جاء اعتذار بوتين لإسرائيل عن تصريحات وزير خارجيته سيرجي لافروف عن تصريحاته بأن هتلر يحمل دماء يهودية، ليثير تساؤلات حول أسباب هذا الموقف، ولماذا يخشى رئيس دولة عظمى كروسيا من دولة صغيرة كإسرائيل.
يقول زعيم يهودي روسي بارز إن "بوتين يرى أن معاملة الاتحاد السوفييتي لليهود وإسرائيل على أنهم أعداء له أحد الأسباب التي أدت إلى انهياره، وإنه لا يريد أن يكرر هذا الخطأ"، حسبما ورد في تقرير لصحيفة Haaretz الإسرائيلية.
ولا بد من النظر إلى اعتذار بوتين يوم الخميس 5 مايو/أيار في اتصال هاتفي مع نفتالي بينيت عن تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بأن "هتلر يحمل دماء يهودية" في ضوء ذلك.
إذ لا يرغب بوتين في أن تتخلى إسرائيل عن موقفها شبه الحيادي من الحرب الروسية الأوكرانية، حسب تقرير صحيفة Haaretz الإسرائيلية.
ويقول البعض إن موسكو ترى أن إسرائيل ربما تكون على وشك اتخاذ موقف أوضح لصالح أوكرانيا، وأن تزوّدها بأنظمة "دفاعية"، واعتذار بوتين لإسرائيل جاء لأنه حريص على منع حدوث ذلك.
ولكن هذا الخوف غير منطقي جزئياً، حسب Haaretz، فإسرائيل لن تزود أوكرانيا بسلاح يغير مسار الحرب؛ وحتى لو أرادت ذلك، فهي لا تملك هذا السلاح لتمنحه.
واتخذت إسرائيل موقفاً محايداً في بداية الأزمة الأوكرانية لضمان استمرار التنسيق الإسرائيلي مع القوات الروسية في سوريا والذي سمح لتل أبيب بقصف الأهداف الإيرانية هناك، ولهذا السبب على ما يبدو تجنب رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت منذ بداية الأزمة الأوكرانية، انتقاد روسيا بشكلٍ مباشر، تاركاً توجيه الإدانات للكرملين لوزير خارجيته يائير لبيد، ولكن تصريحات الوزير الإسرائيلي أغضبت موسكو.
سر اعتذار بوتين لإسرائيل
ونظرة بوتين إلى ما يمكن أن تفعله إسرائيل لأوكرانيا مبالغ بها (ويبدو أن لدى بعض الأوكرانيين توقعات مماثلة). وإيمانه بقوة إسرائيل شبه الأسطورية هي بمثابة تطور للاعتقاد المعادي للسامية بالقوة اليهودية.
ولا يختلف رأي بوتين كثيراً عن رأي المؤلفين الروس لـ"بروتوكولات حكماء صهيون"، ولكن على عكس هؤلاء المعادين للسامية القدامى من الروس، فهو يؤمن بضرورة ضم الدولة اليهودية إلى صفه، وليس قمع اليهود.
وإسرائيل لا يمكنها على الأرجح مساعدة الأوكرانيين بأنظمة رادار تحذيرية، وصواريخ مضادة للدبابات ومعلومات أمنية، فهذا لن يؤدي إلى تغيير كبير بالنظر إلى الدعم الكبير الذي يتلقونه من الولايات المتحدة وأوروبا الغربية.
ومن مخاوف بوتين الأخرى التي ربما يكون مبالغاً بها بشكل كبير أن إسرائيل من بين الدول التي تودد إليها لسنوات ولم تنحَز إلى أي من طرفي الحرب. وهو قلِق من التأثير غير المباشر لدى العديد من الدول المحايدة في الأزمة، لو أن إسرائيل أعربت عن دعمها لأوكرانيا.
ولكن لن يحدث تحول دبلوماسي يُذكر إذا غيرت إسرائيل موقفها. فقد خسر بوتين الدول الغربية على أي حال. والدول المحايدة حالياً، مثل إسرائيل، الحليفة غير الغربية للولايات المتحدة- مثل الهند ومصر والإمارات- لديها أسباب مختلفة للوقوف على الحياد. ولو تخلت إسرائيل عن الحياد، فلن تُغير اعتبارات الدول الأخرى، حسب الصحيفة الإسرائيلية.
والسبب الثالث لاعتذار بوتين مرتبط ارتباطاً مباشراً بالإهانة محل الخلاف. فمشكلة "النازيين الجدد في أوكرانيا" مهمة لروسيا فعلاً. وليست مجرد دعاية تخدم مصالحها لتبرير حرب غير مبررة، بل يؤمن عدد من الروس إيماناً قوياً بأن من يعارضون تطلعات روسيا القومية ملوثون بالنازية بالفعل. ومن المؤكد أن بوتين يؤمن بهذا، ومن المهم بالنسبة له ألا تعارض إسرائيل دعايته هذه أكثر من اللازم.
الروس يتحدثون عن نازية لا تعادي السامية، ولافروف ينطق بلسان بوتين
وقد لاحظ المراقبون للتلفزيون الروسي اختلافاً مثيراً للاهتمام في اليومين الأخيرين: فقد تحدث بعض المفكرين عن النازية التي لا تعادي السامية بالضرورة وإنما تعادي روسيا. وبعبارة أخرى، يحاول الكرملين تبرير معضلة التعارض بين أن يكون الرئيس الأوكراني يهودياً ونازياً في الوقت نفسه بالقول إنه ليست كل أنواع النازية معادية للسامية.
ومن الواضح أن بوتين يريد الحد من أي انتقادات تأتي من إسرائيل أو منظمات يهودية، ولكن ربما فات الأوان. فقد انتظر أربعة أيام بعد مقابلة لافروف ليعتذر، وفي الوقت نفسه، زادت وزارة الخارجية الروسية الطين بلة باتهام إسرائيل بأنها "تدعم النظام النازي الجديد في كييف" وأن "مرتزقة إسرائيليين" يعملون في كتيبة أزوف.
ولافروف معروف بأنه غير مهذب وعدواني، إلا أنه دبلوماسي في النهاية، فهو يشرح سياسات زعيمه بوتين للعالم؛ لكنه لا يصنعها.
والقول بأن هتلر كان يحمل دماء يهودية وإن اليهود ربما هم الأشد عداوة للسامية كان يتماشى تماماً مع الدعاية الروسية، في العصر السوفييتي وفي الحرب الحالية على حد سواء.