قد يكون ارتفاع الأسعار مبعث قلق بالنسبة لمعظم العالم، لكنَّه هدية لاقتصاد السعودية وسوق الأوراق المالية هناك. إذ رفع صندوق النقد الدولي تقديره للنمو الاقتصادي في البلاد بقرابة ثلاث نقاط مئوية ليصل إلى 7.6%. ويُعَد "مؤشر تداول الأول" القياسي سادس أفضل المؤشرات أداءً على مستوى العالم في 2022، ويقول محللون إنَّ مكاسب الاقتصاد السعودي ربما لم تنته بعد.
الاقتصاد السعودي وارتفاع أسعار النفط.. مصائب قوم عند قوم فوائد
دفعت الحرب الروسية في أوكرانيا أسعار الوقود، وهو مصدر الدخل الرئيس في المملكة العربية السعودية، للارتفاع إلى مستوى أعلى بكثير مما تحتاجه السعودية لتحقيق التوازن في موازنتها. ونتيجة لذلك، توقعت وكالة "ستاندرد أند بورز" العالمية للتصنيفات الائتمانية أن تشهد البلاد تحقيق أول فائض لها منذ عام 2013.
مع ذلك، يقول كما يقول تقرير لوكالة Bloomberg الأمريكية، إن ارتفاع الأسعار أحبط معظم بقية العالم، لا سيما الولايات المتحدة، وبالتحديد بسبب رفض السعودية زيادة إنتاج النفط. أدى ذلك إلى إذكاء التوتر القائم بالفعل بين البلدين.
وتريد السعودية من الولايات المتحدة بذل المزيد للتصدي للهجمات الصاروخية على المملكة من جانب المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران، وتشعر بالقلق من محاولات واشنطن إعادة إحياء اتفاق 2015 النووي مع إيران، منافستها الإقليمية الرئيسية.
لكنَّ السعوديين شددوا على أنَّ العلاقة مع الولايات المتحدة "تاريخية وتبقى قوية". وفي ما قد يمثل تحولاً كاملاً في المنطقة، أفادت وكالة الإخبارية الأنباء الإيرانية بأنَّ إيران والسعودية استأنفتا المباحثات الرامية لاستعادة العلاقات من أجل تقليص التوترات الإقليمية.
ليس السعودية فحسب.. هكذا تستفيد الدول النفطية من الحرب الروسية الأوكرانية
وأصدر صندوق النقد الدولي توقعاته الاقتصادية الخاصة بالشرق الأوسط يوم 27 أبريل/نيسان 2022. وسلَّط التقرير الصادر عن المؤسسة المالية التي تتخذ من العاصمة الأمريكية واشنطن مقراً لها الضوء على الآثار الاقتصادية لغزو أوكرانيا على المنطقة. وارتفعت أسعار السلع العالمية بفعل الحرب، لا سيما أسعار النفط والقمح.
وقال صندوق النقد الدولي إنَّ البلدان المنتجة للنفط في الشرق الأوسط ستكون أفضل حالاً وستستفيد على نحوٍ مفاجئ هذا العام من ارتفاع أسعار النفط المرتبط بالحرب، ولو أنَّها قد تواجه تحديات أخرى.
وجاء في التقرير: "سيستفيد مُصدِّرو النفط والغاز من الارتفاع في أسعار الطاقة، ما يوازن أثر الأوضاع المالية الأكثر تشديداً عالمياً. لكنَّها ستكون مُعرَّضة لتقلُّب أعلى في أسواق النفط والغاز، ولتراجع عائدات السياحة في بعض الحالات".
وسيستفيد أعضاء منظمة الدول المُصدِّرة للنفط (أوبك) من "أسعار النفط الأعلى من المتوقع"، والتي ستُترجَم إلى نمو اقتصادي متسارع في دول الخليج عام 2022. ووفقاً للتقرير، ينطبق هذا بشكل خاص على أكبر منتجي أوبك، السعودية، وبدرجة أقل على الكويت وعُمان والإمارات العربية المتحدة.
وأضاف الصندوق أنَّ التوازن المالي غير النفطي سيتحسن هذا العام بالنسبة لمعظم مُصدِّري النفط مع بعض الاستثناءات، بما في ذلك العراق وقطر والإمارات. ففي العراق، كان هناك تباطؤ في الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي. وفي قطر والإمارات، يعود السبب إلى زيادة الإنفاق الحكومي.
النفط السعودي والحرب الروسية في أوكرانيا
وفي ذروة الحرب الروسية الأوكرانية، اتخذت السعودية إلى جانب الإمارات أيضاً مواقف وخطوات أثارت حفيظة الولايات المتحدة الأمريكية، مثل رفض ضخ المزيد من النفط في السوق العالمي لخفض أسعاره التي رفعها الهجوم الروسي على أوكرانيا.
حيث قاومت السعودية والإمارات محاولة الرئيس الأمريكي جو بايدن إقناعهما بزيادة إنتاج النفط "لممارسة أقصى قدر من الضغط الاقتصادي على روسيا"، بحسب صحيفة الغارديان البريطانية ورفض قادتها الرد على اتصالات البيت الأبيض المتكررة الشهر الماضي.
كما ذكر تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية في 15 مارس/آذار 2022، عن إجراء الرياض وبكين مباحثات من أجل تسعير بعض الصادرات النفطية السعودية للصين باليوان، بدل الدولار. إذ من شأن هذه الخطوة إضعاف العملة الأمريكية، خاصة أن تسعير النفط بالدولار يعد إحدى قوى العملة الخضراء في سوق التداولات العالمية.
لكن الصحيفة تحدثت عن "بعض الصادرات النفطية السعودية للصين"، وليس كلها، أي أن الرياض لا تريد قطع كل حبال الود مع واشنطن بقدر ما تضغط عليها من أجل احترام مكانتها الدولية، والاستجابة لمتطلبات شراكتهما "الاستراتيجية".
وتعتمد الولايات المتحدة على السعودية في 7% من وارداتها النفطية، وهو رقمٌ لن ينخفض كثيراً إلا في حال زيادة الإنتاج المحلي- وهو أمرٌ سيعارضه التقدميون في حزب بايدن. كما تُعَدُّ السعودية بمثابة ثقلٍ إقليمي مُوازن لإيران، التي يشُن وكلاؤها المسلحون هجماتٍ شبه يومية على حلفاء الولايات المتحدة في مختلف أرجاء الشرق الأوسط.
في حين جاء الهجوم الروسي على أوكرانيا الآن ليزيد الأمور تعقيداً؛ إذ تسبب في ارتفاع أسعار البنزين، التي تريد إدارة بايدن خفضها سريعاً قبل أن يتوجه الناخبون إلى صناديق الاقتراع في الانتخابات النصفية، ويسلموا السيطرة على الكونغرس للديمقراطيين.
ولا تزال الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا تبحثان عن بديل للنفط الروسي، وذلك في ظل العقوبات التي تستهدف موسكو ومصدر دخلها الرئيسي، النفط، بسبب استمرار الحرب الروسية في أوكرانيا، فيما تشهد أسعار النفط عالمياً ارتفاعاً غير مسبوق بسبب اضطراب مبيعات النفط من روسيا ثاني أكبر مصدر للنفط في العالم.