سيفيرودونيتسك.. كيف تحولت المدينة الصغيرة إلى حجر الزاوية في سيطرة روسيا على إقليم دونباس بالكامل؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/06/21 الساعة 16:49 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/06/21 الساعة 16:50 بتوقيت غرينتش
دبابة تابعة لقوات روسية في أوكرانيا - رويترز

سيفيرودونيتسك مدينة صغيرة في منطقة لوغانسك تمثل هدفاً استراتيجياً للقوات الروسية الساعية إلى حسم سيطرة الانفصاليين المدعومين من موسكو على إقليم دونباس بالكامل، فإلى أين وصلت مقاومة القوات الأوكرانية هناك؟

وعلى مدى نحو شهرين يتردد اسم سيفيرودونيتسك في تغطية الهجوم الروسي على أوكرانيا، الذي بدأ يوم 24 فبراير/شباط، وتصفه موسكو بأنه "عملية عسكرية خاصة" بينما يصفه الغرب بأنه "غزو"، لكن يبدو أن تلك المعركة الفاصلة قد وصلت إلى محطتها الأخيرة.

وتشبه معركة سيفيرودونيتسك، إلى حد كبير، معركة أخرى كبيرة في الحرب الدامية وهي معركة ماريوبول الساحلية الاستراتيجية، التي كانت القوات الروسية قد سيطرت عليها باستثناء مجمع آزوفستال للصلب، الذي تحصنت فيه القوات الأوكرانية وميليشيات آزوف اليمينية المتطرفة قبل أن تضطر في نهاية الأمر إلى الاستسلام لتقع المدينة بالكامل في قبضة القوات الروسية.

كيف وصف الأمريكيون معركة سيفيرودونيتسك؟

"بعد مرور شهرين، روسيا لا تزال تصارع للسيطرة على تلك المدينة الأوكرانية الصغيرة"، تحت هذا العنوان نشرت شبكة CNN الأمريكية، الإثنين 20 يونيو/حزيران، تقريراً رصد الأوضاع على الأرض في سيفيرودونيتسك وكيف أن القوات الروسية لا تزال عاجزة عن إحكام سيطرتها عليها.

ونقل تقرير الشبكة الأمريكية، عن مصادر أوكرانية وغربية، تركيز المقاومة الأوكرانية وجودها في مصنع آزوت للكيماويات في سيفيرودونيتسك، الذي يوجد به نحو 500 مدني، منهم عشرات الأطفال، كملجأ من الهجوم الروسي، وشبهت المصادر الغربية الموقف بما حدث في مجمع آزوفستال في ماريوبول من قبل. لكن الفوارق الكبيرة بين المجمعين الصناعيين، وأبرزها المساحة الأصغر في آزوت وعدم وجود أنفاق ومخابئ تحت الأرض مقارنة بآزوفستال، تجعل مهمة المدافعين في سيفيرودونيتسك أكثر صعوبة.

وبحسب تقييم لمعهد دراسات الحرب، وهو مركز بحثي مقره واشنطن، فإن "القوات الروسية تتكبد على الأرجح خسائر متزايدة، ومن المتوقع أن يؤدي اعتماد روسيا على قوات الاحتياط والعتاد العسكري القديم، مثل دبابات T-62 من الحقبة السوفييتية، إلى تعقيد مهمة السيطرة على المجمع الصناعي آزوت، وبالتالي مدينة سيفيرودونيتسك بالكامل، مما يؤدي إلى إطالة أمد المعركة".

أوكرانيا
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي – Getty Images

وكانت مصادر أمريكية قد قالت قبل أيام، إن القوات الروسية باتت تسيطر على أكثر من 80% منها، بحسب تقرير لمجلة Politico الأمريكية، حيث أصبحت المدينة هي المعقل الرئيسي الأخير للقوات الأوكرانية في منطقة دونيتسك، وهو ما يعني أن سقوطها بالكامل لصالح الروس والانفصاليين سيجعل تقدُّم الروس في ما تبقى من أراضي الإقليم أكثر سرعة، وقد تضطر القوات الأوكرانية المتبقية إلى الاستسلام.

لكن تقرير "سي إن إن" الأخير وتقييم "معهد دراسات الحرب" في واشنطن بدوا كأنهما ترجيح لأحد السيناريوهات في سيفيرودونيتسك، وتحديداً ذلك الخاص بتوقُّع أن تنجح أوكرانيا- بدعم من حلفائها الغربيين- في تجميد التقدم الروسي وإطالة أمد الحرب لأشهر أو حتى لسنوات، وهو ما يعني خسائر فادحة في صفوف الطرفين.

إلى أين وصلت الأمور على الأرض في دونباس؟

لكن التقارير الواردة الثلاثاء 21 يونيو/حزيران من إقليم دونباس، حيث تقع مدينة سيفيرودونيتسك، تشير إلى أن سقوط المدينة بالكامل بين أيدي القوات الروسية ربما يكون مسألة وقت، أيام أو أسابيع على الأكثر.

إذ أقرت أوكرانيا بالصعوبات في القتال الذي تواجهه، حيث استولت القوات الروسية على أراض على امتداد نهر على خط المواجهة وشددت الضغط على مدينتين رئيسيتين، سيفيرودونيتسك إحداهما.

وقال حاكم منطقة لوغانسك، سيرهي جايداي، التي شهدت أعنف الهجمات الروسية في الأسابيع القليلة الماضية، إن الوضع كان "صعباً للغاية" على طول خط المواجهة بأكمله حتى مساء الإثنين، وإن الجيش الروسي حشد قوات احتياط كافية لبدء هجوم واسع النطاق. وأضاف أن القوات الروسية شنت هجوماً كبيراً وسيطرت على بعض الأراضي يوم الإثنين، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن هدوءاً نسبياً ساد في أثناء الليل.

لكنه قال إنه "هدوء يسبق العاصفة". كما توقع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، أن تصعّد موسكو هجماتها قبل قمة الاتحاد الأوروبي يومي الخميس والجمعة. وفي خطابه الليلي المعتاد للأمة، أبان عن تحدٍّ بينما أشار أيضاً إلى القتال "الصعب" في لوغانسك للسيطرة على سيفيرودونيتسك ومدينتها التوأم ليسيتشانسك.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين

وقال: "ندافع عن ليسيتشانسك وسيفيرودونيتسك، هذه المنطقة بأكملها… نواجه أشرس قتال هناك… لكن لدينا رجالنا وفتياتنا الأقوياء هناك"، بحسب رويترز. بينما قال جايداي إن القوات الروسية سيطرت على معظم مناطق سيفيرودونتسك باستثناء مصنع آزوت للكيماويات، وأضاف أن الطريق الذي يربط بين سيفيرودونتسك وليستشانسك بمدينة باخموت يتعرض لقصف مستمر.

لكن التقارير الغربية لا تزال تصر على أن القوات الروسية لم تكمل بعدُ تطويق القوات الأوكرانية، التي كانت تلحق بهم "خسائر كبيرة". بينما قال الانفصاليون الموالون لموسكو إنهم استولوا على توشكيفكا، وهي بلدة تقع على الضفة الغربية لنهر سيفيرسكي دونيتس، جنوب سيفيرودونيتسك، التي تسيطر عليها أوكرانيا.

واعترف جايداي بأن الهجوم الروسي على توشكيفكا حقق "درجة من النجاح"، وأكد التقارير الصادرة عن الجانب الروسي بأن القوات الروسية استولت على ميتيولكين.

وقال روديون ميروشنيك سفير جمهورية لوغانسك الشعبية لدى روسيا، إن قواتها "تتحرك من الجنوب نحو ليسيتشانسك" مع اندلاع معارك في عدد من البلدات المجاورة. وأضاف على تطبيق تليغرام: "الساعات المقبلة يجب أن تُحدث تغييرات كبيرة في ميزان القوى بالمنطقة".

هل تُفشل روسيا خطة "الاستنزاف"؟

ويمكن القول إن الحرب في أوكرانيا قد دخلت مرحلة استنزاف وحشية خلال الأسابيع القليلة الماضية، حيث ركزت القوات الروسية قوتها المدفعية الساحقة على الأجزاء التي تسيطر عليها نظيرتها الأوكرانية من دونباس.

فالمخابرات العسكرية البريطانية قالت الثلاثاء، إن القوات الأوكرانية استخدمت بنجاح، الأسبوع الماضي، لأول مرة، صواريخ هاربون المضادة للسفن التي تبرع بها الغرب للاشتباك مع القوات الروسية.

وأضافت وزارة الدفاع في تحديثها اليومي على تويتر: "كان هدف الهجوم بصورة شبه مؤكدة هو زورق القَطر الروسي فاسيلي بيخ الذي كان ينقل أسلحة وأفراداً إلى جزيرة في شمال غربي البحر الأسود".

صواريخ جافلين المضادة للدبابات خلال وصولها أوكرانيا بدعم من حلف الناتو، أرشيفية /getty images

وفي الوقت نفسه، قال وزير الدفاع الأوكراني أوليكسي ريزنيكوف إن مدافع هاوتزر الألمانية ذاتية الدفع وصلت إلى أوكرانيا في أول شحنة أسلحة ثقيلة وعدت بها برلين، بعد أن كانت أوكرانيا قد ناشدت الغرب إرسال عدد أكبر وأفضل، من المدافع بعد نفاد ذخيرتها من ترسانتها الحالية التي تعود إلى الحقبة السوفييتية، والتي تتضاءل أمام الترسانة الروسية.

وقال ريزنيكوف على وسائل التواصل الاجتماعي: "قمنا بسد النقص… انضمت البانزرهاوبتز 2000 الألمانية مع أطقم أوكرانية مدربة إلى سلاح المدفعية الأوكراني".

وتعد مدافع بانزرهاوبتز 2000 أحد أقوى أسلحة المدفعية في مخزونات الجيش الألماني ويمكنها إصابة أهداف على بعد 40 كيلومتراً. وكانت ألمانيا قد تعهدت في مايو/أيار الماضي، بتزويد كييف بسبعة مدافع هاوتزر ذاتية الدفع إضافة إلى خمسة من أنظمة المدفعية نفسها وعدت هولندا بتقديمها.

ولا شك في أن روسيا تدرك ذلك جيداً، وهو ما يعني أن القوات الروسية سوف تكثف هجومها لإتمام السيطرة على سيفيرودونيتسك بالكامل في أقرب وقت ممكن، لأن ذلك يعني أن السيطرة على ما تبقى من منطقة لوغانسك سيكون أكثر يسراً، ومن ثم قد يؤدي ذلك أيضاً إلى قطع خطوط الإمداد عن القوات الأوكرانية المتبقية فيما تبقى من أراضٍ في منطقة دونيتسك.

وتمثل منطقتا لوغانسك ودونيتسك الانفصاليتان معاً إقليم دونباس، وكان اعتراف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين باستقلالهما قبل الهجوم بثلاثة أيام- رغم إعلانهما الاستقلال عام 2014- إيذاناً بأن الحرب باتت وشيكة بالفعل. إذ إن الانفصاليين كانوا يسيطرون فقط على ثلث أراضي إقليم دونباس بينما يسيطر الأوكرانيون على الثلثين، وكانت قوات الطرفين متواجهة على طول خط التماس، الذي فرضته اتفاقيات مينسك عام 2015.

وبعد أن نجحت روسيا، الأسبوع الماضي، في فتح ممر بري يربط دونباس بشبه جزيرة القرم، التي ضمتها موسكو عام 2014، وهو أحد أهم أهداف بوتين من الهجوم على أوكرانيا، يسابق الكرملين الزمن الآن للسيطرة على إقليم دونباس بالكامل، لأن ذلك يعني تحقيق أحد أهم الأهداف المتبقية للروس من جهة، ولأنه يعني قطع الطريق على استراتيجية الغرب الهادفة إلى "استنزاف" روسيا لأطول فترة زمنية ممكنة.

تحميل المزيد