأزمة الاقتصادية التي تسببت فيها في غزة ستنتهي قريباً.
لكن المدهون يرى أنه لا بد من إيجاد حل سريعاً.
وقال: "الخبز هو العنصر الأساسي في أي وجبة في المجتمع الفلسطيني. ولا يمكننا الاستغناء عنه، ومهما ارتفع سعره فعلينا أن نجد طريقة لنشتريه".
كان الأمين العام للأمم المتحدة قد تحدث عن وجود "خطر حقيقي يتعلق بالإعلان عن حدوث عدة مجاعات في 2022. وربما تكون 2023 أكثر سوءاً"، وذكر أن تعرض جموع من البشر للجوع في القرن الحادي والعشرين غير مقبول، لكنه لم يذكر قطاع غزة بالاسم.
وكانت شحنات الحبوب من الموانئ الأوكرانية قد توقفت منذ بداية الهجوم الروسي، والآن تريد موسكو رفع عقوبات غربية محددة كي تستأنف صادراتها من الحبوب والأسمدة.
وتحاول الأمم المتحدة وتركيا التوسط للوصول إلى اتفاق. ولم يدلِ غوتيريش بمزيد من التفاصيل عن المحادثات، لكنه قال "البيانات العامة ربما تقوض النجاح". وطالب الوزراء في اجتماع برلين أيضاً بمعالجة أزمة مالية تواجهها الدول النامية.