أرفف المتاجر خالية من حليب الأطفال، وفعّل الرئيس جو بايدن قانوناً يجبر الشركات على مزيد من الإنتاج، فما أسباب الأزمة "الغريبة" التي تعاني منها أمريكا؟ وما تداعياتها وتفاصيلها؟
"تلجأ العائلات إلى الإنترنت بحثًا عن حليب الأطفال؛ نتيجة يأسهم الشديد. إنه أمر خطير للغاية إذا تخيلتم ذهاب الأمهات إلى محل البقالة ليجدوا الأرفف خالية، ويضطر بعضهم للسفر لساعات من أجل الحصول على حليب الأطفال الذي يحتاجون إليه". هكذا وقفت نائبة جمهورية في الكونغرس، مع زملاء وزميلات لها، لتندد بالأزمة المتمثلة في النقص الحاد في السلعة الحيوية، وكيفية تعامل إدارة جو بايدن معها، بحسب تقرير لشبكة Foxnews الإخبارية.
كان ذلك خلال مايو/أيار الجاري، لكن جذور أزمة نقص حليب الأطفال وبدايتها ترجع إلى بضعة أشهر، وتطورت بصورة خطيرة، على الأرجح لم تخطر على بال أحد داخل الولايات المتحدة ولا خارجها.
متى بدأت أزمة حليب الأطفال في أمريكا؟
ترجع جذور أزمة النقص الحاد في حليب الأطفال في الولايات المتحدة الأمريكية إلى مطلع العام الجاري، عندما وقع خلاف بين هيئة الأغذية والدواء من جهة، وبين أكبر شركة منتجة لحليب الأطفال في البلاد من جهة أخرى.
آبوت لابوراتوريز هي واحدة من أكبر منتجي حليب الأطفال في الولايات المتحدة الأمريكية، ودخلت الشركة في نزاع مع مراقب السلامة والصحة العامة في وزارة الصحة الأمريكية، بعد توجيه اتهامات للشركة بتساهلها في تطبيق إجراءات السلامة المتعارف عليها في خطوط الإنتاج.
القصة بدأت من خلال شكاوى تتعلق بوجود بكتيريا ضارة في بعض عبوات حليب الأطفال التي تنتجها شركة آبوت، وعندما طلبت إدارة الرقابة على إجراءات السلامة من الشركة تقديم إيضاحات، حدث تأخير في الرد، ثم قررت الشركة سحب حليب الأطفال الذي تنتجه من الأسواق، وكان ذلك منتصف فبراير/شباط الماضي.
الشكاوى حرَّكها في البداية تعرُّض بعض الأطفال لحالات مرضية اشتبه في أن سببها حليب الأطفال. وأدى سحب شركة أبوت لابوراتوريز منتجاتها إلى خلو الأرفف في متاجر أغلب الولايات الأمريكية من حليب الأطفال، فالشركة إحدى أكبر المنتجين في الولايات المتحدة، وهكذا بدأت الأزمة، التي تحولت مع مرور الوقت إلى قضية سياسية بامتياز.
وفي مارس/آذار الماضي، أصدرت هيئة الأغذية والدواء تقريراً، بعد إجراء تحقيقات مطولة وزيارات ميدانية، أفاد بوجود مشكلات في تطبيق إجراءات السلامة والوقاية الصحية في أكبر مصانع إنتاج حليب الأطفال التابع لشركة آبوت، والكائن في ولاية ميشيغان.
تقرير الهيئة أفاد بوجود أنواع ضارة من البكتيريا على الأسطح في مناطق متعددة من المصنع، بحسب تقرير لرويترز. واستمرت تحقيقات هيئة الأغذية والدواء في الفترة من 31 يناير/كانون الثاني وحتى 18 مارس/آذار، وخلص التقرير إلى وجود أنواع من البكتيريا الضارة تسمى كورونوباكتر ساكازاكاي.
وأرجعت شركة آبوت المشكلة إلى فترات الإغلاق المطول التي تعرض لها المصنع منذ تفشي جائحة كورونا، وأصرت إدارة الشركة على أن محتويات تقرير هيئة الأغذية والدواء بالغت في تأويل التأثيرات الضارة لتلك "المشكلات" على المنتج النهائي.
وأخيراً أعلنت شركة آبوت أنها توصلت إلى اتفاق مع الهيئة المنظمة لقطاع الصحة الأمريكي لاستئناف إنتاج حليب الأطفال في مصنعها في ميشيغان، وكان ذلك يوم الاثنين 16 مايو/أيار. لكن ذلك لم يؤدِّ بطبيعة الحال إلى الانتهاء الفوري للنقص الحاد في السلعة الحيوية.
كيف قرر بايدن التعامل مع الأزمة؟
الأربعاء 18 مايو/أيار، قال البيت الأبيض إن الرئيس جو بايدن اتخذ خطوات لمعالجة نقص حليب الأطفال في الولايات المتحدة، مستعيناً بقانون الإنتاج الدفاعي لمساعدة الشركات المصنعة في الحصول على المكونات اللازمة لزيادة الإمدادات.
قانون الدفاع الوطني أو الإنتاج الدفاعي هو قانون فيدرالي يرجع إلى فترة الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، وبالتحديد إلى عام 1950، مع بداية التورط الأمريكي في الحرب الكورية. ويمنح القانون الرئيس القدرة على الاستفادة من القاعدة الصناعية الأمريكية، الشركات الخاصة، لتسريع وتوسيع إمدادات الموارد لدعم الحكومة، بما فى ذلك الطاقة العسكرية والفضاء واحتياجات الأمن الداخلي، وفقاً لما تقرره الوكالة الفيدرالية لإدارة الطوارئ (فيما).
ومع مرور الوقت تم توسيع القانون ليشمل جهود مكافحة الإرهاب، وأنشطة الاستعداد للطوارئ، وحماية واستعادة البنية التحتية الحيوية، واستمرارية الحكومة. واستخدمه الرئيس السابق دونالد ترامب، في إطار مكافحة وباء كورونا عام 2020، حيث أجبر من خلاله العديد من الشركات الخاصة على توجيه طاقتها نحو تصنيع أجهزة التنفس الصناعي.
ويشمل القانون بنوداً رئيسة تخص الأولويات والمخصصات، التي تسمح للرئيس بمطالبة الشركات بقبول وتحديد أولويات عقود الخدمات والمواد التي تعتبر ضرورية لمساعدة الدفاع الوطني الأمريكي، إضافة إلى توسيع القدرة الإنتاجية والعرض، بما يمنح الرئيس السلطة لخلق حوافز للصناعة لإنتاج المواد الحيوية.
وفي هذا السياق، وجه بايدن الوكالات الأمريكية لاستخدام الطائرات التجارية التابعة لوزارة الدفاع لجلب حليب الأطفال إلى الولايات المتحدة من الخارج. وفي رسالة إلى وزير الصحة والخدمات الإنسانية كزافييه بيسيرا، ووزير الزراعة توم فيلساك، أشار بايدن إلى أن الصناعة يجب أن تنتج المزيد من حليب الأطفال في الأسابيع والأشهر القادمة.
وقال الرئيس: "واردات حليب الأطفال ستكون حلاً مؤقتاً حتى زيادة الإنتاج. لذلك أطلب منكم اتخاذ جميع الإجراءات المناسبة المتاحة لجلب حليب أطفال آمن إضافي إلى البلاد على الفور".
وذكر البيت الأبيض أن بايدن قام بتفعيل قانون الإنتاج الدفاعي لضمان توفر المكونات اللازمة للشركات لصنع حليب أطفال آمن: "الرئيس يطلب من الموردين توجيه الموارد اللازمة إلى صانعي ألبان الأطفال قبل أي عميل آخر ربما يكون قد طلب تلك البضاعة".
بالإضافة إلى ذلك، أطلق بايدن عملية لتسريع استيراد حليب الأطفال ونقله إلى المتاجر بسرعة. وقال البيت الأبيض: إن "تجاوز طرق الشحن الجوي المعتادة سيسرع من استيراد وتوزيع حليب الأطفال، وسيمثل دعماً فورياً بينما يواصل المصنعون زيادة الإنتاج".
وبالفعل هبطت طائرة شحن عسكرية في إنديانابوليس، الأحد 22 مايو/أيار، حاملة أول شحنة من حليب الأطفال من أوروبا؛ لمعالجة النقص الحاد في الولايات المتحدة. وقال البيت الأبيض إن الطائرة التي وصلت، اليوم الأحد، تحمل 35380 كيلوجراماً من حليب الأطفال المتخصص، بحسب رويترز.
وقال برايان ديس مدير المجلس الاقتصادي الوطني التابع للبيت الأبيض لشبكة فوكس نيوز: "هناك ما يكفي من الحليب على تلك الطائرة، وهو نوع طبي متخصص، لنحو نصف مليون زجاجة. وهذا يعادل حوالي 15% من حجم (الاحتياج) الوطني الإجمالي هذا الأسبوع".
هل أصبحت أمريكا إحدى دول العالم الثالث؟
"نحن لسنا في بلد عالم ثالث. لا ينبغي أبدًا حدوث ذلك في الولايات المتحدة الأمريكية، نحن متحدون في المطالبة بالعمل لمعالجة هذه الأزمة"، هكذا تحدثت إيليز ستيفانيك، عضوة في الكونغرس الأمريكي، خلال مؤتمر صحفي، حول نقص حليب الأطفال، خارج مبنى الكابيتول، بحسب تقرير شبكة Foxnews.
ستيفانيك أم لطفل عمره 9 أشهر، وبالتالي فالقضية تهمها بشكل شخصي، لكنها أيضاً نائبة جمهورية بارزة عن ولاية نيويورك في مجلس النواب، وعقدت مؤتمراً صحفياً بحضور 12 من زميلاتها وزملائها في الكونغرس، وجهوا خلاله انتقادات عنيفة لإدارة بايدن بسبب تأخرها في التصدي لأزمة نقص حليب الأطفال منذ بدايتها، حتى تفاقمت لتلك الدرجة غير المسبوقة في تاريخ البلاد الحديث، على حد وصفهم.
النائبة الجمهورية من ميزوري، آن فاغنر، أكدت على ما قالته ستيفانيك: "هذا حال أمريكا في عصر جو بايدن للأسف". وقالت فاغنر إن ناخبيها يشعرون بتأثير نقص الحليب في ولاية ميزوري، وأشارت إلى أن الولاية "واحدة من 6 ولايات في أمريكا نفد لديها مخزون حليب الأطفال. تقسم الشركات وتجار التجزئة الإمدادات؛ ما يحد من كمية الحليب التي يمكن للعميل شراؤها. ومن المرعب التفكير في الأمر، بصفتي جدة لطفلين وننتظر الثالث قريبًا. أود أن أشير إلى اليأس الذي يشعر به الآباء والأمهات في منطقتي، عندما لا يستطيعون توفير الضروريات الأساسية التي يحتاجونها لأطفالهم".
صحيح أنه في ظل الانقسام العميق على الساحة السياسية الأمريكية، وحتى على مستوى المجتمع عموماً، بين الديمقراطيين والجمهوريين، فيما يخص جميع القضايا، وبخاصة القضايا الداخلية، لكن المؤكد أيضاً هو أن إدارة بايدن تأخرت بالفعل في التعامل مع أزمة نقص حليب الأطفال حتى تفاقمت بتلك الطريقة.
النائبة ستيفانيك وجهت اتهاماً مباشراً لإدارة بايدن بالاستخفاف بالأزمة منذ بدايتها وقالت: "ببساطة ليست لدى جو بايدن خطة. ضحكوا في البيت الأبيض عند سؤالهم عن نقص الحليب، لكن ليس هناك ما يدعو للضحك فيما يتعلق بهذه الأزمة".
وفي ظل معاناة الولايات المتحدة من أزمة تضخم وارتفاع في أسعار السلع الأساسية بصورة تمثل عبئاً هائلاً على كاهل الأسر الأمريكية، لتوفير احتياجاتها الضرورية، أصبحت أزمة النقص الحاد في حليب الأطفال عبئاً إضافياً يزيد من السخط العام على أداء إدارة جو بايدن، الذي بدا مشغولاً أكثر بالأزمة الأوكرانية منذ بداية العام الجاري.
وقد وجّه معارضو بايدن انتقادات عنيفة له بسبب ما وصفوه هروباً للأمام من جانب الرئيس الأمريكي بتركيزه على أزمة أوكرانيا وروسيا، في الوقت الذي كانت فيه أزمة حليب الأطفال وأزمات أخرى كثيرة يعاني منها المواطن الأمريكي تختمر دون أن تجد الاهتمام الكافي من الإدارة الديمقراطية. ويقول أصحاب هذا الرأي إن بايدن كان عليه تفعيل قانون الإنتاج الدفاعي، أو اتخاذ إجراءات أخرى منذ فبراير/شباط على أقل تقدير، ولو فعل لما عانت الأسر الأمريكية من نقص حليب الأطفال بتلك الصورة غير المسبوقة.
وهذا ما عبر عنه النائب الجمهوري باتريك ماكهنري بقوله: إن "الآباء يعانون في أمريكا في بحثهم عن حليب لأطفالهم. لقد جعلت إدارة بايدن الحياة الأسرية أكثر صعوبة، حيث تذهب إلى متجر البقالة لتجد ارتفاع أسعار كل شيء، ومع ذلك، لا تجد الأشياء الأساسية التي تحتاجها للحياة الأسرية".