انطلقت الأحد، 15 مايو/أيار 2022، الانتخابات النيابية في لبنان بالداخل، بعدما أنهى المغتربون التصويت في 58 بلداً بذلك الاستحقاق، الذي يعده مراقبون مصيرياً، ويتنافس فيه 718 مرشحاً.
وتتنافس في الانتخابات التي تجرى كل 4 سنوات 103 قوائم انتخابية، تضم 718 مرشحاً موزعين على 15 دائرة انتخابية لاختيار 128 نائباً في البرلمان.
وتتوزع المقاعد الـ128 على النحو الآتي: 28 للسنة، و28 للشيعة، و8 للدروز، و34 للموارنة، و14 للأرثوذكس، و8 للكاثوليك، و5 للأرمن، ومقعدان للعلويين، ومقعد واحد للأقليات داخل الطائفة المسيحية.
ويبلغ مجموع الناخبين اللبنانيين 3.9 مليون ناخب، بينهم 225 ألف ناخب في الخارج.
وفي 6 و8 مايو/أيار الجاري، اقترع المغتربون اللبنانيون في 58 بلداً، حيث بلغت نسبة مشاركتهم 63%، وفق أرقام رسمية.
الصمت الانتخابي
منتصف ليلة الجمعة/ السبت، دخل لبنان مرحلة الصمت الانتخابي، إلى حين إقفال صناديق الاقتراع مساء اليوم الأحد.
وإلى ذلك الحين لا يحقّ لوسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، وجميع المرشحين والجهات السياسية، الاستمرار في الدعاية الانتخابية.
وتبدأ النتائج الأولية للانتخابات في الظهور بدايةً من الإثنين تدريجياً، إلى حين إعلانها رسمياً من قِبل وزارة الداخلية لاحقاً، إثر الانتهاء من عملية فرز صناديق الاقتراع.
مراقبة الانتخابات
وتخضع الانتخابات لمراقبة داخلية وخارجية، حيث سيتواجد نحو 300 مراقب من الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن آخرين من الجامعة العربية، و"المنظمة الدولية للفرنكوفونية".
كما ستشارك في مراقبة الانتخابات الجمعية البرلمانية للبحر الأبيض المتوسط، و"المعهد الوطني الديمقراطي" (مقره واشنطن)، وفق رئيس هيئة الإشراف على الانتخابات نديم عبد الملك.
وقدر عبد الملك، في تصريحات سابقة للأناضول، عدد مراقبي الانتخابات النيابية المحليين والدوليين بـ"الآلاف".
انتخابات مصيرية
ووفق محللين، تحتدم المنافسة في الانتخابات بين 3 جهات، هي تحالفا "8 آذار" (حليف طهران)، و"14 آذار" (قريب من واشنطن والرياض)، والمرشحون المستقلون.
وتعد الانتخابات مصيرية، كونها الأولى بعد الانتفاضة الشعبية في عام 2019، وتسبق الانتخابات الرئاسية المزمعة في أكتوبر/تشرين الأول المقبل، بحسب المحللين.
كما تجري هذه الاستحقاقات في ظل عدم مشاركة "تيار المستقبل" (سني)، الذي يرأسه رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري، بسبب تعليق عمله السياسي.
وسيكون البرلمان المقبل أمام محطات مفصلية في تاريخ البلاد، أبرزها استكمال مفاوضات ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، واتفاق استدانة من صندوق النقد الدولي، وإنجاز خطة للتعافي الاقتصادي.
وتأتي الانتخابات وسط أزمة اقتصادية طاحنة غير مسبوقة في لبنان، أدت إلى انهيار قياسي في قيمة العملة المحلية مقابل الدولار، فضلاً عن شح في الوقود والأدوية، وارتفاع أسعار المواد الغذائية.
كانت الانتخابات البرلمانية الأخيرة في لبنان قد أُجريت عام 2018، لكن في العام التالي مباشرة اندلعت احتجاجات شعبية عارمة، مطالبة برحيل الطبقة السياسية التي تحكمت في مصير البلاد منذ انتهاء الحرب الأهلية عام 1990، وكان الشعار الرئيس "كلن يعني كلن".
لكن النظام السياسي القائم على المحاصصة الطائفية في لبنان كان أقوى من الجميع، ولم يرحل أحد من المشهد تقريباً، فهل حدث تغيير على القواعد الانتخابية هذه المرة مقارنة بانتخابات عام 2018؟
القانون النسبي في لبنان
ويعتبِر النظام الأكثري، القضاء دائرة انتخابية، والحاصل على أكبر عدد من الأصوات فائزاً في الدائرة، عكس القانون النسبي الذي قسّم البلاد إلى 15 دائرة كبرى، وربط فوز المرشح بفوز لائحته الانتخابية.
لا يمكن الترشح بشكل منفرد في القانون النسبي، بل على المرشحين تشكيل تحالفات والانضواء ضمن لوائح انتخابية. أما بالنسبة إلى طريقة التصويت فعلى الناخب أن يقترع لائحة واحدة فقط من بين اللوائح المتنافسة.
ماذا يعني "الحاصل الانتخابي"؟
على كل لائحة تخطّي "الحاصل الانتخابي" الذي يخولها الاستمرار في المنافسة، وتخرج اللوائح التي لم تنل الحاصل الانتخابي من المنافسة. و"الحاصل الانتخابي" هو العدد الذي يجب أن تحصل عليه كل لائحة كي يحتسب لها مقعد في الدائرة الانتخابية، حيث يحتسب من خلال قسمة عدد المقترعين الصحيح على عدد المقاعد في الدائرة.
وبعد إقصاء اللوائح التي لم تحصل على الحاصل الانتخابي يُعاد من جديد تحديد الحاصل بعد حسم الأصوات التي نالتها اللوائح المؤهلة.
الحاصل الجديد يُستخدم لمعرفة عدد المقاعد التي ستحصل عليها كل لائحة، وذلك بعد إقصاء اللوائح التي لم تنجح في تجاوز الحاصل خلال المرحلة الأولى.
إلى جانب الاقتراع لكل لائحة، على الناخب الاقتراع بصوت تفضيلي واحد لمرشح من الدائرة الانتخابية، ضمن اللائحة التي قرر التصويت لها.
وأهمية الصوت التفضيلي تعود إلى أن المقاعد التي حصلت عليها كل لائحة ستوزع على مرشحي اللائحة الذين حصلوا على أكبر عدد من الأصوات التفضيلية.
وبعد تأهل اللوائح وتقسيم عدد مقاعدها تنظَّم قائمة واحدة من الأعلى إلى الأدنى، وفقاً لما ناله كل مرشح من النسبة المئوية للأصوات التفضيلية.
وتحتسب النسبة المئوية من الأصوات التفضيلية لكل مرشح على أساس قسمة أصواته التفضيلية على مجموع الأصوات التفضيلية في الدائرة الانتخابية.
ثم تجري عملية توزيع المقاعد على المرشحين الفائزين، بدءاً من رأس القائمة التي تضم جميع المرشحين في اللوائح.
وتهدف القوى المشاركة في الانتخابات إلى الحصول على الغالبية النيابية لكي تصبح قادرة على تحديد شكل الحكومة المقبلة والتوازنات فيها.
ماذا عن خريطة التحالفات الانتخابية؟
تأتي انتخابات العام الحالي في لبنان في ظل أوضاع سياسية معقدة، وأزمة اقتصادية ومالية غير مسبوقة يمر بها لبنان، فاقمها شح السلع الأساسية، وفقدان العملة المحلية نحو 90% من قيمتها.
وخلال انتخابات 2018، حصلت جماعة حزب الله الشيعية المسلحة المدعومة من إيران وحلفاؤها على 71 مقعداً من مقاعد البرلمان البالغ عددها 128 مقعداً.
وفق محللين، تشتعل المنافسة بين 3 اتجاهات سياسية؛ إذ يأتي الصراع التقليدي بين تحالف "8 آذار" (حليف إيران)، وتحالف "14 آذار" (قريب من واشنطن والرياض)، فيما يسعى المرشحون المستقلون لإثبات حضورهم في الاقتراع.
وتتوزع الدوائر الانتخابية من خلال تقسيم المحافظات الخمس إلى دوائر؛ إذ توجد في محافظة بيروت دائرتان، الأولى تتنافس فيها 6 قوائم، لكل من حزب الكتائب، وتحالف (التيار الوطني الحر والطاشناق الأرمني)، والقوات اللبنانية، إضافة إلى 3 قوائم للمرشحين المستقلين.
أما الدائرة الثانية فتتنافس فيها 10 قوائم، أبرزها قائمة مدعومة من رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة، وتحالف 8 آذار (حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر)، إضافة إلى 5 قوائم للمستقلين.
بينما تضم محافظة جبل لبنان 4 دوائر: الأولى تضم جبيل وكسروان، وتتنافس فيها 7 قوائم، وهي حزب القوات اللبنانية، وتحالف التيار الوطني الحر وحزب الله، و5 قوائم للمستقلين.
الثانية تضم قضاء المتن، وتتنافس فيها 6 قوائم، وهي القوات اللبنانية، والكتائب، والتيار الوطني الحر، و3 قوائم للمستقلين، والثالثة تضم قضاء بعبدا، وتتنافس فيها 7 قوائم، وهي تحالف 8 آذار (حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر)، وتحالف 14 آذار (حزب القوات اللبنانية والاشتراكي)، و5 قوائم للمستقلين.
والرابعة تضم الشوف وعالية، وتتنافس فيها 7 قوائم، وهي تحالف 14 آذار (الحزب التقدمي الاشتراكي والقوات اللبنانية)، وتحالف 8 آذار (التيار الوطني الحر والحزب الديمقراطي اللبناني)، و5 قوائم للمستقلين.
وتضم محافظة الشمال 3 دوائر: الأولى تضم عكار، وتتنافس فيها 8 قوائم، وهي التيار الوطني الحر، ونواب سابقون من تيار المستقبل، وتحالف بين القوات اللبنانية والجماعة الإسلامية، و5 قوائم للمستقلين.
الثانية تضم طرابلس والمنية والضنية، وتتنافس فيها 11 قائمة، وهي نواب سابقون من تيار المستقبل، وقائمة لوزير العدل السابق أشرف ريفي، وقائمة لتيار الكرامة برئاسة النائب الحالي فيصل كرامي، و8 قوائم للمستقلين.
والثالثة تضم زغرتا، وبشري، والكورة، والبترون، وتتنافس فيها 7 قوائم، وهي التيار الوطني الحر، والمردة، والقوات اللبنانية، والكتائب، وحركة الاستقلال، و3 قوائم للمستقلين.
وتضم محافظة البقاع 3 دوائر، الأولى زحلة، وتتنافس فيها 8 قوائم، وهي القوات اللبنانية، والتيار الوطني الحر، وحزب الله وحركة أمل، وحزب الطاشناق (أرمني)، و4 قوائم للمستقلين.
والثانية تضم البقاع الغربي وراشيا، وتتنافس فيها 6 قوائم، وهي قوى 8 آذار، وتحالف الحزب التقدمي الاشتراكي مع نواب سابقين من تيار "المستقبل"، و4 قوائم للمستقلين. والثالثة تضم بعلبك- الهرمل، وتتنافس فيها 6 قوائم، وهي قوى 8 آذار، وحزب القوات اللبنانية، و4 قوائم للمستقلين.
محافظة الجنوب تضم 3 دوائر، الأولى تضم جزين وصيدا، وتتنافس فيها 6 قوائم، وهي حركة أمل وحزب الله والتيار الوطني الحر، وقائمة مدعومة من فؤاد السنيورة، والقوات اللبنانية، و3 قوائم للمستقلين.
الثانية، تضم صور والزهراني، وتتنافس فيها 4 قوائم، وهي قائمة حزب الله وحركة أمل، 3 قوائم للمستقلين. والثالثة تضم بنت جبيل، ومرجعيون، والنبطية، وحاصبيا، وتتنافس فيها 3 قوائم، وهي حزب الله وحركة أمل، وقائمتان للمستقلين.
هل المفاجآت واردة في انتخابات لبنان؟
منذ الانتخابات البرلمانية الأخيرة في لبنان عام 2018، يمكن القول إن الكثير من الأحداث قد غيّرت المشهد بصورة جذرية؛ إذ هزّت البلاد أزمة اقتصادية غير مسبوقة، وعمّت احتجاجات شعبية هائلة البلاد، ووقع انفجار مدمر في مرفأ بيروت، وفي غضون ذلك بلغ أكثر من 330 ألف شاب لبناني من العمر 21 عاماً؛ ما يجعلهم مؤهلين للإدلاء بأصواتهم لأول مرة في انتخابات الأحد، بحسب تقرير لرويترز.
الخلاصة أنه على الرغم من وجود قوائم كثيرة لمستقلين راغبين في إحداث تغيير جذري في الطبقة التي تحكم لبنان منذ نهاية الحرب الأهلية، فإن المؤشرات تصب في صالح استمرار الأحزاب التقليدية في إحكام قبضتها على البرلمان القادم.