يبدو أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان نجح أخيراً في تجاوز "الغضب" الأمريكي والتهديدات بالنبذ، بعد ما يقرب من 4 سنوات على أزمة مقتل الكاتب الصحفي في "واشنطن بوست" جمال خاشقجي وتقطيع أوصاله في قنصلية بلاده في إسطنبول، على يد عملاء سعوديين مقربين من ولي العهد.
وتتوج هذا الأمر الذي يعد أشبه بـ"انتصار" لابن سلمان، بإعلان واشنطن يوم الثلاثاء 14 يونيو/حزيران 2022، أن الرئيس الأمريكي جو بايدن سيزور المملكة العربية السعودية الشهر المقبل، حيث كان البيت الأبيض يمهد لهذا الإعلان منذ أيام.
أمريكا تعود لـ"زواج المصلحة" مع السعودية
وتقول شبكة CNN الأمريكية، إن قرار الرئيس بزيارة الرياض، وكذلك ردود فعل المشرعين على الرحلة، يتناسب مع النمط السائد للعلاقة الأمريكية-السعودية، تتراجع واشنطن عن كراهية السلوك السعودي الذي يتعارض مع قيمها، ثم تنجذب مرة أخرى إلى زواج المصلحة، بسبب الثروة النفطية للمملكة وموقعها الاستراتيجي الحاسم.
على الرغم من أن زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ، تشاك شومر، دافع يوم الثلاثاء 14 يونيو/حزيران 2022، عن اجتماعات بايدن القادمة مع السعوديين، فإن الأغلبية في مجلس الشيوخ وديمقراطيين بارزين آخرين يبدون قلقهم من هذه الزيارة وقرار الانفتاح على الرياض.
وقال السناتور ديك دوربين لشبكة CNN إن لديه "مخاوف" بشأن رحلة بايدن، ودعا الرئيس إلى تغيير خططه، لكنه يتفهم سبب قرار بايدن المشاركة في الزيارة. مضيفاً: "أعتقد أن السعوديين أظهروا أنهم لا يشاركوننا قيمنا. حادثة اغتيال خاشقجي هي حادثة دولية ذات أبعاد تاريخية، لا يمكنني تجاهلها".
ويضيف دوربين: "إنها زيارة صعبة، الحفاظ على خدمات الطاقة لحلفائنا وحلف شمال الأطلسي، والقيام بشيء ما لزيادة إمدادات النفط في العالم، وربما يؤدي ذلك إلى خفض أسعار البنزين. كل هذه الأشياء تأتي في الوقت المناسب وهي مهمة، لكنني آسف على بايدن أن يفعل ذلك مع السعوديين".
"زيارة بايدن للسعودية خطأ كبير"
من جانبه، يقول السيناتور الديمقراطي عن ولاية فرجينيا، تيم كين، وعضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، لشبكة CNN إن "الرحلة إلى الرياض فكرة سيئة حقاً".
وقال كين: "دماء خاشقجي لم يتم إنصافها بعد، وأنا أفهم أن الظروف تغيرت. ولكن ما القضية الأساسية في العالم الآن؟ إنها السلطوية! لا أعتقد أنك تذهب وتقول: "حسناً، تغيرت الظروف. لنجلس مع قاتل صحفي كان يعيش في فرجينيا". أعتقد أن هذه الزيارة خطأ كبير، لقد التقيت بآخرين، وكنت سألتقي بوزير الخارجية، كنت سألتقي بالسفير السعودي، كنت سألتقي بالملك نفسه، لكنني لن أقابل محمد بن سلمان".
فيما قال السيناتور الديمقراطي عن ولاية كناتيكت، كريس مورفي، وهو عضو آخر في العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، إن لديه بعض "المخاوف الحقيقية من هذه الزيارة"، مضيفاً: "أعتقد أنني بحاجة إلى سماع المزيد من الإدارة لفهم نوع الالتزامات التي حصلوا عليها من المملكة حتى تغير أسلوبها".
كما قال نظير دوربين الجمهوري، عضو مجلس الشيوخ الجمهوري، ويب جون ثون، من ولاية ساوث داكوتا: "أتمنى فقط أن يركز بايدن على حل مشكلة الطاقة الأمريكية، ولا يضطر إلى التعامل مع ولي العهد السعودي".
وأضاف ثون: "لقد أعرب بايدن عن مخاوفه بشأن الذهاب إلى السعودية في الماضي لجميع الأسباب الواضحة، ويبدو أن علينا أن نواصل العمل مع السعوديين لزيادة إنتاج الطاقة. أعتقد أنه أمر مؤسف".
هل ينجح بايدن بمهمته حول ضخ النفط؟
ليس هناك شك في أن بايدن يقوم برحلته من أجل إقناع السعوديين بضخ المزيد من النفط الخام للمساعدة في تخفيف التأثير السياسي لأسعار البنزين الأمريكية القياسية. وتأتي زيارته أيضاً في الوقت الذي تلوح فيه أزمة جديدة في الأفق مع خصم السعودية اللدود إيران، والتي قد تتجاوز قريباً عتبة بناء قنبلة نووية.
لتهدئة الجدل، يصمم البيت الأبيض على زيارة بايدن إلى دولة وصفها بـ"المنبوذة" بسبب مقتل خاشقجي، والتي حددت المخابرات الأمريكية أن ولي العهد مسؤول عنها، كجزء من مبادرة سلام إقليمية. وسيشارك الرئيس في قمة مع دول مجلس التعاون الخليجي، بالإضافة إلى مصر والأردن والعراق في جدة بعد زيارة إسرائيل، لإبداء دعم العلاقات الدافئة لإسرائيل مع جيرانها العرب المناهضين لإيران.
وستكون هناك اجتماعات ثنائية مع الملك سلمان وفريقه الذي يتوقع البيت الأبيض أن يضم ولي العهد. وقد قال مسؤولو البيت الأبيض على نطاق واسع إن بايدن يخطط لطرح قضايا حقوق الإنسان مع محمد بن سلمان والسعوديين خلال مناقشاتهم، لكنهم أكدوا مراراً وتكراراً أن الرئيس يتطلع إلى إعادة توجيه علاقته مع الدولة الشرق أوسطية.
وقالت السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض، كارين جان بيير، الثلاثاء، بخصوص مقتل خاشقجي: "نحن لا نتغاضى عن أي سلوك حدث قبل تولي الرئيس منصبه"، مشيرة إلى أن بايدن "أصدر تقريراً مستفيضاً" من مجتمع المخابرات بشأن مقتل الصحفي.
مضيفة: "لذلك، من المهم أيضاً التأكيد على أنه بينما يتم "إعادة ضبط" العلاقات، فإننا لا نتطلع إلى تمزيق العلاقات، لكن قضايا حقوق الإنسان أمر يطرحه الرئيس مع العديد من القادة ويخطط للقيام بذلك خلال رحلته للشرق الأوسط".
وأشادت جان بيير أيضاً بالمملكة العربية السعودية لكونها "شريكاً استراتيجياً للولايات المتحدة منذ ما يقرب من 80 عاماً"، مضيفة أنه "لا شك في أن المصالح المهمة متداخلة مع المملكة العربية السعودية، ولا سيما التمديد الأخير للهدنة في اليمن، والتي أنقذت أرواحاً لا حصر لها".
ضغوطات أخرى على بايدن
من جهتها، أرسلت منظمة "العائلات المتحدة"، وهي منظمة تتكون من عائلات الأفراد الذين قُتلوا خلال هجمات 11 سبتمبر 2001، رسالة إلى بايدن في وقت سابق من هذا الشهر تحثه على ضمان المساءلة عن هجمات 11 سبتمبر، باعتبارها أولوية رئيسية محادثاته مع المسؤولين السعوديين.
وقال منسق مجلس الأمن القومي للاتصالات الاستراتيجية، جون كيربي، لـ"اليوم الجديد" لشبكة "سي إن إن"، إن بايدن من المتوقع أن يناقش "مجموعة من قضايا حقوق الإنسان" مع ولي العهد خلال الرحلة، لكنه لم يوضح ما إذا كانت قضية 11 سبتمبر ستتم مناقشتها خلال المحادثات.
في النهاية، تقول "سي إن إن"، إنه في بعض الأحيان، يجب على الرؤساء أن يفعلوا أشياء يرونها مقيتة، أو تبدو منافقة، لدفع ما يرون أنه مصلحة وطنية، وهذا ما يفعله بايدن هنا. لكن زيارته ترسل رسالة إلى دول مثل المملكة العربية السعودية، مفادها أنه بينما تشرع الولايات المتحدة في ما يشبه حرباً باردة جديدة مع الصين وروسيا، فإن السلوك القمعي لا يشكل عائقاً أمام العلاقات مع الرئيس الذي وضع "إنقاذ الديمقراطية العالمية" في صميم جهوده بالسياسة الخارجية.
على سبيل المثال، أشاد بايدن بـ"شجاعة" محمد بن سلمان في تمديد الهدنة في اليمن. لكن ولي العهد السعودي هو من بدأ الحرب الشرسة التي قتلت آلاف المدنيين. لذا، فإن ملاحظة جان بيير يوم الثلاثاء، بأن الخطوة السعودية أنقذت أرواحاً "لا حصر لها" في البلاد كانت في غير محلها، كما تقول الشبكة الأمريكية.