رفض عمران خان وجود قاعدة أمريكية في باكستان بعد الانسحاب من أفغانستان، ورفض الاصطفاف مع إدارة جو بايدن ضد روسيا بعد الهجوم على أوكرانيا، فهل تآمرت عليه واشنطن؟
وقبل أسابيع من الإطاحة، في أبريل/ نيسان الماضي، بنجم الكريكيت الذي تولى رئاسة الوزارة في باكستان، من خلال تصويت بحجب الثقة في البرلمان، كان عمران خان يتحدث علناً عن وجود مؤامرة أمريكية هدفها الإطاحة به من منصبه، ووصف التحرك البرلماني لعزله بأنه محاولة لتغيير النظام بدعم من الولايات المتحدة، وقال خان لمجموعة من الصحفيين الأجانب: "التحرك للإطاحة بي هو تدخل سافر من الولايات المتحدة في السياسة الداخلية".
ونشر موقع Responsible Statecraft الأمريكي تحليلاً عنوانه "ما سبب الشعبية الكبيرة التي تتمتع بها نظرية الانقلاب على عمران خان في باكستان؟"، رصد ما وصفها بالمؤشرات التي تؤكد تلك النظرية، دون وجود أدلة دامغة عليها.
رفض مساعدة بايدن في ملف أفغانستان
تحليل الموقع الأمريكي بدأ القصة منذ يونيو/حزيران 2021، عندما تعهد شاه محمود قريشي، وزير الخارجية الباكستاني، أمام مجلس الشيوخ الباكستاني، بأنه "تحت قيادة رئيس الوزراء عمران خان، لن تكون هناك قواعد أمريكية على التراب الباكستاني"، وكيف حظي ذلك الوعد بشعبية سياسية في باكستان، التي تواجه تصعيداً كبيراً في الإرهاب بسبب مسارات الحرب الأمريكية في أفغانستان.
وبعد أقل من عام، لم يعد خان رئيس وزراء باكستان؛ إذ أطاح به البرلمان الباكستاني في أبريل/نيسان عبر تصويت على حجب الثقة عن رئيس الوزراء، وتولى شهباز شريف المنصب بدلاً منه. وفي ظل بعض مما دار في هذا السياق، يسهل استيعاب السبب في أن حزب خان ارتأى قيمة سياسية في وصف ما حدث بأنه انقلاب أمريكي صامت، وكذلك السبب في أن قطاعاً كبيراً من الشعب الباكستاني يصدق هذه النظرية.
لكن الكاتب الأمريكي ستيفن كينزر، الذي كتب بغزارة عن وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية والانقلابات التي دبرتها الولايات المتحدة، يعتقد أنه ليس هناك دليل دامغ على هذا.
وعلى الرغم مما يعتقده الكاتب الأمريكي، إلا أن هناك العديد والعديد من الإشارات، وذلك يكفي مؤيدي خان لاستدعاء نظرية وقوع انقلاب، فبحسب ما ذكرته صحيفة The New York Times، أَشرَفَ خان "على عهد جديد من السياسة الخارجية الباكستانية التي تنأى بالبلاد بعيداً عن الولايات المتحدة".
قال الصحفيان سلمان مسعود وكريستينا جولدباوم، في التقرير المنشور بالصحيفة: "سعياً وراء مزيد من الاستقلالية عن الغرب، انفصل (خان) عما يسمى الحرب على الإرهاب". ومع أن الولايات المتحدة شنت مئات الغارات بالطائرات المسيرة والعمليات من باكستان خلال الحرب في أفغانستان، أقسم خان على أنه "بكل تأكيد لن" يسمح لوكالة الاستخبارات المركزية ولا القوات الخاصة الأمريكية باستخدام باكستان قاعدةً مرة أخرى.
إذ قال: "لن نسمح بأية طريقةٍ بوجود أية قواعد، وأي نوع من التحرك من الأراضي الباكستانية إلى داخل أفغانستان. قطعاً لا". وعلى الرغم من أن إدارة جو بايدن لم تصدر ما يؤكد أو ينفي ما إذا كانت الولايات المتحدة قد سعت لعقد مثل هذه الاتفاقية في المقام الأول، لكن لا يمكن استبعاد السيناريو أو اعتباره غير معقول مثلاً.
كان تقرير لصحيفة The New York Times الأمريكية قد نشر تقريراً بعنوان "وكالة الاستخبارات المركزية تندفع نحو نهج جديد في أفغانستان"، رصد الخيارات التي كانت الوكالة تدرسها لتعويض القواعد الأمريكية في أفغانستان خلال الفترة التي سبقت الانسحاب من كابول.
وكانت باكستان على رأس الوجهات التي انصبّ تركيزهم عليها، حيث استخدمت CIA قاعدةً هناك على مدى سنوات لإطلاق هجمات بالطائرات المسيرة ضد المسلحين المستقرين في الجبال الواقعة غربي البلاد، لكنهم أُخرجوا من هذه القاعدة في 2011، عندما تفككت العلاقات مع باكستان.
وكشف تقرير نيويورك تايمز عن النقاشات بين المسؤولين الأمريكيين والمسؤولين الباكستانيين، وكيف طالب الباكستانيون بوضع عديد من القيود مقابل استخدام أي قاعدة في البلاد، وطالبوا فعلياً بالتوقيع على أي أهداف تستهدفها الوكالة أو الجيش داخل أفغانستان، وذلك وفقاً لـ3 أمريكيين مطلعين على المناقشات تحدثوا لنيويورك تايمز.
وعندما انسحبت الولايات المتحدة من أفغانستان فعلاً، برزت مشكلة الحصول على معلومات استخباراتية جيدة وتدبير جهود مكافحة الإرهاب؛ إذ كانت باكستان عنصراً أساسياً ليس بالنسبة لهذه المشكلة فحسب، بل إنها كانت مهمة كذلك لمشكلة عملية السلام.
قبل عام من الآن، قال الرئيس الأفغاني آنذاك أشرف غني: "الولايات المتحدة تضطلع الآن بدورٍ بسيطٍ، ومسألة السلام أو العداء هي الآن في أيادي باكستان". لكن أيادي باكستان لا تتصافح مع الأيادي الأمريكية حول أفغانستان.
وفي سبتمبر/أيلول الماضي، أبلغ وزير الخارجية أنتوني بلينكن الكونغرس الأمريكي بأن باكستان لديها "مصالح متعددة، وبعضها يتعارض مع مصالحنا"، وذكّر أعضاء الكونغرس بإيواء باكستان "أعضاءً من حركة طالبان" في الماضي.
هل كان موقف خان من الهجوم على أوكرانيا حاسماً؟
لكن هذه التقارير، التي من الصعب التوصل إلى أدلة بشأن تفاصيلها دون بيانات رسمية، لا تعتبر حجر الزاوية في اقتناع الباكستانيين بنظرية التآمر الأمريكي على عمران خان، بل الأهم من هذا هو أن باكستان صديقة مقربة من الصين، بجانب أنها تقاربت أكثر وأكثر من روسيا. فباكستان عضو في منظمة شانغهاي للتعاون ذات القيادة الصينية والروسية، التي تحاول إحداث توازن بالتصدي للهيمنة الأمريكية، وخلق عالم متعدد الأقطاب.
رفض خان الاصطفاف مع الولايات المتحدة ضد روسيا بعد هجومها على أوكرانيا. وتجدر الإشارة إلى أن الهند هي الأخرى فشلت في الموافقة على مطالب واشنطن. في اليوم الذي شنت فيه روسيا هجومها، كان خان في موسكو لعقد مقابلة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وتحدى واشنطن برفض إلغاء المقابلة.
ورفض خان كذلك الانضمام إلى الولايات المتحدة في العقوبات التي فرضتها ضد روسيا، وامتنع عن التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة لإدانة الهجوم الروسي وتعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان. وعندما ضغطت 22 بعثة دبلوماسية على خان لإدانة روسيا، هاجمهم متسائلاً: "ما ظنكم بنا؟ هل نحن عبيد عندكم… نفعل أي شيء تقولونه؟".
قالت صحيفة The New York Times: إن خان "فقد دعم جيش البلاد القوي"، مضيفة أن الجيش "خفف إحكام قبضته على أحزاب المعارضة"؛ ما جرّأ على الأرجح هذه الأحزاب لتسعى وراء مسار التصويت على حجب الثقة. يقول آدم وينشتاين، زميل الأبحاث لدى المؤسسة الفكرية Quincy Institute والمتخصص في الشأن الباكستاني: إن "أحزاب المعارضة ارتأت أن سوء العلاقات بين عمران خان والجيش يجسد فرصة عليهم استغلالها".
يصر خان على أن الإطاحة به عن طريق المعارضة كان جزءاً من انقلاب بدعمٍ أمريكي. ويقول: إن القنصل الأمريكي قابل أعضاءً من حزبه قبل وقت قصير من انشقاقهم. ويدعي كذلك أن مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون جنوب ووسط آسيا، دونالد لو، نقل تحذيراً عبر قنوات رسمية مفاده أن إدارة بايدن كانت ستفرض عواقب وخيمة إذا لم يمرر تصويت حجب الثقة.
هل تكون حكومة باكستان الجديدة أكثر توافقاً مع واشنطن؟
لكن وعلى الرغم من تلك الإشارات، قال وينشتاين للموقع الأمريكي: إنه "لا يعتقد أن هناك أدلة تدعم الادعاء بأن هناك محاولة لتغيير النظام بدعمٍ من الولايات المتحدة"، وأضاف: "إنني أيضاً لم أر أية أدلة، ولو حتى ظرفية، على أنه دُبر عن طريق واشنطن".
ولكن من السهل اعتقاد أن الحكومة البديلة ربما ستكون أكثر انقياداً لواشنطن. قال وينشتاين: "ربما سيكون هناك البعض في واشنطن الذين يجدون أن العمل مع الحكومة الجديدة أسهل من العمل مع خان".
يعلم الجميع أن الولايات المتحدة لديها تاريخ واسع من دعم الانقلابات. ويعتقد البعض في باكستان أن هذا الإرث يمتد إلى إطاحة حكومة ذي الفقار علي بوتو عن طريق الجنرال محمد ضياء الحق، الرجل القوي الذي أبهر مدير وكالة الاستخبارات المركزية سابقاً، وليام كاسي، وذلك حسبما قال خبير شؤون الوكالة جون برادوس، حيث عملت الولايات المتحدة مع ضياء الحق وأيّدته.
تعاظمت نظرية الانقلاب الباكستاني كذلك من خلال الرغبة لدى واشنطن في مساعدة أحزاب المعارضة ضد الحكومات التي لا تتعاون في الانضمام إلى الكتلة المناوئة لروسيا.
التقت السياسية والناشطة الحقوقية البيلاروسية سفياتلانا تسيخانوسكايا مؤخراً بوزير الخارجية الأمريكي في واشنطن، حيث تقول: إنها "تأكدت من الدعم الكامل للحركة الديمقراطية البيلاروسية". وتقول كذلك: إنهم تحدثوا عن "إمداد الصحفيين والنشطاء البيلاروسيين بالمعدات والتكنولوجيا". فيما أكدت وزارة الخارجية الأمريكية على "الدعم المستمر من جانب الولايات المتحدة للتطلعات الديمقراطية للشعب البيلاروسي".
لكن، خلافاً لهذه الإشارات، ليست هناك أدلة على شروع الولايات المتحدة في هذه المساعي. ليست هناك أدلة على أن الأحداث في باكستان هي انقلاب بدعم أمريكي، مثلما يقول خان وأنصاره. لكن تغيير الحكومة يلائم الولايات المتحدة رغم ذلك، وتاريخها مع الانقلابات يجعل الشكوك تبدو معقولة في أماكن شاسعة من العالم، حيث تحيط بالتدخل الأمريكي شكوك يمكن تبريرها، هكذا يقول تحليل الموقع الأمريكي.
ربما يكون خان أطيح به للأبد من الحكومة، يقول وينشتاين: إن أنصار خان يشعرون "بالتهميش من التغيير في الحكومة". وقد أوضح أن "قاعدة عمران خان تؤيده بقوة وأرقامها كبيرة بما يكفي لعدم تجاهلها في الانتخابات المستقبلية". وإذا استطاع الاستمرار في تغذية شكوكها، فسوف تصدق حتماً.