أعلنت السعودية خططاً تستهدف جذب 330 مليون مسافر سنوياً و70 مليون سائح؛ لتتحول إلى الدولة الرائدة في مجالي السفر الجوي والسياحة في الشرق الأوسط. فهل يمكنها بالفعل منافسة الإمارات وقطر؟
كانت الحكومة السعودية قد أعلنت، العام الماضي، استراتيجيتها الهادفة إلى تحويل المملكة لمركز عالمي للنقل والخدمات اللوجستية بحلول عام 2023، وذلك في إطار رؤية ولي عهد المملكة محمد بن سلمان، الهادفة إلى تقليل اعتماد الاقتصاد السعودي على النفط، وتنويع موارده.
عندما أعلنت الرياض عن تلك الأهداف الطموحة فيما يتعلق بمجالي السفر والسياحة، لم تكشف عن تفاصيل أو خطط لكيفية تحقيقها، لكن خلال منتدى للطيران الجوي، الذي بدأ الإثنين 9 مايو/أيار في السعودية، أُعلن عن بعض التفاصيل، مثل أعداد المسافرين المستهدفة، وكذلك أعداد السائحين والاستثمارات وغيرها.
مطار جديد وشركة طيران جديدة
محمد الخريصي مدير عام الاستراتيجية في الهيئة العامة للطيران المدني السعودي قال لرويترز: إن الهدف الرئيس من الاستراتيجية الجديدة هو زيادة عدد القادمين إلى الأراضي السعودية، مضيفاً أن الرياض تريد زيادة عدد المسافرين على شركات الطيران الدولية، الذين يتوقفون في المملكة إلى 10 أمثال بحلول 2030، في الوقت الذي تتطلع فيه لمضاعفة حركة الركاب السنوية 3 مرات.
وتهدف الاستراتيجية إلى استثمار 500 مليار ريال (133.32 مليار دولار)، وهي جزء من سياسة اقتصادية لتوفير فرص عمل، وتقليل الاعتماد على عائدات النفط.
كما ترغب الحكومة السعودية في زيادة الرحلات الدولية المباشرة إلى 250 من 99 حالياً؛ لأسباب منها تعزيز قطاع السياحة الناشئ، وتحويل المملكة إلى مركز تجاري رئيس.
إذ إن زيادة عدد الركاب إلى 10 أمثال تعني حدوث قفزة في حركة المرور العابر الدولية إلى 30 مليوناً في عام 2030، ارتفاعاً من نحو 3 ملايين في عام 2019 أو 10% من حركة الركاب السنوية في المملكة، ارتفاعاً من 3% حالياً، بحسب رويترز.
تستهدف السعودية أيضاً زيادة حجم الشحن الجوي السنوي إلى 4.5 ملايين طن بحلول عام 2030 من 900 ألف طن في 2019، والتي قال الخريصي: إن نصفها سيتوقف في أماكن أخرى.
كما تؤسس السعودية شركة طيران جديدة مقرها في العاصمة الرياض، بينما تتمركز عمليات الخطوط الجوية السعودية، الشركة الحكومية التي يبلغ عمرها 77 عاماً، في مدينة جدة المطلة على البحر الأحمر، في إطار استراتيجية النقل التي تستهدف إنشاء مركزين. وتشمل الخطط السعودية أيضاً إنشاء مطار دولي جديد في العاصمة الرياض، وصفته مصادر سعودية بأنه سيكون المطار الأضخم في المنطقة.
إبراهيم الكشي، الرئيس التنفيذي لشركة الخطوط الجوية العربية السعودية، قال، خلال فعالية صناعية في دبي الإثنين 9 مايو/أيار: إن الشركة تتوقع تسلم أول طائرات من طلبية مكونة من 73 طائرة في ديسمبر/كانون الأول، مضيفاً أنه قد أُمِّن تمويل الطلبية العام الماضي.
وقال لرويترز، على هامش الفعالية: إنه حدثت تأخيرات لدى كل من بوينج وإيرباص، ولكن ستبدأ عمليات التسليم في 22 ديسمبر/كانون الأول من العام الجاري، وأضاف أن هناك طلبيات إضافية لم تعلن الشركة عنها بعد، ولكنها قيد الإعداد لهذا العام. الشركة لديها خطة معدَّلة لتكوين أسطول، وهي عملية مستمرة، لذلك لا يمكن تحديد العدد، لكن الكشي قال: إن الخطوط السعودية تخطط لعملية توسع كبيرة لتلبية مطالب المملكة.
ماذا عن المنافسة مع الإمارات؟
لم يتضح متى ستبدأ شركة الطيران السعودية الجديدة، المملوكة لصندوق الاستثمارات العامة، وهو صندوق الثروة السيادية للمملكة، عملياتها، على الرغم أن مصادر قالت: إنها ستنافس طيران الإمارات والخطوط الجوية القطرية.
إذ إن هذه السياسة، التي تشترط الحكومة بموجبها أن تنقل الشركات مقارها الإقليمية إلى المملكة، تضع السعودية في منافسة مع الإمارات، حيث يتمثل نموذج الأعمال الرئيس لشركة طيران الإمارات في الطيران العابر، لكن الكشي أبلغ رويترز: "لا نستهدف سوق الطيران العابر".
شركة طيران الإمارات نقلت أكثر من 56 مليون مسافر في العام السابق لجائحة كورونا، بينما نقلت الخطوط الجوية القطرية، التي تستهدف أيضاً الطيران العابر، ما يزيد على 32 مليوناً.
وعلى عكس السعودية، التي يبلغ عدد سكانها حوالي 30 مليون نسمة، لا يوجد سوق للطيران المحلي في الإمارات أو قطر، ويرى بعض المحللين أن هناك مجالاً في الخليج للتنافس على الطيران العابر، خاصة بعد أن قلصت شركة طيران الاتحاد في أبوظبي طموحاتها في السنوات الأخيرة.
ويبدو أن حركة السفر الجوي قد بدأت بالفعل بالعودة إلى ما كانت عليه قبل الجائحة بصورة أسرع مما كان متوقعاً، وقال ويلي والش، المدير العام للاتحاد الدولي للنقل الجوي (إياتا): إن حركة المسافرين تتعافى بشكل أسرع مما كان متوقعاً، وإنه في المتوسط يمكن للقطاع الآن أن يشهد عودة أعداد المسافرين إلى مستويات ما قبل الجائحة في عام 2023، أي قبل عام مما كان متوقعاً في السابق.
ومع تخفيف القيود المتعلقة بكوفيد-19 في أنحاء العالم؛ زاد الطلب على السفر الجوي؛ ما أدى إلى قفزة في عدد الرحلات الجوية، بعد أن كانت الحكومات قد أغلقت حدودها على مدار العامين الماضيين.
وأضاف والش لرويترز أن التوقعات على المدى القريب لا تزال إيجابية حتى مع مواجهة قطاع الطيران مشكلات جديدة، مثل ارتفاع أسعار النفط، والتضخم، ونقص القوى العاملة. وقال خلال المؤتمر المنعقد في الرياض: "نشهد حجوزات قوية للغاية. جميع الرؤساء التنفيذيين لشركات الطيران الذين أتحدث معهم لا يرون فقط تحسن الطلب على السفر على المدى القريب، ولكن طوال العام أيضاً. أعتقد أن التعافي سيكتسب زخماً في بقية هذا العام وحتى عام 2023".
هل يمكن أن تحقق السعودية تلك الأهداف فعلاً؟
فهد حميد الدين، الرئيس التنفيذي للهيئة السعودية للسياحة، قال لرويترز، في مقابلة على هامش معرض سوق السفر العربي المقام في دبي: إن السعودية تهدف لأن تتخطى الزيارات السياحية التي تستقبلها هذا العام 70 مليون زيارة، بعد أن تمكنت من اجتذاب 62 مليوناً العام الماضي، بما يوضح محاولات المملكة المنسقة لتعزيز قطاع السفر والسياحة لديها.
وبدأت المملكة في السنوات القليلة الماضية في الترويج أيضاً للسياحة غير الدينية، في إطار استراتيجية لتنويع الأنشطة الاقتصادية بعيداً عن النفط، وهي مساعٍ يقودها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
بحسب حميد الدين، زادت الزيارات إلى المملكة بنسبة 130% في الربع الأول من 2022، مقارنة بالربع الرابع من 2019: "أعتقد أن السفر المحلي وصل إلى ارتفاع قياسي العام الماضي. وبشأن التعافي العام للسفر الإجمالي، لقد تفوقنا على العالم وعلى المنطقة فيما يتعلق بمعدل التعافي، ووصلنا إلى 72% من مستويات ما قبل الجائحة".
وقال حميد الدين: "سأقول ذلك للمرة الأولى… شهدنا ارتفاعاً يفوق 130% مقارنة بمستويات ما قبل الجائحة"، مضيفاً أن ذلك يعود لقطاع سياحة الترفيه فقط، ولا يشمل السياحة الدينية.
ومن المتوقع أن تفتح السعودية الباب أمام العديد من المشروعات التي تركز على السياحة على مدى الأعوام القليلة المقبلة، بما يشمل مشروع مدينة نيوم على البحر الأحمر، الذي يتضمن تطويراً عقارياً فخماً، ومنتجعات على جزر وعلى الساحل.
لكن بعض الخبراء يبدون تشككهم في مدى قدرة السعودية على تحقيق تلك الأهداف في مجالي السفر والسياحة خلال الفترة الزمنية المرصودة، ويعود ذلك جزئياً إلى تأثير جائحة كوفيد-19 على قطاع السفر العالمي، وأيضاً بسبب المنافسة مع خطوط طيران إقليمية مثل طيران الإمارات.
وقال حميد الدين، رداً على سؤال بشأن المنافسة الإقليمية: "نحن سعداء جداً برؤية دبي ناجحة، مثل الأردن ومثل مصر، الكل يتعافى وينمو. ونريد أن نلعب دورنا، ونعتقد أن نجاحنا نجاح للجميع".
وزير النقل السعودي صالح الجاسر قال في الجلسة الافتتاحية لمنتدى السفر الجوي: "على مدى السنوات الـ10 المقبلة سوف تصبح المملكة المحطة الرئيسة للسفر الجوي في الشرق الأوسط". وأوضح الوزير السعودي أن السوق المحلية للسفر الجوي في السعودية تمثل نقطة "تفوق" واضحة. "نركز جداً على بناء جسور إلى المملكة لمساعدة قطاع السياحة على النمو ومساعدة السعوديين على السفر الدولي أيضاً".
لكن شراسة المنافسة تثير الشكوك بشأن مدى قدرة السعودية على تحقيق خططها الطموحة: "إنهم (السعوديون) يواجهون عقبات متعددة في هذا المجال"، بحسب ما قاله الباحث في معهد الدول الخليجية العربية في واشنطن، روبرت موغييلنيكي، لموقع Al-Monitor الأمريكي.
وأوضح الباحث الأمريكي وجهة نظره بالقول: إن هناك "لاعبين إقليميين يتمتعون بسمعة عالمية معترف بها، ويمثلون بالفعل جزءاً رئيساً من اقتصاد دبي وقطر (الإماراتية للطيران والخطوط القطرية)، بينما لا يمثل قطاع الطيران جزءاً مهماً من الاقتصاد السعودي، وهو ما يعني عدم وجود حاجة ملحة وعاجلة لإصلاح ذلك القطاع، ووضعه في وضع تنافسي قوي. "هذا ملعب جديد تماماً بالنسبة للسعودية، وسيكون عليهم محاولة اللحاق بالآخرين".
وتمتلك السعودية حالياً خطوط الطيران السعودية وشركة أخرى للطيران الاقتصادي ومقرهما جدة، لكن حصتهما من السوق لا تقارن بالخطوط القطرية أو الإماراتية، ولا حتى الطيران الاقتصادي مثل فلاي دبي والعربية، والسوق بشكل عام يبدو متشبعاً بالفعل.
"السوق متشبع للغاية"، بحسب ما قاله المدير العام للنقل في المفوضية الأوروبية، هنبريك هولولاي لوكالة الأنباء الفرنسية، مضيفاً: "من الواضح أن مهمة أي شركة طيران جديدة تريد أن يكون لها وجود عالمي لن تكون سهلة أبداً لدخول السوق الإقليمي".
كما تحدث عديد الخبراء بشأن الحاجة الملحة لإصلاح حال المطارات السعودية، إذا ما كانت المنافسة هدفاً بالفعل في هذا المجال، بحسب تقرير المونيتور. وتحدثت وسائل إعلام محلية الأسبوع الماضي عن قرار فصل مدير الشركة المشغلة لمطار جدة، بوابة السفر الجوي للأماكن المقدسة في مكة والمدينة، بعد "أزمة الازدحام الشديد وتأخير الرحلات" في المطار.
ويرى هولولاي أن "الرؤية والتصريحات الطموحة للغاية تحتاج لأن تتبعها تفاصيل محددة. وبالتالي فإنه على الجميع الانتظار حتى تكشف الرياض عن أوراقها كاملة في هذا المجال قبل إصدار الأحكام".