أوكرانيا تنال بطاقة الترشح للاتحاد الأوروبي.. فما مدى قدرتها حقاً على تطبيق قواعده وفرص انضمامها؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/06/23 الساعة 21:45 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/06/23 الساعة 21:46 بتوقيت غرينتش
الرئيس الروماني كلاوس يوهانيس ورئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراجي والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ونظيره لفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني أولاف شولتس في كييف/رويترز

"الأوكرانيون يموتون في سبيل الدفاع عن تطلّعاتهم الأوروبية"، بهذه الكلمات العاطفية بررت المفوضية الأوروبية طلبها ترشيح أوكرانيا لعضوية الاتحاد الأوروبي، وهو المقترح الذي أقره قادة الاتحاد الأوروبي، لكن هل يعني هذا القرار، قرب انضمام كييف للاتحاد، وهل تستطيع تطبيق معايير الاتحاد الأوروبي الصارمة، التي أخفقت دول عدة في تلبيتها.

ووافق قادة الدول الأوروبية الـ27، الخميس 23 يونيو/حزيران 2023، على منح كل من أوكرانيا ومولدوفا صفة مرشح لعضوية الاتحاد الأوروبي، بحسب ما أعلنه رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال.

وكانت المفوضية الأوروبية قد أوصت، يوم الجمعة 17 يونيو/حزيران 2022، الدول الأعضاء بضرورة ترشيح أوكرانيا لعضوية الاتحاد الأوروبي إلى الاتحاد الأوروبي، فيما وصفته صحيفة Le Monde الفرنسية بأنه قرار رمزي للغاية لن يغير شيئاً في المستقبل القريب لهذا البلد الذي هو في حالة حرب.

ماذا يعني ترشيح أوكرانيا لعضوية الاتحاد الأوروبي؟

حتى بعد صدور قرار ترشيح أوكرانيا لعضوية الاتحاد الأوروبي بهذه الطريقة الاحتفالية، فإن عملية الانضمام قد تستغرق سنوات قبل اكتمالها.

كما أن صفة "مرشح" ليست مرادفة للعضوية التلقائية، كما يُظهر مثال تركيا، الموجودة في هذه الحالة منذ سنوات طويلة، حيث يعد منح صفة "مرشح" الخطوةَ الأولى على طريق طويل. فالعديد من الدول المرشحة لم تنضم بعد إلى الاتحاد الأوروبي. هذا هو حال تركيا وكذلك دول البلقان، من الجبل الأسود إلى صربيا، عبر ألبانيا.

فهذا القرار الذي اتُّخذ خلال قمة رؤساء دول وحكومات الاتحاد في بروكسل، بداية عملية طويلة ومعقدة قد تفضي أو لا تفضي إلى انضمام للتكتل.

وقال مسؤول أوروبي كبير: "وضع المرشح هذا قابل للعكس". إذا تم منح كييف وضع المرشح، فبإمكان المجلس الأوروبي أن يقرر سحبها منها.

إليك المعايير التي يجب على أوكرانيا تطبيقها

ويشكل الاعتراف بوضع الدولة المرشحة بداية عملية طويلة مع صياغة المفوضية لـ"استراتيجية ما قبل الانضمام"، أي برنامج دعم للإصلاحات اللازمة، من أجل ملاءمة الشروط الأوروبية، التي تحمل اسم "معايير كوبنهاغن"، والتي أقرها الاتحاد الأوروبي في قمة كوبنهاغن (الدنمارك) عام 1993.

وتتضمن المعايير الأوروبية للانضمام ثلاثة شروط أساسية: الأولى سياسية (الديمقراطية وسيادة القانون وحماية الأقليات)، والثانية اقتصادية (السوق القابل للاستمرار)، والثالثة الالتزام بإدخال قواعد القانون الأوروبي.

وقالت رئيسة المفوّضية أورسولا فون دير لاين، قبل صدور القرار: "نفذت أوكرانيا بالفعل ما يقرب من 70% من قواعد الاتحاد الأوروبي وقواعده ومعاييره"، ولكن لا يزال هناك الكثير الذي يتعين القيام به في مجالات مثل "سيادة القانون، وحكم القلة، ومكافحة الفساد، والحقوق الأساسية". وشددت على أن ما سيحدث بعد ذلك "يعتمد كلياً على أوكرانيا" وكيف "تنفذ الإصلاحات المهمة".

وأشارت إلى قول المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل، إن كثيراً من الإصلاحات يمكن القيام بها حتى في زمن الحرب. وقالت إن "الحكومة والبرلمان الأوكرانيَّين يعملان، وستقوم المفوضية بإجراء تقييم أولي للتقدم المحرز بحلول نهاية العام".

ولكن كثيرين يعتقدون أن أوكرانيا أبعد ما تكون عن تطبيق معايير الانضمام للاتحاد الأوروبي.

الأمر قد يستغرق سنوات طويلة

تستغرق عملية التحول من وضع "مرشح" إلى الانضمام سنوات طويلة، فرومانيا على سبيل المثال، نالت وضع "مرشح" عام 1995، وانتظرت حتى عام 2007 للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.

ومع ذلك، يمكن للمرء أن يتخيل أن عملية الانضمام تتسارع بسبب المعايير السياسية، كما كان الحال إلى حد ما مع اليونان، التي خرجت من ديكتاتورية عسكرية في عام 1974 ودخلت الاتحاد الأوروبي في عام 1981، كان السبب الرغبة في دعم الديمقراطية اليونانية الفتيَّة وأن يؤدي تسريع القرار إلى إدخال أول دولة أرثوذكسية وبلقانية للاتحاد الأوروبي.

ترشيح أوكرانيا لعضوية الاتحاد الأوروبي
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل/رويترز

ولكن في السنوات الماضية، تراجعت رغبة الاتحاد الأوروبي في توسيع حدوده، خاصة بعد أن بدأت دول أوروبا الشرقية التي كانت تقف على أبواب الاتحاد الأوروبي قبل الانضمام، تتنمر على بروكسل وعلى الدول الكبرى مثل ألمانيا وفرنسا، كما يظهر في بولندا، التي رفضت جعل القوانين والقواعد الأوروبية تعلو قوانينها المحلية، والمجر المتهم رئيس وزرائها فيكتور أوربان بالاستبداد، ومخالفة القيم الأوروبية، دون أن يستطيع الاتحاد الأوروبي معاقبة الدولتين بعد ضمانهما العضوية الكاملة.

ويعود تاريخ آخر دخول، إلى الاتحاد الأوروبي لعام 2013، ومنذ ذلك الحين، كان خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي هو الحدث الذي لفت الانتباه في عام 2016. 

ورغم ذلك يمثل القرار المفوضية تطوراً رمزياً بفضل التضامن الذي خلقته الحرب الروسية ضد أوكرانيا، فحتى عام 2021، لم تكن فرنسا ولا ألمانيا ولا إيطاليا تحديداُ تؤيد، انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي.

على خطى بولندا المجاورة.. حلم يراودهم منذ انهيار الاتحاد السوفييتي؟

كان حلم الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وفقاً لاستطلاعات الرأي، أقوى لدى الأوكرانيين، حتى من حلم الانضمام إلى الناتو، والحلم الأخير دفعوا ثمنه غالياً عبر الهجوم الروسي حيث كان أولى الذرائع التي استخدمها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لتبرير حربه على البلاد.

وكان كثيرون في أوكرانيا وأوروبا يأملون أن موسكو ليس لديها درجة الاعتراض نفسها على انضمام كييف للاتحاد الأوروبي مقارنة برفضها الصارم لانضمامها للناتو.

واليوم أصبحت الحرب الروسية على أوكرانيا عائقاً رئيسياً أمام هذا الحلم، فرغم التضامن والدعم الأوروبيَّين الكبيرين، لا تريد أغلب الدول الأوروبية أن تصبح شريكة لدولة ربع أرضها محتلة وتخوضاً حرباً مع قوة عظمى مدججة بالسلاح النووي والتقليدي.

وإضافة إلى التخريب الذي سببته الحرب للإصلاحات المفترض أن تنفذها أوكرانيا، فإنه في أفضل السيناريوهات بعد نهاية الحرب التي لا يعرف أحدٌ موعدها، سوف تكون البلاد محتلة جزئياً ومدمرة ومنخرطة في حالة محاولة تصليب الجبهة الداخلية للبلد الذي ينحدر نحو خُمس سكانه من أصول روسية، ونصفهم يتحدث باللغة الروسية، وهي عملية قد تتضمن انتهاكات حقوقية، تضاف إلى سجل البلاد المنافي للقيم الأوروبية المفترضة.

وكانت أوكرانيا تأمل في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي لجني فوائد اقتصادية ملموسة، ففي عام 1990، عند نهاية التجربة الشيوعية، كانت بولندا وأوكرانيا فقيرتين للغاية، وكان لديهما الناتج المحلي الإجمالي نفسه للفرد. اليوم يبلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي لبولندا 15 ألف دولار، أي أربعة أضعاف نظيره في أوكرانيا. ومن الواضح أن الأوكرانيين يرجعون هذا الاختلاف إلى الاتحاد الأوروبي.

قوى أوروبية رئيسية لا تثق بأوكرانيا

كان هناك قدر كبير من عدم الثقة لدى كثير من الأوروبيين بهذا البلد، المرتبط بعلاقات تاريخية وإثنية مع روسيا، لأنه كان في حرب كامنة منذ عام 2014 مع موسكو، وهي حرب لم تكن ضرورية، من وجهة نظر بعض قادة دول أوروبا، حسب تقرير لصحيفة  Le Figaro الفرنسية.

وتجدد التعبير عن هذا الموقف الذي يلمح إلى أن أوكرانيا تتحمل جزءاً من مسؤولية الأزمة مع موسكو، عندما طالب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، مؤخراً، بعدم إهانة روسيا، فهاجمه قادة كييف بسرعة، وقالوا إن تصريحاته تهين فرنسا.

الفساد مستشرٍ في الجيش وما زال مستمراً رغم الحرب

كان عدم الثقة أيضاً بسبب الفقر، حيث يمثل الناتج المحلي الإجمالي الأوكراني حتى قبل بدء الصراع نحو 60% من الناتج المحلي الإجمالي لرومانيا، وهي واحدة من أفقر البلدان في الاتحاد الأوروبي وسكانها يقاربون نصف عدد سكان أوكرانيا.

والفساد، كان سبباً رئيسياً للتحفظ على ترشيح أوكرانيا لعضوية الاتحاد الأوروبي، فهي المرتبة الـ122 من أصل 193 دولة في مقايس الشفافية الدولية لعام 2021.

فالفساد مستشرٍ حتى في الجيش الأوكراني، لدرجة إن صحيفة The Times البريطانية نشرت تقريراً عنه بعنوان "الفساد يترك قوات الاحتياط الأوكرانية بلا أسلحة أو إمدادات"، رصد رحلة الفساد في صفوف الجيش الأوكراني والتي يبدو أن الهجوم الروسي قد أصابها بالتباطؤ لفترة قصيرة للغاية قبل أن تعاود سرعتها المعتادة.

وقبل الحرب قُدِّر أنَّ نحو 30% من ميزانية الدفاع تُفقَد بسبب "أوجه القصور"، وضمنها الفساد، حسب تقرير نشره جهاز مكافحة الفساد في القطاع الدفاعي"Nako".

هل أوكرانيا دولة ديمقراطية؟

قبل بضع سنوات فقط، كانت فكرة وجود أوكرانيا داخل الاتحاد الأوروبي تبدو غير واقعية، إن لم تكن مستحيلة. كانت كييف في كثير من الأحيان محبطة وخيبة أمل لزعماء الاتحاد الأوروبي.

تعاقب على السلطة في البلاد بعد استقلالها عن الاتحاد السوفيتي، قادة ديمقراطيون ومؤيدون للغرب جاءوا عبر صناديق الاقتراع في انتخابات كانت حرة ونزيهة نسبياً، على الأقل مقارنة بروسيا المجاورة. 

ومع ذلك، فشل رؤساء البلاد المتعاقبون يوشينكو وتيموشينكو وبوروشينكو في الوفاء بوعودهم الإصلاحية، فازدهر الفساد ووجدت أوكرانيا نفسها مع عدد من الديكتاتوريات الإفريقية بالقرب من قاع مؤشر منظمة الشفافية الدولية للحكم الرشيد. بدا أن الأوليغارشية الأوكرانية تسيطر على النظام السياسي بقبضة أكثر إحكاماً حتى من نظرائهم في روسيا. 

حتى عندما وصل نجم تلفزيون الواقع السابق والرئيس الأوكراني الحالي، فولوديمير زيلينسكي، إلى السلطة في حملة لمكافحة الفساد كرئيس لحزب خادم الشعب، كان ذلك إلى حد كبير بسبب التمويل السخي من أحد مليارديرات الأوليغارشية الأوكرانية المثيرة للجدل.

أوروبا تتجاهل التمييز بحق الأقلية الروسية وإقالة رئيس منتخب لأنه موالٍ لموسكو

اللافت، أن التقارير الأوروبية في تقييمها لديمقراطية أوكرانيا، تتجاهل دوماً حقيقة أن أحد أكبر مظاهر انتهاك الديمقراطية وضوحاً في البلاد، حدث عندما أطاحت المعارضة الموالية للغرب والمتحمسة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، عام 2014، بالرئيس المنتخب فيكتور يانوكوفيتش، الحليف لموسكو، بعد رفضه التوقيع على اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي.

وبصرف النظر عن خطأ القرار أو صحته، أو علاقة يانوكوفيتش ببوتين، كانت عملية الإطاحة به انتهاكاً سافراً للديمقراطية، ولحقوق الناخبين الذين صوتوا له وأغلبهم من سكان الشرق والجنوب الأوكراني الناطقَين بالروسية، والذين احتجوا بدورهم فيما عُرف بالربيع الروسي في أوكرانيا، والذي حاولوا فيه تقليد منافسيهم في العاصمة كييف والغرب الأوكراني عبر الإطاحة بالسلطة الجديدة عن طريق احتجاجات الشوارع قبل أن تتدخل روسيا بضم القرم وتشجيع انفصال إقليم الدونباس، مما حوَّل الوضع من أزمة داخلية أوكرانية إلى عدوان روسي خارجي، الأمر الذي جعل جزءاً من الأوكرانيين الموالين ليانكوفيتش والميّالين إلى موسكو تقليدياً يتغير موقفهم ويُوقفون الاحتجاجات، وهو ما أنقذ البلاد من كارثة أكبر.

ترشيح أوكرانيا لعضوية الاتحاد الأوروبي
خريطة التصويت للرئيس الموالي للغرب فيكتور يوشتشينكو ومنافسه فيكتور يانوكوفيتش الموالي لروسيا في عام 2004 تظهر إنقسام إقاليم البلاد بين الأحزاب الموالية لموسكو في الشرق والجنوب، والأحزاب الموالية لأوروبا وأمريكا في الغرب والوسط/ويكيبيديا

وبينما يتحدث الاتحاد الأوروبي عن أبسط انتهاكات حقوق الإنسان في بقاع العالم، فإنه لا يتحدث عن الممارسات والتمييز من قِبل كييف منذ عام 2014 ضد اللغة الروسية التي يتحدث بها كلغة أولى أكثر من ثلث السكان، ويجيدها أكثر من نصفهم، في ممارسات أدانتها منظمة هيومان رايتس واتش بشدة.

كما تدخلت الحكومات بأوكرانيا باستمرار في استقلال القضاء، وقام صندوق النقد الدولي بتعليق شرائح عديدة من حزم الدعم الاقتصادي للبلاد، حيث رأى أن كييف لم تكن جادة بشأن أشياء مثل تنفيذ الإصلاح الضريبي أو إلغاء دعم الطاقة.

ولم يوفر التناوب المستمر للوزراء وكبار المسؤولين في مناصبهم الاستقرار والتركيز المستمر اللازمَين لإجراء إصلاحات حقيقية. بدا البرلمان على أنه مجموعة من مجموعات المصالح أكثر من كونه هيئة تشريعية حقيقية.

وفي مواجهة إحباط الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، كانت أوكرانيا تضغط بانتظام لمنحها وضعاً خاصاً أو شكلاً جديداً من الارتباط قبل أن تمتثل لالتزامات إصلاح كل مرحلة.

ومن المؤكد أن تلك الدول الأعضاء أُعجبت بالحشود في الميادين بكييف وهي تتزين بألوانها البرتقالية وتلوّح بأعلام الاتحاد الأوروبي باللونين الأزرق والذهبي في عام 2013؛ لكنهم يئسوا من أن الطبقة السياسية والبيروقراطية الأوكرانية التي لا تزال مرتبطة بالعادات السوفييتية القديمة، ستكون قادرة على تحقيق التطلعات الشعبية للديمقراطية ومستويات معيشية أعلى.

والنتيجة نزح أكثر من مليوني أوكراني بدلاً من بلادهم إلى بولندا المجاورة؛ بحثاً عن حياة أفضل، حسبما ورد في تقرير لموقع أصدقاء أوروبا Friends of Europe.

أوضحت المستشارة الألمانية السابقة، ميركل مؤخراً، في أول مقابلة لها مع وسائل الإعلام الألمانية منذ تركها منصبها، أن الفساد المستشري والافتقار إلى الإصلاح في أوكرانيا جعلا من غير المعقول بالنسبة لها خلال توليها منصب المستشارية، اعتبار أوكرانيا عضواً مستقبلياً في الاتحاد الأوروبي.

لا يريدون إعطاء العضوية للجمهوريات السوفييتية السابقة

هناك عوامل أخرى لها وزنها أيضاً في تأخر ترشيح أوكرانيا لعضوية الاتحاد الأوروبي خلال السنوات الماضية.

أحدها أن الاتحاد الأوروبي لم يمنح الدول التي تنتمي إلى الاتحاد السوفييتي السابق- باستثناء دول البلطيق الثلاث التي هي تاريخياً قريبة من أوربا- الضوء الأخضر للتقدم بطلب للحصول على وضع "مرشح"، وهو ما يظهر في عدم ضم مولدوفا الجمهورية السوفييتية التي تقع بين أوكرانيا وبولندا، (قبل أن يشملها القرار الأخير).

كان هذا على النقيض من موقف الاتحاد الأوروبي الذي قدمه قادة الاتحاد في عام 2002، عند انتهاء النزاعات في غرب البلقان، إلى الدول الناشئة حديثاً بهذه المنطقة. 

وبعد ذلك، انضمت سلوفينيا وكرواتيا بالفعل إلى الكتلة، وبدأت صربيا والجبل الأسود مفاوضاتهما لاستكمال الفصول الـ35 المطلوبة لعضوية الاتحاد الأوروبي، وضغطت ألبانيا ومقدونيا على بروكسل بشدة للحصول على موعد محدد لبدء عملية انضمامهما.

على النقيض من ذلك، قدَّم الاتحاد الأوروبي فقط أشكالاً مختلفة من الشراكة لدول الشرق السوفييتية السابقة- مثل سياسة الجوار الأوروبية أو الشراكة الشرقية- والتي من شأنها أن تجعل دول المنطقة أقرب إلى معايير وأسواق الاتحاد الأوروبي ولكن بدون جزرة العضوية النهائية. 

وكان السؤال الذي يثيره هذا الوضع المعلق، هو: لماذا تكون أوكرانيا مستعدة لإجراء إصلاحات مؤلمة، والتخلي عن الشركات التي تديرها الدولة والتخلص من الطاقة الروسية الرخيصة بدون جائزة العضوية النهائية في الاتحاد الأوروبي؟

عامل آخر وهو معارضة روسيا لتوثيق الصلة بين أوكرانيا والاتحاد الأوروبي. فلقد كان رفض موسكو لتوسُّع الناتو في بلدان وسط وشرق أوروبا معروفاً بالطبع منذ فترة طويلة، ولكن كان من المفترض على نطاق واسع أن موسكو لن تكون مستاءة من التعاون بين الاتحاد الأوروبي وأوكرانيا، لأن هذا سيكون في الأساس اقتصادياً بطبيعته ولن يكون أمنياً وعسكرياً.

ومع ذلك، وعشية توقيع اتفاقية تجارة حرة عميقة وشاملة مع الاتحاد الأوروبي في مارس/آذار 2014، تعرض الرئيس الأوكراني، فيكتور يانوكوفيتش، لضغوط من موسكو للتخلي عن الصفقة مع بروكسل والاشتراك بدلاً من ذلك في اتحاد بوتين الأوراسي. أثار هذا التحول في اللحظة الأخيرة مظاهرات كبيرة مناهضة للحكومة أدت إلى سقوط نظام يانوكوفيتش.

ترشيح أوكرانيا لعضوية الاتحاد الأوروبي
الرئيس الأوكراني مع ينس ستولتنبرغ، أمين عام حلف الناتو/رويترز

يقول المدافعون عن انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي، وضمن ذلك بعض المسؤولين في الدول التي كانت متحفظة سابقاً، إن الملاحظات السابقة حول الفساد والإصلاحات غير ملائمة في الظروف الحالية.

فلقد وحَّدت الحرب الأوكرانيين وجعلت قادتهم السياسيين يتفوقون على المكائد اليومية التي أربكت السياسة الأوكرانية من قبل، لاسيما عندما يتعلق الأمر باستقلال القضاء وعمل المفوضية الانتخابية. 

مع ذلك، ليس هناك ما يضمن أنه بمجرد انتهاء الحرب، ألا تستعيد الأوليغارشية ورؤساء الأحزاب المحلية نفوذهم. كما لا يمكن استبعاد أي نفوذ روسي أكبر على السياسة والشؤون الداخلية الأوكرانية، في ظل حقيقة أن نحو 17% من الأوكرانيين من أصول روسية.

ومع ذلك، هناك سبب آخر للتردد أيضاً، خاص بمجمل فكرة التوسع.

فلقد أبرزت الأزمات والصدمات التي كان على الاتحاد الأوروبي تحمُّلها منذ مطلع القرن، أولوية تعميق الاتحاد على توسيعه.

الأزمات جعلت فكرة توسع الاتحاد أقل شعبية

أدت الأزمة المالية في عام 2008 وإمكانية إجبار اليونان على الخروج من منطقة اليورو إلى تحركات نحو اتحاد مصرفي في الاتحاد الأوروبي وتخفيف الديون المتبادلة.

ومع تزايد الأعباء والمسؤوليات المشتركة بين دول الاتحاد الأوروبي مثلما ظهر خلال جائحة COVID-19، بات هناك شعور سائد بأن العديد من الأعضاء الجدد في الاتحاد الأوروبي قد تم قبولهم قبل الأوان وقبل أن يستوفوا معايير الاتحاد الأوروبي بالكامل وأصبحوا عبئاً مالياً كبيراً جعل قادة الاتحاد الأوروبي أكثر حذراً.

وضغطت فرنسا من أجل وقف مؤقت لمدة خمس سنوات على الأقل قبل أن يشرع الاتحاد الأوروبي في مزيد من مفاوضات العضوية.

اليوم، وفي الوقت الذي تصارع فيه الكتلة أزمة الطاقة، وتسعى لتقليل اعتمادها على روسيا والصين، وتحسين مرونة سلاسل التوريد، والتحول للاقتصاد الأخضر والرقمي وتعزيز قدراتها العسكرية، هناك إحجام عن التورط مجدداً في استيعاب الأعضاء الجدد ذوي الاقتصادات الضعيفة والإدارات العامة والسلطات القضائية المتعثرة.

فرنسا تقترح إطاراً أوسع من الاتحاد الأوروبي

في المقابل، يرغب العديد من الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي، لا سيما فرنسا، في المضي قدماً في خلق تكامل مع الدول الأوروبية المرشحة للعضوية دون التعجيل بانضمامها. 

ومن هنا جاءت الفكرة الفرنسية التي لا تزال غامضة والفضفاضة، عن المجتمع السياسي الأوروبي الأوسع من الاتحاد الأوروبي والخالي من أغلب مميزاته.

وفي الأغلب فإن خطة فرنسا هذه تهدف إلى تمييع مسألة الانضمام، لصالح ما يسمى فكرة المجتمع الأوروبي الواسع الذي يمكن أن يضم روسيا في يوم من الأيام (كما ألمح ماكرون)، لأن التلويح بجزرة العضوية مع خلق كيان بديل يقوده فعلياً الاتحاد الأوروبي، عبر قدراته المالية والابتزاز بمسألة الانضمام، من شأنه إعطاء الدول الكبيرة في الاتحاد الأوروبي نفوذاً على دول التجمع المقترح.

ويزيد إلحاح مثل هذه الخطة المقترحة بالنسبة لفرنسا، وغيرها من القوى الأوروبية الكبرى كإيطاليا وبصورة أقل ألمانيا، مع حالات الانضمام المحتملة للدول المتوسطة السكان مثل أوكرانيا، التي تمثل عبئاً اقتصادياً أكبر، وقد تصبح مشاغبة ومعتدَّة بنفسها إذا انضمت إلى الاتحاد الأوروبي وتعافى اقتصادها مثلما حدث مع بولندا والمجر وغيرهما من دول أوروبا الشرقية، التي أصبحت بعد العضوية الكاملة، قادرة على فرض فيتو على سياسات الاتحاد والتبجح في وجه دوله الكبيرة المؤسِّسة مثلما تفعل مع ألمانيا وفرنسا.

تحميل المزيد