على مدار الأيام الماضية، اندلعت أعمال شغب واسعة واشتباكات بين أنصار حزب يميني متطرف في السويد، ومسلمين، أدت إلى إصابة العشرات، بعد مسيرات مناهضة للإسلاموفوبيا في جميع أنحاء المدن السويدية. حيث تصاعدت الأزمة بعدما أقدم زعيم حزب "الخط المتشدد" الدنماركي (مزدوج الجنسية) راسموس بالودان، على إحراق نسخة من القرآن الكريم في مدينة لينشوبينغ جنوبي السويد، تحت حماية الشرطة. فكيف يستغل اليمين المتطرف في السويد عداء المسلمين والمهاجرين لتحقيق مكاسب سياسية في الانتخابات القادمة؟
إحراق القرآن في السويد.. تأجيج العنف لتحقيق مكاسب سياسية
بعد فعلته التي لاقت غضباً واسعاً في السويد والعالم، أعلن السياسي الدنماركي السويدي اليميني المتطرف راسموس بالودان عن تنظيم سلسلة من التجمعات في جميع أنحاء السويد، الأسبوع الماضي، يخطط خلالها لإحراق المصحف، الخطوة التي لاقت رد الفعل شديداً. حيث قوبلت مسيراته الأولى باحتجاجات مضادة تصاعدت إلى أعمال شغب واشتباكات في عدة مدن سويدية، أسفرت عن حرق سيارات وممتلكات وإصابة عدد من أفراد الشرطة والمتظاهرين.
وبينما أدانت حكومات عديدة في الشرق الأوسط تجمعات حرق المصحف في السويد، قالت الشرطة السويدية يوم الإثنين 18 أيار/مايو 2022 إن "بعض المتظاهرين المتورطين في أعمال الشغب والمشتبه بأنهم وراء اندلاع أعمال العنف، مرتبطون بعصابات إجرامية تستهدف الشرطة والمجتمع السويدي". وفي مقابلة مع صحيفة "فتونبلاديت" السويدية يوم الأحد (17 أيار/مايو 2022)، وصف وزير العدل السويدي مورغان يوهانسون، بالودان بأنه "أحمق يميني متطرف، هدفه الوحيد هو إثارة العنف والانقسامات".
من جهته، قال بالودان في بيان نشره حزبه (الخط المتشدد) على فيسبوك، إنه قرر إلغاء المظاهرات في مدينتي لينشوبينغ ونورشوبينغ، شرق السويد، اللتين شهدتا اشتباكات، مبرراً ذلك بأن أفراد الشرطة السويدية "أظهروا أنهم غير قادرين على الإطلاق على حماية أنفسهم وحمايتي"، حسب تعبيره.
ويرى محللون أن الاضطرابات التي استمرت لأيام خدمت بالودان والتيار اليميني بشكل عام، حيث سبق لحزبه المتشدد أن خاض الانتخابات في الدنمارك في عام 2019 بالاعتماد على برنامج مناهض للإسلام، لكنه لم يصل إلى عتبة 2% المطلوبة لدخول البرلمان. ويبدو أن بالودان يركز اهتمامه الآن على السويد المجاورة، حيث يخطط الرجل البالغ من العمر 40 عاماً، والذي يحمل جنسية مزدوجة، لخوض الانتخابات البرلمانية في سبتمبر/أيلول القادم.
يقول أستاذ السياسة في جامعة أبردين في أسكتلندا، أندرس ويدفيلدت، لإذاعة صوت ألمانيا DW: "هذا هو بالضبط نوع الدعاية ورد الفعل العنيف الذي يريده بالودان حتى يتمكن من الإشارة لذلك، ويقول: هذا يظهر نوع المجتمع الذي أنشأته السويد من خلال التراخي الشديد بشأن الهجرة".
من هو راسموس بالودان اليميني المتطرف الذي أحرق القرآن؟
ويرى ويدفيلدت، الذي أجرى أبحاثاً عن الحركات اليمينية والشعبوية في الدول الإسكندنافية، أن بالودان استخدم في السابق نفس الطريقة في الدنمارك. فقد نظم احتجاجات مناهضة للمسلمين قام فيها بحركات مستفزة لهم بإلقاء كتاب ادعى أنه القرآن في الهواء وتركه يسقط على الأرض أو لف كتاباً قال إنه القرآن بلحم خنزير مقدد، وذلك غالباً في أحياء يسكنها عدد كبير من المهاجرين.
اكتسب بالودان، وهو محامٍ نشأ في الدنمارك، سمعته المثيرة للجدل لأول مرة من خلال سلسلة من مقاطع الفيديو على الإنترنت أدلى فيها بتعليقات مهينة للإسلام وأتباعه وكذلك للسود، وواجه الناس بآرائه في الأحياء التي يتركز فيها المهاجرون. يقول ويدفيلدت: "يرى بالودان أن هذا احتجاج مشروع ضد ما يعتقد أنه أيديولوجية شريرة"، ويضيف: "وهذا يرتبط بالمناقشات الجارية في الدنمارك والسويد حول المدى الذي يمكن أن تصل إليه حرية التعبير وما يعتبر نقداً مشروعاً وما يرقى إلى الاستفزاز غير المشروع".
في عام 2020، أحرق أنصار بالودان مصحفاً في مدينة مالمو السويدية، ما أثار احتجاجات عنيفة. مُنع بالودان من دخول بلجيكا لمدة عام، ومن السويد لمدة عامين وطُرد من فرنسا بعد أن أشار إلى نيته حرق مصحف في باريس. أدين بالودان وحكم عليه بالسجن مع وقف التنفيذ في الدنمارك في يونيو/حزيران 2020 بسبب سلسلة من الجرائم بما في ذلك العنصرية والتشهير. ونتيجة لذلك، تم فصل المحامي لمدة ثلاث سنوات.
وقال ويدفيلدت: "حركته المتطرفة تركز على قضية واحدة فقط وهي حظر الإسلام وترحيل جميع المسلمين"، ويضيف: "على الرغم من أنك إذا اتبعت هذه السياسة، فسيكون ذلك بمثابة تطهير عرقي".
صعود موجة التطرف تجاه المهاجرين والمسلمين
يرى خبراء أنه يجب النظر إلى صعود متطرفين مثل بالودان في السياق الأوسع المتمثل في المواقف المتشددة تجاه المهاجرين في كل من الدنمارك والسويد منذ أزمة الهجرة في عامي 2015 و2016، عندما فر أكثر من مليون شخص من إفريقيا والشرق الأوسط إلى أوروبا. وصل الآلاف إلى البلدين الإسكندنافيين، حيث استقبلت السويد، التي يبلغ عدد سكانها نحو 10 ملايين نسمة، أكبر عدد من اللاجئين بالنسبة لعدد السكان مقارنة بأي دولة أوروبية أخرى.
يقول أندرس هيلستروم، المتخصص في الحركات القومية والشعبوية والمحاضر البارز في جامعة مالمو، للإذاعة الألمانية: "لدينا وضع أصبح فيه السكان أكثر تنوعاً. وفي الوقت نفسه، هناك الكثير من عنف العصابات في السويد"، ويضيف: "هذا الاستخدام المجازي للربط بين الجريمة والهجرة وتصوير السويد على أنها مكان للمهاجرين العنيفين- كما يفعل بالودان- أصبح الآن خطاباً شائعاً. وبعض وسائل الإعلام تروج لذلك".
في عام 2017، أدلى الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بتصريح مثير للجدل حول السويد خلال مسيرة على غرار الحملة الانتخابية، ما يشير إلى أن تاريخ السويد في الترحيب باللاجئين كان السبب الجذري لهجوم عنيف لم يحدث في الواقع. في ذلك الوقت، أثار ذلك غضباً في السويد، لكن الخبراء يقولون إن هذا الارتباط "مقبول" الآن على نطاق واسع.
وشجعت ردة الفعل العنيفة ضد الهجرة صعود الشعبوية اليمينية، حتى إن الأحزاب الرئيسية أصبحت تلتقط نقاط اليمين المتطرف وتتخذ موقفاً أكثر صرامة تجاه المهاجرين. فقد أوضحت انتخابات الدنمارك لعام 2019 أن أجندة حزب الشعب الدنماركي اليميني المتطرف المناهضة للهجرة تم تبنيها من قبل العديد من الأحزاب الرئيسية في اليسار واليمين.
وفي السويد، يسعى حزب "ديمقراطيو السويد" اليميني المتطرف، وهو حزب مناهض للهجرة يستمد بعض أفكاره من النازيين الجدد، لدخول الحكومة في انتخابات سبتمبر/أيلول المقبلة. ويريد الحزب أن يرحل كثير ممن حصلوا على حق اللجوء في السويد في السنوات الأخيرة. ويصف الحزب انتشار الإسلام بأنه "أكبر تهديد" للبلاد.
يقول هيلستروم: "كانت أحزاب مثل (ديمقراطيو السويد) هامشية ذات يوم، تحاول جميعاً استقطاب الرجل العادي والقول: نحن طبيعيون للغاية"، ويضيف: "لذلك نحن نشهد تعميماً للتطرف، حيث أصبح من الطبيعي التحدث عن المسلمين والمهاجرين بطريقة كان سيتم اعتبارها متطرفة قبل عقدين من الزمن".
بالنسبة لمستقبل راسموس بالودان السياسي في السويد، يشير الخبراء إلى أنه ليس لديه حتى الآن عدد التواقيع اللازمة لتأمين ترشيحه. ولدى السويد عتبة أعلى لدخول البرلمان، مقارنة بالدنمارك، تبلغ 4%. ويرى ويدفيلدت أن جهود بالودان لبناء منصة سياسية في السويد قد عانت من انتكاسة بعد ما كشفت عنه إحدى الصحف الدنماركية بأنه شارك في محادثات جنسية مع فتيات صغيرات. ادعى بالودان أن ذلك كان "مزاحاً بريئاً".
وتقدمت شرطة مدينة مالمو في السويد، الأربعاء 20 أبريل/نيسان 2022، ببلاغ ضد بالودان؛ لـ"ارتكابه جريمة كراهية"، وقال مدير شرطة مالمو، جيمي أركينهايم، إنه تم التقدم ببلاغ ضد بالودان عام 2020 للأسباب ذاتها، إلا أن المدعي العام حينها لم يرَ ضرورة لإحالة القضية إلى المحكمة. أوضح أركينهايم أنهم تقدموا ببلاغ جديد، معرباً عن اعتقاده أن القضية ستُحال إلى المحكمة هذه المرَّة.
إدانات عربية وإسلامية لحرق القرآن في السويد
من جانبها، أدانت 13 دولة ومنظمة عربية وإسلاميةً قيام بالودان بإحراق نسخة من القرآن الكريم. حيث قالت وزارة الخارجية التركية، إن "الهجوم السافل الأخير على القرآن الكريم في السويد يُظهر أن العالم لم يستخلص العبر من التاريخ، وأنه ما زال يتردد في الحد من الأعمال الاستفزازية العنصرية والمعادية للإسلام".
وشددت على أن "تركيا ستواصل مكافحتها هذا التهديد الذي تشكله العقلية المعادية للإسلام والعنصرية".
وفي إيران، طالب المتحدث باسم الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زادة، الأحد، السلطات السويدية بـ"الرد القوي والصريح على إحراق نسخة من القرآن"، واصفاً ما تمَّ بأنه "عمل مُشين ومثال واضح على الكراهية".
كما أدانت الإمارات الحادثة، داعيةً إلى "نبذ خطاب الكراهية، والابتعاد عن إثارة الكراهية بالإساءة إلى الأديان والمقدسات".
فيما أعربت الخارجية السعودية عن إدانتها "للإساءة المتعمدة للقرآن والتحريض ضد المسلمين، داعيةً إلى تضافر جهود نبذ الكراهية والتطرف".
كما أدانت الخارجية القطرية هذه الواقعة، معتبرةً إياها "شنيعة وعملاً تحريضياً واستفزازاً خطيراً لمشاعر أكثر من ملياري مسلم في العالم".
واعتبرت الخارجية الأردنية هذا الفعل "مُداناً ومرفوضاً ويُؤجج مشاعر الكراهية والعنف ويُهدد التعايش السلمي"، داعية إلى نبذ كل أشكال العنف.
وقال وزير الأوقاف المصري محمد مختار جمعة، إنَّ حرق القرآن "عنصرية مَقيتة تؤجج مشاعر الكراهية"، داعياً إلى "تجريم ازدراء الأديان".
وفي العراق، استدعت الخارجية العراقية، القائم بأعمال السفارة السويدية في بغداد هاكان روث، على خلفية الحادث، واعتبرته "استفزازاً لمشاعر المسلمين، وأساء بشكل بالغ الحساسية إلى مقدساتهم".