3 ملايين رأس من الماشية نفقت و6 ملايين شخص في خطر.. مجاعة جديدة تهدّد الصومال، وهذه أسبابها

عربي بوست
تم النشر: 2022/06/10 الساعة 09:48 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/06/10 الساعة 09:48 بتوقيت غرينتش
موجة جفاف خطيرة في الصومال/رويترز أرشيفية

تصاعدت تحذيرات الهيئات الأممية من أن خطر مجاعة يلوح في الأفق، أكثر من أي وقت مضى، نتيجة نقص التمويل الدولي، وفشل الإنتاج المحلي بسبب غياب الأمطار، وارتفاع الأسعار لمستويات قياسية.

بيان مشترك لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، ومنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)، ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة، وبرنامج الأغذية العالمي للأمم المتحدة، قال مؤخراً، إن الدعم المطلوب لم يتحقق بالكامل بعد.

وأضاف البيان الأممي: "يتم حالياً تمويل 18% فقط من خطة الاستجابة الإنسانية في الصومال لهذا العام، البالغة 1.5 مليار دولار لمساعدة 5.5 مليون شخص من أكثر الصوماليين ضعفاً".

من جهته، المبعوث الخاص للرئيس الصومالي لشؤون الجفاف عبد الرحمن عبد الشكور، قال في تصريح للأناضول إن 48 مدينة من أصل 72 مدينة تتكون منها الصومال، تأثرت بالجفاف والصدمات ذات الصلة.

ويعني ذلك أن 6 ملايين فرد- أي ما يقرب من نصف السكان- يواجهون حالة مستويات شديدة من انعدام الأمن الغذائي.

  كارثة محتملة لـ6 مناطق

وحذر المبعوث الخاص للرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، من أن استمرار أزمة الجفاف قد يدمر أرواح آلاف الصوماليين في ظل الاحتياجات المتزايدة، جراء الجفاف الذي ضرب معظم أقاليم البلاد.

وقال المبعوث عبد الرحمن عبد الشكور في زيارة لمدينة بيدوة التي تعتبر أكثر المناطق تضرراً جراء الجفاف، إن 6 مدن من أصل 48 مدينة تأثرت بالجفاف، استكملت المعايير المعتمدة لإعلان المجاعة، حيث يواجه سكانها نقصاً حاداً في الغذاء وصعوبة بالتأقلم.

وأضاف أن المعطيات في الأزمة لا تبشر بالخير، وتتوقع كارثة مجاعة محتملة لتلك المناطق وقد تتوسع الكارثة في ظل نقص الامتدادات.

وحددت وحدة تحليل التغذية للأمن الغذائي في (الفاو)، والشركاء، النقاط الساخنة المحتملة للمجاعة في 6 مناطق مختلفة، حيث يواجه 5 إلى 10% أو حوالي 81 ألف شخص بالفعل ظروف مجاعة.

موجة جفاف خطيرة في الصومال/رويترز

يأتي ذلك، في وقت أصدرت وحدة التحليل التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، بأن 6 ملايين صومالي أي ما يعادل 40% من السكان يواجهون مستويات شديدة من انعدام الأمن الغذائي.

آدم عبد المولى، نائب الممثل الخاص للأمن العام والمنسق الشؤون الإنسانية في الصومال، قال في بيان مشترك مع منظمات أممية، إنهم يحدقون في كارثة محتملة، وإن توقع خطر المجاعة في 6 مناطق يدعو لقلق بالغ وقد تشكل بمثابة تحذير خطير في المرحلة المقبلة.

وأضاف عبد المولى أن الفشل في التحرك الآن، "سيكون مأساوياً لعشرات العائلات في الصومال.. الصومال معرض لخطر الدخول في موسم أمطار خامس فاشل على التوالي؛ ما يعني أن آلاف الصوماليين يواجهون خطر المجاعة".

  موسم آخر بلا أمطار

ونتيجة تذبذب الأمطار في الموسم الحالي ما بين أبريل/نيسان ومايو/أيار الماضي، يدخل الصومال رابع موسم جاف على التوالي، وهو ما أثر سلباً على حياة ملايين الصوماليين الذين يعتمدون على الرعي والزراعة.

ويقول المبعوث الخاص للرئيس الصومالي لشؤون الجفاف عبد الرحمن عبد الشكور للأناضول، إن التقارير الأولية لمنظمات الأرصاد الجوية، تتوقع أن يكون موسم الأمطار القادم أقل من المتوسط.. "ما يعني أن خامس موسم جفاف ينتظر الصوماليين وهو ما يعزز خطر حدوث مجاعة في البلاد".

وبحسب تقديرات أممية فإن حوالي 3 ملايين رأس من الماشية نفقت بسبب الجفاف منذ منتصف عام 2021، بسبب النقص الحاد في المياه والمراعي.

يتعافى الصومال من تداعيات حرب أهلية اندلعت إثر انهيار الحكومة المركزية عام 1991

وحسب تحليل أجرته وحدة تحليل التغذية للأمن الغذائي التابعة للفاو، فإن ثلاثة عوامل ستساهم في تفشي المجاعة خلال الأشهر الثلاثة المقبلة.

والعوامل الثلاثة هي: احتجاب الأمطار خلال الموسم الحالي، وغياب المساعدات الإنسانية الكافية، إلى جانب استمرار ارتفاع أسعار المواد الغذائية.

 الأطفال وسوء التغذية

وتعتبر ولاية جنوب غرب الصومال من أكثر المناطق تضرراً بالجفاف، حيث نزح نحو 230 ألف شخص من مناطقهم ولجأوا إلى المدن الكبرى في الولاية بحسب المبعوث الخاص للرئيس الصومالي لشؤون الجفاف.

وبحسب الهيئات الأممية فإن الأطفال دون الخامسة، يعتبرون الفئة الأكثر ضعفاً جراء أزمة الجفاف، كما أدى انخفاض إنتاج اللحوم والألبان إلى تفاقم سوء التغذية.

ويواجه حوالي 1.4 مليون طفل سوء التغذية الحاد حتى نهاية العام الجاري، ويعاني ربعهم أي 330 ألف طفل من سوء التغذية الحاد الوخيم.

وتقول شمسة علي، وهي أم لأربعة أطفال، للأناضول، إنها فقدت طفلها نتيجة إسهال حاد ناجم عن سوء التغذية، مشيرة إلى أنها غير قادة على توفير وجبة يومية لأطفالها.

وكانت آخر أزمة مجاعة شهدها الصومال عام 2011 حيث تسببت في وفاة 260 ألف صومالي، وهو ما تحذر الهيئات من تكراره نتيجة نقص التمويل.

لماذا تظل المجاعات في إفريقيا خطراً ماثلاً رغم اختفائها في بقية العالم؟

بينما تم القضاء على المجاعات على ما يبدو من آسيا وأوروبا خلال القرن العشرين، ولكن ليس من إفريقيا، حيث عانت ثلاث دول- إثيوبيا ومالاوي والنيجر- من أزمات غذائية هائلة منذ عام 2000، وها هو الصومال معرض للخطر ذاته.

ولدى إفريقيا الأراضي الصالحة للزراعة والحياة البرية وأعلى الجبال الاستوائية ومساحات شاسعة من الغابات الاستوائية المطيرة، هي الأكبر في العالم بعد أمريكا الجنوبية.

انعدام الأمن الغذائي
انعدام الأمن الغذائي يهدد أكثر من 100 مليون شخص في إفريقيا – رويترز

ورغم كون إفريقيا جنوب الصحراء مصدراً صافياً للمنتجات الزراعية، فإن انعدام الأمن الغذائي مستمر ويتزايد.

وأدى التدهور المطرد في الأمن الغذائي إلى مضاعفة من يعانون من نقص التغذية في إفريقيا.

ومن المتوقع أن المنطقة لن تكون قادرة على إطعام 60% من سكانها بحلول عام 2025، والزيادة السريعة للسكان ليست مشكلة بقدر ما هي فشل للنمو الاقتصادي في المنطقة لمواكبة النمو السكاني، حسب تقرير للأمم المتحدة.

إرث الاستعمار المستمر

كان معظم القارة الإفريقية مكتفياً ذاتياً من الطعام قبل خضوعه للاستعمار الأوروبي، حيث كان السكان في كل بلد في الأغلب يزرعون المحصول الرئيسي الذين يقتاتون عليه، مثل الأرز الذي استبدل في كثير من المناطق بالفول السوداني، أو غيره من المحاصيل الملائمة للتصدير، لجعل المستعمرات أكثر ربحية للمحتل الأوروبي.

وبالتالي أحد أسباب تعدد المجاعات في إفريقيا هو إلى حد كبير إرث من أنظمة الإنتاج الزراعي الاستعمارية الموجهة للتصدير، والتي خصصت الأراضي الخصبة النادرة والمياه والعمالة لتلبية احتياجات الصناعات والمستهلكين في شمال الكرة الأرضية، حسب بحث بعنوان "لماذا يستمر انعدام الأمن الغذائي في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى: مراجعة للأدلة الموجودة" نشر عام 2022 في موقع springer link العلمي.

كما قوض الاستعمار العقد الاجتماعي بين الزعماء التقليديين والمجتمعات، والذي كان له دور فعال في إدارة ندرة الغذاء في الأوقات السابقة.

بعد الاستقلال، ظلت السياسات الزراعية تركز على الصادرات وأهملت البحث والاستثمارات الزراعية الحيوية.

ونتيجة لذلك، فإن إفريقيا هي المنطقة الوحيدة في العالم التي تسببت فيها زيادة إنتاج الصادرات في انخفاض إنتاج الغذاء للفرد.

المشكلات المالية واللوجستية مثل الديون والتخزين

كما تعاني الدول الإفريقية من الديون المتراكمة والاستثمارات الضعيفة في مجال الزراعة.

كما أن من أسباب المجاعات في دول إفريقيا ممارسات الإقراض لدى البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وتقلبات أسعار العملة والفوائد العالمية، التي أعاقت قدرتها على دعم الزراعة وتحسين سبل العيش والأمن الغذائي.

ولكي تكون الزراعة مستدامة يجب أن تكون مربحة، ويستدعي ذلك ربط المزارعين بسلاسل التوريد المحلية والإشارات والمعلومات عن السوق، وتحسين التخزين بعد الحصاد، بينما تعاني القارة من ممارسات إنتاج وتخزين المحاصيل والأغذية غير الملائمة.

والعديد من المجاعات في إفريقيا كان سببها انخفاضاً في إنتاج المحاصيل أو الثروة الحيوانية، وارتفاع أسعار المواد الغذائية وانهيار أسعار الأصول، والإخفاق في الاستجابات الإنسانية، حسب بحث لستيفن ديفيروكس من جامعة ساسكس البريطانية نُشر في موقع Research Gate.

دور الحكومات السلبي وغياب المُساءلة

ومع ذلك، فإن السؤال المهم ليس سبب حدوث هذه المجاعات، ولكن لماذا لم يتم منعها، رغم تكرارها بشكل دوري؟!

من المسلم به أنه لا يمكن أن يحدث أي نمو اقتصادي ذي مغزى في بيئة غير ديمقراطية، ومن دون بنية تحتية مناسبة. يتحمل القادة الأفارقة مسؤولية تنفيذ السياسات التي تعزز الديمقراطية وتراعي حقوق الإنسان، والتي ستؤدي إلى تنمية اجتماعية واقتصادية عبر خلق بيئة لمزيد من الاستثمار الاقتصادي.

ويرى الباحث ستيفن ديفيروكس أن من أسباب المجاعات في إفريقيا التدخلات الحكومية والدولية غير الفعالة وغير المناسبة، والعلاقات السلبية بين الحكومات والوكالات المانحة في اللحظات الحرجة، وعدم المساءلة عن منع المجاعات السابقة في البلدان منخفضة الدخل ذات الديمقراطيات الضعيفة وشركاء التنمية المتداخلين.

الأمراض

إفريقيا هي قارة الأمراض الفتاكة، مثل الملاريا والتيفوئيد والسل ووباء فيروس نقص المناعة البشرية "الإيدز"، حسب وصف تقرير للأمم المتحدة.

بحيرة تشاد مهددة بالجفاف قبل عام 2030/ رويترز

ويتعرض الأطفال دائماً لخطر الإصابة بالأمراض والوفيات وتوقف النمو. 

إن عبء المرض يبطئ النمو السكاني، لا سيما في حالة فيروس نقص المناعة البشرية "الإيدز".

كما أن هناك انتشاراً كبيراً للأمية واللامبالاة، حسب التقرير الأممي، ما يجعل من الصعب على معظم حملات التوعية أن يكون لها تأثير، وبصفة عامة، يتوقف الفقراء عن إضفاء قيمة طويلة الأجل على حياتهم، ولا يهتمون إلا بالبقاء الفوري.

ضغوط زيادة السكان وتدهور إنتاجية الأراضي 

أصبحت البيئة والموارد الطبيعية الرئيسية في معظم البلدان الإفريقية مهددة بشكل متزايد من خلال تصاعد الضغط من سكان الريف والمدن على السواء الذين يتزايد عددهم بسرعة.

من أهم العوامل التي تم تحديدها باعتبارها معوقات لإنتاج الغذاء في إفريقيا تدهور الأراضي، وتقنيات تصنيع الأغذية غير الملائمة والسياسات الاقتصادية السيئة لدعم إنتاج الغذاء، فضلاً عن الوضع الاقتصادي والاجتماعي المتدني للنساء، اللائي يشكلن غالبية منتجي الأغذية.

الاقتصادات الريفية، التي تعتمد بشكل كبير على الزراعة، قد دُمرت إلى حد كبير بسبب تدهور الأراضي وحرمت من العمالة البشرية، حيث يغادر الشباب والقادرون جسدياً إلى المدن بحثاً عن وظائف. ويستمر المزارعون في الزراعة دون استخدام المدخلات الزراعية المناسبة، وبالتالي يحصلون على غلات منخفضة للغاية، كما أدى عدم الاستقرار السياسي إلى تعطيل الأنشطة الاقتصادية إلى حد كبير، ما أسهم في زيادة الفقر، بالإضافة إلى ذلك هناك توزيع غير عادل للثروة، حيث تمتلك نسبة صغيرة من الناس الجزء الأكبر من الموارد، في حين أن الغالبية لا تزال غارقة في الفقر.

تحميل المزيد