“الناتو العربي الإسرائيلي”.. لماذا يعد التحالف الأمني الذي تسعى أمريكا لتشكيله في الشرق الأوسط نمراً على ورق؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/06/18 الساعة 09:08 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/06/18 الساعة 09:08 بتوقيت غرينتش
قمة شرم الشيخ بين إسرائيل ومصر والإمارات، مارس 2022/ Getty

اتخذ الرئيس الأمريكي، جو بايدن، قراره أخيراً بالذهاب إلى المملكة العربية السعودية، في منتصف يوليو/تموز المقبل، للقاء ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، بعد فترة طويلة من الشد والجذب، حيث تأتي زيارته الرئاسية الأولى إلى المنطقة في وقت يتم الترويج فيه بأن إدارة بايدن تسعى إلى عقد اتفاقية أمنية للدفاع المشترك بين إسرائيل وعدد من الدول العربية في المنطقة في مواجهة "التهديدات الإيرانية"، تشمل كلاً من إسرائيل والدول العربية الست في الخليج، بالإضافة إلى مصر والأردن والعراق لمواجهة "التهديدات الإيرانية". 

كما يأتي ذلك في وقتٍ تتصاعد فيه التوترات بالمنطقة، في ظل ضغط الصقور المتشددين المناهضين لإيران في الخليج وإسرائيل على واشنطن للتخلي عن المحادثات بشأن الاتفاق النووي ومواجهة إيران مباشرةً. 

"التحالف الأمني العربي الإسرائيلي"

لكنَّ د. أندرياس كريج، أستاذ مساعد في قسم الدراسات الدفاعية في جامعة King's College London، ومستشار المخاطر الاستراتيجية، يرى أنَّه لا يوجد حل عسكري للمسألة الإيرانية.

ويرى كريغ في مقالة لموقع Middle East Eye البريطاني، أنَّ حديث المسؤولين الإسرائيليين بشأن تدشين حشد عسكري إقليمي (عربي-إسرائيل) ضد إيران، يعيد إلى الأذهان ذكريات رؤية الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، بشأن "الناتو العربي"، وهو تصور يعتقد كريغ أنَّه غير ناضج، ولم يكن قط قابلاً للتحقق، وأنَّه بالكاد كان سيردع إيران عن الانخراط في أنشطتها غير المُستوجِبة للرد في أرجاء المنطقة، ناهيكم عن إقناع إيران بالتخلي عن طموحاتها النووية.

أمريكا تسعى لتمكين اللاعبين المحليين في الشرق الأوسط من تحمل عبء الأمن

جو بايدن ونفتالي بينيت في البيت الأبيض، أرشيفية/ رويترز

ويرى الأكاديمي البريطاني كذلك أنَّ دعوات زيادة الوجود العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط غير متوافقة مع الحقائق في واشنطن. ويشير كريغ إلى أنَّ الرؤساء الأمريكيين المتعاقبين منذ باراك أوباما حاولوا تقليص التزاماتهم في المنطقة، وفي المقابل تمكين الفاعلين المحليين من أجل تحمُّل عبء الأمن. وبايدن، في رأيه، يواصل هذا التوجه. ويوضح مكانة الشرق الأوسط بالنسبة للإدارة الأمريكية الحالية، قائلاً إنَّها ترى أنَّ المنطقة لا يتعين أن تصبح عاملاً مشتتاً يُقيِّد الموارد الحيوية المطلوبة في تحويل التركيز الجيوستراتيجي الأمريكي نحو منطقة آسيا والمحيط الهادي.

ويعتقد كريغ أنَّ الاتفاق النووي الإيراني سيمثل خطوة أولى في إنشاء إطار عمل من التكامل الإقليمي الإيجابي، المبني ليس على الأعداء المشتركين، بل المخاوف والمصالح المشتركة. ويشير إلى أنَّه في أوضاع مثالية ستود واشنطن رؤية تطور إطار عمل أمني إقليمي يشمل إيران، ويحل فيه الانخراط المباشر محل مواجهة الخليج العربي مع الجمهورية الإسلامية.

ومع أنَّ كريغ يرى أنَّه من المستبعد أن توسع الولايات المتحدة وجودها العسكري الحالي البالغ قرابة 50 ألفاً من القوات ضمن منطقة القيادة المركزية الأمريكية (سنتكوم)، فإنَّه يقول إنَّ حصصاً لا متناسبة من الموازنة العسكرية الأمريكية تذهب إلى الشرق الأوسط، رغم انتهاء العمليات في العراق وأفغانستان إلى حدٍّ كبير. 

ويذكر كريغ أنَّ قرابة 6 مليارات دولار تذهب سنوياً إلى المنطقة، بخلاف مبلغ 2.7 مليار دولار الذي جرى الالتزام به لأفغانستان. ويحاول التدليل على كلامه أيضاً من خلال إعطاء مثال متعلِّق بإسرائيل، التي تُعَد أكبر المستفيدين من الالتزامات الأمريكية في المنطقة، قائلاً إنَّ تل أبيب حصلت على أكثر من 146 مليار دولار من المساعدات العسكرية الأمريكية منذ العام 1946.

انعدام الثقة بين دول المنطقة

مع ذلك، ورغم كل هذه الجهود، يرى كريغ أنَّ الولايات المتحدة لم تنجح في إنشاء بنية تحتية أمنية مكتفية ذاتياً في المنطقة، ويُلقي باللائمة في الجزء الأكبر من هذا على شركاء الولايات المتحدة المحليين ذاتهم.

يقول كريغ: "من الناحية الاستراتيجية لا توجد أرضية مشتركة أو ثقة من أجل تحالف أمني شرق أوسطي. فبالنسبة للعراق وقطر والكويت وعُمان، تمثل إيران جزءاً لا يتجزأ من البنية التحتية الأمنية الإقليمية يتعين الانخراط معها. وعلى نطاق أوسع تختلف تصورات التهديد وتعريفات الأمن بصورة كبيرة بين الدول العربية وإسرائيل".

ويضيف: "حتى لو أمكن أن تتفق مجموعة صغيرة من الدول -بما في ذلك السعودية والإمارات والبحرين وإسرائيل- على أنَّ إيران هي أكبر تهديد للأمن والاستقرار الإقليميين، فإنَّ السبل والوسائل التي تستعد من خلالها لمعالجة هذه المشكلة تختلف اختلافاً كبيراً. فلن ترغب أيٌّ من دول الخليج المخاطرة بحدوث تصعيد عسكري مع إيران، لأنَّها (دول الخليج) ستمثل الخطوط الأمامية مُتحمِّلةً عبء أي انتقام إيراني. وأظهرت الهجمات التي رعتها إيران على البنية التحتية لموارد الهيدروكربون الخليجية في 2019 مدى ضعف هذه الدول".

قمة العلا في السعودية بين دول الخليج، أرشيفية/ رويترز

ويرى كريغ أنَّ حتى إسرائيل، التي تُعَد الضاغط الأكثر تشدداً المناهض لإيران، على الأقل خطابياً، مُعرَّضة بشدة للانتقام الإيراني. ويقول إنَّه رغم المناورات الأخيرة التي أجراها الجيش الإسرائيلي والتحسينات في قدرات سلاحه الجوي، لا يمكن أن يخفي موقف الردع هذا حقيقة أنَّ أي ضربة للبرنامج النووي الإيراني لن تكون لها آثار عسكرية محدودة وحسب، بل وستأتي أيضاً بتكلفة باهظة للغاية.

يرى كريغ أنَّه على المستوى العملياتي، يعني غياب الثقة العميقة بين دول الشرق الأوسط المختلفة -بما في ذلك دول مجلس التعاون الخليجي- أنَّ أي تكامل للقوة وتشارك للمعلومات مستحيل تقريباً. ويقول إنَّه في حين قد تكون "قمة العلا" أنهت الأزمة الخليجية، فإنَّ الثقة بين المتنافسين لم تُستعَد بعد.

ويشير كريغ إلى أنَّ أعضاء مجلس التعاون الخليجي عانوا طوال 40 عاماً من أجل دمج قواهم وقيادتهم العسكرية. ويؤكد على أنَّه في حين توجد بنية تحتية لقيادة موحدة على الورق، وأنَّه لدى "قوة درع الجزيرة" قوات مُخصَّصة لها، فإنَّ الخلاف بشأن الرؤى الأمنية المتعارضة بين دول مجلس التعاون بعد الربيع العربي يعني أنَّه بغض النظر عن المناورات التدريبية، ليس لدى جيوش مجلس التعاون الخليجي الكثير لعمله بصورة مشتركة. ويدلل على ذلك بأنَّه لا يجري مشاركة المعلومات والمعلومات الاستخباراتية الحساسة رغم وجود نظام قائم لمشاركة المعلومات.

عقبات أخرى تقف أمام نجاح التحالف الأمني الشرق أوسطي

يرى الخبير البريطاني أيضاً أنَّه من الصعب تصوُّر أن تستثمر العديد من الدول العربية، باستثناء الإمارات أو البحرين، في مشاركة المعلومات والمعلومات الاستخباراتية مع إسرائيل.

وفيما يتعلَّق بتكامل القوة، يقول كريغ: "تواجه دول الخليج أيضاً عقبات بسبب غياب برامج شراء مُنسَّقة، وهي مشكلة ستتفاقم في إطار تحالف أمني شرق أوسطي يضم جيوشاً أقل تقدماً من الناحية التقنية".

ويرى كريغ أنَّ جيوش الشرق الأوسط عبارة عن مزيج من المنصات والتقنيات المختلفة التي لا يمكن دمجها بسهولة. فمثلاً في أسلحة جو دول مجلس التعاون وحدها، يوجد حالياً سبع منصات طائرات مقاتلة مختلفة قيد التشغيل.

ويخلص كريغ إلى أنَّ أي تحالف أمني شرق أوسطي لن يكون ذا فاعلية كبيرة، لأنَّ أي تحالف بهذا الشكل يتطلَّب فهماً أوسع للأمن خارج النطاق العسكري، بما في ذلك قدرات المنطقة الرمادية لردع العمليات الإيرانية الوكيلة بفاعلية. ويتطلَّب أيضاً قيادة أمريكية لجمع البلدان المختلفة وقادتها الطموحين معاً، وهو دور قيادي ربما لا ترغب الولايات المتحدة في الاضطلاع به على المدى الطويل في ظل تحوُّل الأولويات الجيوستراتيجية بعيداً عن المنطقة.

وفي النهاية، يقول كريغ إنَّه "بدون ثقة ورؤية أمنية مشتركة، سيكون أي (تحالف) في المنطقة مجرد نمر آخر على ورق، أقل بشكل ميؤوس منه من مستوى التعامل مع العمليات الوكيلة في أرجاء المنطقة المتركّزة على شبكة إيران".

تحميل المزيد