نكسة يبدو أن حزب الله وحلفاءه قد مُنوا بها وفقاً للنتائج الأولية في الانتخابات اللبنانية، رغم غياب تيار المستقبل، أكبر منافسيه.
ويعتقد أن حزب الله، المدعوم من إيران، تلقى ضربة في الانتخابات البرلمانية اللبنانية، بعد أن أظهرت النتائج الأولية تعرض بعض من أقدم حلفائه لخسائر، ومع إعلان حزب القوات اللبنانية، الموالي للسعودية، حصوله على أكبر عدد من المقاعد ليتفوق على تكتل الرئيس اللبناني العماد ميشال عون الحليف لحزب الله الذي كان صاحب أكبر كتلة في البرلمان اللبناني.
وتعد هذه أول انتخابات منذ الانهيار الاقتصادي الذي شهده لبنان، وأنحى البنك الدولي باللوم فيه على النخبة الحاكمة، وبعد الانفجار الضخم الذي وقع في مرفأ بيروت عام 2020.
وأقفلت صناديق الاقتراع عند السابعة مساء من يوم أمس الأحد، باستثناء عدد من المراكز التي بقيت مفتوحة إلى حين إدلاء كل الناخبين الموجودين داخلها، بأصواتهم.
ووفقاً لما نقلته رويترز عن المدير التنفيذي لمبادرة الإصلاح العربي نديم حوري فإن نتائج 14 أو 15 مقعداً ستحدد الأغلبية.
وكانت جماعة حزب الله الشيعية، وحلفاؤها حصلوا على أغلبية 71 مقعداً في الانتخابات السابقة عام 2018.
وقال إنه ستكون هناك كتلتان متعارضتان وهما حزب الله وحلفاؤه من جهة والقوات اللبنانية وحلفاؤها من جهة أخرى، وإنه ستدخل في المنتصف هذه الأصوات الجديدة، التي تتضمن أصواتاً تصف نفسها بالإصلاحية أو تنتمي للمجتمع المدني، وقوى يسارية ناصرية تحاول أن تنأى بنفسها عن حزب الله.
القوات تتصدر والرئيس الحليف لحزب الله يتراجع
وقالت مديرة المكتب الإعلامي لحزب القوات اللبنانية أنطوانيت جعجع لموقع "الجزيرة" إن النتائج الأولية غير الرسمية للانتخابات البرلمانية تظهر فوز حزب القوات بـ20 مقعداً حتى الآن.
وأعلنت الإدارة الانتخابية لحركة أمل فوزها بـ17 مقعداً، فيما أفادت تقارير بأن حزب الله حصل على 13 مقعداً، وهو تراجع كبير للحزب الذي كان يحصل عادة على عدد نواب مماثل لحليفته الشيعية حركة أمل.
وقال رئيس الجهاز الانتخابي لحزب التيار الوطني الحر (تيار الرئيس اللبناني الحالي) لرويترز إن الحزب المسيحي المتحالف مع حزب الله حصل على ما يصل إلى 16 مقعداً، فيما أفادت أخرى بأنه فاز بـ15 مقعداً ليخسر بذلك عدة مقاعد عن الانتخابات السابقة.
وأشار المسؤول بالتيار الوطني الحر إلى أن التيار حصل على 18 مقعداً خلال انتخابات 2018، وسيسعى لتشكيل كتلة من نحو 20 نائباً مع حلفائه بمجرد الانتهاء من نتائج الانتخابات.
الانتخابات اللبنانية تشهد توسع المقاطعة خاصة في أوساط السنة
وأعلنت وزارة الداخلية اللبنانية أن نسبة تصويت المقترعين في الانتخابات التشريعية بلغت نحو 41%، وكانت النسبة في الانتخابات السابقة أقل قليلاً من 50%، فيما أشار مراقبون إلى أن تراجع التصويت لوحظ في كل الدوائر، ولكن الدوائر السنية كانت نسب الإقبال بها أدنى بشكل واضح، (حيث قاطع تيار المستقبل برئاسة سعد الحريري أبرز زعماء السنة في البلاد الانتخابات).
وكانت أدنى نسبة تصويت في البلاد في دائرة بيروت الأولى حيث بلغت 28.5% وهي دائرة ذات غالبية سنية، كما انخفضت نسب التصويت في معظم الدوائر السنية الأخرى، مثل دائرة الشمال الثانية (المنية – الضنية – طرابلس) بلغت نسبة التصويت 30.60%، بينما أعلى نسبة مشاركة في المناطق ذات الغالبية السنية كانت في دائرة الشمال الأولى (عكار): 40.73%.
وكانت المشاركة السنية في انتخابات عام 2018 في حدود 49.2%، وتتمثل الطائفة في البرلمان بـ27 نائباً؛ بينهم 15 نائباً ضمن (كتلة المستقبل)، و6 نواب في "اللقاء التشاوري الذي يقوده وليد جنبلاط".
أعلى نسبة إقبال كانت في دائرة مسيحية والمجتمع المدني يحصد 7 مقاعد
بينما سجلت أعلى نسبة للاقتراع في دائرة جبل لبنان الأولى (جبيل – كسروان) والتي بلغت 55.93%، وهي دائرة تشهد منافسة شديدة عادة بين القوتين المسيحيتين الرئيسيتين وهما حزب القوات اللبنانية برئاسة سمير جعجع وبين التيار العوني الذي يقوده حالياً باسيل.
ولوحظ انخفاض نسب التصويت في دائرة الشمال الثالثة (زغرتا – بشري – الكورة – البترون) بنسبة 38.45%، وهي دائرة يغلب بها المسيحيون وكانت معاقل تقليدية لحلفاء حزب الله وسوريا والمسيحيين، ويؤشر ذلك إلى انخفاض الروح المعنوية للقوى المسيحية الحليفة للأسد وحزب الله في ظل تحميل الكثيرين مسؤولية الأزمة لحزب الله ولعون.
وفاز مرشح لليسار بمقعد واحد، كما فاز تجمع المجتمع المدني بـ7 مقاعد، والحزب الاشتراكي الذي يقوده الزعيم الدرزي وليد جنبلاط والمتحالف مع جعجع بـ7 مقاعد.
وبلغ عدد المرشحين لهذه الانتخابات 719 مرشحاً منضوين تحت 103 لوائح، من ضمنها 56 لائحة باسم مجموعات التغيير والمجتمع المدني في البلاد، في حين يبلغ عدد الناخبين المدعوين للمشاركة في الانتخاب نحو 4 ملايين.
حلفاء حزب الله يتساقطون
وأفادت تقارير بأن رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني طلال أرسلان (65 عاماً) وهو حليف درزي رئيسي لكل من حزب الله والحكومة السورية، قد خسر مقعداً يشغله منذ 30 عاماً أمام مارك ضو الوافد الجديد الذي يعمل وفق أجندة إصلاحية.
وأظهرت النتائج الأولية أن قائمة ضو "توحدنا للتغيير" فازت بمقعدين آخرين حسب مدير الحملة في إنجاز كبير للمستقلين، وهناك احتمال أن تحصل على معقد ثالث.
ويعد آل أرسلان منافسين تاريخيين لآل جنبلاط على زعامة الدروز، وإن كان آل جنبلاط قد تفوقوا عليهم بشكل كبير خاصة منذ ظهور نجم الزعيم الدرزي كمال جنبلاط في الخمسينيات.
وانتخب أرسلان عضواً في البرلمان عام 1992 وأعيد انتخابه أربع مرات منذ ذلك الحين وقد شغل في نفس الوقت منصب وزير في ست حكومات في حقائب مختلفة منذ التسعينات، وكان وجود أرسلان في البرلمان له رمزية كبيرة وأحياناً بموافقة منافسه جنبلاط بالنظر إلى أنه ينتمي إلى واحدة من أكثر الأسر الإقطاعية اللبنانية.
كما أن السياسي الدرزي الموالي لسوريا وحزب الله وئام وهاب رئيس حزب التوحيد المعروف بتصريحاته النارية، تعرض للهزيمة أمام مرشح معارض.
كما نقلت وكالة رويترز عن مرشح معارض ومسؤولَين في حزب الله أن النتائج الأولية تشير إلى أن القائمة الانتخابية المدعومة من حزب الله خسرت مقعداً في معقل الحزب بجنوب لبنان لصالح مرشح مستقل تدعمه المعارضة.
وقال اثنان من مسؤولي حزب الله إن إلياس جرادة، وهو طبيب عيون، على قائمة "معاً نحو التغيير" المدعومة من المعارضة فاز بمقعد مسيحي أرثوذكسي كان يشغله سابقاً أسعد حردان من الحزب السوري القومي الاجتماعي، وهو حليف مقرب من حزب الله وكان نائباً منذ ذلك الحين.
انتصار لحزب مسيحي على حساب زعامة السنة التاريخية
نتائج الانتخابات اللبنانية تبدو مركبة، فصعود حزب القوات اللبنانية الكبير يشكل أبرز حدث في الانتخابات، وتاريخياً فإن القوات اللبنانية هي المنافس الرئيسي لكتلة عون في الوسط المسيحي، ولكن عون كان يفاخر دوماً بأنه الأقوى مسيحياً، وكان يقدم هذا العامل كمبرر لإصراره على تولي منصب رئيس الجمهورية حتى تحقق له ذلك بموافقة جعجع نفسه.
ولكن اليوم فإن حزب القوات أصبح أكبر حزب في البلاد من حيث عدد النواب، ولكن ذلك ليس فقط بأصوات المسيحيين، ولكن على الأرجح نتيجة انسحاب تيار المستقبل من الانتخابات وتوجيه السعودية ورئيس الوزراء اللبناني الأسبق فؤاد السنيورة أصوات السنة إلى حزب القوات بعد أن أصبح حليف الرياض الأول في لبنان.
ويعتقد أن حزب "القوات اللبنانية" راهن على أن التدخل السعودي سيوفر له 3 أو 4 نواب سنّة في كتلته النيابية، ويبدو أن الانتخابات لم تسفر عن تقديم رئيس الوزراء اللبناني السابق فؤاد السنيورة كزعيم منافس للحريري بعد أن شق السنيورة عصا الطاعة وأصر على دعم نواب في الانتخابات رغم دعوة الحريري للمقاطعة.
ولكن هذا أمر قد يفاقم الانقسام داخل سنة لبنان، فجزء كبير من القوى السنية اليسارية والناصرية المتحالفة مع حزب الله تكنّ عداء شديداً لرئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع الذي اُتهم باغتيال رئيس الوزراء السني السابق رشيد كرامي عام 1987، ورغم أن هذا الاتهام يراه البعض مكيدة سورية، ولكن جعجع يعد أشد لوردات الحرب الموارنة تعصباً خلال الحرب الأهلية اللبنانية وتورط في العديد من الجرائم ضد الموارنة أنفسهم وكذلك السنة.
ومع أن هذا الأمر تغير، بعد أن قدم جعجع نفسه كزعيم لبناني معادٍ لنظام الأسد ومؤيد للثورة السورية وللديمقراطية والإصلاح في لبنان، وعضو بارز في قوى 14 مارس/آذار، إلا أن جعجع وحزبه ما زال تاريخهما بما في ذلك علاقتهما المحتملة مع إسرائيل مسألة شائكة بالنسبة لكثير من سنة لبنان.
ولكن بالإضافة إلى أصوات سنة لبنان التي ذهبت لجعجع يؤشر تراجع مقاعد التيار الوطني الحر الذي يترأسه صهر الرئيس جبران باسيل بمقدار يبلغ نحو مقعدين أو أكثر إلى تراجع شعبيته في الأوساط المسيحية لصالح جعجع.
ويؤشر ذلك إلى أن المسيحيين يحمِّلون عون وتياره مسؤولية أزمات البلاد والأزمة الاقتصادية خاصة عبر تحالفه مع حزب الله.
الشيعة يفضلون أمل بدلاً من حزب الله
وهو أمر يلحظ أيضاً في نتائج انتخابات الثنائي الشيعي، حيث بدا واضحاً أن هناك تراجعاً لافتاً في مقاعد حزب الله مقارنة بحليفه الشيعي حركة أمل، وهو مؤشر على أن الجمهور الشيعي يحمل الحزب مسؤولية أزمات البلاد أكثر من حركة أمل، رغم أن الحركة كان ينظر لها دوماً بأنها عراب النظام الفاسد في البلاد، ولكن من الواضح أن ولى العهد الذي كان فيه يستطيع حزب الله التبرؤ من مشاكل لبنان بدعوى أنه ليس في السلطة أو على هامشها.
كما أن صعود قوى المجتمع المدني اللافت وغير المسبوق عبر حصولهم على سبعة مقاعد، لا يؤشر إلى صعود كبير لها بنفس حجم المقاعد التي نالوها بقدر استفادتها نسبياً من غياب تيار المستقبل.
إلا أن قوى المجتمع المدني كان يمكن أن تحقق نتيجة أفضل، لو وحدت قوائمها وخففت تشتتها.
وأيضاً فإن حصول اليسار على مقعد واحد يؤشر على تأثره بعلاقته القديمة مع القوى الموالية لسوريا في لبنان، إلى جانب أن جزءاً من قوته الانتخابية في معاقل حزب الله، وهي معاقل ما زالت أكثر صلابة في مواجهة الاختراقات من القوى غير الطائفية.
أحد المؤشرات على تصاعد السخط ضد حزب الله وكأن القرب منه أصبح لعنة انتخابية، هو فوز مرشحي "ننتخب للتغيير" وهما القيادي الناصري أسامة سعد وعبد الرحمن البزري عن المقعدين السنّيين في صيدا.
وصيدا وهي مدينة سنية توصف ببوابة الجنوب وبها نفوذ شيعي كبير.
وأسامة سعد قيادي ناصري، كان حليفاً تقليدياً لحزب الله، ولكن أفادت تقارير بأنه فض تحالفه الانتخابي مع حزب الله ونشرت تقارير أنه قال للحزب: "لا أريد التحالف مع الفاسدين".
ومن الصعب معرفة الشكل النهائي للبرلمان اللبناني، ولكن قد يكون أكبر اختلاف فيه هو انتهاء الانقسام التقليدي بين قوتين إحداهما موالية لسوريا وإيران بقيادة حزب الله وأخرى موالية للسعودية والغرب بقيادة تيار المستقبل، بل سيكون في الأغلب هناك كتلة ثالثة توصف بالإصلاحية أو المستقلة.
كما يعتقد أن البرلمان سيشهد تراجع وزن قوى 8 مارس/آذار بقيادة حزب الله والتيار العوني "الوطني الحر"، مع تولي حزب القوات اللبنانية قيادة للكتلة المناهضة لحزب الله، (14 مارس/آذار).
وستكون هناك كتلة ثالثة أصغر حجماً تضم بعض المستقلين والإصلاحيين واليساريين والناصريين، علماً بأن هذه الكتلة قد تكون مرجحة في كثير من الأحيان، وخاصة أن هناك اعتقاداً أن الناصريين قد يظلون قريبين من حزب الله وسوريا، وكذلك اليسار بصورة أقل.
وفي حال فشل إحدى الكتلتين الكبيرتين 8 مارس/آذار بقيادة حزب الله و14 مارس/آذار بقيادة حزب القوات اللبنانية، فقد يؤدي ذلك إلى إطالة الفترة اللازمة لتشكيل البرلمان، علماً بأنه تاريخياً يتم تشكيل الحكومة في لبنان في معظم الأحيان عبر ائتلاف واسع يضم الفائزين والمهزومين.
أما لو انحاز بعض أعضاء الكتلة التي توصف بالمستقلة إلى إحدى الكتلتين الكبيرتين فقد تمكنه من تشكيل الحكومة، ولكنهم يهددون بأنهم يوصمون بأنهم طابور خامس لصالح إحدى الكتلتين.