أعطال السيارات الأكثر شيوعاً تتعلق بالإطارات، والسبب الرئيسي في تلك الأعطال مرتبط بالهواء المضغوط ونسبته داخل الإطار، فماذا لو كان إطار السيارة لا يحتاج للهواء من الأساس؟
تعمل الشركات المتخصصة في إنتاج إطارات السيارات منذ أكثر من عقد من الزمان على إنتاج إطارات سيارات لا يقوم عملها على الهواء، في محاولة لجعل الحلقة الأضعف في السيارات أكثر صلابة، لكن يبدو أن هذا الحلم لم يعد خيالاً علمياً؛ بل اقترب كثيراً من أن يصبح أمراً واقعاً.
تجربة عملية على سيارة تيسلا الكهربائية
خلال شهر مايو/أيار الماضي، شارك مجموعة من الصحفيين في تجربة عملية لتلك الإطارات بالفعل، بحسب تقرير لموقع Yahoo.com، رصد نتيجة التجربة التي تمت على أحد الطرق التجريبية الخاصة بشركة Goodyear للإطارات. وتم تركيب الإطارات على سيارة كهربائية من إنتاج شركة تيسلا، الأمريكية التي يمتلكها أغنى رجل في العالم إيلون ماسك.
وعلى ذلك الطريق التجريبي في لوكسمبورغ، انطلقت سيارة تيسلا موديل 3 عبر الزوايا الضيقة، حيث سارت بسرعة وتوقفت عند الضرورة وحالات الطوارئ. وبحسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية BBC، كانت تلك مشاهد اعتدنا على رؤيتها، ومع ذلك، اللافت للانتباه هو أن السيارة مستندة على أربعة إطارات خالية من الهواء من صنع شركة Goodyear الأمريكية الشهيرة.
والإطار عبارة عن دعامات بلاستيكية خاصة، تدعم السطح المطاطي الرقيق الذي يلامس الأرض، ويمكن رؤية تلك الدعامات تنثني وتلتوي وتمتص الصدمات حين تسير السيارة، وكأنها إطارات تقليدية معبأة بالهواء المضغوط.
وتحدث مايكل راتشيتا، كبير مديري برنامج متعلق بالإطارات غير الهوائية في الشركة الأمريكية، صراحة عن العراقيل والمشاكل التي يواجهونها في هذا المجال: "سيكون هناك بعض الضجيج والاهتزازات. ما زلنا نتعلم كيفية جعل الإطار مرناً مثل الإطار الهوائي. لكننا نعتقد أنك ستتفاجأ بأدائه".
راتشيتا ليس مخطئاً في تقييمه، إذ تعمل السيارات الكهربائية والسيارات ذاتية القيادة على تغيير الحاجة إلى الإطارات بالفعل. كما تبحث شركات التوصيل وخدمات النقل عن منتجات لا تحتاج إلى الصيانة إلا ما ندر، ومقاومة للثقوب وقابلة للتدوير وتحتوي على أجهزة استشعار تحدد أحوال الطريق.
مشاكل إطارات السيارات لا تنتهي
يتزايد الإقبال على الاشتراك في سيارات الأجرة مع الآخرين في المدن، بدلاً من امتلاك سيارة خاصة والسيارة التي تُثقب عجلتها لا تدر دخلاً.
ولا يزال من الشائع رؤية سيارة وهي تسير بإطار مثقوب خال من الهواء أو رؤية أحدهم على أحد جانبي الطريق وهو يقوم بتغيير إطار سيارته. كما لا يزال البعض مضطراً إلى تحمُّل كلفة استبدال إطار تهالك وتلف قبل الأوان، ربما لأنه نسي أن يفحص ضغط الهواء فيها بانتظام كما ينبغي.
أحياناً لا يصعب إدراك أن الإطارات هي الحلقة الضعيفة في السيارة، لكن هل هذا على وشك التغيير؟ هل هي نهاية الكعكة المطاطية السوداء المليئة بالهواء والتي استخدمت لأول مرة في المركبات في تسعينيات القرن التاسع عشر وانتجت لتكون غير قابلة للتدمير، وبالتالي ليس من السهل إعادة تدويرها؟
قال راتشيتا لهيئة الإذاعة البريطانية: "صحيح أن الإطارات الهوائية ستظل موجودة، لكن ثمة حاجة إلى مزيج من الحلول. ونحن ننتقل إلى عالم أصبحت فيه المركبات ذاتية القيادة أكثر شيوعاً والعديد من المدن تعتمد استراتيجيات خدمات للنقل ووجود إطار لا يحتاج إلى صيانة، أمر في غاية الأهمية".
وفي مختبرات شركة Goodyear يتم اختبار الإطارات على مدار 24 ساعة تحت أحمال وسرعات مختلفة ولآلاف الأميال بدون توقف. يقول راتشيتا إن بعض الدعامات تتشوه وأخرى تتحطم، لكن الإطار يستمر في العمل بأمان. نعتمد في ذلك نظرية: جرّب وتعلم من التجربة، مضيفاً: "بلغنا مرحلة متقدمة وهذا هو الشيء الجوهري بالنسبة لنا".
ماذا تحتاج الإطارات عديمة الهواء كي تصبح أمراً واقعاً؟
هناك شركة أخرى أعطتنا شعار رجل ميشلان الكبير القابل للنفخ، وهذه الشركة لديها خطة تمتد لسنوات، من أجل إنتاج إطار خالٍ من الهواء ومتصل وينتج بواسطة طباعة ثلاثية الأبعاد ومصنوع بالكامل من مواد يمكن صهرها وإعادة استخدامها، بحسب BBC.
ما عدا عمليات إعادة حفر الخطوط على الإطار من حين إلى آخر لن تحتاج هذه الإطارات الحديثة إلى صيانة، حسب ميشلان.
الوزن الثقيل للبطارية يعني أن الإطارات الخالية من الهواء مناسبة بشكل خاص للسيارات الكهربائية. يقول راتشيتا: "يمكنها حمل أوزان أكبر مع شعور بالراحة أكثر من الإطارات الهوائية".
من ناحية أخرى، توفر الإطارات الخالية من الهواء ملامسة أكبر للطريق، مما يؤدي إلى تحسين مستوى الجر/السحب لكن ذلك يؤدي إلى زيادة مقاومة الجر وبالتالي الحاجة إلى طاقة أكثر لدفع العجلات إلى الأمام؛ مما يؤثر على عمر البطارية ومداها.
ثم هناك الضوضاء وأزيز ملامسة المطاط للطريق، يقول مات روس، رئيس تحرير Tire Technology International: "مع زوال صوت المحرك من السيارة الكهربائية، تصبح الإطارات هي المصدر الأساسي للضوضاء".
بالإضافة إلى ذلك، تنقل الدعامات البلاستيكية الصلبة اهتزازات أكثر والسائقون الذين اعتادوا على استجابة وأداء الإطارات الهوائية لفترة طويلة قد لا يقتنعون بسهولة للتحول الى الإطارات الجديدة.
لكن الأهم من تصور المستهلك هو ما تقرره الجهات المشرفة على تنظيم السير والمركبات. ستطالب الحكومات بإجراء اختبارات سلامة صارمة وتوحيد القواعد. وسيحتاج صانعو الإطارات إلى الاستثمار بكثافة في مرافق التصنيع الجديدة وتطوير سلاسل التوريد. سيستغرق هذا الأمر سنوات عديدة.
يأمل صانعو الإطارات أن يساعد المستخدمون الأوائل في المجالات المتخصصة في دفع التكنولوجيا إلى الأمام. يقول كلاوس كراوس، رئيس قسم البحث والتطوير الأوروبي في هانكوك، لـ"بي بي سي نيوز": "الإطارات غير الهوائية ذات أهمية خاصة لقطاعات مثل الجيش وفرق الاستجابة للكوارث والمركبات الأمنية والمعدات الاختصاصية".
وكشفت الشركة الكورية الجنوبية هانكوك بالفعل النقاب عن أحدث نموذج من إطاراتها الخالية من الهواء في يناير/كانون الثاني من هذا العام.
تقول الشركة إنه أصغر من الإطارات التقليدية، وهو عبارة عن دعامات من مطاط البولي يوريثين المتشابكة على شكل قرص عسل، وهو ما يمثل طفرة في التعامل مع الضغوط الجانبية والأفقية.
ما مستقبل الإطارات من دون هواء؟
تهتم بريجستون، أكبر شركة لصناعة الإطارات في العالم باستخدام هذه الإطارات في مجالات الصناعة والزراعة والتعدين والبناء؛ حيث قد يكون الطلب عليها مرتفعاً من قِبل الزبائن الذين يواجهون خسارة كبيرة في حال تعطل الإطارات.
وبطبيعة الحال، ستكون أسعار الإطارات الخالية من الهواء باهظة للغاية في البداية على الأقل، لكن القدرة على إعادة تدويرها والطباعة ثلاثية الأبعاد يمكن أن تغير قواعد اللعبة تماماً.
ربما، كما يتكهن بعض الخبراء، لن يحتاج المستهلكون حتى إلى شراء هذه الإطارات فوراً؛ بل قد يحصلون عليها مجاناً، ومن ثَم يدفعون حسب المسافات التي يقطعونها مع وجود أجهزة استشعار تراقبها.
سوسيا كوسيريتا جوستن، المحللة في قسم Sightline Tire Intelligence التابع لشركة "غوود يير" تقول، إنه توضيح للمكانة التي ستكون عليها الإطارات في المستقبل، باعتبارها نقطة الاتصال الوحيدة بين الطريق والمركبة وبالتالي توفر إمكانات هائلة.
ربما بفضل الحوسبة السحابية والخوارزميات، يمكن للمركبات المتصلة تقديم معلومات حول الطرق التي يجب على السلطات الحكومية القيام بإصلاحها أو متى يتوجب رش الملح أثناء فصل الثلوج والجليد.
خُذ مثالاً آخر، أنظمة الكبح الأوتوماتيكية. "إذا كان بإمكان نظام منع انغلاق المكابح (ABS) معرفة أن السيارة تسير على عجلات صيفية نصف مستهلكة، فيمكنه وقتها أن يستجيب بشكل أسرع".
وتقول جوستن لـ"بي بي سي": "يمكن أن تلعب هذه الميزة دوراً مهماً في المستقبل؛ حيث يتعين على السيارة أن تتعامل مع ذلك الموقف بشكل ذاتي".
ليس من الضروري أن تكون كل هذه التكنولوجيا محصورة بالإطارات الخالية من الهواء، كما أنه ليس كل المصنعين مقتنعون بأن هذه هي إطارات المستقبل.
تقول دينيس سبيرل، مديرة أبحاث وتطوير إطارات السيارات في شركة كونتيننتال الألمانية: "حتى يومنا هذا، نعتقد أن العجلات الهوائية هي الخيار الأفضل لمعظم المركبات".
ويتوجب على الإطارات "تلبية المتطلبات المتعددة من توفير السلامة والراحة والأداء والاستدامة في آن واحد"، ويبقى المطاط المضغوط بالهواء هو الحل الوسط الأفضل، على حد قولها.
تقوم شركة كونتيننتال بتطوير نظام ذاتي الضخ؛ حيث تحافظ مضخات الهواء وأجهزة الاستشعار في العجلة على الضغط عند المستويات المُثلى. ومثل جميع المصنّعين، تبحث الشركة عن منتجات "صديقة للبيئة". وقريباً، سيُستخدم البوليستر المعاد تدويره من الزجاجات البلاستيكية في إنتاج إطاراتها.
وتقوم شركتا "غوود يير" و"كونتيننتال" بإجراء أبحاث عن زهرة الهندباء التي تنتج مادة اللاتكس الشبيهة بالمطاط الذي تنتجه أشجار المطاط.
وتضيف سبيرل أن البدائل المستدامة للمواد التقليدية متاحة فقط "لدرجة معينة". الإطارات الهوائية موجودة منذ فترة طويلة وسبب الحاجة إليها أنها تقوم بعمل أفضل، وتقول سبيرل: "وما زلنا مقتنعين بهذا".