مع إعادة فتح حدود البلدان، وتلاشي القيود المرتبطة بوباء "كوفيد-19″، انتعش السفر مرة أخرى بقوة أدت إلى أزمة عمالة غير مسبوقة، التي تفاقمت بسبب تسريح مئات الآلاف من العمال، من الطيارين إلى طاقم الطائرة والمناولة الأرضية، نتيجة الوباء. ولا يرغب كثيرٌ منهم في العودة، لكن حتى لو كانوا كذلك، فإنَّ التوسع بهذه الوتيرة يمثل مخاطرة لشركات الطيران والمطارات، لا سيما في ظل التضخم العالمي المتصاعد والضغوط الاقتصادية التي تثير علامات استفهام حول مدى استدامة الطلب الحالي.
نصف القوى العاملة في شركات الطيران فقدوا وظائفهم خلال الجائحة
يقول جيف كولبير، الرئيس التنفيذي لمطار سيدني لوكالة Bloomberg الأمريكية، إنه فقد ما يقرب من نصف القوى العاملة، البالغ قوامها 33 ألفاً، وظائفهم خلال "كوفيد-19″، وأضاف: "جميع المطارات وشركات الطيران لديها عدد قليل من الموظفين في الوقت الحالي". ويحاول المطار بشدة إعادة بناء قوته، لكن "لم نعد مكاناً جذاباً للعمل كما كنا من قبل. ولا يزال هناك عنصر قلق بشأن الأمن الوظيفي".
ومما يضاعف من بؤس المسافرين، يخطط كل من مطاري سخيبول في أمستردام وغاتويك بلندن للحد من أعداد الركاب خلال ذروة فترة العطلة الصيفية وسط نقص في الموظفين.
بعد أن فقدوا وظائفهم بسبب الوباء، انتقل العديد من موظفي قطاع الطيران إلى وظائف أخرى أقل عرضة للتقلبات، وأصبحت استمالتهم أمراً صعباً. ويبحث مطار شانغي في سنغافورة عن 6600 عامل، من الأمن إلى طاقم تقديم الطعام. وتقدم إحدى منظمات خدمات الأمن التجارية، وهي Certis Group، مكافأة توقيع عقد بقيمة 25000 دولار سنغافوري (18000 دولار أمريكي)، أي نحو 10 أضعاف الراتب الشهري الأساسي، لدور ضابط شرطة مساعد في التحكم في حركة المرور والحشود.
إحباط شديد لشركات الطيران والمسافرين
وأدى النقص الحاد في الموظفين، الذي من المؤكد أنه سيكون موضوع نقاش في الاجتماع العام السنوي الـ78 للاتحاد الدولي للنقل الجوي، الذي ينطلق في الدوحة يوم الأحد 12 يونيو/حزيران، إلى تأخيرات وإلغاء وإحباط شديد لكل من شركات الطيران والمسافرين عبر المناطق الجغرافية المختلفة.
وصار الوضع سيئاً للغاية لدرجة أنَّ الرئيس التنفيذي لشركة Ryanair Holdings الأيرلندية، مايكل أوليري، طلب المساعدة من القوات العسكرية البريطانية، ولجأت شركة الخطوط الجوية Qantas Airways الأسترالية المحدودة لاستمالة موظفي المكتب الرئيسي للتطوع في المطار خلال ذروة فترة إجازة يوليو/تموز.
قال جينس ريتر، الرئيس التنفيذي لشركة الطيران الألمانية الرئيسية Lufthansa، في منشور على LinkedIn الأسبوع الماضي: "يعني نقص الموظفين أننا نكافح من أجل تشغيل رحلاتنا وفق الجدول المخطط مع الجودة والالتزام بالمواعيد التي نَعِد بها. لقد ترك الكثير من الناس قطاع الطيران أثناء الوباء، ووجدوا عملاً في مكان آخر. والآن، يعاني شركاؤنا في النظام، مثل المطارات ومتعهدي الطعام، من نقص حاد في الموظفين، ويكافحون لتعيين موظفين جدد".
إضافة إلى ذلك، التصاريح الأمنية المطلوبة لأعمال المطار تتسبب أيضاً في تأخير التوظيف. الخطوط الجوية البريطانية لديها نحو 3000 موظف محتمل عالقون في عمليات فحص الخلفية، بينما في شركة EasyJet Plc، هناك 140 طاقماً مدرباً وجاهزاً، لكن ليس لديهم التصاريح الجوية اللازمة حتى الآن.
كم تحتاج هذه الأزمة لكي تُحل؟
كل هذا يعني أنَّ الأمر قد يستغرق ما يصل إلى 12 شهراً لتخفيف النقص، وفقاً لإزهام إسماعيل، الرئيس التنفيذي لشركة الخطوط الجوية الماليزية. قال إزهام، في منتدى في سنغافورة في وقت سابق من هذا الأسبوع: "نرى هذا في الغالب، بوضوح شديد في أوروبا، وفي أمريكا الشمالية. أعتقد أنَّ أصحاب المصلحة وصانعي السياسات بحاجة إلى العمل معاً لحل جميع المشكلات".
وتختلف كيفية إدارة شركات الطيران والمطارات لهذه الأزمة من منطقة إلى أخرى. قال بريندان سوبي، مؤسس شركة Sobie Aviation للاستشارات ومقرها سنغافورة، "إنَّ المطارات في آسيا كانت عادة أكثر استباقية عندما يتعلق الأمر بتجنب الانهيارات، وفي بعض الأحيان رفضت شركات الطيران الإذن بإضافة رحلات جديدة أو تطلب إعادة الجدولة. بينما تأمل أجزاء أخرى من العالم في الحصول على استراحة مع ثبات الطلب، أو حتى بدء تراجعه".
وأضاف سوبي: "لا يوجد سوق محصن ضد مشكلات القوى العاملة؛ لذا فإنَّ أية نافذة لمعالجة هذه المشكلات يمكن اعتبارها مفيدة".
وكانت الاضطرابات سيئة تحديداً في المملكة المتحدة وغيرها من المراكز الأوروبية مثل أمستردام وفرانكفورت وباريس. وأعلن اتحاد طاقم الضيافة الإسباني في Ryanair Holdings عن ستة أيام من الإضراب، يبدأ في وقت لاحق من هذا الشهر بعد انهيار محادثات زيادة الرواتب. قال مسؤولون نقابيون، في مؤتمر صحفي في مدريد يوم الاثنين 18 يونيو/حزيران، إنَّ العمال من المقرر أن يبدأوا الإضراب في غضون ستة أيام.
وهذا الأسبوع، تُوفِي شخص معاق في مطار غاتويك في المملكة المتحدة، بينما كان يستقل سلماً متحركاً، بعد أن انتظر طاقم شركة الطيران للحصول على كرسي متحرك، وفقاً لتقارير إعلامية، التي ألقت باللوم في الحادث على نقص الموظفين. لكن نفى مطار غاتويك هذا الادعاء، في بيان نقلته شبكة Sky News.
مشكلة تتزامن من التضخم العالمي
مع ذلك، يلوح خلف الضغط لتعيين مزيد من الموظفين قلقٌ بأنَّ ارتفاع الطلب قد لا يستمر. وإذا أعادت شركات الطيران جميع طائراتها الخاملة للعمل وعينت عاملين جدداً بقوة، فحينها قد تواجه مشكلة الطاقة الزائدة -من حيث الأسطول والقوى العاملة.
إضافة إلى ذلك، ارتفعت أسعار تذاكر الطيران لأعلى بكثير بالفعل من مستويات راحة معظم المسافرين، والتضخم في كل مكان يرفع تكاليف المعيشة، وهناك احتمال أكيد بأنَّ الناس قد يفضلون البقاء في المنزل، أو قضاء الإجازة محلياً بمجرد انتهاء النشوة الأولية.
وفي هذا السياق، قال روبرت مان، رئيس شركة استشارات الطيران R.W. Mann & Co في نيويورك: "بعد ذروة أشهر السفر في نصف الكرة الشمالي من يونيو/حزيران إلى أغسطس/آب، فإنَّ مزيج العودة المتسارعة إلى المدرسة والعمل والانخفاض الموسمي العادي في الطلب، سيجبر شركات النقل الجوي على تخفيف رسوم سفر الترفيه والعمل، وإلا ستخاطر بمزيد من تدمير الطلب".
وأضاف: "سوف تتدهور هوامش ربح شركات الطيران"؛ ما يعني أنه سيتعين اتخاذ قرارات صعبة بشأن "مقدار السعة الواقعي، الذي يمكن الاستمرار في تحليقه، خاصةً في منتصف الأسبوع، عندما يهيمن كالعادة السفر بغرض العمل".