"أياً كان ما يفعله المحتلون، فإنه لا يعني شيئاً. ليست لديهم فرصة. أنا واثق بأننا سنحرر أرضنا وشعبنا"، هذا ما قاله الرئيس الأوكراني متحدياً، في إشارة إلى مدينة خيرسون، فهل تستطيع أوكرانيا هزيمة روسيا فعلاً؟
الهجوم الروسي على أوكرانيا، الذي يصفه الرئيس فلاديمير بوتين بأنه عملية عسكرية خاصة، هدفها منع عسكرة كييف ويصفه الغرب بأنه غزو، كان قد بدأ يوم 24 فبراير/شباط الماضي، ودخل مرحلته الثانية منذ أبريل/نيسان، حيث ركزت روسيا جهودها البرية بهدف الاستيلاء على إقليم دونباس، إذ توجد منطقتا لوغانسك ودونيتسك الانفصاليتان.
وكان اعتراف بوتين باستقلال لوغانسك ودونيتسك يوم 21 فبراير/شباط، أي قبل بدء الهجوم الروسي بثلاثة أيام، إيذاناً بأن الحرب أصبحت حتمية، في ظل سيطرة الانفصاليين على ثلث إقليم دونباس فقط بينما كان الجيش الأوكراني يسيطر على باقي الإقليم المتاخم للحدود الروسية.
لماذا خيرسون بالتحديد؟
خيرسون هي أكبر مدن الجنوب الأوكراني، وكانت هدفاً للقوات الروسية منذ بداية الهجوم. وأعلن الجيش الروسي يوم 3 مارس/آذار، سيطرته على القاعدة العسكرية الأوكرانية في المنطقة. لكن السيطرة الفعلية على خيرسون تأخرت حتى أواخر أبريل/نيسان الماضي.
وتحظى المنطقة بأهمية استراتيجية، لأنها تقدم جزءاً من الرابط البري بين شبه جزيرة القرم، التي احتلتها روسيا في 2014، والمناطق الانفصالية المدعومة من موسكو في شرق أوكرانيا.
وتشير تقارير غربية وأوكرانية إلى أن خيرسون أول منطقة ستضمها روسيا، بينما يقول الكرملين إنه على سكان المنطقة تقرير الانضمام إلى روسيا من عدمه.
لكن هينادي لاهوتا، حاكم منطقة خيرسون الأوكراني المخلوع، قال للصحفيين الأربعاء 11 مايو/أيار، في مدينة دنيبرو، إن السكان لا يريدون سوى "التحرر سريعاً والعودة إلى أحضان وطنهم الأم أوكرانيا"، بحسب رويترز.
ورداً على سؤال، الأربعاء، حول انضمام خيرسون إلى روسيا، قال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، إن على السكان تقرير مصيرهم بأنفسهم، لكن مثل هذه القرارات تحتاج إلى أساس قانوني واضح "كما كان الحال مع شبه جزيرة القرم".
لكن وكالة الإعلام الروسية نقلت عن كيريل ستريموسوف، نائب رئيس الإدارة العسكرية المدنية التي تسيطر عليها روسيا، قوله للصحفيين: "لن تكون هناك استفتاءات، لأنه أمر غير مهم إطلاقاً؛ نظراً إلى أن المجتمع الدولي لم يقبل الاستفتاء الذي أجري بشكل قانوني تماماً في جمهورية القرم". ولم ترد الإدارة، على الفور على مكالمات من رويترز لطلب تعليق.
وفي بداية سيطرة روسيا على المنطقة، تحدثت تقارير أوكرانية وغربية عما سمتها "احتجاجات متفرقة مناهضة لموسكو"، وقال لاهوتا في دنيبرو إن 300 ألف من سكان المنطقة البالغ عددهم مليوناً أو نحو ذلك، غادروا نتيجة لاستيلاء روسيا عليها.
وتقول أوكرانيا إنه كانت هناك احتجاجات في خيرسون ضد الاحتلال الروسي، وإن مسيرة تم تفريقها بالغاز المسيل للدموع قبل أسبوعين. وقال لاهوتا: "بعد وقوع إصابات متكررة بين السكان في خيرسون، في نوفا كاخوفكا… بدأ عدد المحتجين يقل، لأن العدو بدأ يتصرف بقسوة متزايدة، وبدأ في اعتقال الناس".
وأدخلت روسيا بالفعل الروبل في منطقة خيرسون ليحل محل العملة الأوكرانية. ونقلت وكالة تاس عن الإدارة قولها إنه سيجري إنشاء هيئات لمعاشات التقاعد ونظام مصرفي جديد كلياً للمنطقة، وإن فروعاً لأحد البنوك الروسية قد تفتح هناك قبل نهاية مايو/أيار.
زيلينسكي يتحدى روسيا!
وكالة تاس للأنباء قالت، نقلاً عن الإدارة العسكرية المدنية في منطقة خيرسون، إن زعماء المنطقة التي تحتلها روسيا يعتزمون مطالبة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بضمها إلى بلده بحلول نهاية العام.
لكن الرئيس الأوكراني أعلن التحدي، إذ أدان في خطاب مصور، بساعة متأخرة من مساء الأربعاء، "هؤلاء الهامشيين الذين وجدتهم الدولة الروسية ليصبحوا متواطئين معها". ووصف تصريحاتهم بـ"الغباء اللامحدود".
وأضاف الرئيس الأوكراني، الذين كان يعمل ممثلاً كوميدياً قبل أن يقتحم عالم السياسة ويفوز بالرئاسة عام 2019: "لكن، أياً كان ما يفعله المحتلون، فإنه لا يعني شيئاً. ليست لديهم فرصة. أنا واثق بأننا سنحرر أرضنا وشعبنا".
وكان زيلينسكي قد قال يوم 23 أبريل/نيسان، إن المفاوضات بين كييف وموسكو ستكون مهددة إذا استخدمت روسيا "استفتاءات زائفة" لتبرير ضم منطقتي خيرسون وزابوريجيا المحتلتين.
ولا تعتبر تصريحات زيلينسكي الحماسية أمراً جديداً، فمنذ بداية الهجوم الروسي كرر الرئيس الأوكراني عبارة "أوكرانيا ستنتصر ولن نتنازل عن شبر واحد من أراضينا" أكثر من مرة، رغم أن الأوضاع على الأرض لا توحي بذلك ورغم تدفق المساعدات الغربية عموماً والأمريكية خصوصاً على كييف.
فالأزمة الأوكرانية هي بالأساس أزمة جيوسياسية ومواجهة بين روسيا بزعامة بوتين والغرب بزعامة جو بايدن، الذي يواجه اتهامات بأنه لعب دوراً بارزاً في تفجير الأزمة ووصولها إلى الحرب الأخطر عالمياً منذ الحرب العالمية الثانية.
الاتهام الموجه إلى بايدن لم يأتِ فقط من روسيا أو حتى من خصوم بايدن السياسيين من الجمهوريين في أمريكا، بل جاء على لسان زيلينسكي نفسه بشكل ضمني، قبل أقل من شهر من بدء الهجوم الروسي. قال زيلينسكي وقتها للصحفيين، إن هناك زعماء يريدون اندلاع الحرب في أوكرانيا لمصلحتهم الشخصية.
"أوكرانيا ليست تيتانيك!"، كان ذلك ردّ زيلينسكي على سؤال بشأن القرار الأمريكي بسحب الدبلوماسيين العاملين بسفارة واشنطن في كييف: "الدبلوماسيون مثل قادة السفن. يجب أن يكونوا آخر من يغادر سفينة تغرق. وأوكرانيا ليست تيتانيك".
وتتهم روسيا زيلينسكي بأنه "دمية في يد الغرب"، بحسب وصف وزير الخارجية سيرغي لافروف، كما اتهمه بوتين- دون أن يذكره بالاسم- بالتراجع عن اتفاق لوقف إطلاق النار والقبول بحياد أوكرانيا بعد أن كان الاتفاق جاهزاً، بعد ضغوط أمريكية.
ما مدى واقعية سيناريو الانتصار الأوكراني؟
القوات الأوكرانية أعلنت، الأربعاء، عن تحقيق مكاسب ميدانية فيما وصفته بالهجوم المضاد، وقال مصدر عسكري أوكراني طلب عدم نشر اسمه، لـ"رويترز"، إنه بعد أيام من التقدم في شمال وشرق خاركيف، ثاني أكبر مدينة بأوكرانيا، باتت القوات الأوكرانية على بُعد عدة كيلومترات فقط من الحدود الروسية. وقبل التقدم، كانت القوات الروسية على مشارف مدينة خاركيف التي تبعد 40 كيلومتراً عن الحدود.
ويبدو أن هذا التقدم هو الأسرع لأوكرانيا منذ أن أعادت القوات الروسية تمركزها وانسحبت من كييف ومن شمال البلاد في بداية أبريل/نيسان، وفي حالة استمراره، يمكن أن يتيح للقوات الأوكرانية تهديد خطوط الإمداد لقوة الهجوم الروسية الرئيسية، بل يمكن أن يضع أهدافاً لوجستية داخل روسيا نفسها ضمن نطاق المدفعية الأوكرانية.
وقالت هيئة الأركان العامة الأوكرانية مساء الأربعاء، إن قواتها استولت على قرية بيتومنيك الواقعة على الطريق السريع الرئيسي شمال خاركيف، في منتصف الطريق تقريباً إلى الحدود الروسية. وعلى الجانب الآخر من الحدود قال حاكم منطقة بيلجورود الروسية، إن قرية تعرضت للقصف من أوكرانيا؛ مما أدى إلى إصابة شخص.
لكن زيلينسكي نفسه بدا أكثر حذراً في تهنئته الأوكرانيين بما وصفها بالنجاحات التي تضع خاركيف، ثاني أكبر مدينة في أوكرانيا والتي تتعرض لقصف مستمر منذ الأيام الأولى للحرب، خارج مدى المدفعية الروسية، حيث حذَّر الأوكرانيين من رفع سقف توقعاتهم حتى الآن.
وقال في كلمة مصورة، ليلاً: "يجب ألا نُوجد جواً من الضغط المعنوي المفرط والمتمثل في توقُّع تحقيق انتصارات أسبوعياً وحتى يومياً".
وتكشف هذه العبارة الأخيرة من رسالة زيلينسكي عن حقيقة هامة تتعلق بالحرب في أوكرانيا، وهي أن معرفة حقيقة ما يجري على الأرض تظل من أصعب الأمور، على الرغم من التقدم الهائل في وسائل نقل المعلومة في زمن الهواتف الذكية ومنصات التواصل الاجتماعي.
تتدفق الأخبار من أوكرانيا بسرعة هائلة، ويركز الإعلام الغربي على الرواية الأوكرانية، بينما تواجه الرواية الروسية تضييقاً غير مسبوق بعد حظر وسائل الإعلام التقليدية الروسية في أنحاء العالم الغربي وكذلك من منصات التواصل الاجتماعي كـ"فيسبوك" و"تويتر"، ومن ثم يظل من الصعوبة بمكان، التحقق مما يقوله أي من طرفي الصراع.
لكن يبدو أن زيلينسكي هو الوحيد المتفائل بإمكانية إلحاق الجيش الأوكراني الهزيمة بأوكرانيا، بينما يبدو أن الهدف الرئيسي لجو بايدن هو أن تستمر الحرب أطول فترة ممكنة بغرض استنزاف روسيا وإضعاف قدرتها على إعادة بناء جيشها "للأبد"، بحسب تصريحات وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن نفسه.
تصريحات أوستن جاءت خلال فعالية نظمتها واشنطن أواخر أبريل/نيسان الماضي، بمشاركة 40 دولة، هدفها توفير تمويل عسكري على المدى الطويل لأوكرانيا، وقال وزير الدفاع الأمريكي في ترحيبه بالحضور: "من الواضح أن أوكرانيا تثق بقدرتها على الانتصار، وكذلك الجميع هنا"، بحسب تقرير لموقع Euractiv.
الخلاصة هنا هي أنه على الرغم من عدم وجود مؤشرات على متى أو كيف يمكن أن تنتهي الحرب، فإن سيناريو هزيمة روسيا عسكرياً أمام أوكرانيا المدعومة من الغرب عموماً والولايات المتحدة خصوصاً، لا يبدو سيناريو واقعياً أو قابلاً للتحقُّق، بحسب مُجريات الحرب نفسها على الأرض.