يكثف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ومنافسته من اليمين المتطرف مارين لوبان المرشحين للدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية الفرنسية المزمعة في 24 أبريل/نيسان 2022، لتجمعاتهما الانتخابية في مسعى لاستقطاب الأصوات التي فضلت عدم المشاركة بالجولة الأولى، أو كانت مشاركتها ضعيفة، مثل كتلة اليسار وأحياء الطبقة العاملة والمهاجرين وغيرها. لكن لماذا يصعب على هذه الفئة الاختيار بين ماكرون ولوبان؟
لماذا يُغري التصويت لمارين لوبان أحياء الطبقة العاملة؟
كان محمد كاكي، وهو مواطن فرنسي من أصل جزائري، يعيش مع عائلته في البداية في حي فقير ثم انتقلوا إلى مجمع سكني في بلدة نانتير، على بُعد 11 كيلومتراً شمال غرب وسط باريس. ومثله مثل عديد من المهاجرين، يواجه نبذاً وكراهية وعنصرية منذ صغره.
ولا عجب أن كاكي لا يمكنه تصور فوز مرشحة حزب التجمع الوطني، مارين لوبان، في الانتخابات وتقنين كراهية الأجانب تحت ستار الخيار الشعبي. لذلك، حين أخبره بعض معارفه أنهم سيصوّتون للوبان، استشاط غضباً. وقال لموقع Middle East Eye البريطاني: "هذه مسألة غاية في الخطورة، وهم لا يدركون خطورة هذا الاختيار".
يقول كاكي إن الناخبين في أحياء الطبقة العاملة، ولا سيما القادمين من شمال إفريقيا، الذين يرغبون في منح أصواتهم للوبان، يظنون أنها قد تكون أفضل من الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون.
وقال كاكي، الذي يرأس منظمة Les Oranges: "بعض المسلمين، على سبيل المثال، يعتبرون لوبان أقل معاداة للإسلام من ماكرون".
ويحاول كاكي، بدافع القلق من فكرة ما يعتبره "تسونامي يمين متطرف في فرنسا"، تشجيع الناخبين على عدم الامتناع عن التصويت وعلى عدم التصويت لحزب التجمع الوطني.
مؤكداً على تصريحات جان لوك ميلونشون، المرشح اليساري المتطرف عن حزب فرنسا الأبية، الذي جاء في المركز الثالث بنسبة تقل عن 22%: "على الناس أن يتوجهوا بأعداد كبيرة إلى مراكز الاقتراع، وعليهم ألا يمنحوا أي صوت لليمين المتطرف".
ماكرون ولوبان.. المفاضلة بين من هو "الأقل شراً"
من جهته، يقول مجيد شلال، عضو مجلس البلدية المنتسب إلى حزب Europe Ecology-The Greens في بلدية إبيني سور سين في الضواحي الشمالية لباريس، إن ميلونشون أفاد بدرجة كبيرة من تصويت أحياء الطبقة العاملة رغم انقسام اليسار، الذي يمكن القول إنه منعه من الحصول على مكان في الجولة الثانية.
ووفقاً لاستطلاع رأي عام أجرته شركة الاقتراع الفرنسية IFOP، صوَّت قطاع كبير من الناخبين المسلمين لصالح ميلونشون في الجولة الأولى من انتخابات عام 2022 (69% من الناخبين المسلمين)، متقدماً بفارق كبير على ماكرون (14%) ولوبان (7%).
ولكن شلال، مثل كاكي، يخشى اختفاء الزخم الذي ولّده ترشيح ميلونشون في الجولة الثانية. وقال: "أخشى أن نرى أعداداً كبيرة يمتنعون عن التصويت في أحياء الطبقة العاملة أو أشخاصاً يغريهم التصويت للوبان ضد ماكرون".
ويرى شلال، الذي يصف المرشحين النهائيين للرئاسة بـ "الشريرين"، أن وضع الطبقات العاملة لن يتغير، مع هذا أو تلك، وأن معاناتها مع المشكلات الاجتماعية وكراهية الإسلام ستستمر.
وقال شلال، الذي ينوي ترك ورقة التصويت فارغة، رغم دعوات اليسار لعرقلة لوبان بالتصويت لماكرون: "أنا شخصياً لا يمكنني دعم السياسة الليبرالية الجديدة التي يروج لها ماكرون، ولا أتفق أيضاً مع السياسة العنصرية للتجمع الوطني".
"نحن مُهملون مثل ضحايا الطاعون"
شهد فريد (اسم مستعار)، العضو في مجلس البلدية منذ 20 عاماً والمقيم في مجمع L'Oly السكني الذي يضم 1229 وحدة سكنية، تدهور الحي الذي يقطن به وإفقار سكانه وعزلهم. وقال لموقع MEE: "الناس هنا يشعرون بأن السلطات أهملتهم تماماً، مثل ضحايا الطاعون تقريباً".
عادة ما تستقل زُهرة، وهي أم عازبة وعاطلة عن العمل تعيش في مجمع L'Oly، الحافلة للذهاب إلى التسوق؛ لأنها لا تملك سيارة. وقالت لموقع Middle East Eye: "أنا سعيدة لأنني لا أمتلك سيارة بالنظر إلى أسعار الوقود في الوقت الحالي. فلدي عربتي التي أتسوق بها وأملأها قدر المستطاع".
وفي عهد رئاسة إيمانويل ماكرون، خسرت أيضاً 5 يورو (5.40 دولار) من مساعدات الإسكان، بعد إصلاحات عام 2017. ولم يعثر أبناؤها بعد انتهائهم من دراستهم على أي تدريب أو وظيفة. وقالت: "وبسبب قانون الفصل، أشعر أنني إرهابية حين أسير في الشارع مرتدية حجابي".
لذا لم تتردد زهرة، مثل جميع جيرانها، في التصويت لميلونشون في الجولة الأولى. وفي حي فينو سو سين، جاء مرشح فرنسا الأبية في المقدمة أيضاً، إذ حصل على 41.06% من الأصوات.
وقالت زهرة، التي قررت الامتناع عن التصويت في الجولة الثانية: "أنا مهاجرة وفقيرة. وسواء فاز ماكرون أو لوبان فلن يتغير شيء بالنسبة لي".
على أن شلال الأكثر تفاؤلاً يرى أن انتخاب لوبان قد لا يكون سيئاً، بمعنى أنه قد يتسبب في زيادة أعداد الجمهوريين وتعطيل تفويض لوبان.
وقال شلال: "إذا فازت، فستحتشد جميع الأحزاب السياسية الجمهورية للفوز بالانتخابات التشريعية [المقررة في يونيو/حزيران] وتحظرها في المجلس. والناس من حولي يؤمنون بهذه الفكرة لجولة ثالثة سليمة".
محاولة أخيرة من ماكرون لكسب أصوات الناخبين المسلمين
وتسعى مرشحة اليمين المتطرف إلى إلحاق الهزيمة بماكرون وإحداث أكبر خرق في تاريخ السياسة الفرنسية الحديثة بالدورة الثانية للانتخابات في 24 أبريل/نيسان، حيث تشير استطلاعات الرأي إلى اشتداد المنافسة بينهما رغم تصدر ماكرون.
ويرى محللون، بحسب وكالة "فرانس 24"، أن أحد أسباب تقدم لوبان هو "نجاحها في رسم صورة أكثر اعتدالا لها وتقديم نفسها على أنها المرشحة الأكثر قدرة على التعامل مع مشاكل من بينها ارتفاع الأسعار". لكن المرشحة اليمينية المعادية للهجرة تتمسك بتشددها حيال الحجاب، وتقول إنه "في حال انتخابها فإنها ستفرض غرامة على النساء اللواتي يضعنه في الأماكن العامة".
لكن لوبان عادت بعد تلك التصريحات بأيام، لتتراجع عنها بحسب ما كشف مسؤولون في حزبها، قائلين الإثنين 18 إبريل/نيسان، إن المرشحة الرئاسية لوبان تراجعت عن فكرة "حظر الحجاب في الأماكن العامة"، وإن هذه القضية "لم تعد على رأس أولوياتها" في النضال ضد ما وصفوه بـ"التشدد الإسلامي".
في المقابل، سعى ماكرون لاستغلال إصرار لوبان على هذه الفكرة للقول بأن سياساتها لا تختلف عن سياسات الجبهة الوطنية المتشددة التي أسسها والدها جان ماري لوبان. كما قدم نفسه على أنه مدافع عن الحريات الدينية، مشدداً على أن حظر الحجاب سيعني دستورياً منع جميع الرموز الدينية بما في ذلك القلنسوة اليهودية والصليب.
وخلال زيارة إلى مدينة ستراسبورغ بشرق فرنسا، الثلاثاء، ضمن جولة للقاء الناخبين، سأل ماكرون سيدة محجبة إن كانت تضع الحجاب قسراً أم بقرار منها. وأجابت المرأة: "إنه خياري بشكل تام"، ورد ماكرون عليها في إشارة واضحة إلى خطة لوبان "هذا أفضل رد على الهراء الذي كنت أسمعه"، حسب تعبيره.
وذهب ماكرون أبعد من ذلك، الخميس، خلال زيارة لمدينة لوهافر الساحلية الشمالية قائلاً: "لا توجد دولة واحدة في العالم تحظر الحجاب في الأماكن العامة. هل تريدون أن تكونوا أول من يفعل ذلك؟".
ويدرك ماكرون بشكل واضح أهمية أصوات الناخبين المسلمين في فرنسا البالغ عددهم نحو خمسة ملايين ويشكلون تسعة بالمئة من السكان، رغم أنه دخل مع المسلمين وزعماء دول إسلامية بسبب مواقفه المتشددة من "الإسلام وفي أواخر 2020 انتقد الرئيس الفرنسي ما أسماها "النزعة الانعزالية الإسلامية" في فرنسا، وفرض سلسلة من الإجراءات التي قيدت الجالية المسلمة وكبت حريتها.