حرب في آسيا قد تنشب بسبب تكرار الولايات المتحدة لنفس خطأ توسع الناتو في أوروبا، وذلك عبر سياسات بايدن ضد الصين، ولكن هذه الحرب ستكون مدمرة أكثر من الصراع الأوكراني، وستلحق خسائر ضخمة بالولايات المتحدة نفسها.
وهناك أوجه تشابه لافتة بين سياسات بايدن ضد الصين الحالية وسيناريو توسع الناتو الذي أغضب روسيا وأدى إلى حرب أوكرانيا الدائرة حالياً، حسبما ورد في تقرير لموقع Responsible Statecraft الأمريكي.
البعض بالغرب كان يريد التفاهم مع روسيا
وثارت مناقشات محمومة بين المحللين وصناع القرار حول مستقبل الناتو أوائل التسعينيات، بعدما ترك انهيار الاتحاد السوفييتي الجيش الروسي في حالة من الفوضى. والتمست الدول القريبة من روسيا توفير الحماية لها من تهديد مستقبلي هي على يقين بظهوره بعد أن تلملم موسكو شتات نفسها. على أن آخرين رأوا مستقبلاً مختلفاً، مستقبلاً تصبح فيه روسيا دولة متعاونة شبه منزوعة السلاح ومندمجة مع أوروبا. وقالوا إنه لن تعود حاجة إلى الناتو إذا تحقق هذا السيناريو.
وإحياء الحديث عما كان متوقعاً وما لم يكن كذلك، أصبح مهماً الآن لتحليل ما تفعله الولايات المتحدة وحلفاؤها في شرق آسيا، التي تشهد تعزيزات عسكرية قد تكون مصيرية.
الروس حذّروا بشكل واضح من توسع الناتو، والصينيون الآن يكررون التحذير ذاته
ففي التسعينيات، لم يكن واضحاً ما إذا كانت روسيا ستجدد طموحاتها العسكرية.
على أن المسؤولين الروس قالوا بوضوح غير مرة، إنهم يعتبرون توسع الناتو تهديداً أمنياً. وحتى القراءة السريعة للتاريخ الروسي تكشف مدى خطورة تهديد توسع الناتو في أعين الروس.
وبالمثل الآن، عبّر القادة الصينيون عن رأيهم بوضوح في توسع الحضور العسكري الأمريكي بآسيا. فتوجُّه أمريكا نحو آسيا، المستمر رغم ما يحدث في أوروبا، يمثل تهديداً أمنياً وجودياً في نظر القادة الصينيين.
سياسات بايدن ضد بكين تخنق اقتصادها وطرقها التجارية
وإلمام بسيط بالجغرافيا والاقتصاد يوضح السبب. إذ تعد الطرق التجارية في بحر الصين الجنوبي شريان حياة حيوياً للتنمية الاقتصادية لبكين. وأي وجود عسكري أجنبي في تلك المنطقة خارج عن نطاق التعاون مع الصين يشبه يداً تمتد لخنق الاقتصاد الصيني.
والاتفاقات العسكرية مثل أوكوس AUKUS الذي قررت بموجبه واشنطن ولندن تزويد أستراليا بغواصات تعمل بالطاقة النووية، تزيد من شعور الحصار الذي يراود الصين بقوة، وهو شعور شديد الشبه بالشعور الذي راود موسكو حين كان الناتو يتطلع إلى التوسع بعد عقد تقريباً من انتهاء الحرب الباردة.
وقادة الصين لديهم اليوم سبب وجيه للتفكير والتصرف مثل القادة الروس بداية الألفينات من القرن الحادي والعشرين، حين عكفت روسيا على تطوير قدرات عسكرية حديثة واتخاذ قرارات تتماشى مع أهدافها الأمنية المعلنة صراحة. وبداية الطريق إلى حرب مستقبلية في آسيا تبدو شبيهة إلى حد كبير ببدايات حرب أوكرانيا التي بدت بطيئة التطور منذ ما يقرب من 25 عاماً في أوروبا.
في عام 1999، انضمت المجر وبولندا وجمهورية التشيك إلى الناتو. وخلال الحرب الباردة، كانت تلك الدول جزءاً من حلف وارسو، مجموعة دول أوروبا الشرقية التي اعتبرتها موسكو منطقة صد حيوية لحلف الناتو. وهذا التوسع يمثل أهم توسع لحلف الناتو منذ أيامه الأولى في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وكانت له أهمية استراتيجية ورمزية ضخمة. وهذه الخطوة أنهت الجدل حول مستقبل الناتو.
إذ وجدت بعض دول حلف وارسو التي خضعت لهيمنة الاتحاد السوفييتي لنصف قرن، الحضن الغربي الذي سعت إليه لحمايتها من تهديد روسي محتمل في المستقبل.
بل دعا مسؤولون غربيون صراحة إلى مزيد من التوسع للناتو. وحدث توسع آخر أكبر عام 2004، حين انضمت سبع دول أخرى في أوروبا الشرقية إلى الناتو، من ضمنها ثلاث دول كانت جزءاً من الاتحاد السوفييتي، وهي إستونيا ولاتفيا وليتوانيا. وأدى انضمام هذه الدول إلى انتقال الناتو حرفياً إلى حدود روسيا. ثم بدأت موسكو تزيد من إنفاقها العسكري بدرجة أثارت قلق جاراتها التي لم تنضم للناتو، خاصةً أوكرانيا.
وبحلول عام 2008، دعا المسؤولون الغربيون أوكرانيا وجورجيا للانضمام إلى الحلف فعلاً، وبدأت الدوامة. فقد أدى توسع الناتو إلى زيادة التعزيزات العسكرية الروسية، وهذا دفع مزيداً من الدول لطلب عضوية الناتو.
ما أشبه اليوم بالبارحة!
ونرى دوامة مماثلة تتشكل في بحر الصين الجنوبي. فمطالبات المسؤولين الأمريكيين بالتوجه نحو آسيا تشبه مطالبات القادة الغربيين بتوسع الناتو في التسعينيات. وأي أفكار قد تشي بأن تحوُّل أمريكا نحو آسيا ليس مشروعاً عسكرياً يستهدف الصين مباشرة انهارت تماماً بعد إعلان اتفاقية أوكوس، وهذا جعل العام 2021 في آسيا شبيهاً إلى حد كبير بعام 1999 في أوروبا، عدا أن نشوب حرب في آسيا مستقبلاً قد يكون أسرع بكثير.
والمنطقة بأكملها في قبضة سباق تسلح، والصين تمتلك بالفعل جيشاً جراراً يمكنه مواجهة القوات الأمريكية في بحر الصين الجنوبي والتسبب في سيناريو كارثي على جميع المستويات.
ولكن الحرب في آسيا ستكون أكثر خراباً
فمن شبه المؤكد أن الضربات الأولى لحرب بين الصين وأمريكا وحلفائها اليوم ستأتي من البحر، إما في مضيق تايوان أو بحر الصين الجنوبي، حيث تشكل خلافات السيطرة مصدراً للاحتكاك.
ومن المرجح أن يطلق كلا الجانبين صواريخ وطوربيدات تستهدف السفن الحربية والقواعد الجوية لبعضهما بعد أزمة ما أو فترة من التصعيد. ويُحتمل أن تتكبد القوات الأمريكية خسائر فادحة في حاملات الطائرات والقواعد الجوية.
وفي الأثناء، ستتحمل القوات الصينية الضرر المبدئي الناجم عن هجوم أمريكي، وستحتفظ بالقوة الكافية لمواصلة إلحاق خسائر فادحة مع تقدم الحرب.
وطرق التجارة في المحيط الهادئ ستصبح مناطق صراع، وهذا سيتسبب في خسائر اقتصادية فادحة للولايات المتحدة والصين، بل والعالم بأسره. وهذا من شأنه أن ينقل الحرب إلى الأراضي الأمريكية مثلما لم تفعل أي حرب أخرى في القرن الحادي والعشرين.
كساد أمريكي كبير
انهيار العلاقات الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين سيكون أقوى صدمة مالية تتعرض لها الولايات المتحدة منذ الكساد الكبير.
فقد تشهد الولايات المتحدة نقصاً هائلاً في جميع أنواع السلع مع اختفاء نحو 440 مليار دولار من الواردات الصينية سنوياً. وسيتبخر أيضاً نحو 9 مليارات دولار من الاستثمارات الصينية.
وستشهد شركات الإنتاج الأمريكية تكدُّس ما قيمته 122 مليار دولار من الصادرات إلى الصين حين لا تجد مكاناً تذهب إليه. والتأثير الكلي قد يؤدي إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي بنسبة تصل إلى 10%.
الحل يجب أن يبدأ بوقف تدفق الأسلحة للمنطقة
واحتمالية وقوع هذه الحرب تزداد كل يوم، ما لم يجد قادة البلدين طريقة لوقف الديناميكيات الحالية التي تُحرّك دولتيهما نحو الحرب.
وهذه الطريقة ستبدأ على الأرجح بوقف تدفق الأسلحة إلى المنطقة، وفتح محادثات بين بكين وواشنطن بهدف إبرام اتفاقيات تعاون أمني، وهذه هي الخطوة الأولى في إطار عمل أمني شامل للمنطقة.
وعلى بايدن أن ينبّه إلى مذبحة أوكرانيا باعتبارها تذكيراً بضرورة الحفاظ على السلام واتخاذ خطوات ملموسة لتحقيقه، عوضاً عن السير في طريق نحو حرب تلوح في الأفق يمكن تحاشيها.