هل تتورط أمريكا في صراع مباشر مع روسيا بسبب أوكرانيا؟ إليك التداعيات المخيفة لهذا السيناريو

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2022/05/16 الساعة 09:14 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/05/16 الساعة 09:14 بتوقيت غرينتش
الرئيس الأمريكي جو بايدن/رويترز

يبدو أن الأزمة الأوكرانية تتطور إلى صراع بين أمريكا وروسيا بشكل مباشر، وليست مجرد حرب بالوكالة؛ مما ينذر بتداعيات خطيرة على الغرب والعالم برمته.

إذ يتواصل القتال ببطء ودموية في أوكرانيا، مع غياب الأمل في وقف إطلاق النار. لم يقدم خطاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي طال انتظاره في 9 مايو/أيار في الميدان الأحمر في ذكرى يوم النصر جديداً. 

كانت وسائل الإعلام الغربية تعج بالتكهنات بأن بوتين سوف يستغل الفرصة لإصدار إعلان دراماتيكي، مثل إعلان رسمي للحرب يتضمن استدعاءً واسعاً على مستوى البلاد. لكنها كانت زوبعةً في فنجان. تمسَّك بوتين بروايته، بأنه أُجبر على اتخاذ الإجراء الذي قام به في أوكرانيا، الأمر الذي يؤشر إلى عدم تخليه عن حرب أوكرانيا، وهذا الرأي أكده أيضاً بشكل مثير للقلق مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، ويليام بيرنز، حسبما ورد في تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني.

وسبقت الخطاب تسريبات مخيفة في صحيفة New York Times الأمريكية حول دور الاستخبارات الأمريكية المزعوم في استهداف الجنرالات الروس في ساحة المعركة وفي غرق طراد الصواريخ موسكفا، الرائد في أسطول البحر الأسود الروسي.

الأمور تتجه إلى صراع بين أمريكا وروسيا بشكل سافر

ذكر توماس فريدمان، كاتب العمود في صحيفة New York Times أن "التسريبات لم تكن جزءاً من أي استراتيجية مدروسة، وكان الرئيس بايدن غاضباً بشأنها". ثم خلص إلى أن: "النتيجة المذهلة من هذه التسريبات تشير إلى أننا لم نعد في حرب غير مباشرة مع روسيا، بل إننا نتجه نحو حرب مباشرة- ولم يجهِّز أحد الشعب الأمريكي أو الكونغرس لذلك". 

لا يأتي هذا الاستنتاج من الجهات المعتادة- أنصار نظريات المؤامرة أو عملاء بوتين- بل من عميد كتَّاب الأعمدة في السياسة الخارجية الأمريكية، وهو واحد من أولئك الذين لا يزالون يمارسون نفوذاً كبيراً على مؤسسة السياسة الخارجية لواشنطن. 

لذلك، من المعقول أن نستنتج أنه إذا كانت هناك مشكلة كبيرة في موسكو، فهناك مشكلة كبيرة بالقدر نفسه تظهر في واشنطن. 

حقائق حول الحرب الأوكرانية

في الوقت الحالي، من الممكن التوصل إلى الاستنتاجات التالية. أولاً أن الصراع الروسي الأوكراني يتصاعد إلى شيء أكبر بكثير، مع تداعيات عالمية هائلة. ثانياً أن هذه حرب أمريكية بالوكالة ضد روسيا، وبدعم نشط من العديد من أعضاء الناتو الآخرين، والأوكرانيين كقوات على الأرض. ثالثاً أن هناك أيضاً حرباً اقتصادية ضد روسيا، انضم إليها جميع أعضاء الناتو والاتحاد الأوروبي. ورابعاً أن روسيا وأوكرانيا ليستا فقط من تدفع ثمن الحرب، الغرب يدفع بدوره جزءاً عبر مشكلات إمدادات الطاقة في أوروبا وارتفاع أسعار الطاقة الذي أدى إلى تضخم عالمي، وصل في أمريكا إلى أعلى مستوى منذ 40 عاماً، ودفع مجلس الاحتياط الفدرالي الأمريكي إلى رفع أسعار الفائدة؛ مما ينذر بركود في اقتصاد أمريكا ومجمل اقتصاد العالم.

فقط المحادثات المباشرة بين موسكو وواشنطن هي التي يمكنها الآن وقف الصراع. 

لكن ليس هناك ما يشير إلى أن الحوار يمكن أن يبدأ قريباً. على العكس من ذلك، تتحدث الولايات المتحدة وروسيا الآن عن سيناريو حرب طويلة. بعبارة أخرى، أصبحت الحرب قطاراً جامحاً. 

هل تجدي العقوبات الغربية؟ 

تحتاج واشنطن إلى حرب طويلة لأن العقوبات على هذا النطاق غير المسبوق ضد روسيا تحتاج إلى وقت لتتكشف آثارها بالكامل، ولأن هدفها الآن هو إحداث تغيير في النظام في موسكو.

موسكو التي أقنعت نفسها بالفعل بأن القتال في أوكرانيا هو معركة وجودية بالنسبة للاتحاد الروسي نفسه، لديها أيضاً مصلحة في التوصل إلى نتائج من الصراع الذي بدأته. إنها تريد أن تثبت التأثير السلبي للعقوبات، وأنه سيكون لها تأثير أكبر على الاقتصاد العالمي وعلى أوروبا أكثر مما سيكون لها على اقتصادها المحلي.

تحسب موسكو أنه كلما كان تأثير العقوبات أشد على الاقتصاد الأوروبي، انكسر المزيد من الوحدة الأوروبية. ويبدو أن الاستخبارات الأمريكية تشاركها مثل هذا الاستنتاج. 

لذا أصبحت أوكرانيا لعبة عض أصابع لمعرفة من الجانب الذي سيستسلم أولاً. لكن من الممكن أيضاً أن يخطئ الطرفان في التقدير.

لقد فشلت مع إيران

تتبنى الولايات المتحدة المخطط الذي فشل حتى الآن فشلاً ذريعاً مع إيران: الحروب الاقتصادية وغير المتكافئة بالوكالة. وترتكب روسيا الأخطاء نفسها التي ارتكبتها العديد من الدول في القرن العشرين، حيث تستخف بقوة وتصميم الولايات المتحدة وقوة الجذب والإقناع لديها. 

إذا استمرت مثل هذه الحسابات الخاطئة المتبادلة، فقد يكون التأثير العالمي هائلاً، حيث تعطُّل سلاسل التوريد، بما في ذلك ارتفاع مستوى الأمن الغذائي والطاقة والسلع الأخرى، وتحوُّل التجارة العالمية إلى تكتلات إقليمية متنافسة، وخروج الديون والميزانيات الخارجية عن السيطرة، وكل ذلك يغذيه تضخم غير مسبوق، وركود محتمل في بورصات الأوراق المالية، ثم تضخم مصحوب بركود. 

أغلب دول العالم لا تقف مع الغرب

ما يقرب من 80 عاماً من النظام العالمي القائم على القواعد بقيادة الولايات المتحدة أصبح موضع تساؤل الآن على ما يبدو من قبل 88% من سكان العالم، المتمركزين بشكل غير محكم خلف دول البريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا)، بينما يدافع عن هذا النظام بقوة الـ12% المتبقية المتمركزة في الثالوث المؤلف من حلف شمال الأطلسي (الناتو) والاتحاد الأوروبي ومجموعة السبع. ليس هذا هو السياق المثالي للتعامل مع التهديدات الوجودية مثل تغير المناخ، ولكن هذا أيضاً نُسِيَ تماماً في خضم الاندفاع إلى الحرب. 

صراع بين أمريكا وروسيا
الرئيس الصيني شي جين بينغ مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين/رويترز

بالطبع يمكن القول دائماً إن الصراع في أوكرانيا كان مستمراً منذ سنوات، بل عقود. منذ الخطاب الشهير الذي ألقاه بوتين عام 2007 في مؤتمر ميونيخ للأمن، حيث انتقد الناتو لتوسعه ووعوده المزعومة المخادعة، كانت روسيا في مسار تصحيح في علاقتها مع الغرب. من المؤكد أن بوتين خطط لغزوه منذ بعض الوقت، وملأ خزائن روسيا بالذهب، وأخذ يبني جيشه وقدراته الصاروخية. 

ومع ذلك، فقد أظهر الشهران الماضيان أن التخطيط المبكر لا يعني دائماً أنه تخطيط جيد. فقوة المقاومة الأوكرانية، التي غالباً ما تستخدم نفس الأسلحة التي يمتلكها الروس، قد فاجأت وعطلت خطط بوتين لضربة خاطفة ونصر سريع. 

المقاومة الأوكرانية تخيف روسيا من المستقبل

بالنظر إلى الوراء، ووفقاً للتصور الروسي دائماً، فإن المقاومة الأوكرانية ستثبت أن البلاد كانت تهديداً حقيقياً لروسيا؛ لأن قواتها المسلحة كشفت عن مهارات قتالية عالية لا يمكن بالتأكيد بناؤها في الأسابيع القليلة منذ بدء الحرب. لا بد أن هناك طرفاً ما قام بتسليح وتدريب القوات المسلحة في كييف بشكل فعال في السنوات القليلة الماضية (بطبيعة الحال هذا الطرف هو الولايات المتحدة). لذلك، من خلال استحضار خياره "الآن وليس بعد ذلك"، مثلما قال في خطابه، ربما يكون لدى بوتين وجهة نظر. بالطبع، لن يعفيه هذا من الجريمة التي ارتكبها في هجومه على أوكرانيا ومواصلة الحرب بلا رحمة. 

على الأرجح، إذا تحدى شخص ما داخل النظام الروسي بوتين بشأن الصراع، فلن يكون ذلك بسبب إطلاقه الصراع، ولكن لأنه انتظر طويلاً. الاعتراض الثاني، دائماً من المنظور القومي الروسي المتشدد السائد حالياً، هو أن مثل هذا التأخير أوجد حقائق على الأرض تشكل الآن تهديداً وجودياً لروسيا. 

أمريكا تلمح إلى أنها تريد تغيير نظام بوتين

غيَّرت الإدارة الأمريكية رسائلها. في 26 مارس/آذار، صرح الرئيس بايدن أن بوتين لا يمكنه البقاء في السلطة، وأعلن وزير دفاعه لويد أوستن أن هدف الولايات المتحدة هو أن تصبح روسيا "ضعيفة ومُعاقَبة لأجل حرمانها من القدرة على الهجوم على دول أخرى". 

لعب الحمض النووي التاريخي للتحالف عبر الأطلسي دوره في مثل هذا التطور. عندما وقع فرانكلين ديلانو روزفلت ووينستون تشرشل على ميثاق الأطلسي، في أغسطس/آب 1941، اتفقا على أن الحرب ضد ألمانيا النازية لن تنتهي إلا بالاستسلام غير المشروط للنظام النازي. الموقف نفسه يُتَّخَذ الآن تجاه روسيا. الفرق هو أن الأخيرة لديها أسلحة نووية، وهذا ليس بالأمر الهيِّن. 

ولكن هذا أمر خطير في ظل وجود الأسلحة النووية

لذلك، فإن التحذير الذي أطلقه وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنغر في صحيفة Financial Times البريطانية في 7 مايو/أيار، لا ينبغي أن يذهب أدراج الرياح. لقد قال: "أعتقد أنه بالنظر إلى تطور التكنولوجيا، والتدمير الهائل للأسلحة الموجودة الآن، قد يُفرَض علينا السعي لتغيير النظام، وذلك بدفعٍ من عداء الآخرين لنا، ولكن لا بد أن نتجنب هذا السعي بدفع مواقفنا الخاصة". 

أصبح الصراع بين قوتين نوويتين مزيجاً غير مستقر للغاية ومتفجراً. إحداهما عازمة على النصر الكامل، والأخرى عازمة على تأطير كل شيء على أنه صراع وجودي. لا يبدو أن لدى أي منهما خطة بديلة.

بقية العالم هم ركاب في قطار جامح قد يخرج عن مساره في أي وقت. 

تحميل المزيد