هل يزور جو بايدن السعودية ويلتقي ولي العهد فعلاً؟ هذا ما تقوله تقارير أمريكية، فكيف انقلب موقف الرئيس الأمريكي من الهجوم على الرياض وتجاهُل الحاكم الفعلي للمملكة، إلى باحث عن "الرضا" بشتى الطرق؟
ورغم أن العلاقات بين السعودية والولايات المتحدة تندرج تحت خانة التحالف الاستراتيجي، الموثقة باتفاق يرجع تاريخه إلى عام 1945، بين الملك عبد العزيز آل سعود والرئيس الأمريكي روزفلت، وكانت مدة الاتفاقية 60 عاماً، وتم تجديدها لنفس الفترة عام 2005، فإن تلك العلاقات وصلت إلى أدنى مستوى لها منذ تولى جو بايدن المسؤولية خلفاً لدونالد ترامب.
وما بين كلمات بايدن القاسية بشأن المملكة خلال حملته الانتخابية عام 2019، وبين التقارير اليوم عن "سعي" بايدن إلى ترتيب زيارة للسعودية، شهدت العلاقات خلالها تحولات كثيرة وانقلابات واضحة، يرصد هذا التقرير أبرز محطاتها.
زيارة بايدن "المحتملة للسعودية
نبدأ القصة من أحدث محطاتها، وهي الحديث عن احتمالات قيام جو بايدن بزيارة السعودية خلال جولته في الشرق الأوسط، حيث نشر موقع Axios الأمريكي تقريراً، الخميس 26 مايو/أيار 2022، قال فيه إن بايدن يفكر في زيارة السعودية خلال جولته المقررة إلى الشرق الأوسط، نهاية يونيو/حزيران، وذلك نقلاً عن مصادر داخل الإدارة الأمريكية.
يقوم حالياً اثنان من كبار مستشاري الرئيس بايدن بزيارة سرية إلى السعودية، لإجراء محادثات حول ترتيب محتمل بين السعودية وإسرائيل ومصر، واتفاق لزيادة إنتاج النفط والعلاقات الثنائية بين واشنطن والرياض، بحسب ما نقله تقرير الموقع الأمريكي عن ثلاثة مسؤولين أمريكيين حاليين وسابقين، دون ذكر أسمائهم.
وقال هؤلاء المسؤولون إن التوصل إلى "تفاهمات" بين الولايات المتحدة والسعودية، بشأن القضايا المذكورة، يمثل "أمراً جوهرياً" فيما يتعلق بإجراء تلك الزيارة.
وذكرت المصادر أن بريت ماكغورك، منسق شؤون الشرق الأوسط في البيت الأبيض، وأموس هوتشستين، مستشار الخارجية الأمريكية لشؤون الطاقة وصلا السعودية، الثلاثاء 24 مايو/أيار، لعقد اجتماعات مع مسؤولين سعوديين كبار.
وأضاف موقع أكسيوس أن البيت الأبيض رفض التعليق على مسألة الزيارة، فيما قال متحدث باسم الخارجية الأمريكية إنه ليس هناك "سفر رسمي للإعلان عنه في هذا الوقت". كما لم تردّ السفارة السعودية في واشنطن على الفور على طلب للتعليق من جانب الموقع الأمريكي.
إن زيارة رئيس أمريكي للسعودية لا تعتبر حدثاً غير عادي، بشكل عام، لكن زيارة بايدن تحديداً إلى المملكة لا تمثل فقط حدثاً غير عادي، بل تمثل انقلاباً أو سيراً عكس الاتجاه، فساكن البيت الأبيض كان قد قطع "شعرة معاوية" مع الرياض قبل أن تطأ قدماه البيت الأبيض رئيساً، ثم زاد الطين بلة مرات عديدة بعد أن تسلم منصبه رسمياً.
بايدن، عندما كان لا يزال يسعى للفوز بترشيح الحزب الديمقراطي ليترشح ضد دونالد ترامب، كان قد تعهد بأن الولايات المتحدة سوف تلقن "الديكتاتوريين درساً من خلال معاقبة السعودية"، وأضاف خلال مناظرة لمرشحي الحزب عام 2019: "سوف نجعلهم (حكام السعودية) يدفعون الثمن، وسوف نجعلهم منبوذين كما يستحقون".
تلك التعهدات من بايدن جاءت في معرض تعليقاته على ما يجب أن تفعله واشنطن تجاه مقتل الصحفي المعارض جمال خاشقجي، الذي نفذه عملاء مرتبطون بالحكومة السعودية في قنصلية الرياض بإسطنبول، مطلع أكتوبر/تشرين الأول 2018. وتوجهت أصابع الاتهام لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي نفى علمه أو تورطه في جريمة الاغتيال التي هزت العالم أجمع؛ نظراً لبشاعة تفاصيلها.
بايدن وتجاهله لولي العهد
دخل بايدن البيت الأبيض رئيساً يوم 20 يناير/كانون الثاني 2021، رافعاً شعار "أمريكا عادت لقيادة العالم"، وقال إنه سيجعل "حقوق الإنسان" في القلب من سياسته الخارجية، وبدا أن حزمة القرارات التي اتخذها وتتعلق بالشرق الأوسط موجّهة في مجملها ضد السعودية.
أعلن بايدن أنه سيعيد أمريكا إلى الاتفاق النووي الإيراني، الذي كان ترامب قد انسحب منه عام 2018، كما قررت إدارته نشر تقرير استخباراتي حول جريمة اغتيال خاشقجي، كانت إدارة ترامب قد شملته بالسرية، وهو التقرير الذي أسهمت وكالة الاستخبارات المركزية في إعداده، وخلص إلى أن ولي العهد السعودي على الأرجح أمر باعتقال أو قتل الصحفي المعارض.
ورغم أن الكشف عن ذلك التقرير السري بشأن اغتيال خاشقجي لم يمثل في حد ذاته تغييراً جوهرياً في طبيعة العلاقات بين السعودية والولايات المتحدة، فإنه مثّل مأزقاً حقيقياً لإدارة بايدن، ربما بصورة أكثر مما سببه من إزعاج للسعودية، بحسب تقرير وقتها لموقع Responsible Statecraft الأمريكي، رصد أن أي محاولة من واشنطن لفرض عقوبات على ولي العهد السعودي قد تنسف العلاقات بين البلدين تماماً.
ثم أعلنت إدارة بايدن حزمة من القرارات تتعلق بالحرب في اليمن، أوقفت من خلالها دعم عمليات التحالف الذي تقوده السعودية، كما حظرت بيع الأسلحة الهجومية للرياض، وقررت رفع جماعة الحوثي من قائمة المنظمات الإرهابية، بعد أن كانت إدارة ترامب قد أدرجت تلك الجماعة المدعومة من طهران في القائمة.
إحياء الاتفاق النووي وحظر الأسلحة ورفع التصنيف الإرهابي عن الحوثي ونشر التقرير الاستخباراتي في اغتيال خاشقجي، كلها قرارات موجهة ضد السعودية اتَّخذها بايدن. وعندما أجرى الرئيس الديمقراطي اتصاله الأول بقيادة المملكة -فالعلاقات الاستراتيجية بين الطرفين حتّمت ذلك بطبيعة الحال- قرر أن يهاتف الملك سلمان، مواصلاً تجاهله لولي العهد، رغم علم الجميع بأن ولي العهد هو الحاكم الفعلي للمملكة.
"الملك سلمان هو نظير الرئيس بايدن، وأتوقع أن يجري حوار بينهما في وقت ما، لكن ليس لدي جدول زمني محدد لتلك المحادثة"، كانت تلك كلمات جين ساكي، المتحدثة السابقة باسم البيت الأبيض، في فبراير/شباط من العام الماضي، رداً على سؤال بشأن "الاتصال الأول" الذي سيجريه بايدن مع السعودية، لكن الأسئلة في ذلك الوقت كانت تتركز على: هل، أو متى سيحدث تواصل مباشر بين بايدن والأمير محمد بن سلمان، وهو ما بدا وقتها أنه أمر يأنف منه بايدن ويريد تجنبه بأي شكل.
هناك بالطبع عناصر كثيرة شكَّلت ذلك الموقف من جانب بايدن، يتعلق أغلبها إن لم يكن جميعها فعلياً بالأوضاع الداخلية الأمريكية. فترامب ومستشاره الأول وصهره جاريد كوشنر، كانت تربطهما علاقة خاصة بولي العهد السعودي، وهي العلاقة التي استخدمها الديمقراطيون ضد الجمهوريين في الانتخابات الأخيرة، في ظل تراجع شعبية المملكة في الغرب عموماً، وفي أمريكا خصوصاً، في أعقاب اغتيال خاشقجي.
النفط يقلب الموازين في وجه بايدن
أجرى بايدن اتصالين بالملك سلمان، بفاصل زمني عام كامل، لكن الفارق بين محتوى الاتصالين شاسع، ويعكس التحولات الضخمة في العلاقات بين الجانبين. فالاتصال الأول، في فبراير/شباط 2021، ركّز على ما يمكن وصفها "بمحاضرة حول حقوق الإنسان"، وجَّهها بايدن إلى الملك، بينما جاء الاتصال الثاني أشبه "باستجداء" أمريكي لزيادة إنتاج النفط السعودي.
فقد أعلن البيت الأبيض، فجأة ودون مقدمات، عن اتصال هاتفي بين الرئيس جو بايدن والملك سلمان بن عبد العزيز، في فبراير/شباط الماضي، وقبل بداية الهجوم الروسي على أوكرانيا. وركز الاتصال على بحث إمدادات الطاقة والتطورات في الشرق الأوسط، بما في ذلك قضايا إيران واليمن.
وأكد "الزعيمان الالتزام بضمان استقرار إمدادات الطاقة العالمية"، فيما شدد الملك سلمان على "أهمية الحفاظ على توازن أسواق البترول واستقرارها، منوها بدور اتفاق أوبك التاريخي في ذلك، وأهمية المحافظة عليه".
أجرى بايدن ذلك الاتصال بعد أن رفضت أوبك زيادة الإمدادات لتهدئة الأسعار المتصاعدة، وأفادت مصادر أمريكية مطلعة على الاتصال الهاتفي أن "المملكة العربية السعودية لعبت تاريخياً دوراً حيوياً في ضمان توفر إمدادات جيدة بأسواق الطاقة العالمية لدعم قوة وصمود الاقتصادات".
وقدم بايدن للملك، في تلك المكالمة الثانية وبحسب بيان البيت الأبيض، صورة تفصيلية عن الجهود الرامية لتقييد البرنامج النووي الإيراني، وكذلك سعي الإدارة لإقرار السلام في اليمن، واستمر تجاهل البيت الأبيض لولي العهد السعودي، أو هكذا بدت الأمور.
لكن السعودية رفضت زيادة الإنتاج، وصاحب القرار هو ولي العهد بطبيعة الحال، ومع بداية الهجوم الروسي على أوكرانيا وارتفاع أسعار النفط ومواجهة بايدن أزمة ارتفاع الأسعار في توقيت حساس للغاية، قبل انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، المقررة في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، بدأت "الضرورات تبيح المحظورات".
ولي العهد يفرض شروطه على بايدن
الواضح أن الشهرين الماضيين قد شهدا ما يمكن وصفه باستسلام بايدن للأمر الواقع، وسعي الرئيس الأمريكي وكبار مستشاريه إلى إعادة بناء الجسور المحروقة مع ولي العهد السعودي، وصاحب القرار الفعلي في شؤون المملكة، والسؤال الآن أصبح، هل فات أوان رأب الصدع فعلاً بين بايدن والأمير محمد بن سلمان؟
إذ كانت صحيفة The Wall Street Journal الأمريكية قد نشرت مقالاً عنوانه "كيف فقد بايدن السعودية"، رصد كيف أن سياسة الرئيس الأمريكي قد أفقدت واشنطن نفوذها لدى أكبر منتج للنفط في العالم، والحليف التقليدي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط منذ أكثر من 77 عاماً.
ورصد المقال كيف تسببت إدارة بايدن في دفع السعوديين نحو الشرق، وتحديداً تجاه الصين وروسيا، رغم أن مسألة استخدام اليوان كعملة تداول عالمية ليست مسألة سهلة، ورغم أن الريال السعودي مرتبط بالدولار فإن سعي ولي العهد لإعادة مناقشة المسألة مع الرئيس الصيني شي جين بينغ مؤشر على أن الولايات المتحدة قد فقدت نفوذها لدى السعودية بشكل كامل.
وهكذا وجد بايدن نفسه مضطراً إلى التعامل مع ولي العهد السعودي، لكن يبدو أن محاولات الرئيس قد باءت بالفشل حتى الآن، في ظل رفض الأمير محمد بن سلمان الرد على اتصال من ساكن البيت، وانفعال ولي العهد على مستشار بايدن للأمن القومي، جيك سوليفان، بسبب قضية خاشقجي. ورغم أن تلك المحطات وغيرها تظهر في تقارير إعلامية ولا توجد توضيحات رسمية بشأنها، فإن الواضح أن الأمور انقلبت، وبات بايدن هو من يسعى للقاء ولي العهد بينما الأخير يفرض شروطاً كي يتم اللقاء.
الأسبوع الماضي، نشرت شبكة CNN الأمريكية تقريراً حول سعي الجانب الأمريكي لترتيب لقاء بين بايدن وولي العهد السعودي، خلال زيارة الأول المرتقبة إلى إسرائيل، والآن بات الحديث يدور حول زيارة مرتقبة قد يقوم بها بايدن إلى السعودية، خلال ما باتت الآن جولة مرتقبة إلى الشرق الأوسط.
الخلاصة هنا هي أن الواضح هو أن بايدن قد أدرك أن مصلحته ومصلحة حزبه الديمقراطي تحتّم عليه السعي للقاء ولي العهد السعودي، سواء في السعودية أو في الخارج، ويظل السؤال: هل يوافق ولي العهد على ذلك اللقاء، وكيف يمكن أن يكون "الثمن"، أو التنازلات التي سيقدمها كل طرف؟