يتراجع التفاؤل الأمريكي بإمكانية انضمام كوريا الجنوبية لتحالف واشنطن لاحتواء الصين في آسيا، رغم انتخاب رئيس محافظ لكوريا معروف بمناهضته لبكين.
وكان كثيرون يتوقعون في مؤسسة السياسة الخارجية الأمريكية أن تميل السياسة الخارجية لكوريا الجنوبية إلى مزيد من التقارب مع الولايات المتحدة، خاصة فيما يتعلق بالموقف من الصين بالنظر إلى الخطاب الذي التزمه رئيس كوريا الجنوبية الجديد، يون سوك يول، في حملته الانتخابية، إضافة إلى السمات التقليدية للاتجاه السياسي المحافظ في كوريا الجنوبية، والمعارضة العامة لبكين في كوريا الجنوبية، حسبما ورد في تقرير لموقع Responsible Statecraft الأمريكي.
فقد انتقد يون خلال حملته الرئاسية المساعي التي بذلتها إدارة رئيس كوريا الجنوبية السابق، مون جاي إن، لبلوغ نوعٍ من التوازن في علاقة سيول بكلٍ من واشنطن وبكين، ووصفها بأنها كانت سياسة مؤيدة للصين ومفرطة في احترامها للمصالح الصينية.
كوريا الجنوبية تشهد انقساماً حول الموقف من الصين
ولطالما كانت الحكومات المحافظة في كوريا الجنوبية أميل إلى مقاومة المعارضة الداخلية لتحسين العلاقات مع اليابان، وأقرب إلى دعم التعاون الثلاثي بين سيول وواشنطن وطوكيو. وقد عزز يون هذا الاتجاه منذ الانتخابات باختياره مستشاري سياسة خارجية يجنحون إلى تأييد ذلك التحالف بين الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية.
على الرغم من ذلك، فإن هذه الملاحظات تميل إلى تجاهل القيود المحلية التي تعتري موقف الإدارة في كوريا الجنوبية، والتي قد تخفف من إقبال إدارة يون على المشاركة في مساعي الولايات المتحدة لاحتواء الصين. ويذهب تقرير حديث لمعهد "كوينسي" Quincy Institute الأمريكي إلى أن أهمية الصين الاقتصادية لكوريا الجنوبية، وافتقار الإجماع العام على معارضة الصين بين النخب والعامة، قد يدفعان إدارة يون إلى تجنب الاندماج التام في مساعي واشنطن لاحتواء بكين.
ربع تجارة كوريا مع بكين.. أي أكبر من تجارتها مع أمريكا واليابان معاً
وتعتمد كوريا الجنوبية على الصين في أكثر من ربع إجمالي تجارتها، أي أكبر من حصة التجارة مع الولايات المتحدة واليابان مجتمعتين. والصين مصدر مهم لاحتياجات كوريا الجنوبية من المواد الأساسية، وهي أيضاً أكبر سوق استهلاكي للمحتوى الثقافي الكوري الجنوبي (الهاليو)، وللسياحة. ومع أن كوريا الجنوبية تسعى باستمرار إلى تقليص اعتمادها على الصين، وتوسيع التعاون مع الأسواق الأخرى وتنويع سلاسل التوريد، فإن الشراكة الاقتصادية الشاملة بين البلدين شديدة الأهمية لها.
بالإضافة إلى العلاقات الاقتصادية، فإن إدارة يون محكومة بقيود سياسية تمنعها من اتباع سياسة عدوانية للصين، فالنخب السياسية في كوريا الجنوبية منقسمة في رأيها من مساعي احتواء الصين، وتأتي المعارضة الأبرز لهذه المساعي من التقدميين، وهم لهم الأغلبية شبه الساحقة في الجمعية الوطنية حتى عام 2024.
يريدون سياسة متوازنة بين واشنطن وبكين
علاوة على ذلك، يميل الرأي العام في كوريا الجنوبية إلى الاختلاف بشأن استراتيجية احتواء الصين التي تنتهجها واشنطن. ومع أن مشاعر العداء للصين زادت زيادة حادة بين الكوريين الجنوبيين في أعقاب التدابير الانتقامية لبكين من كوريا الجنوبية على نشرها نظام الدفاع الصاروخي الباليستي، فإن الكوريين الجنوبيين تمسكوا بدعمهم الغالب لسياسة متوازنة من التنافس بين الولايات المتحدة والصين.
وربما لا يغلب الود على نظرة الكوريين الجنوبيين للصين، إلا أنهم لا يرونها خصماً يجب هزيمته. وقد كشفت استطلاعات رأي في عام 2021، أن الكوريين الجنوبيين ما زالوا يميلون إلى رؤية التعاون مع الصين ضرورة لاقتصاد بلادهم، وسبيلاً للتعامل مع التهديد النووي الكوري الشمالي. ومن ثم، يذهب كثيرون في كوريا الجنوبية إلى أن سياسة مواجهة الصين إنما تستجلب الإضرار بالمصالح الوطنية للبلاد.
والرئيس الحالي فاز بأغلبية ضئيلة
وتمكنت حكومات كوريا الجنوبية في الماضي من التحايل بين الحين والآخر على معارضة المجتمع لقرارات السياسة الخارجية المتنازع عليها، إلا أن إدارة يون يصعب عليها ذلك، فقد فاز يون بمنصب الرئاسة بفارق طفيف عن منافسيه، وهو محكوم بهيئة تشريعية يهيمن عليها حزب معارض له، كما أن رأس ماله السياسي قليل بالقياس إلى أسلافه ممن فازوا بمناصبهم بفارق كبير، واستندوا إلى قدر أعلى من الدعم الشعبي قبل توليهم منصب الرئاسة.
وبينما تكثِّف واشنطن مساعيها لاحتواء الصين، فإن ذلك قد يستجلب ذلك كثيراً من المتاعب لسيول.
فالولايات المتحدة قد تطلب من كوريا الجنوبية السماح لها بنشر أنظمة صاروخية أو سفن أمريكية في كوريا الجنوبية، والإذعان لمطالب اليابان في النزاعات التاريخية بين البلدين، والمشاركة في التدربيات العسكرية متعددة الأطراف حول المناطق البحرية المتنازع عليها، ومساعدة تايوان في أزماتها، وفرض تعريفات جمركية للانتقام من بكين، وكل هذه التدابير سيكون لها تكاليف سياسية واقتصادية كبيرة على الكوريين الجنوبيين.
إن لبَّت الإدارة الجديدة لكوريا الجنوبية هذه المطالب المثيرة للجدل من دون التوصل أولاً إلى إجماع عام عليها بين النخب والجمهور، فإن الأقرب أن تُواجه الإدارة بمعارضة شعبية حادة. ومن الجدير بالذكر في هذا السياق، أن يون تخلى عن تعهد سابق لحملته بنشر المزيد من أنظمة الدفاع الجوي الأمريكية "ثاد"، وعندما سُئل مرشحه لوزارة الدفاع، لي جون سوب، عن هذا التخلي، قال: إنه قرار "يُعزى إلى واقع الأمور" القائم. وقد يكون هذا إيذاناً بالتراجع عن أشياء أخرى مع التوغل في الحقائق المعقدة لحكم البلاد.
أمريكا مهددة بفقدان نفوذها في سيول إذا بالغت في الضغط عليها
وأوضح تقرير معهد "كوينسي" مخاطر التغاضي عن الاختلافات الداخلية في سيول، والعواقب التي قد تنجم عن دفع كوريا الجنوبية إلى اتباع مواقف الولايات المتحدة من الصين دون تمحيص. وتشمل العواقب التي أشار إليها التقرير: تعميق الانقسام السياسي في كوريا الجنوبية، والإساءة إلى سمعة الولايات المتحدة وتحالفها مع البلاد، ومن ثمَّ تقليل النفوذ الأمريكي في كوريا الجنوبية في نهاية المطاف.
ويخلص تقرير معهد "كوينسي" إلى أن مخاطر الضغط على كوريا الجنوبية قد تجعل واشنطن تميل إلى تقليص التوقعات المبالغ فيها بشأن انحياز إدارة يون إلى معارضة الصين، وتدفعها إلى تجنُّب الضغط على سيول للانضمام إلى أية تدابير استراتيجية تجهر بالمنافسة الشديدة للصين، أو بالتأييد الصريح للمساعي الأمريكية لاحتوائها.