في موقف مفاجئ يبدو أنه يهدف إلى إحراج منافسيه، أعلن زعيم التيار الصدري في العراق، مقتدى الصدر، تخليه عن مساعي تشكيل الحكومة العراقية، والانتقال إلى صفوف المعارضة لمدة 30 يوماً، في خطوة قد تؤدي إلى إجراء انتخابات جديدة في حال فشل القوى السياسية الموالية لإيران في تشكيل الحكومة.
وتصدّر التيار الصدري، الانتخابات البرلمانية المبكرة التي جرت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بـ73 مقعداً من أصل 329، وشكّل تحالفاً مع أكبر كتلتين للسُّنة (تحالف السيادة) والأكراد (الحزب الديمقراطي الكردستاني) باسم "إنقاذ وطن".
ومرت نحو 7 أشهر حتى الآن منذ أن ذهب العراقيون إلى صناديق الاقتراع بالانتخابات البرلمانية في أكتوبر/تشرين الأول 2021، وقد أدى التنافس الشرس بين المعسكرين، الذي يقود أحدهما زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر والآخر "الإطار التنسيقي" المدعوم من إيران (والذي يضم أبرز القوى الشيعية باستثناء التيار الصدري)، إلى منع تشكيل حكومة جديدة.
وقال الصدر في بيان: "بقي لنا خيار لا بد أن نجربه، وهو التحول إلى المعارضة الوطنية لمدة لا تقل عن ثلاثين يوماً".
وأضاف: "إن نجحت الأطراف والكتل البرلمانية، وضمنها من تشرَّفنا بالتحالف معهم في تشكيل حكومة لرفع معاناة الشعب، فبها ونعمت، وإلا فلنا قرار آخر نعلنه حينها"، دون تفاصيل.
كيف تُعطل إيران تشكيل الصدر وحلفائه للحكومة رغم أن لديهم الأغلبية؟
وأوضح أن سبب اتخاذه هذا القرار هو ازدياد "التكالب" عليه من الداخل والخارج وعلى فكرة تشكيل حكومة أغلبية وطنية، دون تسمية أي جهة.
ورغم أن التحالف الذي يقوده الصدر يشغل 175 مقعداً، أي أغلبية أعضاء البرلمان العراقية، فإنه فشل في تحقيق هدفه بتشكيل الحكومة، بعدما عطلت القوى المنافسة ضمن "الإطار التنسيقي"، انعقاد جلسة البرلمان لانتخاب رئيس جديد للبلاد.
وتحتاج جلسة انتخاب الرئيس الجديد حضور ثلثي أعضاء البرلمان (210 نواب)، وهو العدد المطلوب لمنح الثقة لأحد المرشحين، حيث يعد انتخاب الرئيس خطوة لابد منها دستورياً للمضي قدماً في تشكيل الحكومة.
ويتمتع الصدر بنفوذ كبير على حكومة تسيير الأعمال الحالية التي يقودها رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بالفعل، حيث يُنظر إلى الكاظمي على أنه مُعادٍ للنفوذ الإيراني، وأنه هندس الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي عُقدت مبكراً وأدت إلى تراجع مقاعد القوى الشيعية الموالية لإيران.
هكذا يحاول الصدر التغلب على خطة حلفاء إيران لتعطيل البرلمان
ومنذ ظهور نتيجة الانتخابات في أكتوبر/تشرين الأول 2021، حاول الصدر تشكيل حكومة أغلبية إلى جانب حلفائه الأكراد والسُّنة، والتي من شأنها تهميش الفصائل المدعومة من إيران، والتي قاطعت جلسات البرلمان لتحول دون انتخاب رئيس جديد للبلاد، ومن ثم اختيار رئيس للحكومة لتأكيد موقفها الداعي إلى المحاصصة الحكومية على غرار الحكومات التي تم تشكيلها سابقاً منذ عام 2005.
ووفق مراقبين، تنعدم فرص نجاح القوى المنافسة للتيار الصدري في تشكيل الحكومة، فيما قد تكون خطوة الصدر المقبلة هي دعوة البرلمان إلى حل نفسه وإعادة الانتخابات، علماً بأن الانتخابات التي أفضت إلى تشكيل هذا البرلمان كانت في الأصل مبكرة عن موعدها، حيث جاء إجراؤها استجابةً لمطالبات احتجاجات عام 2019، ضد سوء الأوضاع في البلاد.
ويعيش العراق انقساماً سياسياً، من جراء خلافات بين القوى الفائزة بمقاعد برلمانية بشأن رئيس الوزراء المقبل وكيفية تشكيل الحكومة، كما تسود الخلافات بين الأكراد بشأن مرشح رئاسة الجمهورية.
ويسعى الصدر إلى تشكيل حكومة أغلبية وطنية، من خلال استبعاد بعض القوى منها وعلى رأسها ائتلاف "دولة القانون" بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي.
وهو ما تعارضه القوى الشيعية ضمن "الإطار التنسيقي" المقربة من إيران، والتي تطالب بحكومة توافقية تشارك فيها جميع القوى السياسية داخل البرلمان على غرار الدورات السابقة.
وتقوم خطة حلفاء إيران لتعطيل هدف الصدر بتشكيل حكومة تستبعدهم، على أن انتخاب رئيس الوزراء يحتاج إلى النصف زائد واحد، وهي نسبة قد يصعب عليهم تحقيقها، بينما يمكن للصدر وحلفائه تحقيقها إذا انعقد البرلمان، في المقابل فإن تعطيل عقد الجلسة الأولى للبرلمان التي تطلق العملية الدستورية يحتاج إلى ثلث الأعضاء فقط، وهي نسبة يمتلكها التحالف الموالي لإيران الذي يخشى أنه إذا سمح بعقد الجلسة أن يتم استبعاده من تشكيل الحكومة بعد ذلك.
الصدر يهاجم "الحشد" ويتوعد بإبعاد أنصار إيران عن مناصبهم
وسبق أن شدد الصدر على أنه لا مكان للميليشيات والفساد في العراق، وأن الكل سيدعم الجيش والشرطة والقوات الأمنية، في غمز واضح بالحشد الشعبي الموالي لإيران والقوى السياسية الممثلة له والمتحالفة معه.
وهيمنت الفصائل المدعومة من إيران على الحكومة العراقية والبرلمان العراقي، منذ ما يقرب من عقدين من الزمن، وهي تشغل ما يقارب ثلثي المناصب العليا، وتم ذلك عبر قيام بعض رؤساء الحكومات بتعيينات لمسؤولين مؤقتين بالإنابة؛ للالتفاف على إخفاقات البرلمان في التوافق على شغل هذه المناصب، بسبب المنافسة الشرسة.
وقال قادة التيار الصدري إن هذه النسبة ستتغير تماماً، لأن التعيينات دون موافقة البرلمان ستنتهي قريباً.
ونقل تقرير لموقع ميدل إيست آي عن عضو بارز في التيار الصدري، أن تحالف الصدر لديه القدرة على مواصلة أو حل البرلمان، وأن استمرار الوضع الحالي كما هو، لا يعيق مشروعه، بل العكس يلحق ضرراً شديداً بخصومه، وأضاف أنه سيتم إنهاء إدارة البلاد بالوكالة، وأن هذا ما يريده الجميع وهو ما سيفعلونه.
ويرفض تطبيق النموذج اللبناني على العراق
واتهم زعيم التيار الصدري في التصريح الذي أعلن خلاله الانتقال لصفوف المعارضة، القضاءَ العراقي بالتغاضي عن الثلث المعطل في الحكومة، وهو مصطلح مشتق من الثقافة السياسية اللبنانية، تحتفظ بموجبه الأقلية السياسية بثلث حقائب الحكومة زائد واحد؛ لضمان حلها أو عدم تمرير القرارات، في حال عدم موافقة الأقلية على قراراتها، وكان شرط أن تتضمن الحكومة الثلث المعطل مطلباً مطروحاً من حزب الله وحلفائه، وكان يصر عليه لتشكيل أي حكومة إذا لم يحصل تحالفه على الأغلبية.
ويشير موقف الصدر إلى رفضه النمط اللبناني لتشكيل الحكومات والذي تم استيراده إلى العراق، وأدى فعلياً في لبنان إلى مشاركة حزب الله الموالي لإيران وحلفائه في الحكومة والقدرة على تعطيلها وحلها، حتى لو لم يكن معهم الأغلبية.
في المقابل، يريد حلفاء إيران بالعراق عبر اشتراط ضرورة انضمامهم إلى الحكومة رغم فقدانهم الأغلبية، ترسيخ هذه الممارسة اللبنانية، رغم أنه ليس هناك نص في دستور العراق على ذلك، بينما استندت هذه الممارسة في لبنان إلى ما يعرف بالميثاق الوطني الذي يشترط مشاركة كل الطوائف في الحكومة، وهو ترجمته القوى اللبنانية الموالية لإيران إلى ضرورة مشاركة القوى الحائزة أعلى الأصوات في كل طائفة بأي حكومة وليس مجرد ممثلين ينتمون لهذه الطوائف.