"أين شجاعتنا للوقوف في وجه جماعات الضغط (اللوبيات)؟"، هكذا علق الرئيس جو بايدن على مجزرة الأطفال في مدرسة ابتدائية بتكساس، فهل حان الوقت فعلاً لانتصار أمريكا على مُصنعي الأسلحة؟
كانت مدرسة روب الابتدائية في مدينة أوفالدي بولاية تكساس قد شهدت جريمة مروعة الثلاثاء 23 مايو/أيار، حيث اقتحم مراهق عمره 18 عاماً المدرسة وفتح النار ليحصد أرواح 19 طفلاً ومدرساً قبل أن تقتله الشرطة، التي وصلت إلى مكان الحادث، بحسب ما قاله حاكم الولاية غريغ آبوت.
وعرّف أبوت المهاجم على أنه مواطن من الولاية، 18 عاماً، وقال إنه "أطلق النار وقتل 19 طالباً وقتل مدرساً بشكل مروع وغير مفهوم"، وأضاف: "هو نفسه قد مات، ويُعتقد أن الضباط الذين استجابوا للحادث قتلوه". وذكرت وسائل إعلام أمريكية محلية، أن المسلح قتل أيضاً جدته في بداية عملية إطلاق النار، بحسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية BBC.
ماذا قال بايدن عن مجزرة تكساس؟
بعد ساعات قليلة من الحادث، وجَّه الرئيس الأمريكي جو بايدن خطاباً إلى الأمريكيين، حثهم فيه على الوقوف في وجه "جماعات الضغط القوية سياسياً في مجال صناعة الأسلحة النارية"، والتي ألقى الرئيس باللوم عليها في منع سن قوانين أكثر صرامة تتعلق باستخدام هذا النوع من الأسلحة.
كان الرقيب إريك إسترادا من إدارة السلامة العامة في تكساس قد قال لشبكة CNN الأمريكية إن ضباط إنفاذ القانون رأوا المسلح، الذي كان يضع درعاً واقية، يخرج من سيارته المحطمة ويحمل بندقية و"اشتبكوا" معه، لكنه تمكن من اقتحام المدرسة وفتح النار في نهاية المطاف. بينما كان أبوت قد قال إن منفذ إطلاق النار كان يحمل "مسدساً أو سلاحاً آخر".
تعتبر مجزرة تكساس أحد أعنف حوادث إطلاق النار في المدارس الأمريكية منذ أن قتل مسلح 26 شخصاً، من بينهم 20 طفلاً في مدرسة ساندي هوك الابتدائية بولاية كونيتيكت في ديسمبر/كانون الأول 2012. وفي 2018، قتل طالب سابق في مدرسة مارجوري ستونمان دوغلاس الثانوية في باركلاند بولاية فلوريدا 17 طالباً ومعلماً.
وخلال عام 2020، أصبحت الأسلحة النارية السبب الرئيسي لوفاة الأطفال والمراهقين الأمريكيين، متجاوزة حوادث السيارات، وفقاً لرسالة بحثية لجامعة ميشيغان نُشرت في مجلة نيو إنغلاند الطبية الشهر الماضي.
ووجَّه بايدن رسالة عاطفية إلى المشرِّعين الأمريكيين، طالبهم فيها "بتحول الألم الذي نشعر به جميعاً إلى فعل"، راصداً عدداً من أكثر حوادث إطلاق النار الجماعي وحشية في البلاد. وطالب الرئيس الكونغرس بإصدار تشريع يضع ضوابط قوية على امتلاك الأسلحة النارية في البلاد.
وعبرت كامالا هاريس، نائبة الرئيس، كذلك عن صدمتها من الحادث ووجهت رسالة مشابهة للكونغرس: "هذا يكفي! قلوبنا تتحطم مرة أخرى. كل مرة تقع فيها مأساة كهذه تنفطر قلوبنا، لكن ذلك لا يقارن بما يعانيه أهالي الضحايا. ورغم ذلك تتواصل تلك المآسي دوت توقف".
حوادث إطلاق النار في أمريكا
ردود الفعل الغاضبة والعاطفية على حادث إطلاق النار الجماعي، وهذا هو التوصيف المستخدم لتلك النوعية من الجرائم في أمريكا، لم تقتصر بطبيعة الحال على الرئيس ونائبته، بل صدرت عن كثير من المشرعين ونشطاء وحقوقيين مناهضين لامتلاك الأسلحة النارية دون ضوابط، وهو ما يشير إلى أن الحلقة الرافضة للأسلحة النارية تضيق حول جماعات الضغط الداعمة لمصنعي الأسلحة النارية في البلاد.
مصطلح "إطلاق نار جماعي" يشير إلى ما يحدث عندما يفتح شخص ما النار بطريقة عشوائية فيقتل أو يصيب 4 أشخاص على الأقل، دون أن يكون مرتكب الجريمة من بين القتلى أو المصابين، بحسب التعريف المعتمد لدى المنظمة الأمريكية "أرشيف عنف الأسلحة النارية Gun Violence Archive"، وهو التعريف نفسه الذي يعتمده مكتب التحقيقات الفيدرالية.
نعم هذا النوع من الجرائم العبثية والأرواح التي تزهق دون سبب أو حتى معنى منتشر في الولايات المتحدة لدرجة وضع مصطلح خاص لوصفه؛ إذ شهدت أمريكا 33 حادث إطلاق نار جماعي خلال النصف الأول من مايو/أيار 2022 فقط، و202 حادث من هذا النوع القاتل منذ بداية العام، كان آخرها، قبل مجزرة الأطفال في تكساس، مجزرة عنصرية في متجر بقالة بنيويورك.
كان فتى أمريكي يبلغ من العمر 18 عاماً قد فتح النار بشكل عشوائي ليقتل 10 أشخاص ويصيب 3 آخرين في متجر بقالة في بوفالو بمدينة نيويورك، قبل أن يسلم نفسه للشرطة. الفتى أبيض والضحايا أغلبهم من السود وصنفت الشرطة الحادث على أنه جريمة كراهية وعمل من أعمال "التطرف العنيف بدوافع عنصرية".
وكانت تلك الجريمة التي ارتكبها بايتون غيندرون، وهو من البيض، قد سبقها تخطيط ومنشورات على الإنترنت تكشف عن توجهات عنصرية لا لبس فيها، ورغم ذلك تمكن المتهم من شراء سلاح ناري وقام بتعديله لإضافة خزانة رصاص أكبر حجماً، وقاد سيارته لمسافة ساعات وصولاً إلى بوفالو، الحي الذي تقطنه غالبية من الأمريكيين السود.
وهذه النقطة تحديداً، أي احتمال وجود تقصير من جانب قوات الأمن في القيام بعملها ووضع غيندرون تحت الرقابة، هي دائماً المدخل الذي تستخدمه جماعات الضغط الداعمة لمصنعي الأسلحة النارية بغرض إجهاض أي تشريعات تضع قيودا على الحق في امتلاك سلاح ناري في أمريكا.
ماذا يقول الرافضون لتقييد امتلاك الأسلحة النارية؟
السيناتور الجمهوري توم تيليس وجَّه تحذيراً للديمقراطيين كي لا تكون لهم "ردود فعل اندفاعية" حول إطلاق النار في مدرسة تكساس، وقال إنه واثق أن الأيام القادمة ستكشف وجود "علامات" على أن مطلق النار كان يمثل "خطراً ما".
"إنه أمر بشع. وما نحتاج لأن نتجنبه هو رد الفعل الاندفاعي كأن نقول إن كل ذلك كان يمكن تجنبه (إطلاق النار) إذا ما تم حرمان الجميع من حق امتلاك السلاح الناري. يمكننا أن نتحدث عن اتخاذ إجراءات معقولة لكن لا بدَّ أيضاً أن نتحدث عن تحسين الوعي المؤسسي"، بحسب ما قاله تيليس لشبكة CNN الأمريكية.
ماذا يريد تيليس قوله فعلاً أو بمعنى أكثر دقة ما الذي يحمله كلامه بين السطور؟ المشكلة ليست في الحق المطلق لامتلاك السلاح الناري في الولايات المتحدة، لكن المشكلة في عدم قيام الأجهزة الأمنية بعملها في مراقبة الذين يمثلون خطراً محتملاً. وبحسب تحليل عنوانه "تعثر مشروع تقييد امتلاك السلاح الناري في أروقة الكونغرس، ولهذه الأسباب لن يتغير ذلك قريباً"، يبدو أن مناشدات بايدن العاطفية للمشرعين كي يقفوا في وجه جماعات الضغط السياسي ستذهب أدراج الرياح هذه المرة أيضاً.
إذ إن أصحاب الرأي المدافع عن الحق في امتلاك السلاح الناري لا يمثلون فقط اللوبيات أو جماعات الضغط المدافعة عن ذلك الحق الدستوري، فهناك انقسام على ما يبدو بين الأمريكيين أنفسهم، بحسب ما تظهره استطلاعات الرأي.
هل تخسر جماعات الضغط السياسي هذه المرة؟
كانت شبكة سي إن إن الأمريكية قد نشرت، عام 2019، تقريراً لها، جاء في بدايته "الولايات المتحدة. موطن الحرية، والبحث عن السعادة وأكبر عدد من حوادث إطلاق النار العشوائي في العالم"، تناول أيضاً احتمالات النجاح في المواجهة مع مُصنعي الأسلحة النارية وجماعات الضغط التابعة لهم.
التحليل المطول وقتها رصد النقطة المركزية في النقاش المشحون بالانفعالات والمثير للانقسام حول معنى التعديل الثاني في الدستور الأمريكي الذي يتألف من سبع وعشرين كلمة تمنح المواطنين الأمريكيين الحق في حيازة الأسلحة. لكن تلك المادة ساعدت أيضاً على نشوء ثقافة تشهد مقتل مواطنين على أيدي مواطنيهم المسلحين بالأسلحة النارية أكثر من أي دولة أخرى من الدول مرتفعة الدخل.
ويتخطى عدد حوادث إطلاق النار العشوائي في الولايات المتحدة أي مكان آخر على وجه الأرض، وهو ما يجعل مسألة التردد في وضع مزيد من القيود على الحق في امتلاك السلاح أمراً منطقياً، لكن ردود الفعل التي أعقبت مجزرة الأطفال في تكساس لم تنجح في تغيير النظرة المتشائمة من جانب وسائل الإعلام.
ونشر موقع NDTV تقريراً تناول استطلاع رأي لمعهد Pew للأبحاث أظهر أن 51% من الأمريكيين يؤيدون وضع ضوابط على امتلاك الأسلحة النارية مقابل 49% لا يعتقدون أن تقييد هذا الحق سيؤدي إلى تخفيض عدد حوادث إطلاق النار الجماعي، ودلل التقرير بذلك على أنه رغم بشاعة مجزرة المدرسة الابتدائية في تكساس "لا يبدو أن هناك أي تغيير" بشأن الحق في امتلاك الأسلحة النارية.
ولا تعتبر حوادث إطلاق النار الجماعي في المدارس بشكل عام أمراً نادراً في الولايات المتحدة، إذ تم تسجيل 26 حادث إطلاق نار جماعي داخل المدارس عام 2021، كما تعد تدريبات مواجهة مهاجم يطلق النار، جزءاً شائعاً من المناهج الدراسية، من المرحلة الابتدائية إلى الثانوية.
وكان عام 2012 قد شهد واحداً من أسوأ حوادث إطلاق النار الجماعي وشهدته مدرسة ساندي هوك الابتدائية في ولاية كونيكتيكت، وكان عشرون من بين 26 ضحية في ذلك الهجوم، الذي نفذه شاب يبلغ من العمر 20 عاماً، تتراوح أعمارهم بين 5 و6 أعوام.