ربما تتطور العلاقات الناشئة بين بعض دول الخليج، خاصةً الإمارات، وإسرائيل إلى ما يشبه التحالف العسكري أو حتى توقيع معاهدة دفاعية، لكن لماذا قد لا يجعل ذلك تل أبيب تنعم بالراحة؟
بطبيعة الحال فإن الحديث عن معاهدة دفاع أو تحالف عسكري بين إسرائيل ودول الخليج يستهدف إيران بالمقام الأول والأخير، لكن تحليلاً نشرته صحيفة Haaretz الإسرائيلية بعنوان "توقيع معاهدة دفاع بين الخليج وإسرائيل لن يقضي على تحدي إسرائيل الأكبر"، رصد المعوقات التي تواجه التحالف الجديد، وسلبياته لتل أبيب حتى لو رأى النور رسمياً.
وتتفق دول الخليج مع إسرائيل في القلق من إيران، وإن كانت الأسباب غير متطابقة. فالدول الخليجية، خاصةً السعودية، ترى في تدخُّل إيران بشؤون دول المنطقة كلبنان واليمن وسوريا والعراق الخطرَ الأكبر، بينما تركز إسرائيل على برنامج إيران النووي، الذي تراه تل أبيب يهدف إلى إنتاج سلاح نووي رغم نفي طهران المتكرر.
ما طبيعة التحالف الدفاعي بين إسرائيل والخليج؟
يقول تحليل الصحيفة الإسرائيلية إن هناك نكهة جديدة لشهر يونيو/حزيران الجاري، في جيوسياسية منطقة الشرق الأوسط؛ وهي نكهة تخص ما يمكن وصفه بأنه شبه تحالف دفاعي بين إسرائيل ودول الخليج.
ويحل هذا التحالف المفترض محل "المحور السني الإسرائيلي" الذي لم يكن له وجود على أرض الواقع أصلاً رغم الحديث المتكرر عنه في التحليلات السياسية، وكان من المفترض أن يواجه ذلك "التحالف السني الإسرائيلي" الخطر الإيراني في المنطقة.
ويأتي ذلك أيضاً في الوقت الذي تبدو فيه احتمالات التوصل إلى اتفاق نووي جديد مع إيران هشة على أقصى تقدير، بعد أكثر من 14 شهراً من سعي إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن لإعادة إحياء الاتفاق الموقع أصلاً عام 2015، والذي انسحب منه الرئيس السابق دونالد ترامب عام 2018.
لكنَّ تعثُّر إعادة إحياء الاتفاق النووي ليس هو العنصر الوحيد الفاعل في الديناميات الجيوسياسية الحاكمة للأمور بالمنطقة حالياً، فهناك أيضاً التحول الكبير في أولويات السياسة الخارجية الأمريكية، التي يُتوقَع أن تتمثل على المدى الطويل في الصين وبقية شرق آسيا، بينما تبدو حالياً متركزة تماماً على حرب روسيا على أوكرانيا.
من الناحية الافتراضية، تقول الصحيفة العبرية، إن هذا التحالف سيتألف من إسرائيل والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين وعُمان وقطر، وربما الأردن لاحقاً. وسيشمل تبادل المعلومات الاستخباراتية، والقدرات المضادة للطائرات والمضادة للطائرات بدون طيار، ونشر الرادار المتقدم وتكنولوجيا الحرب الإلكترونية الهجومية والدفاعية.
هل سيكون تحالفاً حقيقياً ملزماً أم مجرد التقاء مؤقت للمصالح والتهديدات؟ كيف سيُنظَم؟ ما الذي يمكن أن يخدمه بالضبط وماذا عن المخاطر المحتملة؟
وستكمل الرياض، التي تتعاون معها إسرائيل بتكتم في مسائل أمنية معينة، الخريطة الجيوسياسية لمواجهة إيران. وللولايات المتحدة مصلحة، وإن لم تكن أساسية، في مثل هذا التحالف غير الرسمي لثلاثة أسباب.
لماذا هذا التحالف قد يكون مفيداً لأمريكا؟
أولاً، سيسمح مثل هذا التحالف لواشنطن بمواصلة فك ارتباطها تدريجياً بهذه الدول دون اتهامها بالتخلي عن الحلفاء من الأطراف في المنطقة التي تعاني خوفاً حاداً من هجرها. وستبقى الولايات المتحدة في الخليج عبر الأسطول الخامس، وتعزز التعاون الدفاعي في مثل هذا التحالف، وتحافظ على علاقات وثيقة مع إسرائيل، وفي الوقت المناسب مع الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، لكنها ستستمر في إعادة تخصيص الموارد والاهتمام الدبلوماسي بآسيا.
وهذا من شأنه أيضاً تخفيف المخاوف في التحالفات الناشئة والمتجددة في المحيطين الهندي والهادئ من أنَّ أمريكا لا تتخلى عن حلفائها في أي مكان. ويمكن القول إنه سيسهل على الولايات المتحدة تبرير انسحابها من أفغانستان والعراق.
ثانياً، يعتقد الأمريكيون- وعدد متزايد من الإسرائيليين المستعدين للاعتراف بذلك- أنَّ التهديدات الرئيسية التي تشكلها إيران هي أنشطتها غير النووية. من الطبيعي أن تنتج القضية النووية أكثر سيناريوهات نهاية العالم، لكن الجوانب الأخرى لسلوك إيران أخطر بكثير؛ وهي جهود زعزعة الاستقرار عبر المنطقة من لبنان إلى سوريا والعراق واليمن وغزة، وتسليح وتمويل ونشر الوكلاء والميليشيات الموالية لإيران بجميع أنحاء المنطقة، والتقدم في تكنولوجيا الصواريخ بعيدة المدى، والعداء للعالم العربي السني، ومبدأ تصدير الثورة الإسلامية، والجولات البحرية لاستعراض القوة في الخليج.
وبحسب تحليل هآرتس، ربما يفشل تحالف إسرائيلي خليجي في ردع إيران، لكنه قد يحدُّ من ضررها. وتخشى الولايات المتحدة من أنَّ جهة فاعلة واحدة، سواء كانت إسرائيل أو السعودية، قد تواجه إيران في ظل ظروف معينة وتجر الولايات المتحدة إلى صراع لا تريده. لكن التحالف، حتى لو كان فضفاضاً، سيكون عاملاً مضاعفاً للقوة يمنع الردود العسكرية الهائلة من دولة واحدة، ولا يشجعها.
وثالثاً، من شأن قيام تحالف تحت رعاية الولايات المتحدة المساهمةُ إسهاماً أفضل في الحد من تغلغل الصين الاقتصادي بالمنطقة. إذا كان التحالف سيعتمد على الأسلحة والتكنولوجيا والاستخبارات الأمريكية، فإنَّ واشنطن تشعر بأنَّ بإمكانها إقناع دول الخليج، بسهولة أكبر بالتخلي عن المساعدة الصينية في بناء الموانئ والشبكات الخلوية وقدرات الحرب الإلكترونية، ثم القوة الدبلوماسية في المنطقة لاحقاً.
لماذا لا يعني ذلك كله شيئاً للفلسطينيين وإسرائيل أيضاً؟
وبرغم ذلك، هناك شكوك جدية فيما إذا كان كل هذا ممكناً في صورة تحالف، إذ لن يكون هناك حلف شمال الأطلسي (الناتو) في الشرق الأوسط على الرغم من اللغة المنمّقة لبعض المدافعين، ولن تكون هناك مادة بشأن الأمن الجماعي، على غرار المادة الـ5 في معاهدة الناتو، ولا ينبغي أن تكون هناك واحدة.
وكانت الولايات المتحدة قد سعت لدى حليف رئيسي لها في الشرق الأوسط وهي الإمارات، كي تتخلى الأخيرة عن شبكة هواوي الصينية، وذلك في إطار مفاوضات صفقة الـ"إف-35″ لأبو ظبي، إلا أن الإمارات رفضت الضغوط الأمريكية وقررت تعليق مفاوضات إتمام الصفقة وربما إلغاءها تماماً.
كما تحتاج دول الخليج إلى الحفاظ على علاقات معقولة مع إيران، وكما هو الحال في الشرق الأوسط، فهي ليست محصنة ضد الاضطرابات الداخلية والتطورات التي تهدد النظام. وفي حال اختارت إسرائيل العدوانية، ستجد الخليج متردداً جداً في توجيه ضربة استباقية، وسيتوق إلى عدم اعتباره مذنباً بالمشاركة، إذا شنّت إسرائيل الضربة بمفردها.
وأخيراً، قد لا يكون التحالف الصريح جداً في مهمته المناهضة لإيران مقبولاً للولايات المتحدة؛ لذلك قد تخفضه إسرائيل ودول الخليج من "تحالف" إلى "تعاون خاص"، بحسب هآرتس.
بينما تعتقد إسرائيل أنَّ مثل هذا التحالف شبه الحتمي ضرورة جيوسياسية وتعظيم فعال للفرص، فإنَّ الجانب السلبي يبرز من جانب مختلف.
ستكون إسرائيل متوهمة لدرجة خطيرة، تقول هآرتس، إذا اعتقدت أنَّ التحسن الملحوظ في العلاقات مع دول الخليج، حتى بما في ذلك تحالف دفاعي غير رسمي لكن قوي، عامل تغيير لقواعد اللعبة في المنطقة. وصحيح أنَّ الفوائد الجيوسياسية كبيرة، لكن لا شيء منها يؤثر جوهرياً في القضية الفلسطينية. وتشكل حقيقة وجود عدد متساوٍ من اليهود والعرب (نحو 7 ملايين لكل منهما) بين النهر والبحر تحدياً أكبر بكثير من إيران.
عند التوقيع على اتفاقيات أبراهام في عام 2020، تفاخر رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، بنيامين نتنياهو، بأنها كانت دليلاً على أنَّ الصراع الفلسطيني لم يكن قط القضيةَ المركزيةَ في الشرق الأوسط، وأنَّ كل تطبيع للعلاقات بين إسرائيل والعالم العربي يجب أن لا يُدفَع ثمنه بالعملة السياسية الفلسطينية. نتنياهو ردد فقط النهج اليميني الطويل الأمد المتمثل في: الإحجام عن التعامل مع حل للقضية الفلسطينية ومعارضة نموذج الدولتين.
لكنه فضح أيضاً بفظاظةٍ مأزق إسرائيل: إذا كان العالم العربي الآن غير مبالٍ بالقضية الفلسطينية، وإذا انفصلت الولايات المتحدة تدريجياً، وإذا تحول انتباه العالم بعيداً بعد عقود من القلق اللامتناهي، فمن بقي مع القضية الفلسطينية المتغلغلة على الدوام؟ الإجابة هي: إسرائيل. ما هو مأساوي للفلسطينيين يصير مشكلة سياسية ودبلوماسية وأمنية ضخمة لإسرائيل.
علاوة على ذلك، إذا لم يعد الفلسطينيون يؤمنون بتسوية تفاوضية، أو يئسوا من استمرار الاحتلال الإسرائيلي وشعروا بالمرارة من نقص الدعم العربي والمساعدة الدولية، بينما لا يرون بصيص أمل، فإنَّ هذا سيسرّع المطالبة بدولة ثنائية القومية تضم 7 ملايين شخص على كل جانب.
إذن، ما الذي يجب أن تفعله إسرائيل، وكيف يمكن أن يساعد التحالف مع الإمارات أو حتى السعوديين؟ الإجابة هي أنه لن يقدم أية مساعدة، بحسب تحليل الصحيفة العبرية.