بينما تصاعدت الدعوات داخل إسرائيل إلى اغتيال يحيى السنوار قائد حركة حماس في غزة، فإن الجيش الإسرائيلي يحاول عدم الانسياق وراء هذه الدعوات في ظل تهديدات من قبل حماس بأن ردها سيكون قاسياً وغير مسبوق منذ سنوات.
وتعرضت إسرائيل لموجة من الهجمات الفلسطينية التي جاءت رداً على الانتهاكات الإسرائيلية بحق المسجد الأقصى.
ووقعت حتى الآن سبع هجمات أسفرت عن مقتل 19 إسرائيلياً، بمعدل هجوم واحد في الأسبوع، وهو ما جعل هذه الهجمات في صدارة الاهتمام السياسي والإعلامي الإسرائيلي، خاصة أن معظمها وقع في قلب المدن.
يستبعد محللون سياسيون، إقدام إسرائيل على اغتيال يحيى السنوار، إلا في حال حدوث تطورات أمنية وسياسية "كبيرة".
وقال المحللون إن الدعوات داخل إسرائيل إلى اغتيال يحيي السنوار، تأتي ضمن "حالة الصراع السياسي الداخلي المحتدم، بين المعارضة والحكومة الهشّة"، وإن المعارضة الإسرائيلية تستغل هذه الورقة في محاولة لإسقاط الحكومة.
ومنذ يوم الجمعة الماضي، يدعو نواب ومسؤولون سابقون وصحفيون إسرائيليون صراحة إلى اغتيال يحيى السنوار، وبرروا في مقابلات وتغريدات رصدتها الأناضول، دعواتهم هذه، بتحميله مسؤولية الهجوم الذي وقع مساء الخميس في مدينة إلعاد، قرب تل أبيب وأدى إلى مقتل ثلاثة إسرائيليين، وإصابة آخرين.
وكان السنوار، قد دعا في خطاب ألقاه في غزة في 30 أبريل/نيسان الماضي، الفلسطينيين في الضفة والمناطق العربية في إسرائيل إلى شن هجمات بالأسلحة النارية، والبيضاء إن تعذر ذلك، رداً على الانتهاكات الإسرائيلية في المسجد الأقصى.
وحذّرت كتائب القسام الجناح العسكري لحركة "حماس"، السبت، إسرائيل من المساس بـ"السنوار"، أو "قادة المقاومة".
وقال أبو عبيدة، الناطق باسم الكتائب، في بيان: "في ضوء تهديدات العدو الجبان، فإننا نحذر وننذره وقيادته الفاشلة بأن المساس بالأخ المجاهد القائد يحيى السنوار أو أيٍّ من قادة المقاومة هو إيذان بزلزال في المنطقة وبرد غير مسبوق".
وأضاف: "ستكون معركة (سيف القدس) حدثاً عادياً مقارنة بما سيشاهده العدو، وسيكون من يأخذ هذا القرار قد كتب فصلاً كارثياً في تاريخ الكيان، وارتكب حماقة سيدفع ثمنها غالياً بالدم والدمار".
إسرائيل ترسل فرقاً لاغتيال قادة حماس في الخارج
وأبلغت إسرائيل حلفاءها أنها تستعد لإرسال فرق اغتيال لقتل قادة حركة حماس في الخارج، رداً على الهجمات التي تعرضت لها إسرائيل في الشهرين الماضيين، وفق ما أفادت به مصادر لصحيفة The Times البريطانية الأحد 8 مايو/أيار 2022.
الصحيفة البريطانية أشارت إلى أنه يُعتقد أن حركة حماس تلقت تحذيرات من هذه الاغتيالات الوشيكة من أجهزة مخابرات في الشرق الأوسط وأوروبا، فيما أكدت تقارير إعلامية فلسطينية وجود وساطة مصرية من أجل تجنب التصعيد في المنطقة.
وقد يكون صلاح العاروري، الذي يدير شبكات عسكرية سرية في الضفة الغربية، من ضمن المستهدفين، إلى جانب زاهر جبارين، المسؤول عن تمويل هذه الشبكات.
ونفذت إسرائيل خلال السنوات الماضية، العشرات من عمليات "الاغتيال" بحق القادة الفلسطينيين من مختلف الفصائل، وراح ضحيتها معظم قادة الصف الأول في حركة "حماس"، ومن ضمنهم مؤسسها الشيخ أحمد ياسين عام 2004.
لماذا تصاعدت الدعوات إلى اغتيال يحيى السنوار؟
رغم دور حماس وقائدها في غزة في تشجيع العمليات ضد الإسرائيليين رداً على الانتهاكات بحق الأقصى، إلا أن موجة الهجمات الأخيرة يقوم بها فلسطينيون لا ينتمون إلى فصائل بعينها في الأغلب.
فهجوم واحد فقط من هذه الهجمات، كان مرتبطاً ارتباطاً مباشراً بحركة حماس وهو إطلاق النار على حارس أمن في مستوطنة بالضفة الغربية في 29 أبريل/نيسان الماضي.
على أن إسرائيل تُحمِّل حماس مسؤولية "المبادرات الشخصية" للفلسطينيين، فضلاً عن العديد من الهجمات الأخرى التي أحبطتها.
وتدير حماس، التي تحكم غزة، حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي تدعو الفلسطينيين في الضفة الغربية لمهاجمة الإسرائيليين الذين يحاولون "تدنيس" المسجد الأقصى في القدس. وقال بعض منفذي الهجمات الأخيرة إنهم خرجوا "انتقاماً للأقصى".
وعلى الرغم مما تعتمد عليه أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية من نشر مكثف لوسائل المراقبة واستشعار الهجمات في جميع مناطق الضفة الغربية وغيرها، لا يزال يصعب على إسرائيل الكشف عن المهاجمين الذين يعملون بمفردهم والمجموعات المحلية الصغيرة التي لا تستند إلى تسلسل هرمي منظم.
قالت الشرطة الإسرائيلية، أمس الأحد، إنها ألقت القبض على فلسطينيين يشتبه في قتلهما ثلاثة إسرائيليين في هجوم وقع في مدينة إلعاد شمال تل أبيب، يوم الخميس الماضي.
كانت هناك روايات متناقضة حول كيفية تنفيذ العملية، حتى توصل المسؤولون في الأجهزة الأمنية الإسرائيلية إلى أنها نُفذت باستخدام الفأس، وهي أداة لم يسبق أن استخدمت في تنفيذ عمليات فلسطينية ضد إسرائيليين، وبحسب روايات شهود عيان في منطقة العملية، هاجم أحد منفذيها المارة وهو يصرخ "الله أكبر"، وكان يوجه ضرباته إلى رأس مستوطن. أما الثاني، فتقول الروايات إنه استخدم سكيناً طعن به إسرائيليين.
ومع استخدام الفأس في "إلعاد"، حمّل الإسرائيليون السنوار مسؤولية العملية، حيث حث الفلسطينيين قبلها بأيام على ضرب الإسرائيليين بكل ما لديهم- بما في ذلك الفؤوس، إذ قال: "فليجهز كل من لديه بندقية، إذا لم يكن لديك بندقية، جهز ساطورك أو فأسك أو سكيناً".
والفلسطينيان أسعد يوسف أسعد الرفاعي، 19 عاما، وصبحي عماد صبحي أبو شقير، 20 عاماً، اللذان يعتقد أنهما نفذا العملية على الأرجح ليسا من أعضاء حماس، حسب الصحافة الإسرائيلية ولكن هناك قناعة إسرائيلية بأنهما ربما استلهما عمليتهما من خطاب السنوار الذي حث الفلسطينيين والعرب الإسرائيليين على الرد على الانتهاكات بحق الأقصى.
استبعاد الاغتيالات
يستبعد الكاتب والمحلل السياسي وديع أبو نصار، إقدام إسرائيل على اغتيال أي قيادات رفيعة المستوى في حركة "حماس"، وأبرزها السنوار.
ويقول أبو نصار، المختص بالشأن الإسرائيلي، لوكالة الأناضول، إن "هذا السيناريو يبقى مُستبعداً لثلاثة أسباب إسرائيلية".
السبب الأول، وفق أبو نصار، يعود إلى "الوضع الداخلي الإسرائيلي المرتبك، إذ من الممكن أن تُضفي هذه الخطوة المزيد من الإرباك على المشهد السياسي".
وتابع: "السبب الثاني هو أن الوضع في غزة هادئ نسبياً، بالتالي لا يوجد أي خطر حقيقي للتصعيد؛ خاصة في ظل توصيات الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، للوسطاء، بالمحافظة على حالة الهدوء".
وأما السبب الثالث، فهو مرتبط بـ"الوضع الأمني المتوتر في الضفة الغربية"، حيث تتفادى إسرائيل إشعال أكثر من جبهة في آن واحد، بحسب أبو نصار.
واستكمل قائلاً: "تُدرك إسرائيل أن اغتيال شخصية رفيعة المستوى لن يُطفئ جبهة الضفة، لكنه سيشعل جبهة غزة".
المعارضة الإسرائيلية تسعى لإضعاف حكومة بينيت عبر هذه الدعوات
ويرجع أبو نصار الدعوة التي أطلقها الإعلام الإسرائيلي وسياسيون إلى اغتيال يحيي السنوار، إلى الحرب السياسية الدائرة بين المعارضة والحكومة الإسرائيلية.
وقال: "هذه الحرب سياسية، أكثر من كونها عسكرية، لن تنتهي بالضرورة في الوقت القريب".
ويُضيف أبو نصار أن هذه الدعوات هي جزء من "مزايدات المعارضة على الحكومة الإسرائيلية، لإحراجها وإظهارها كمتخاذل".
وأشار إلى أن زعيم المعارضة في إسرائيل، رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو، اجتمع في وقت سابق الأحد، مع أحزاب المعارضة، ليتحدث عن إسقاط الحكومة الإسرائيلية.
وأضاف: "لم يتحدث نتنياهو عن حماس، أو اغتيال السنوار، أو العمليات في الضفة، إنما ركز على إسقاط الحكومة".
وفي السياق، قال أبو نصار إن "الدعوة إلى اغتيال يحيى السنوار تأتي بعد في ظل تصريحات الأخير، والتي دعا فيها الفلسطينيين في الضفة والمناطق العربية بإسرائيل إلى شن هجمات رداً على الانتهاكات".
وقال في هذا الصدد: "هذه التصريحات استفزت إسرائيل، واستخدمها اليمين المُتطرف كسلاح في حربه الداخلية مع الحكومة، والذي يستعمل ورقة حماس لإحراج الحكومة".
ويستبعد أبو نصار اندلاع معركة جديدة بغزة، لكنه يقول إن الوضع الأمني في القطاع قد يشهد حالة من "التوتر"، في ظل جهود الوسطاء لضمان استمرار الهدوء بغزة.
وقال: "لا أرى أن أياً من الطرفين معني بحرب جديدة، وقد نشهد بعض التوتر لكن لا يعني الدخول بمعركة".
ما وجهة نظر الجيش الإسرائيلي في الدعوات إلى اغتيال يحيى السنوار؟
بدوره، يقول المختص بالشأن الإسرائيلي خلدون البرغوثي، إن عودة إسرائيل لسياسة الاغتيالات، تتطلب وجود اعتبارات أمنية وسياسية كبيرة.
وقال: "بالمجمل التوصيات الأمنية (من قبل الجيش وأجهزة الأمن والاستخبارات الإسرائيلية) تميل إلى تجنّب أي تصعيد مع غزة، وأي حدث يؤدي إلى التصعيد".
وأصيب الجيش الإسرائيلي بالدهشة من الدعوات إلى اغتيال يحيى السنوار، وذلك لعدة أسباب، حسب صحيفة Haarez الإسرائيلية.
أولاً، لا ترتبط حماس بهذه الهجمات إلا بارتباط غير مباشر (والد أحد المهاجمين المتهمين ناشط في حركة حماس، ولهذا سارع الإسرائيليون إلى اتهام حماس بالمسؤولية عن الهجوم). ثانياً، لم يكن اغتيال السنوار محلاً للنقاش القريب قبل الهجوم، على الأقل ليس بين دوائر صنع القرار. ثالثاً، ليس هناك ما يضمن لسلطات الاحتلال أن اغتيال السنوار قد يكون حلاً سحرياً ما لكبح الموجة الحالية من الهجمات.
مع ذلك، فإن كل هذا لم يمنع المعارضة اليمينية من مهاجمة الحكومة واتهام قرار الامتناع عن اغتيال السنوار بأنه خطأ أمني فظيع، ولا منع النقاد الإعلاميين، وكثير منهم من أنصار الحكومة، من الانقضاض على دعوات الاغتيال ورفعها إلى مكانة الوصفة السحرية التي ستُخرج إسرائيل من هذا الواقع الدامي الجديد، حسب الصحيفة الإسرائيلية.
التصعيد في غزة عبء أمني كبير
وترى المستويات الأمنية الإسرائيلية، وفق البرغوثي، في التصعيد مع غزة "عبئاً كبيراً ينبغي تجنبه".
وأضاف: "المستويات الأمنية بإسرائيل أكثر مهنية في تقييم الوضع، ويغيب عن قرارها المصالح السياسية، على خلاف السياسيين الذين يقدمون مصالحهم الحزبية على مصلحة الدولة".
ويستبعد البرغوثي جني إسرائيل لأثمان، جراء عودتها لسياسة الاغتيالات، مشيراً إلى أن الخسائر التي ستعود عليها من المتوقع أن تكون أكبر.
ويوضح أن "الحكومة الإسرائيلية الهشّة، من الصعب أن تتحمل نتيجة مواجهة جديدة، رداً على عملية اغتيال السنوار أو أي من كبار قادة حماس".
السنوار نجح في ربط غزة بالضفة
تقول صحيفة Haarez "حاولت جميع الحكومات الإسرائيلية الأخيرة، سواء حكومات نتنياهو أو الحكومة الحالية بقيادة نفتالي بينيت، أن تخلق فصلاً محسوباً بين الضفة الغربية وقطاع غزة، إلا أن السنوار نجح في إزالة هذا الفصل العام الماضي، وربط إطلاق الصواريخ من غزة باقتحام المسجد الأقصى والاشتباكات مع عرب 48 داخل الخط الأخضر (حدود عام 1967)".
وتسببت انتهاكات إسرائيلية بحق سكان القدس، ولا سيما أهالي الشيخ جراح، باندلاع مواجهة عسكرية دامية بين فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة والجيش الإسرائيلي، في مايو/أيار 2021، استمرت 11 يوماً.
ويعتقد البرغوثي أن معادلة "غزة-القدس" التي أطلقتها المقاومة في مايو/أيار 2021 ما زالت قائمة، لكن ليس بالضرورة أن "أي تصعيد بالضفة أو القدس، قد ينجم عنه تصعيد بغزة".
وقال إن "توجّه غزة للتصعيد، يكون بحجم العدوان الإسرائيلي في الضفة، فهو المُحدد الرئيسي لذلك".
وأشار إلى أن إسرائيل، وفي شهر رمضان الماضي "توجّهت إلى ضبط السلوك في القدس، لضمان عدم الذهاب في مواجهة جديدة"، على غرار ما جرى العام الماضي.
ونقل موقع صحيفة "يديعوت أحرونوت" عن مصادر أمنية إسرائيلية قولها، مساء أمس الأول السبت، أن الجيش الإسرائيلي قدم توصية للمستوى السياسي بعدم اغتيال السنوار في الوقت الحالي، وأن لدى الجيش "خططاً في الدرج" لاغتيال قادة في "حماس" من بينهم السنوار ومحمد ضيف (قائد كتائب القسام) في الوقت المناسب لإسرائيل.
وقال مصدر أمني للصحيفة إن "الجيش يوصي باغتيال قادة حماس في المكان والزمان المريحين لإسرائيل، وفي الوقت الصحيح الذي يتطلب ذلك، وليس في الوقت الذي يمكن فعل ذلك فقط".
ثمة تهديد بعينه صدر من حماس يقلق إسرائيل
ولكن تهديداً بعينه منسوباً لحركة حماس أثار القلق في إسرائيل على ما يبدو.
إذ اهتمت الصحافة العبرية بما نقل عن تهديد حماس بالعودة إلى تنفيذ التفجيرات الانتحارية و"حرق" المدن الإسرائيلية إذا استأنفت إسرائيل سياستها المتمثلة في الاغتيالات المستهدفة لقادة الحركة.
وأبرزت إذاعة "كان" الإسرائيلية العامة، ما نقلته قناة الميادين القريبة من حزب الله أن حماس قالت: "سنحرق المدن في وسط إسرائيل ونطلق الصواريخ على تل أبيب وغوش دان إذا نفذت إسرائيل تهديداتها باغتيال قادة المقاومة".
وقالت مصادر لـ"الميادين" إن عودة الاغتيالات تعني عودة العمليات التفجيرية داخل المدن الإسرائيلية.
من جانبه، يقول الكاتب والمحلل السياسي حسام الدجني، إن كتائب القسام جادة في تهديدها لإسرائيل برد كبير، في حال أقدمت على اغتيال السنوار.
وأضاف لوكالة الأناضول، أن "القسام أرادت أن ترسل رسائل تحذير لكل من يهمه الأمر، بأن يضغط على الاحتلال، لردعه عن هذه الخطوة".
وتابع: "كتائب القسام قادرة على تنفيذ تهديدها، في حال أقدمت إسرائيل على الاغتيال".
ويقول الدجني إن سياسة الاغتيالات الإسرائيلية "أثبتت فشلها، على مدار الأعوام السابقة، حيث خرجت المقاومة أقوى بعد كل عملية اغتيال".
ويعتقد المحلل السياسي أن إقدام إسرائيل على هذه العملية من شأنه أن "يشعل مواجهة مفتوحة مع الاحتلال".
وأردف: "تنفيذ هذا القرار سيكون مكلفاً للغاية، قد يؤدي إلى اشتعال الضفة ومناطق غلاف غزة والداخل، وقد يكون له ارتدادات خارج فلسطين في ظل حديث سابق للسنوار بالتنسيق مع محور المقاومة"، في إشارة لإيران والقوى المتحالفة معها في المنطقة.