بعد التحذيرات من وقوع مجاعات.. هل يعاني العالم من أزمة في نقص الحبوب أم بإمكانية الحصول عليها؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/06/15 الساعة 08:57 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/06/15 الساعة 11:12 بتوقيت غرينتش
الشركات الصغرى في حاجة إلى مزيد من الأدوات المالية لجلب الشحنات المحتجزة في الموانئ"أرشيفية"/رويترز

بعد الهجوم العسكري الروسي على أوكرانيا، فرضت الولايات المتحدة، ومعها دول الاتحاد الأوروبي، ضد موسكو عقوبات اقتصادية، فردت الأخيرة على ذلك بالتهديد بمنع صادرات النفط والغاز والأسمدة والقمح والحبوب من الموانئ الأوكرانية في البحر الأسود. وتشكل تلك المنطقة أحد أهم المراكز العالمية لإنتاج الحبوب، وتقول منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) إن أزمة الغذاء قد تصبح عالمية ما لم يتم التحرك فوراً.

هل تتسبب أزمة الحبوب في موجات جوع عالمية؟

يشير خبراء إلى أن الخطر الحقيقي ليس في نقص الحبوب والقمح العالمي فقط، بل في تفاقم حالة القلق والجزع الناتجة عن المخاوف من ارتفاع أسعار الحبوب إلى درجة يعجز فيها الفقراء عن شرائها، ما يتسبب في حدوث مجاعات على نطاق واسع. ويرى آخرون معاناة الناس اليوم من الجوع ليست بسبب نقص الغذاء، بل لأنهم لا يملكون المال الكافي أو القدرة على شرائه.

وفي هذا السياق يؤكد عارف حسين، كبير الاقتصاديين في برنامج "الغذاء العالمي" التابع للأمم المتحدة، أن "المجاعات لا تتعلق أبداً بإنتاج الغذاء، بل تتعلق دوماً بإمكانية الحصول عليه".

وتأتي الحروب في مقدمة الأسباب التي تمنع الحصول على الحبوب والقمح خصوصاً؛ لأنها تتسبب في قطع سلاسل التوريد؛ ويضاف إليها أسباب أخرى، منها التقلبات والصدمات المناخية، وغياب الدعم الحكومي للزراعة والإنتاج.

كما تساهم اتحادات التجارة ووكالات الشحن، وشركات المضاربة، في تفاقم أزمة تأمين الحبوب.

تسببت جائحة كورونا، هي الأخرى، في ارتفاع أسعار المواد الغذائية بشكل قياسي، ومما زاد الطين بلة، اضطراب سلاسل التوريد بسبب أزمة الشحن العالمية.

ميناء أوديسا جنوب أوكرانيا، أرشيفية/ مواقع التواصل

سلعة استراتيجية للعالم

في الآونة الأخيرة، أخذت الحبوب، وخاصة القمح، مكانها باعتبارها سلعة استراتيجية عالمية. وبعد ارتفاع الأسعار، أعلنت لجنة فرعية تابعة لمجلس الشيوخ الأمريكي أن القمح "أكثر محورية للحضارة الحديثة من النفط"، وكتب أحد الاقتصاديين الزراعيين أثناء حالة الهلع التي حدثت عام 2010 قائلاً إن "القمح هو كل شيء يتعلق بالخوف".

في عام 2021، شكلت محاصيل روسيا وأوكرانيا على البحر الأسود نحو 28% من صادرات القمح في العالم.

تنتج روسيا وأوكرانيا معاً نحو 13% من محصول القمح في العالم، فيما يشكل القمح الأوكراني وحده 3.7% فقط، وهذا لا يشمل احتياطيات القمح في البلدان حول العالم.

وفي 8 أبريل/نيسان الماضي، توقعت منظمة "فاو" مستوى إمداد مريحاً نسبياً من الحبوب في جميع أنحاء العالم. وترى أنجي سيتزر التي شاركت في تأسيس مجموعة "كونسوس" الاستشارية في مجال الإنتاج الزراعي أنه "إذا ظل الجميع هادئين، فهناك ما يكفي لتخطي الأمر"، وهذا حدث أيضاً لمؤشر أسعار الغذاء العالمي لمنظمة الأغذية والزراعة، عندما برزت العناوين الرئيسة حول نقص الغذاء في جميع أنحاء العالم.

وحذر محللون من مجاعة جماعية، وحظي المضاربون بيوم مشهود؛ ما أدى لارتفاع الأسعار إلى درجة أن بورصات شيكاغو التي يضارب فيها المتداولون على التعاقدات الآجلة لتوريد الحبوب وصلت أقصى حدودها اليومية، واضطرت إلى التوقف عن التداول 5 أيام متتالية.

ورداً على ذلك، فرضت عدة دول قيوداً على الصادرات الغذائية؛ ما أدى إلى ارتفاع الأسعار بخلق ندرة مصطنعة، وبالتالي تولد ما حذر البنك الدولي من أنه قد يكون "تأثيراً مضاعفاً" على الأسعار العالمية.

وخلال مايو/أيار الماضي، عكف المعلقون والسياسيون وتجار الحبوب على تحليل هذه التهديدات، خاصة أن صادرات أوكرانيا تعد جزءاً أساسياً من سوق التصدير العالمي في الذرة وزيت دوار الشمس والقمح.

مخاوف من تفاقم أزمة القمح جراء استمرار الحرب الأوكرانية، تعبيرية/ رويترز

الدول الأكثر تضرراً من أزمة الحبوب

فيما اعتبر تهديداً، أعلن نائب رئيس مجلس الأمن الروسي ديميتري ميدفيديف مطلع أبريل/نيسان الماضي، على تليغرام قائلاً: "لن نزود إلا أصدقاءنا بالمنتجات الغذائية والزراعية"، واصفاً الطعام بأنه "سلاح هادئ" أيام الحرب.

بحلول عام 2017 أصبحت روسيا أكبر مصدر للقمح في العالم، والمورد الأساسي لبعض البلدان الأكثر فقراً.

وبحسب صحيفة "فايننشال تايمز" الأمريكية، فإن روسيا قدمت ما يصل إلى ثلث واردات القمح للشرق الأوسط وإفريقيا، واشترى برنامج الغذاء العالمي، أكبر منظمة إنسانية في العالم، نصف قمحه من منطقة البحر الأسود في 2021. وهذا يمنح روسيا قوة إضافية، خاصة تجاه الدول الأكثر جوعاً في العالم.

وتعتبر البلدان ذات الدخل المنخفض الأكثر تضرراً من ارتفاع أسعار الحبوب، وذلك لسببين: الأول يتعلق بالأنظمة الغذائية لهذه البلدان التي تعتمد بشكل أكبر على الكربوهيدرات.

والثاني لكون الغذاء يشكل نسبة كبيرة من الميزانيات الإجمالية؛ إذ يستحوذ الغذاء على نحو نصف ميزانيات الأسر في كثير من البلدان منخفضة الدخل، بينما تراوح نسبته في الولايات المتحدة، بين 7 و10%.

تستخدم موسكو سلاح الحبوب بشكل فعال؛ إذ كلما ازداد الذعر بشأن الطعام، زادت آثاره السلبية على البلدان النامية، وبالتالي تحسن موقفها التفاوضي في الحرب الأوكرانية.

وحمّل رئيس المفوضية الأوروبية، شارل ميشيل، روسيا، مسؤولية "أزمة الغذاء العالمية"، قائلاً: إنها "تستعمل الإمدادات الغذائية سلاحاً خفياً ضد الدول النامية، وتدفع بالناس إلى الفقر".

وأضاف ميشيل أن "تبعات الحرب الروسية أخذت في التوسع عبر العالم، وهذا ما أدى إلى ارتفاع أسعار الغذاء، ودفع بالناس إلى الفقر، وأدى إلى زعزعة الاستقرار في العديد من المناطق".

في المقابل، ثمة ما بوسع أمريكا فعله تجاه أزمة الحبوب؛ فكما أوعزت إلى شركاتها العملاقة بالانسحاب من السوق الروسية، بإمكانها أن تطلب من الشركات الكبرى الأربع التي تتحكم في توريد المواد الغذائية وشحنها وتخزينها، آرتشر دانيلز ميدلاند، وبونج، وكارجيل، ولويس دريفوس، بأن تزيد كمية عرض الحبوب في الأسواق.

الوساطة التركية لفك الحصار عن الحبوب الأوكرانية.. هل تنجح؟

من جهتها، أعلنت تركيا عن تقدم كبير في الجهود الرامية إلى استئناف عمليات تصدير الحبوب ومنتجات زراعية أخرى من أوكرانيا. وقال وزير الدفاع، خلوصي أكار، إنه تحدث مع نظيره الروسي، سيرغي شويغو، في إطار جهود وساطة أنقرة بهدف التوصل إلى ممر آمن للصادرات عبر الموانئ.

وبحسب المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم قالن، فإن جهود أنقرة تهدف إلى المساعدة في تجنب نشوب أزمة غذاء عالمية. وتبدو المسألة أكثر تعقيداً في ظل غياب الثقة بين الطرفين، والبرود الأمريكي تجاه أية وساطة بينهما من شأنها تخفيف حدة القيود والعقوبات المفروضة على بوتين.

وهناك مخاوف أوكرانية حقيقية من نكوص روسيا وعدم التزامها بتعهداتها بعدم مهاجمة ميناء أوديسا، في حال قيام أوكرانيا بتنظيف موانئها من الألغام البحرية، فقد تستغل موسكو تلك الحالة وتشن هجوماً مباغتاً تستولي من خلاله على أوديسا بذريعة أو أخرى.

تحميل المزيد