في 9 مايو/أيار، ستحتفل روسيا بالذكرى السنوية الـ77 لانتهاء الحرب العالمية الثانية كما تفعل كل عام: من خلال العروض العسكرية في جميع أنحاء البلاد، والتي من المُقرر أن تُقام أعظمها في الساحة الحمراء بموسكو. في هذا العام فقط، يتوقع المسؤولون الأوكرانيون والغربيون أن يغتنم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فرصة يوم غارق في الحماسة الوطنية لتصعيد الحرب في أوكرانيا.
حذَّر المسؤولون الغربيون منذ عدة أسابيع، من أن موسكو تتعرض لضغوط داخلية لتحقيق نوع من الانتصار للإعلان في يوم النصر، حيث تعثرت حملة روسيا التي استمرت 10 أسابيع في أوكرانيا، وأخفقت كثيراً في تحقيق أهداف الكرملين الأولية في السيطرة على كييف بسرعة. لقد علَّق بوتين الكثير من قوته، بل صاغ هوية روسيا، حول تجارب الاتحاد السوفييتي في الحرب العالمية الثانية، والمعروفة في روسيا باسم "الحرب الوطنية العظمى"، بحسب تقرير لمجلة Foreign Policy الأمريكية.
رواية بوتين للحرب في أوكرانيا
لقد سعى بوتين إلى تصوير الحرب في أوكرانيا على أنها فصل جديد في الحرب ضد الفاشية، معتبراً أن أوكرانيا اجتاحها النازيون تحت سيطرة الغرب وتحتاج إلى تحرير كما حدث بين عامي 1939 و1941، كان الاتحاد السوفييتي متعاوناً مع ألمانيا النازية وزودها بالزيت والحبوب والأسلحة حتى يوم غزو ألمانيا لروسيا.
لقد جاء هذا "التحرير" بتكلفة إنسانية باهظة، حيث قتلت الهجمات العسكرية الروسية تحت غطاء "نزع النازية"، آلاف المدنيين الأوكرانيين وأجبرت الملايين على النزوح من ديارهم.
هذا علاوة على أن استحضار موسكو المستمر للحرب العالمية الثانية وادعاءها أنها تحارب النازية مرة أخرى أديا إلى نتائج عكسية على المسرح العالمي، حيث ارتكبت القوات الروسية فظائع جماعية ضد المدنيين الأوكرانيين وقصفت مناطق بالقرب من مواقع ذكرى الهولوكوست، بحسب المجلة الأمريكية.
أثار وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، غضب إسرائيل والدول الغربية الأخرى بتأكيده أن لأدولف هتلر "دماً يهودياً"، وادعى أن "أكثر مُعادي السامية المتحمسين هم في العادة يهود"، في تعليقات تحاول تبرير تشويه روسيا لسمعة فولوديمير زيلينسكي، الذي هو نفسه يهودي (ورد لاحقاً أن بوتين أصدر اعتذاراً نادراً لرئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، بشأن هذه التصريحات).
على الرغم من التكلفة الباهظة في الأرواح على الجانبين الأوكراني والروسي، ضاعف الكرملين من التذرع بالمقاربات التاريخية مع الحرب العالمية الثانية لتبرير هجومه على أوكرانيا. وتستحضر روسيا شعاراً اكتسب زخماً منذ الهجوم الروسي الأول على شرق أوكرانيا في عام 2014: "يمكننا فعل ذلك مرة أخرى".
من الصعب المبالغة في أهمية إحياء ذكرى التاسع من مايو/أيار بالنسبة لروسيا. تشير التقديرات إلى أن الاتحاد السوفييتي فقد نحو 24 مليون شخص في الحرب العالمية الثانية. وتبجيل أولئك الذين لقوا حتفهم وخدموا في الجيش الأحمر السوفييتي أمر عميق في الثقافة الروسية، وهو أمر أساسي للهوية الوطنية لروسيا. وتُعَد النصب التذكارية للحرب محور العديد من المدن الروسية، وغالباً ما تكون بمثابة خلفية لصور زفاف الأزواج الروس المتزوجين حديثاً.
نهاية الحرب أم بدايتها؟
يقول بعض المسؤولين الغربيين إنهم يتوقعون أن يستخدم بوتين عرض يوم النصر لتصعيد الهجوم على أوكرانيا، من خلال الدعوة إلى تعبئة جماهيرية لجيشه لإرسال مزيد من القوات إلى أوكرانيا. قال مسؤولون غربيون إن نحو ربع التشكيلات الروسية التي أُرسلت إلى المرحلة الأولى من الهجوم، تعرضت لضربة شديدة إلى درجة أنها أصبحت الآن متوقفة عن العمل. ويقدِّر مسؤولو الدفاع الأوكرانيون أن روسيا فقدت ما يقرب من 25 ألف جندي في شهرين من القتال (ولم تفصح روسيا عن أعداد قتلاها الحقيقية)، وهو مستوى غير مسبوق من الاستنزاف في الحرب الحديثة.
في خطوة رمزية أخرى، يخطط الرئيس الأمريكي جو بايدن للتوقيع على قانون الإعارة للدفاع عن الديمقراطية الأوكرانية ليصبح قانوناً قائماً في 9 مايو/أيار، لإحياء حقبة الحرب العالمية الثانية لإعارة المواد الدفاعية إلى الدولة المحاصرة.
ويبدو أن روسيا تكثف حشدها العسكري في الأسابيع الأخيرة، حيث ورد أن القوات الروسية المتقاعدة استُدعِيَت للتجنيد بعقودٍ لإدارة المناطق المحتلة في أوكرانيا. ويتوقع مسؤولون أوروبيون آخرون أن يصعِّد الجيش الروسي هجومه بشرق أوكرانيا في الأيام التي تسبق إحياء الذكرى؛ حتى يتمكن بوتين من إعلان أي شكلٍ للنصر وادعاء أنه "حرر" منطقة دونباس في شرق أوكرانيا.
إحياء يوم النصر ولكن بطريقة مختلفة
وصرَّح دبلوماسي غربي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته؛ لمناقشة التقييمات الحكومية الحساسة للهجوم الروسي، لمجلة Foreign Policy الأمريكية يوم الخميس 5 مايو/أيار، بأن لدى روسيا قائمةً محتملة من الخيارات في ذكرى الحرب العالمية الثانية، وضمن ذلك إعلان انتصارات لم تتحقَّق بعد في الأراضي الأوكرانية التي لم يحتلها الجيش الروسي بعد، وتنظيم مواكب في المناطق التي استولت عليها في أوكرانيا، أو إعلان نقل الهجوم إلى مرحلةٍ جديدة، مثل تدشين تعبئة أكبر.
وقال الدبلوماسي أيضاً إن روسيا من المرجح أن تعلن في 9 مايو/أيار، أو خلال أيام قريبة، انتخابات زائفة بالأراضي المحتلة في دونيتسك ولوهانسك وخيرسون، والتي يسعى الكرملين إلى ضمها من أوكرانيا عن طريق استفتاء مُلفَّق. ومن شأن هذه الخطوة أن تعكس تصريحات مماثلة للسيادة على الأراضي الانفصالية الأوكرانية التي سبقت هجوم بوتين الشامل في فبراير/شباط.
ويخشى المسؤولون الأوكرانيون من أن موسكو قد تتطلع إلى إقامة موكب نصر على أنقاض ماريوبول، وهي مدينة ساحلية أوكرانية إستراتيجية تخضع لحصار من قبل القوات الروسية منذ ما يقرب من شهرين (نفت روسيا التقارير التي تفيد بأنها تخطط لإقامة استعراض نصر في ماريوبول). ويوجد ما يُقدَّر بنحو ألفي جندي أوكراني في ماريوبول، حيث يحتمون بمصنع صلب مترامي الأطراف، بينما تعزِّز روسيا سيطرتها على أجزاء أخرى من المدينة. بدأت روسيا هجوماً شاملاً على مصنع الصلب أزوفستال يوم الخميس.
وقيَّمت وزارة الدفاع البريطانية، الجمعة 6 مايو/أيار، أن اقتحام روسيا للمحطة مرتبط برغبة بوتين في تحقيق نصر رمزي بأوكرانيا في الوقت المناسب لاستعراض 9 مايو/أيار، لكنها أضافت أن روسيا قد تتكبد خسائر على الأرجح في الهجوم على المنشأة التي تشبه المتاهة، والموارد التي قد تستخدمها للقضاء على المقاومة الأوكرانية يمكن أن تبطئ المكاسب الروسية في أماكن أخرى بشرق أوكرانيا.
لكن المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية، جون كيربي، قال يوم الخميس، إن الولايات المتحدة لا ترى أي علاقة بين الاحتفالات بيوم النصر ونهج الكرملين التكتيكي في الهجوم، مضيفاً أن التقدم العسكري الروسي في دونباس لا يزال "متفاوتاً". ويعتقد خبراء آخرون أن بوتين لا يتعرض لضغوطٍ من أجل تحقيق نصر واضح بحلول إحياء ذكرى 9 مايو/أيار، بسبب أنه ببساطةٍ شديد السيطرة على البلاد، ولأن آلة الكرملين الدعائية أبقت غطاءً مُحكَماً في الداخل على الإخفاقات العسكرية المحرجة لروسيا.