تحتسي اليمنية سونيا خالد، 55 سنة، قهوتها على شرفتها في حي ليغيتافو بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، وتقول مبتسمة إن حبوب القهوة يمنية بالطبع، إنها نقطة خلاف مستمرة في أديس أبابا، حيث يقول الإثيوبيون إن بلادهم هي مسقط رأس القهوة، بينما يزعم اليمنيون، الذين يزدهر مجتمعهم التاريخي في العاصمة الإثيوبية، أن القهوة موطنهم الأصلي.
سونيا هي أم لأربعة أطفال، وتعيش عائلتها في إثيوبيا منذ عقود، بعد أن وصل جدها من مدينة عدن الساحلية اليمنية عام 1947. نشأت في أديس، كما يسميها السكان المحليون، وعادت إلى اليمن لبعض الوقت قبل أن تتزوج عندما كانت تبلغ من العمر 28 عاماً. بعد قضاء فترة في الولايات المتحدة، يعيش الزوجان في العاصمة الإثيوبية منذ 27 عاماً.
إنهما مجرد عائلة واحدة من العائلات اليمنية التي جعلت من أديس أبابا موطناً لها، ويمكن الشعور بتأثير المطبخ والثقافة اليمنية في جميع أنحاء المدينة، كما يرصد ذلك تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني.
كيف وصل اليمنيون إلى إثيوبيا، ونجحوا ببناء مجتمعهم الخاص؟
مع التاريخ الغني المتشابك والتجارة والسفر المتدفق دائماً بين البلدين، من الصعب تحديد وقت وصول اليمنيين إلى أديس أبابا، خاصة في الوقت الذي لم تكن فيه الأعمال الورقية ولوائح السفر الصارمة.
يقع التجار اليمنيون في موقع إستراتيجي عبر البحر الأحمر وخليج عدن من إفريقيا، وقد وصلوا بحرّية في أواخر القرن التاسع عشر في أوائل القرن العشرين، وعبروا البحر الأحمر ودخلوا عبر موانئ مصوع (في إريتريا حالياً)، وزيلا (في صوماليلاند الحالية) على الساحل الشرقي.
ويقول الموقع البريطاني إن أول رواية موثقة عن الوافدين اليمنيين كانت للشيخ سعيد أحمد، بوزارة من حضرموت (التي لم تكن في ذلك الوقت تحت الحكم البريطاني ولا حكم السلطنة)، زاعماً أنه كان في أديس أبابا منذ عام 1903.
قبل وفاته بقليل في عام 1913، أصدر الإمبراطور مينليك الثاني مرسوماً يأمر غير الإثيوبيين بتسجيل بلدهم الأصلي عند وصولهم.
قُسِّمَت اليمن في ذلك الوقت بين البريطانيين في الجنوب وسلطنة القعيطي والكثيري في الشمال، لذلك أعلن التجار من المنطقة أنهم إما بريطانيون قعيطيون، مثلما كتب عالم الأنثروبولوجيا والأكاديمي سامسون بيزبه. وعلى الرغم من أن الأرقام لا تزال نادرة وغير دقيقة، يقول بيزبه إنه كان هناك حوالي 800 يمني بريطاني مسجل بحلول عام 1920.
داخل المجتمع اليمني المزدهر في إثيوبيا
سافر جد سونيا، عبد الله عبد الرحمن، من عدن بجواز سفره البريطاني واستقر في دير داوا، وهي مدينة في شرق إثيوبيا، حيث بدأ العديد من اليمنيين حياتهم الإثيوبية.
كان عبد الرحمن تاجراً في ذلك الوقت، حيث كان يستورد السجاد من بلجيكا والمجوهرات والخرز من ألمانيا. توضح سونيا: "اليوم نسميها استيراداً وتصديراً".
كان هناك الآلاف الذين وصلوا في ذلك الوقت، وكانت رحلة القارب سهلة، على حد قول سونيا. وكان التجار يجلبون معهم بهارات وحريراً من الهند. سرعان ما بدأ المجتمع اليمني في الازدهار، وأصبح بعضهم أصحاب متاجر وبائعي حلوى وغسَّالين وجزارين.
أولئك الذين غامروا أكثر، في العاصمة، استقروا في حي عرادة في أديس، وكانوا يصلون في منازل بعضهم البعض قبل بناء أول مسجد، مسجد أنور، في عام 1922 في مركاتو المجاورة. يوجد الآن 140 مسجداً في جميع أنحاء المدينة.
الترابط المجتمعي
اليوم، يعتاد اليمنيون في إثيوبيا على مطبخ البلاد. في الأيام الأولى، كان من الشائع أن يقوم التجار بإعداد وجبات يمنية تقليدية باستخدام التوابل التي يجلبونها معهم.
كانوا يطبخون المندي، وهو الأرز واللحم المخبوز ببطء في حفرة، ومنكَّه بالكزبرة والفلفل الحلو والقرفة، والمطافية طبق السمك المتبل من الطماطم الذي يُحضَّر على أفضل وجه مع التونة، ولكن حل محله سمك الفرخ النيلي المحلي.
كان الرجال أيضاً يسعدون بتناول الوجبات الإثيوبية التقليدية مثل خبز إينجيرا المميز قليل الحامض والإسفنجي، المصنوع من دقيق التيف، والذي يُقدَّم مع مجموعة واسعة من الأطباق.
واليوم يعتبر الإسلام هو ثاني أكبر ديانة بعد المسيحية الأرثوذكسية، في وجود حوالي 36 مليون مسلم، معظمهم في العاصمة وفي هرار في الشرق.
الحي اليمني في أديس أبابا
عندما حاول الإيطاليون لفترة وجيزة إعادة احتلال البلاد عام 1936 (مكثوا لمدة خمس سنوات)، قاموا بتقسيم أديس أبابا، مما أجبر الإثيوبيين واليمنيين وأي شخص اعتبروه "أصلياً" أو غير أبيض على الانتقال إلى منطقة ميركاتو.
شجَّع الإيطاليون الهجرة اليمنية إلى إثيوبيا، من خلال توفير فرص عمل في مشاريعهم الإنشائية، وشق الطرق وخط السكك الحديدية من جيبوتي، والتي أصبحت فيما بعد نقطة الدخول الرئيسية للمسافرين اليمنيين.
أصبح اليمنيون الذين وصلوا في هذا الوقت أغنياء من خلال البناء، وأصبح الكثير منهم رجال أعمال ناجحين، وحتى مسؤولين حكوميين.
عندما طُرِدَ الإيطاليون عام 1941 بمساعدة القوات البريطانية، أصبحت ميركاتو الحي اليمني الرئيسي في المدينة، بمدرستها الخاصة ومسجدها، اللذين لا يزالان موجودين.
يقول سعيد الأجدل، مهندس مدني حسب المهنة: "كانت ميركاتو تُعرف تقليدياً بالمنطقة اليمنية، ولكن مع ازدياد ترسيخ المجتمع اليمني وتحريكه امتد إلى مناطق مختلفة من المدينة".
بحلول نهاية الستينيات، طُرد يمنيون وعرب آخرون من البلاد بعد أن اتهمت الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا بزرع قنبلة على متن طائرة تابعة للخطوط الجوية الإثيوبية.
تعهد اليمنيون بمتاجرهم وسبل عيشهم بشكل رئيسي إلى أولئك الذين ينتمون إلى مجتمع أرجوبا. لكن بحلول السبعينيات من القرن الماضي، بدأ البعض الذين غادروا، العودة إلى متاجرهم وأعمالهم واستمروا في العمل. واليوم، يندمج اليمنيون في نسيج المجتمع الإثيوبي ذاته دون أزمات.