فاقم الجفاف، وجائحة كورونا، والحرب في أوكرانيا؛ أزمة الجوع والغذاء في إفريقيا بشكل كبير، في حين بدأت المجاعات تضرب مناطق مختلفة من القارة، بسبب تدنٍّ كبير في معدلات الأمطار للموسم الرابع على التوالي، وسط تحذيرات أممية من عجز إيصال الغذاء والمساعدات لدول مختلفة بسبب تراجع الدعم. لكن لماذا تعجز القارة السمراء عن توفير غذائها بنفسها رغم وجود الأراضي الخصبة والمياه اللازمة التي يمكن أن تغطي حاجتها؟
إفريقيا أمام مجاعة خطيرة
تأثرت إفريقيا بشكل كبير بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا، وذلك بسبب نقص أو انقطاع إمدادات الحبوب والمحاصيل الزراعية التي كانت تأتيها من روسيا وأوكرانيا، إذ تُعد أوكرانيا من أكبر المنتجين العالميين للحبوب والزيوت النباتية، وهبطت صادراتها بشدة منذ اندلاع الحرب فبراير/شباط الماضي وحصار روسيا لموانئها على البحر الأسود.
وقد أظهرت هذه الحرب بشكل جلي إلى أي مدى لا تزال القارة السمراء تعتمد على الاستيراد لتأمين غذائها. وقال رئيس الاتحاد الإفريقي، رئيس السنغال ماكي سال، إن إفريقيا ستواجه مجاعة خطيرة للغاية، إذا لم تُستأنف صادرات القمح من أوكرانيا إلى القارة.
وقال سال، في تصريحات لإذاعة فرنسا الدولية، يوم الجمعة 10 يونيو/حزيران 2022، إن المجاعة قد تزعزع استقرار القارة.
وفي إشارة إلى اجتماعه الأخير مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في العاصمة موسكو، قال سال إنه طلب من بوتين مساعدة إفريقيا في الحصول على الأسمدة والحبوب.
في السياق، تشير تقديرات مجموعة العمل المعنية بالأمن الغذائي والتغذية، التي تشترك في رئاستها "إيغاد" ومنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة "الفاو" (FAO)، إلى أن أكثر من 29 مليون شخص يواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي بجميع أنحاء منطقة شرق إفريقيا.
هل تستطيع إفريقيا الاعتماد على ذاتها؟
من جهتها، تقول ساره مغابو، الخبيرة الاقتصادية لدى الصندوق الدولي للتنمية الزراعية التابع للأمم المتحدة (IFAD): إن "نزاع أوكرانيا، وجائحة كورونا، أظهرتا أن أنظمتنا الغذائية لا تعمل من أجل الناس الأكثر فقراً".
وتضيف مغابو لشبكة الأنباء الألمانية، أن الأعباء المالية للأسر في القارة السمراء ازدادت بشكل كبير بسبب جائحة كورونا، إذ إن 60 – 70% من دخل هذه الأسر ينفق على الغذاء، والنتيجة: "الأسرة المكونة من 5 أو 6 أفراد يتعين عليها أن توازن ما تستطيع أن تؤمنه، وربما تلجأ إلى مواد أقل تغذية وأرخص".
مع ذلك، ترى الخبيرة الدولية أن العديد من الدول الإفريقية لديها الإمكانية لتصبح بلداناً مصدرة للمواد الغذائية. وتعد زامبيا وملاوي وجمهورية الكونغو الديمقراطية من تلك البلدان. وهذا يعني أن توفر الأراضي والمساحات الصالحة للزراعة، فقط، يكفي لزيادة إنتاجها لأكثر مما تحتاجه سوقها المحلية. لكن مع ذلك فإن صورة "سلة الغذاء" لا تنطبق عليها تماماً؛ إذ إن الظروف في إفريقيا غير مثالية لإنتاج القمح والحبوب الأخرى لإنتاج الخبز.
لكنَّ أنواعاً من الحبوب مثل الدخن والذرة البيضاء والعديد من أنواع الفاكهة والخضار، تتم زراعتها بكثرة، وفي مناطق أخرى توفر تربية الماشية الفرصة لإنتاج اللحوم ومشتقات الحليب بكميات كبيرة.
عقبات كبيرة أمام توفير القارة الإفريقية لغذائها ذاتياً
لكن قبل ذلك يجب تجاوز عقبات عديدة، ومنها أن بعض أساليب الزراعة المتبعة مثل القطع والحرق، قد أنهكت التربة. بالإضافة إلى الدمار المتزايد، حيث إن خزانات المياه، وخاصة في جنوب القارة الإفريقية، يجب حمايتها لتصبح الزراعة ممكنة من جديد.
بالإضافة إلى ذلك يجب استغلال الفرص لتحسين المحصول وزيادته، والإمكانيات متوفرة ومتعددة من أجل ذلك. وفي هذا السياق يقول الخبراء، إن هناك حاجة للاستثمارات المحلية ونقل المعرفة، بدءاً من الري بالتنقيط واستخدام الأسمدة.
وعندما يحين موعد الحصاد، تأتي التحديات التالية: توفر الأيدي العاملة، وهذا ليس بالأمر السهل دائماً؛ حيث إن الشباب خاصةً يهاجرون من القرى إلى المدن وإلى الخارج بحثاً عن فرصة عمل.
والتحدي الثاني، هو الوصول إلى الزبائن، حيث إن طرق النقل في إفريقيا سيئة، ويوضح ذلك كاماسا فليكس ماولي، مدير شركة زراعية غانية زبائنها في أوروبا، قائلاً: "حين أسافر من غانا إلى السودان أحتاج 13 – 14 ساعة، لكن عندما أريد السفر إلى أوروبا أحتاج لـ6 ساعات". مشيراً إلى أن "التصدير إلى الدول المجاورة قد يكون أكثر تكلفة من التصدير إلى أوروبا!".
يقول ماولي إن التجار قاموا بحملات قبل بضع سنوات للتوصل إلى اتفاقية التجارة الحرة في إفريقيا، ولكن حتى الآن كان تأثيرها ضئيلاً. وليست المشكلة في التعريفات الجمركية فقط، وإنما الحاجة إلى توسيع البنية التحتية بشكل كبير جداً، لكي لا تفسد المنتجات في طريقها إلى الأسواق الإقليمية. وهنا يأمل ماولي في تدفق الاستثمارات، ومزيد من الدعم من الاتحاد الإفريقي والدول الأعضاء فيه.
تعزيز صمود المزارعين أولاً
يقول خبير الغذاء العالمي لدى منظمة مكافحة الجوع الألمانية، فرانسيسكو ماري، إن هناك حاجة لعمل الكثير، حتى تصبح منتجات إفريقيا الزراعية قادرة على المنافسة؛ إذ يجب أولاً تعزيز صمود المزارعين الصغار أولاً، فعوامل كثيرة مثل التقلبات المناخية والظواهر الجوية المتطرفة، تجعل التعويل على الزراعة على نطاق واسع، أمراً محفوفاً بالمخاطر.
وأمر آخر يقلق ماري ويعبر عن ذلك لـ DW بقوله: "سنكون سعداء، إذا سمح العالم لإفريقيا بأن تؤمن غذاءها بنفسها؛ إذ يمكن الاستفادة من التنوع الكبير للمنتجات الزراعية، ويمكن أن يلبي المنتجون الأفارقة حاجة الأسواق المحلية".
لكن بدلاً من ذلك، فإن المنافسة قوية من قبل المنتجات الزراعية الأوروبية، المدعومة غالباً، والتي دفعت السوق الإفريقية للتبعية لعقود طويلة بسبب الاستعمار، على سبيل المثال التركيز على القمح المستورد بدل الحبوب المزروعة محلياً.
ومن المهم حسب الخبراء توفير إمدادات أفضل للطاقة، والوصول إلى الابتكارات التقنية التي يمكن للمزارعين الأفارقة من خلالها الوصول إلى التجار ومزادات المواد الغذائية.
وحيثما تتدخل الحكومات، يكون النجاح ظاهراً، كما في كينيا، حيث إن الرسوم الجمركية العالية على الحليب المجفف المستورد، جعلت الحليب المنتج ملحياً قادراً على المنافسة، كما تقول الخبيرة مغابو.