هل يؤدي رحيل عمران خان لتحسن العلاقات السعودية الباكستانية أم تدهورها؟ الإجابة في الملف الإيراني

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2022/04/20 الساعة 09:57 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/04/20 الساعة 09:57 بتوقيت غرينتش
رئيس الوزراء الباكستاني السابق عمران خان يرافق ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في إسلام أباد في فبراير/شباط 2019-رويترز

كيف ستصبح العلاقة بين باكستان والسعودية بعد إقالة البرلمان لعمران خان من رئاسة الحكومة وتولي شهباز شريف منصبه، وخاصة في ظل حاجة البلدين المتبادلة لبعضهما البعض.

تبدو الإجابة معقدة فقد كان خان حريصاً على تحسين علاقته بالرياض وولي عهدها الأمير محمد بن سلمان، ولكن كاريزمته وسياسته الجريئة بالأخص على المستوى الخطابي كان لها نتائج متناقضة على العلاقات بين باكستان والسعودية. 

شهباز شريف سيحدث صعوبة في ملء الفراغ الذي خلفه عمران خان 

سيجد رئيس وزراء باكستان الجديد، شهباز شريف، صعوبةً في تعزيز مكانة بلاده وسط العالمين العربي والإسلامي ومضاهاة شعبية سلفه عمران خان كرجل دولةٍ عالمي، بحسب ما أفاد به محللون لموقع Middle East Eye البريطاني.

ويُمكن القول إن شعبية خان قد تعززت أكثر بفضل الطريقة التي غادر المنصب بها، مع توقعاتٍ من عدة محللين بإجراء انتخابات عاجلة قد تشهد عودته.

من ناحيةٍ أخرى، راقب العديد من شركاء باكستان الدوليين البارزين الأوضاع المتكشفة بحذر.

إذ كانت المملكة العربية السعودية أقرب حلفاء باكستان في الخليج، لكنها لم تهنئ شريف بالمنصب سوى بعد خمسة أيامٍ من تأديته القسم، رغم أن شريف خصّ المملكة بالشكر على دعمها في خطاب تنصيبه، في إشارةٍ ضمنية إلى أن المملكة أومأت بالموافقة على رئاسته للوزراء.

ويُذكر أن شريف هو شقيق رئيس الوزراء الأسبق نواز شريف. وقد خدم عدة مرات كرئيسٍ لوزراء البنجاب، ثاني أكثر أقاليم باكستان اكتظاظاً بالسكان، كما يُعتبر مديراً إقليمياً مقتدراً.

لكنه يفتقر إلى الخبرة في الشؤون الدولية. كما لاحقته اتهامات الفساد في حياته المهنية، ومنها قضية -مؤجلة حالياً- اتُّهِمَ فيها بغسيل أموال قيمتها 90 مليون دولار. لكنه ينفي كل الاتهامات الموجهة إليه.

العلاقات بين باكستان والسعودية مؤسسية

قال حسين نديم، المدير التنفيذي لمؤسسة Islamabad Policy Research Institute الفكرية التابعة لوزارة الخارجية الباكستانية، في حديثه إلى الموقع البريطاني إن تغيير القيادة الباكستانية من المستبعد أن يؤثر على العلاقة مع السعودية بشكلٍ واسع النطاق.

إذ أوضح: "تُعتبر العلاقة بين باكستان والسعودية ومجمل سياسة إسلام أباد في التعامل مع الخليج سياسةً مؤسسية، وذات أهمية استراتيجية بالغة، حيث توجد اتفاقيات ومذكرات تفاهم مشتركة يرجع تاريخها إلى عقودٍ مضت".

وشهدت العلاقات بين باكستان والسعودية تدهوراً قبل نحو أربعة أعوام، حينما طالبت الرياض فجأة بردّ قرض بقيمة 3 مليارات دولار كانت قد قدمته لباكستان، كما رفضت في ذلك الوقت بيع النفط إلى إسلام آباد على أساس الدفع المؤجل، رداً على ذلك أعادت باكستان على الفور مليار دولار للسعوديين، ولكن العلاقات تعافت بعد ذلك قليلاً.

خان قاد سيارة بن سلمان بنفسه وتصدى لتجنيد إيران للباكستانيين الشيعة

لكن شريف قد يعاني من أجل التعامل مع ولي العهد محمد بن سلمان بنفس فاعلية خان. حيث عادةً ما يتمتع الملك وأولياء عهد السعودية بخطوط اتصالٍ مباشرة مع رؤساء وزراء باكستان وقادتها العسكريين، بدلاً من الاعتماد على القنوات الدبلوماسية التقليدية، بحسب حسين نديم.

وتابع نديم: "هنا يأتي دور الشخصيات القوية للتأثير على العلاقات. وقد كانت علاقة محمد بن سلمان وعمران خان قويةً للغاية، لأن شخصياتهما متشابهة. إذ تحتاج باكستان إلى السعودية لتهدئة مخاوفها الاقتصادية المستوطنة، بينما تحتاج السعودية إلى باكستان أكثر بالتزامن مع اختفاء الضمانات الأمنية الغربية".

باكستان والسعودية
رئيس الوزراء الباكستاني السابق عمران خان كان لديه علاقة وثيقة مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان/رويترز

وقد تجلى إدراك خان لأهمية تكوين علاقة شخصية مع ولي العهد حين التقاه في المطار خلال زيارته الأولى لباكستان عام 2019، حيث أصر حينها على قيادة السيارة بنفسه إلى محل الإقامة الرسمي.

ويُذكر أن آلاف السجناء الباكستانيين قد أُفرِج عنهم من السجون السعودية في عهد بن سلمان، وغالبيتهم من المسجونين بسبب مخالفات الهجرة والجنح الخفيفة. كما أعلنت السعودية أيضاً عن استثمارات بقيمة مليارات الدولارات في مشاريع بباكستان.

وفي الوقت ذاته استجاب خان لطلبات السعودية باتخاذ موقفٍ أكثر صرامة تجاه إيران، بسبب محاولاتها تجنيد الشباب الشيعة من باكستان وأفغانستان للقتال بجانب الحوثيين في اليمن.

وقال نديم: "لا شك أن نوعية الدبلوماسية والحنكة السياسية قديمة الطراز هذه لم تعد موجودة، وسيعاني رئيس الوزراء الجديد كثيراً من أجل سد الفجوة التي تركها خان".

ولكن توجهاته الإسلامية أغضبت ولي العهد السعودي

بينما يُسلط محللون آخرون الضوء على بن سلمان وخان في ضوءٍ مختلف. إذ اقترحوا أن الخطاب المؤيد للإسلام من رئيس الوزراء الباكستاني السابق، وتطلعاته ليصبح المتحدث باسم العالم الإسلامي، قد تسببا في دقّ أجراس الإنذار بالرياض.

حيث قال سامي حمدي، رئيس قسم المخاطر السياسية في International Interest، لموقع Middle East Eye: "من الواضح أن ارتفاع شأن عمران خان كرجل دولة ذي اهتمامات عالمية، وحديثه علناً عن قضايا مثل الإسلاموفوبيا وكشمير وفلسطين حول العالم، قد غطت على محمد بن سلمان باعتباره زعيم العالم الإسلامي. وهو أمرٌ لا شك أن بن سلمان اعتبره تهديداً له. 

وبينما قرر بن سلمان أن يصطحب السعودية في رحلةٍ لنزع الأسلمة بتنظيم الحفلات في الصحراء، وفتح شواطئ البيكيني، وحظر الأذان على مكبرات الصوت في المساجد؛ لكن خطاب عمران خان الإسلامي كان قد بدأ يكتسب شعبيةً كبيرةً في الخليج وبقية أنحاء الشرق الأوسط".

نشبت خلافات بين باكستان والسعودية في عهد عمران خان بعد انحياز السعودية للهند في السنوات الأخيرة.

لكن هذا ليس العامل الوحيد المزعج في العلاقات بين باكستان والسعودية، ولكن ما أثار غضب الرياض لفترة من عمران خان لفترة هو ميل باكستان إلى تركيا وماليزيا، اللتين برزتا كقادة جدد في العالم الإسلامي، وتؤيدان بقوة موقف باكستان من كشمير. 

وأوضح حمدي أن خان كان يضغط على المملكة الخليجية باستمرار في قضايا حساسة ذات أهميةٍ جيوسياسية: "إذ حضر مؤخراً في قمةٍ لمنظمة التعاون الإسلامي وقال خلالها إن العالم الإسلامي قد خذل فلسطين. ولا شك أن هذا التصريح قد أغضب قادة الخليج الذين يسعون إلى إقامة علاقاتٍ أوثق مع إسرائيل. ثم خرج في الأيام الأخيرة بمشروع قانون الأمم المتحدة حول الإسلاموفوبيا، ليجعل بن سلمان يبدو كقائدٍ ضعيف".

ويرى حمدي أن خان أصبح يمثل صداعاً سياسياً أكبر من اللازم بالنسبة للمملكة الخليجية، وأن الكثيرين هناك سعداء برحيله: "إنهم سعداء بشريف، فهو شخصٌ أقل صخباً، ولن يمانع الجلوس في المقعد الخلفي".

السعودية قلقة من طريقة الإطاحة بخان

من ناحيته يرى عمر كريم، الباحث المتعاون في مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، أن طريقة الإطاحة بعمران خان من المرجح أنها قوبلت بالرفض من جانب الرياض، خاصةً وسط الاتهامات غير المثبتة التي أدلى بها خان ونفتها واشنطن حول مخططٍ أمريكي للإطاحة به.

إذ قال كريم: "يتجنب محمد بن سلمان ومحمد بن زايد حالياً اتصالات الرئيس الأمريكي، في وقتٍ كان خان يتبنى خلاله موقفاً مناهضاً للولايات المتحدة؛ وبالتالي فلن تسعد القيادات الخليجية بوجود أطرافٍ معنية داخل باكستان قررت الرضوخ للضغوط الأمريكية والإطاحة برئيس وزراءٍ واسع الشعبية. من ناحيةٍ أخرى، يمكن القول إن توجه السياسة الخارجية الباكستانية يُستمد عادةً من جيشها، الذي لم يكن سعيداً باعتماد خان لأجندة سياسة خارجية مناهضة للغرب".

وقد تجلّت مؤشرات التوتر الواضحة بين خان ورئيس أركان الجيش الباكستاني الجنرال قمر جاويد باجوا خلال حوار إسلام آباد الأمني مطلع الشهر الجاري.

باكستان والسعودية
عمران خان مع الرئيس الصيني شي جين بينغ/رويترز

حيث انتقد باجوا الهجوم الروسي على أوكرانيا، في تناقضٍ صريح مع موقف الحكومة المدنية، كما دعا إلى رفع الحظر غير الرسمي على إرسال المعدات العسكرية الأمريكية لبلاده.

وأوضح كريم: "يضعنا هذا أمام فجوة ثقةٍ هائلة بين ممالك الخليج وبين جيش باكستان. إذ يتعارض انتقاد رئيس الأركان الباكستاني للهجوم الروسي مع الخط الذي اتخذته السعودية والإمارات. ما ترك بعض قادة الخليج في حالة تساؤل حول ما إذا كانت باكستان ستنتقل من الكتلة الصينية إلى الكتلة الأمريكية أم ماذا".

ويرى كريم أن الجيش الباكستاني قد أعرب عن رغبته في الموازنة بين الكتلتين، لكنها موازنةٌ ستتطلب من الحكومتين المدنية والعسكرية التزاماً أكبر تجاه الخليج.

وأردف كريم: "لا شك أن اعتماد الجيش الباكستاني على المعدات الأمريكية، وتمويل المعونات الاقتصادية الأمريكية وصندوق النقد الدولي، هما أكبر الأسباب التي تدفع البلاد إلى التقرب من الكتلة الغربية ولو بخطواتٍ بسيطة".

ويُذكر أن الولايات المتحدة كانت قد حظرت بيع مروحيات هجومية تركية الصنع للجيش الباكستاني، عن طريق رفض إصدار تراخيص الطرف الثالث لاستخدام المحركات أمريكية الصنع داخل المروحيات.

الرياض تريد مساندة من الجيش الباكستاني، وموقف أشد ضد طهران

ويعتقد كريم أن التعاون العسكري-العسكري الوثيق سيكون أحد طرق إظهار التزام باكستان تجاه الخليج، رغم أن "موقف الحكومة المدنية سيلعب دوراً رئيسياً في تحسين العلاقات أكثر بالتأكيد".

وكانت باكستان قد اختتمت مؤخراً مناورةً تدريبية دامت لشهرين مع لواء المشاة الميكانيكي الثقيل السعودي، تضمنت دبابات ومدفعية. كما أجرى جنود باكستان في السابق عمليات عسكرية أوسع على الحدود السعودية اليمنية. فضلاً عن أنهم ساعدوا المملكة في الأدوار الاستراتيجية، والاستشارية، والتدريبية.

ويُمكن القول إن تغيير القيادة لم يفعل أي شيء لتحسين الوضع الاقتصادي في باكستان، مع استمرار الانهيار السريع لاحتياطيات البلاد من العملات الأجنبية. ما يعني أن شهباز سيكون معتمداً على المساعدة المالية السعودية تماماً مثل سابقه.

لكن مقابل تلك المساعدة قد يتخذ شريف موقفاً أكثر صرامة من إيران بحسب كريم: "إذا أرادت باكستان مساعدةً مالية أكبر من الخليج، فسوف ينتظر منهم السعوديون تقديم المزيد. وستلاحظ أن إيران لم تهنئ رئيس الوزراء الجديد بمنصبه بعد، لأنها ترى أن الحكومة الجديدة قد تميل بقوةٍ أكبر نحو السعوديين".

تحميل المزيد