بعد ذوبان الجليد المتسارع فيه بسبب التغير المناخي، أصبح القطب الشمالي منطقة جديدة محتملة للنزاع بين روسيا والغرب وتحديداً حلف الناتو بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية، فيما يقول خبراء إن موسكو ستُحوِّل القطب إلى "ساحة معركة مستقبلية" في ظل استغلالها ذوبان الجليد لتأمين شريان حياة اقتصادي بعد فرض العقوبات الغربية عليها بسبب غزوها لأوكرانيا.
ماذا تريد روسيا من القطب الشمالي؟
يقول مركز أبحاث Civitas البريطاني في تقرير نُشِرَ حديثاً إنَّ الغرب بحاجة إلى "التيقُّظ" للخطط الروسية لعسكرة القطب الشمالي والسيطرة عليه في ظل رغبة روسيا في استخراج موارد طبيعية بقيمة تريليونات الدولارات وسط الاضطرابات المالية.
ووفقاً للأرقام الواردة بالتقرير، فتحت موسكو 50 منشأة عسكرية بالقطب الشمالي خلال العقد الماضي، وهي تنقل ردعها النووي إلى المنطقة بصورة متزايدة.
يقول روبرت كلارك، أحد مُعِدِّي التقرير: "سيصبح القطب الشمالي قريباً ساحة معركة جيوسياسية مستقبلية إذا لم تتخذ الحكومات الغربية إجراءات عاجلة".
طرق شحن جديدة وكنوز من الثروات في القطب الشمالي
يؤدي ذوبان القمم الجليدية نتيجة الاحتباس الحراري إلى فتح طرق شحن جديدة في القطب الشمالي، وهو ما تخشى البلدان الغربية من أنَّه قد يقود إلى زيادة في التنافس. ويمكن للسفينة العادية التي تستخدم "طريق بحر الشمال"، وهو طريق مختصر في القطب الشمالي، أن تقلص زمن الرحلة من شنغهاي إلى روتردام بنحو أسبوعين مقارنةً بالطرق الحالية.
ويقول التقرير، الذي جاء بعنوان "The Next Front? Sino-Russian expansionism in the Arctic and a UK response" (الجبهة التالية؟ التوسع الصيني – الروسي في القطب الشمالي ورد المملكة المتحدة)، إنَّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على وشك إصدار قانون يقضي بإرشاد روسي للسفن الساعية لاستخدام طريق بحر الشمال على الحدود الروسية. ووفقاً للتقرير، ستحظر القوانين الروسية الجديدة أيضاً على السفن الأجنبية شحن النفط والغاز والفحم والموارد الهيدروكربونية الروسية على طول هذا الطريق، وكذلك تكسير الجليد والملاحة الأجنبية بطول خط الشاطئ.
وتملك المنطقة موارد نووية هائلة غير مستغلة، بما في ذلك إمدادات من المعادن الأرضية النادرة التي تزداد أهميتها أكثر فأكثر. ووفقاً للأرقام الواردة بالتقرير، تُقدَّر مكامن عناصر مثل الزنك والنيكل والرصاص في المنطقة بتريليون دولار، وتُقدِّر روسيا مخزونات المعادن في القطب الشمالي بأكثر من 30 تريليون دولار. ويُقدَّر أيضاً وجود ثلث الغاز الطبيعي غير المُستكشَف في العالم تحت القطب الشمالي.
ويحذر الباحث كلارك من أنَّ الموارد الطبيعية الروسية الهائلة غير المُستكشَفة في القطب الشمالي قد تسمح لروسيا بتحويل إمدادات النفط والغاز إلى الصين.
ووفقاً لكلارك، أعادت روسيا فتح 50 نقطة عسكرية تعود إلى الحقبة السوفييتية، بينها 13 قاعدة جوية و10 محطات رادار. وقامت مؤخراً بتجديد قاعدة ناغورسكوي الجوية، وهي نقطة اتصالات تعود إلى حقبة الحرب الباردة في جزيرة ألكسندرا لاند القطبية وهي أقصى قاعدة عسكرية روسية باتجاه الشمال، وقد مدَّت مدرجها كي تجعله متوافقاً مع كل أنواع الطائرات العسكرية، بما في ذلك القاذفات الاستراتيجية.
كيف يواجه الغرب الطموحات الروسية في القطب الشمالي؟
كانت إحدى نتائج الخلاف الغربي الروسي بعد اندلاع حرب أوكرانيا التعليق غير المسبوق لعمل "مجلس القطب الشمالي"، وهو مجموعة من ثماني دول تترأسها روسيا حالياً وتضم أيضاً كندا والدنمارك وآيسلندا والنرويج والولايات المتحدة، (الأعضاء في الناتو)، إضافة إلى فنلندا والسويد، وجاء قرار تعليق عمل المجلس من الجانب الغربي.
ومما أجج التوترات في المنطقة المتجمدة، هو إجراء الناتو تدريبات عسكرية في مارس/آذار 2022، تدعى "الاستجابة الباردة" واسعة النطاق في النرويج، بالقرب من الحدود الروسية، وشهدت مشاركة حوالي 30 ألف جندي من 27 دولة، من بينها فنلندا والسويد، اللتان تفكران في الانضمام إلى حلف الناتو العسكري.
حيث شكلت "الاستجابة الباردة" واحدة من أكبر مناورات الناتو في القطب الشمالي على الإطلاق. كما اكتسبت هذه التدريبات أهمية إضافية لبعض من مشاركة حوالي 3000 من مشاة البحرية الأمريكية فيها بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا.
وبعيد تلك المناورات، قال وزير الدفاع البريطاني، بن والاس، في مارس/آذار، إنَّ بريطانيا ستنشر طائرات مضادة للغواصات في القطب الشمالي.
كما أجرت الولايات المتحدة أيضاً عدداً من التدريبات الموجهة للقطب الشمالي في أقصى أراضيها الشمالية من ألاسكا، والتي تقع حدودها الغربية على بعد 55 ميلاً فقط من الحدود الشرقية لروسيا، كما أجرت مناورات مشتركة مع كندا.
هل يكون القطب الشمالي ساحة المعركة القادمة؟
يقول نيكولاي كورتشونوف، الذي يشغل منصب سفير روسيا لدى مجلس القطب الشمالي، لمجلة Newsweek إن التحركات الدبلوماسية والعسكرية الأخيرة من قبل واشنطن وحلفائها تظهر أن الحدود الهادئة عادة قد أصبحت بالفعل جبهة في الأزمة.
وقال كورتشونوف: "تفويض المجلس يستبعد صراحة المسائل المتعلقة بالأمن العسكري".. "تنص جميع الوثائق التأسيسية والاستراتيجية على أن القطب الشمالي يجب أن يظل أرضاً للسلام والاستقرار والتعاون البناء، لذلك لا ينبغي أن يخضع هذا الشكل الفريد للتأثير غير المباشر لأي أحداث خارج المنطقة".
وقال إن روسيا ستستغل توقف المجلس: "لإعادة تركيز رئاستها للمجلس لتلبية الاحتياجات المحلية في المنطقة". وأضاف أنه "باستثناء الاجتماعات المعلقة لمجلس القطب الشمالي نفسه والشركات التابعة له، فجميع الأحداث في إطار برنامج الرئاسة الروسية في مجلس القطب الشمالي ستنظم كما هو مخطط لها".
وقال كورشونوف إن موسكو تعتقد أن "القطب الشمالي لديه إمكانات هائلة للاستفادة وإنتاج طاقة مستدامة ومنخفضة الانبعاثات من حيث استكشاف المواد الحرجة. المعادن الأرضية النادرة والمعادن، وكذلك الحلول المبتكرة التي قد تسرع التحول المستدام للطاقة على الصعيد العالمي".