من عودة دونالد ترامب، إلى إدخال تعديلات على المنصة الاجتماعية، إلى تغيير طريقة الإدارة وأمور أخرى من المتوقع أن يتدخل فيها أغنى رجل في العالم، إيلون ماسك، مباشرة بعد أن اشترى تويتر.
كان ماسك، صاحب ومدير شركة تيسلا للسيارات الكهربائية وشركة سبيس إكس للفضاء، قد توصل الإثنين 25 أبريل/ نيسان لاتفاق لشراء منصة التواصل الاجتماعي تويتر مقابل 44 مليار دولار، في صفقة ستحول السيطرة على المنصة، التي يستخدمها الملايين وزعماء عالميون، إلى أغنى شخص في العالم.
الإعلان عن الصفقة يأتي بعد أكثر من أسبوعين من التكهنات والضغوط، التي أجبرت إدارة تويتر على الدخول في مفاوضات مع رجل الأعمال الأمريكي، بعد أن غازل ماسك مساهمي المنصة من خلال نشره للتفاصيل المالية لعرضه.
صفقة ماسك تأتي أيضاً بعد أقل من 6 أشهر على استقالة جاك دورسي المؤسس والمدير التنفيذي السابق لشركة تويتر، والذي حل محله باراغ أغراوال، المدير التكنولوجي للشركة والمدير التنفيذي الحالي لواحدة من منصات التواصل الاجتماعي الرئيسة.
ويعد تويتر، الذي كان جاك دورسي أحد أبرز مؤسسيه عام 2006، ضمن أكبر منصات التواصل الاجتماعي، ويستخدمه شهرياً أكثر من 217 مليون شخص بصورة فعالة. وعلى الرغم من أن تويتر أقل كثيراً من عملاق منصات التواصل فيسبوك، من حيث عدد المستخدمين والقيمة السوقية للشركة، إلا أن تطبيق دورسي هو المنصة المفضلة للسياسيين والمشاهير حول العالم.
هل يعود دونالد ترامب إلى تويتر؟
صفقة استحواذ ماسك، رجل الأعمال الأمريكي الذي تبلغ ثروته 264.4 مليار دولار، أصبحت حديث العالم، وأثارت ردود أفعال مباشرة من البيت الأبيض، وأصبح السؤال بشأن احتمال عودة الرئيس السابق دونالد ترامب إلى المنصة السياسية الأولى يتردد بشكل لافت.
وبحسب تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية، ستكون مسألة عودة ترامب، أو بمعنى أدق سماح تويتر بعودة حساب الرئيس السابق للعمل؛ أحد أبرز الأسئلة التي قد يتعامل معها إيلون ماسك بشكل مباشر. كان حساب ترامب، الذي يتابعه أكثر من 89 مليون متابع، قد أوقف بشكل دائم في أعقاب أحداث اقتحام الكونجرس في يناير/كانون الثاني 2021، والتي واجه فيها ترامب اتهامات بالتحريض على العنف.
ويصف ماسك نفسه بأنه "مناصر لحرية التعبير بشكل مطلق"، وقال الشهر الماضي: إنه "حريص جداً فيما يخص الحظر الدائم" لحسابات تويتر، مضيفاً أنه يفضل تطبيق نظام "الوقت المستقطع"، أو ما يمكن وصفه بالإيقاف المؤقت. لكن ماسك لم يتحدث بشكل مباشر عن مسألة حساب ترامب المحظور بالتحديد.
"أعتقد أنه من المهم جداً وجود مساحة مفتوحة لحرية التعبير. وقد أصبح تويتر بمنزلة تايم سكوير الأمر الواقع، (في إشارة إلى الساحة الشهيرة في نيويورك رمز حرية التعبير)؛ لذلك من المهم جداً أن يشعر الناس أن لديهم المساحة والحرية للتعبير عن أنفسهم، والحديث بانطلاق في إطار حدود القانون".
لكن تظل المعضلة التي تواجه ماسك في هذه النقطة هي "إطار حدود القانون"، فترامب تعرض للحظر المؤقت أكثر من مرة بسبب مخالفته لقواعد تويتر الهادفة إلى منع التحريض على العنف، وتقييد انتشار المعلومات المضللة، لكن إصرار الرئيس السابق على مواصلة تغريداته التي عُدَّت تحريضاً على "مخالفة القانون"، أوصل الأمور للحظر الدائم. فكيف قد يوائم ماسك بين حرية التعبير واحترام الحدود القانونية؟
ترامب نفسه قال: إنه لن يعود إلى استخدام "تويتر"، رغم أن ماسك نجح في شرائه، وأضاف الرئيس السابق لقناة "فوكس نيوز" الأمريكية: إنه "لن يعود إلى "تويتر" حتى لو أعاد ماسك تفعيل حسابه. "لن أذهب إلى تويتر، سأبقى على الحقيقة"، في إشارة إلى موقع التواصل الاجتماعي الذي أسسه "تروث سوشيال Truth Social".
وتابع الرئيس الأمريكي السابق قائلاً: "آمل أن يشتري ماسك توتير فعلاً؛ لأنه سيجري تحسينات عليه، وهو رجل جيد، إلا أنني سأبقى على الحقيقة".
ما التغييرات التي قد يدخلها ماسك على تويتر؟
قبل الإعلان عن إتمام الصفقة، كان ماسك قد أجرى تصويتاً لمتابعي حسابه الشخصي على تويتر، عددهم أكثر من 84.8 مليون شخص حول العالم، يسألهم عما إذا كانوا يوافقون على إضافة "زر التعديل" لتويتر، (أي أن يستطيع الشخص تعديل أو إعادة صياغة منشوراته بعد نشرها، وهي خاصية غير متاحة حالياً في تويتر، لكنها متاحة في فيسبوك). وجاءت نتيجة التصويت لصالح إضافة التعديل بنسبة أكثر من 73%.
وبعد الإعلان عن نجاح صفقة الاستحواذ، نشر ماسك تغريدة عنوانها (Yesss)، تحدث فيها عن توجهه لإحداث تغييرات في طريقة عمل وتطوير تويتر، مثل جعل الخوارزمية التي تعتمدها المنصة في التعامل مع التغريدات مصدراً مفتوحاً للجميع، أي أن تكون الخوارزمية نفسها متاحة لجميع المستخدمين للاطلاع عليها. وقال أيضاً: إنه سيعمل على إضافة مميزات جديدة وخصائص لتويتر، وستوقَف الحسابات المزيفة والحسابات المجمعة (الذباب الإلكتروني أو اللجان الإلكترونية).
كانت أبرز الانتقادات التي توجَّه لتويتر، خصوصاً تحت إدارة مؤسسه جاك دارسي، تتعلق بعدم تطوير المنصة بشكل مستمر، مقارنة بمنصات التواصل الأخرى كفيسبوك وأنستغرام وتيك توك وغيرها، وكان دارسي نفسه هدفاً لتلك الانتقادات بسبب انشغاله عن تويتر بشركات ومشاريع أخرى.
لكن ماسك ليس متفرغاً لإدارة تويتر، فالرجل هو المدير التنفيذي لشركة تبلغ قيمتها السوقية تريليون دولار، وهي شركة تيسلا للسيارات الكهربائية، وهو أيضاً المدير التنفيذي لشركة سبيس إكس للفضاء، بخلاف امتلاكه لشركات أخرى متعددة، فهل سيتفرغ لإدارة تويتر على الأقل في المرحلة الأولى، أم أنه سيصدر تعليماته لإحداث التغييرات التي يريدها دون أن يتدخل في التنفيذ؟ إجابة هذا السؤال وغيره ستكشف عنها الأيام المقبلة، فالأمور لا تزال ضبابية.
فما يحدث الآن يمثل لحظة فارقة للشركة التي يبلغ عمرها 16 عاماً، وظهرت بوصفها واحدة من أكثر المنتديات نفوذاً في العالم، وتواجه الآن سلسلة من التحديات.
وقال رئيس تويتر التنفيذي باراغ أغراوال للموظفين: إن الضبابية تكتنف مستقبل شركة خدمات التواصل الاجتماعي مع اقتراب صفقة لانفراد الملياردير إيلون ماسك بالاستحواذ عليها.
كان أغراوال يتحدث خلال اجتماع على مستوى الشركة وصلت إليه رويترز. وقالت الشركة للموظفين: إن ماسك سيشارك موظفي تويتر في جلسة أسئلة وأجوبة في وقت لاحق.
وعندما طُرحت عليه أسئلة من الموظفين حول خطط ماسك بالنسبة للشركة، واحتمالات تسريح عاملين، ومبررات مجلس الإدارة لقبول الصفقة؛ أجّل أجراوال الكثير من الأسئلة بوصفها أسئلة يجب طرحها على ماسك. غير أنه قال للموظفين: إنه ليست هناك خطط حالياً لتسريح عاملين.
هل يثير ماسك مزيداً من المخاوف بشأن الاحتكار؟
النقطة الأخرى المتعلقة بهذه الصفقة تخص الحملة التي تواجهها شركات التكنولوجيا والمنصات الاجتماعية، وخصوصاً فيسبوك؛ بسبب شبهات الاحتكار من جهة، وبسبب القلق المتزايد من السلطة الهائلة التي باتت تتمتع بها تلك الشركات بسبب قدرتها على التأثير في حياة مليارات البشر.
وكانت فضيحة تسريب مستندات داخلية أظهرت عدم اتخاذ فيسبوك إجراءات كافية لمحاربة التضليل وحماية الأطفال والفتيات والأقليات، والتركيز أكثر على تحقيق الأرباح المالية، قد أعطت مزيداً من الذخير للمحققين الفيدراليين في أمريكا، ولجهات التحقيق الأوروبية في أوروبا لمواصلة العمل على وضع شركات التكنولوجيا ومنصات التواصل الاجتماعي تحت السيطرة، وإخضاعها للقانون.
وفي بيانه بعد الفوز بالصفقة، قال ماسك: "حرية التعبير هي القاعدة الصلبة لعمل الديمقراطية، وتويتر هي الساحة الرقمية المفتوحة لمناقشة المسائل الحيوية لمستقبل الإنسانية".
وعلى الرغم من رفض البيت الأبيض التعليق مباشرة على صفقة ماسك لشراء تويتر، لكنه قال: إن الرئيس جو بايدن عبّر مراراً عن قلقه إزاء قوة منصات وسائل التواصل الاجتماعي. وقالت جين ساكي، المتحدثة باسم البيت الأبيض: "قلقنا ليس جديداً"، مضيفة أن هذه المنصات في حاجة لأن تخضع للحساب، بحسب رويترز.
"تحدث الرئيس منذ مدة طويلة عن قلقه إزاء قوة منصات وسائل التواصل الاجتماعي، بما يشمل تويتر وغيره، في نشر معلومات مضللة".
لكنها استدركت قائلة: "إن البيت الأبيض لن يعلق على صفقة فردية". وقالت ساكي: إن البيت الأبيض يواصل العمل من أجل إلغاء القانون 230، الذي يحمي شركات الإنترنت من المحاسبة على المحتوى الذي ينشره المستخدمون، ويدعم تشديد إجراءات الشفافية ومكافحة الاحتكار على شركات التكنولوجيا.
ويعتقد مسؤولو إدارة بايدن أن تشديد عمليات التدقيق قد يمنع نشر المعلومات المضللة المتعلقة بالقضايا السياسية وتلك المرتبطة بوباء كوفيد-19. وقالت ساكي: "نتواصل بانتظام مع كافة منصات التواصل الاجتماعي حول الخطوات التي يمكن اتخاذها بهذا الشأن… هذا (التواصل) مستمر، وأنا على يقين أنه سيستمر. لكن هناك إصلاحات نعتقد أن الكونجرس يمكن أن يقوم بها".
الاتحاد الأوروبي أعلن الأسبوع الماضي عن قانون الخدمات الرقمية، والذي بموجبه قد تتعرض شركات مثل فيسبوك وتويتر وجوجل لغرامات بمليارات الدولارات؛ بسبب المحتوى الذي ينشره عليها المستخدمون، وفي الطريق أيضاً قانون سلامة الإنترنت في بريطانيا، الذي يطالب منصات التواصل الاجتماعي بحماية المستخدمين من المحتوى الضار، وسوف يدخل القانون حيز التنفيذ نهاية العام الجاري.
الخلاصة هنا هي أن تحول تويتر إلى ملكية خاصة لإيلون ماسك، أغنى رجل في العالم وصديق دونالد ترامب، يعمق المخاوف من التأثير الهائل لمنصات التواصل الاجتماعي على حياة البشر بشكل عام، خصوصاً أن تلك المنصات تتحول شيئاً فشيئاً إلى ملكية خاصة لأفراد لهم آراؤهم الخاصة في كل شيء، والتي قد لا تتفق معها الأغلبية، فهل يتحول تويتر إلى سلاح ماسك الأقوى؟