يشهد لبنان انتخابات برلمانية هي الأولى منذ ثورة أكتوبر/تشرين الأول 2019، في ظل انهيار اقتصادي وانقسام سياسي وتدخلات خارجية متوقعة، وهذه هي خريطة التحالفات، وكل ما تريدون معرفته عن ذلك السباق الانتخابي.
كانت الانتخابات البرلمانية الأخيرة في لبنان قد أجريت عام 2018، لكن في العام التالي مباشرة اندلعت احتجاجات شعبية عارمة مطالبة برحيل الطبقة السياسية التي تحكمت في مصير البلاد منذ انتهاء الحرب الأهلية عام 1990، وكان الشعار الرئيس "كلن يعني كلن".
لكن النظام السياسي القائم على المحاصصة الطائفية في لبنان كان أقوى من الجميع، ولم يرحل أحد من المشهد تقريباً، ويتوجه اللبنانيون الأحد 15 مايو/أيار إلى صناديق الاقتراع لانتخاب ممثليهم، فهل حدث تغيير على القواعد الانتخابية هذه المرة مقارنة بانتخابات عام 2018؟
القانون النسبي في لبنان
يبلغ مجموع الناخبين المسجلين داخل لبنان وخارجها نحو 3 ملايين و967 ألفاً، وفق السلطات اللبنانية. وأدلى المغتربون اللبنانيون في 58 بلداً بأصواتهم بالفعل الجمعة والأحد 6 و8 مايو/أيار الجاري، وبلغت نسبة مشاركتهم 60% من نحو 225 ألف مسجل باللوائح الانتخابية، وفق أرقام غير رسمية، بحسب تقرير لوكالة الأناضول.
وتتنافس في الانتخابات الحالية 103 قوائم انتخابية تضم 718 مرشحاً موزعين على 15 دائرة انتخابية لاختيار 128 نائباً في البرلمان، لمدة 4 سنوات. وقبل عام 2017، كان لبنان يعتمد على "النظام الانتخابي الأكثري"، الذي عُرف بـ"قانون الستين"، وأقر في عام 1960، قبل أن يصدر "القانون النسبي" في يونيو/حزيران 2017.
ويعتبِر النظام الأكثري، القضاء دائرة انتخابية، والحاصل على أكبر عدد من الأصوات فائزاً في الدائرة، عكس القانون النسبي الذي قسّم البلاد إلى 15 دائرة كبرى، وربط فوز المرشح بفوز لائحته الانتخابية.
لا يمكن الترشح بشكل منفرد في القانون النسبي، بل على المرشحين تشكيل تحالفات والانضواء ضمن لوائح انتخابية. أما بالنسبة إلى طريقة التصويت، فعلى الناخب أن يقترع لائحة واحدة فقط من بين اللوائح المتنافسة.
ماذا يعني "الحاصل الانتخابي"؟
على كل لائحة تخطي "الحاصل الانتخابي" الذي يخولها الاستمرار في المنافسة، وتخرج اللوائح التي لم تنل الحاصل الانتخابي من المنافسة. و"الحاصل الانتخابي" هو العدد الذي يجب أن تحصل عليه كل لائحة كي يحتسب لها مقعد في الدائرة الانتخابية، حيث يحتسب من خلال قسمة عدد المقترعين الصحيح بعدد المقاعد في الدائرة.
وبعد إقصاء اللوائح التي لم تحصل على الحاصل الانتخابي، يعاد من جديد تحديد الحاصل بعد حسم الأصوات التي نالتها اللوائح المؤهلة.
الحاصل الجديد، يُستخدم لمعرفة عدد المقاعد التي ستحصل عليها كل لائحة، وذلك بعد إقصاء اللوائح التي لم تنجح في تجاوز الحاصل خلال المرحلة الأولى.
إلى جانب الاقتراع لكل لائحة، على الناخب الاقتراع بصوت تفضيلي واحد لمرشح من الدائرة الانتخابية، ضمن اللائحة التي قرر التصويت لها.
وأهمية الصوت التفضيلي تعود إلى أن المقاعد التي حصلت عليها كل لائحة ستوزع على مرشحي اللائحة الذين حصلوا على أكبر عدد من الأصوات التفضيلية.
وبعد تأهل اللوائح وتقسيم عدد مقاعدها، تنظَّم قائمة واحدة من الأعلى إلى الأدنى، وفقاً لما ناله كل مرشح من النسبة المئوية للأصوات التفضيلية.
وتحتسب النسبة المئوية من الأصوات التفضيلية لكل مرشح على أساس قسمة أصواته التفضيلية على مجموع الأصوات التفضيلية في الدائرة الانتخابية.
ثم تجري عملية توزيع المقاعد على المرشحين الفائزين بدءاً من رأس القائمة التي تضم جميع المرشحين في اللوائح.
وتهدف القوى المشاركة في الانتخابات إلى الحصول على الغالبية النيابية لكي تصبح قادرة على تحديد شكل الحكومة المقبلة والتوازنات فيها.
ماذا عن خريطة التحالفات الانتخابية؟
تأتي انتخابات العام الحالي في لبنان في ظل أوضاع سياسية معقدة، وأزمة اقتصادية ومالية غير مسبوقة يمر بها لبنان، فاقمها شح السلع الأساسية، وفقدان العملة المحلية نحو 90% من قيمتها.
وخلال انتخابات 2018، حصلت جماعة حزب الله الشيعية المسلحة المدعومة من إيران وحلفاؤها على 71 مقعداً من مقاعد البرلمان البالغ عددها 128 مقعداً.
وفق محللين، تشتعل المنافسة بين 3 اتجاهات سياسية؛ إذ يأتي الصراع التقليدي بين تحالف "8 آذار" (حليف إيران)، وتحالف "14 آذار" (قريب من واشنطن والرياض)، فيما يسعى المرشحون المستقلون لإثبات حضورهم في الاقتراع.
وتتوزع الدوائر الانتخابية من خلال تقسيم المحافظات الخمسة إلى دوائر؛ إذ توجد في محافظة بيروت دائرتان، الأولى تتنافس فيها 6 قوائم، لكل من حزب الكتائب، وتحالف (التيار الوطني الحر والطاشناق الأرمني)، والقوات اللبنانية، إضافة إلى 3 قوائم للمرشحين المستقلين.
أما الدائرة الثانية، فتتنافس فيها 10 قوائم، أبرزها قائمة مدعومة من رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة، وتحالف 8 آذار (حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر)، إضافة إلى 5 قوائم للمستقلين.
بينما تضم محافظة جبل لبنان 4 دوائر: الأولى تضم جبيل وكسروان، وتتنافس فيها 7 قوائم، وهي حزب القوات اللبنانية، وتحالف التيار الوطني الحر وحزب الله، و5 قوائم للمستقلين.
الثانية تضم قضاء المتن، وتتنافس فيها 6 قوائم، وهي القوات اللبنانية، والكتائب، والتيار الوطني الحر، و3 قوائم للمستقلين، والثالثة تضم قضاء بعبدا، وتتنافس فيها 7 قوائم، وهي تحالف 8 آذار (حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر)، وتحالف 14 آذار (حزب القوات اللبنانية والاشتراكي)، و5 قوائم للمستقلين.
والرابعة تضم الشوف وعالية، وتتنافس فيها 7 قوائم، وهي تحالف 14 آذار (الحزب التقدمي الاشتراكي والقوات اللبنانية)، وتحالف 8 آذار (التيار الوطني الحر والحزب الديمقراطي اللبناني)، و5 قوائم للمستقلين.
وتضم محافظة الشمال 3 دوائر: الأولى تضم عكار، وتتنافس فيها 8 قوائم، وهي التيار الوطني الحر، ونواب سابقون من تيار المستقبل، وتحالف بين القوات اللبنانية والجماعة الإسلامية، و5 قوائم للمستقلين.
الثانية تضم طرابلس والمنية والضنية، وتتنافس فيها 11 قائمة، وهي نواب سابقون من تيار المستقبل، وقائمة لوزير العدل السابق أشرف ريفي، وقائمة لتيار الكرامة برئاسة النائب الحالي فيصل كرامي، و8 قوائم للمستقلين.
والثالثة تضم زغرتا، وبشري، والكورة، والبترون، وتتنافس فيها 7 قوائم، وهي التيار الوطني الحر، والمردة، والقوات اللبنانية، والكتائب، وحركة الاستقلال، و3 قوائم للمستقلين.
وتضم محافظة البقاع 3 دوائر، الأولى زحلة، وتتنافس فيها 8 قوائم، وهي القوات اللبنانية، والتيار الوطني الحر، وحزب الله وحركة أمل، وحزب الطاشناق (أرمني)، و4 قوائم للمستقلين.
والثانية تضم البقاع الغربي وراشيا، وتتنافس فيها 6 قوائم، وهي قوى 8 آذار، وتحالف الحزب التقدمي الاشتراكي مع نواب سابقين من تيار "المستقبل"، و4 قوائم للمستقلين. والثالثة تضم بعلبك – الهرمل، وتتنافس فيها 6 قوائم، وهي قوى 8 آذار، وحزب القوات اللبنانية، و4 قوائم للمستقلين.
محافظة الجنوب تضم 3 دوائر، الأولى تضم جزين وصيدا، وتتنافس فيها 6 قوائم، وهي حركة أمل وحزب الله والتيار الوطني الحر، وقائمة مدعومة من فؤاد السنيورة، والقوات اللبنانية، و3 قوائم للمستقلين.
الثانية، تضم صور والزهراني، وتتنافس فيها 4 قوائم، وهي قائمة حزب الله وحركة أمل، 3 قوائم للمستقلين. والثالثة تضم بنت جبيل، ومرجعيون، والنبطية، وحاصبيا، وتتنافس فيها 3 قوائم، وهي حزب الله وحركة أمل، وقائمتان للمستقلين.
هل المفاجآت واردة في انتخابات لبنان؟
منذ الانتخابات البرلمانية الأخيرة في لبنان عام 2018، يمكن القول: إن الكثير من الأحداث قد غيرت المشهد بصورة جذرية؛ إذ هزت البلاد أزمة اقتصادية غير مسبوقة، وعمت احتجاجات شعبية هائلة البلاد، ووقع انفجار مدمر في مرفأ بيروت، وفي غضون ذلك بلغ أكثر من 330 ألف شاب لبناني من العمر 21 عاماً؛ ما يجعلهم مؤهلين للإدلاء بأصواتهم لأول مرة في انتخابات الأحد، بحسب تقرير لرويترز.
طالبة الحقوق كارين عماطوري (21 عاماً) قالت لرويترز: إن الأزمات المتتالية أقنعتها بمنح صوتها في أول اقتراع لها على الإطلاق للقوات اللبنانية، وهو حزب مسيحي وجماعة مسلحة سابقة تشكلت خلال الحرب الأهلية اللبنانية.
قالت عماطوري: "مثل ما بحترم آراء الكل، بدي صوّت قوات لبنانية. ليش بدّي صوت قوات لبنانية؟ أكيد في كتير عالم رح يقولوا: إن هم جزء من المنظومة، بس شو أنا بشوف إن أنا قناعاتي تودّيني وين شخص أنا مع سيادة لبنان والقوات دائماً وقفوا مع هذا الموقف، وأنا كمان دائماً مع الحياد الدائم، وضد أن يكون في سلاح غير مع الجيش اللبناني"، وذلك في إشارة إلى ترسانة الأسلحة التي يمتلكها حزب الله المدعوم من إيران.
وأضافت: "نحن في النهاية في بلد متحزّب كله أحزاب، مش أن لا أؤمن بس من المستقلين بعد ما في أحد قنعني أو بالنهاية بجي بقول إن هذه المنظومة الصغيرة بعد منّن فايتين بالشأن العام ولا بالسياسة، بعد ما بيفهموا شو في بالداخل. أنا في حزب متكون من 15 نائب، أنا بالنهاية بحس أن الأحزاب فيها تشتغل أكتر… أنا مع إن كل شخص يفوت على البرلمان ولو جديد، بس أنا قناعاتي تقول لي إن أنا في بلد متحزّب، بدّي أنا صوت لحزب آخذ لي قناعاتي أكثر ما يروح صوتي لمستقلّ بعد ما اقتنعت كثير بمشروعهم السياسي".
فيما ترى فاتن هاشم، التي تمارس حق الانتخاب لأول مرة أيضاً، الأمور بشكل مختلف. وقد اختارت مرشحاً مدعوماً من حركة أمل الشيعية الحليف الوثيق لجماعة حزب الله.
وقالت فاتن هاشم، التي تعمل مشرفة في مدرسة وتبلغ من العمر 22 عاماً: "أنا قرّرت أن أنتخب بالرغم من كل شيء الذي يقال أن لا يجب أن ننتخبهم ويجب تغييرهم لأن نحن ماشيين على ميثاق ومنهجية السيد موسى الذين نحن نتّبعهم في حركة أمل، إن كان من قبل رئيسنا الأستاذ نبيه بري أو من قبلنا نحن كتنظيم في قلب الحركة. نحن بدنا ننتخب لنحافظ على هذا الميثاق الذي نحن معوّدين عليه وماشيين عليه وكل حياتنا انشاء الله سنكفّي عليه".
وتابعت قائلة: "نحن واجبنا أن نختار الأشخاص الذين يمثّلونا من ناحية، من كل شيء، كخدمات، كتأمين مستقبل لنا. فنحن ننتخب الذين نشوف إنهم يمثّلونا".
لكن غسان مغربل، طالب الحقوق البالغ من العمر 24 عاماً، والذي سيشارك في اقتراع للمرة الأولى في حياته، يقول: إن التصويت لحزب حاكم غير وارد.
وأوضح الناشط السياسي الذي شارك في الاحتجاجات المناهضة للمؤسسات في عام 2019، أنه سيصوت لحركة 'مواطنون ومواطنات في دولة'، وهو حزب علماني معارض تأسس في عام 2016 على يد الوزير السابق شربل نحاس.
وقال مغربل: "الخيار تبعي سيكون "قادرين"؛ لأن مشروعهم الاقتصادي يحاكي الأزمة الاقتصادية التي نحن فيها. وبالنسبة لدور النائب أنا ما بتصور النائب سيقدر يلعب أي دور تشريعي؛ لأن ما أعتقد المشكلة أكبر من مشروع قانون، المشكلة بنيوية بالنظام. يمكنهم أن يطعنوا بالقوانين بس. بس هو المهم النائب يكون صوت بالمجلس كرمال يكبّر القواعد الشعبية التي معقول تكون ضد النظام. صوت واحد بالمجلس، بالنسبة لي، قد 100 مظاهرة".
وأضاف: "أنا برأيي نظام أنا بدّي حاربه ينظّم انتخابات على قانون هو اختاره، عبر آليات هو وضعها وعبر وزارة هو عيّنها… بس بردو يبقى في فرصة للتنظيم السياسي، لحشد الناس، لتظهير خطاب".
الخلاصة أنه، على الرغم من وجود قوائم كثيرة لمستقلين راغبين في إحداث تغيير جذري في الطبقة التي تحكم لبنان منذ نهاية الحرب الأهلية، إلا أن المؤشرات تصب في صالح استمرار الأحزاب التقليدية في إحكام قبضتها على البرلمان القادم.