قتلت واحدة من الغارات الأمريكية على اليمن أربعة من أفراد عائلة عادل المنثاري، وقال أطباؤه إن الضربة الأمريكية نفسها أصابت ساقيه، وإنه يحتاج لعلاج باهظ، ولكن الجيش الأمريكي أبى الاعتراف بخطئه رغم أن وسائل إعلام أمريكية أثبتت أنه لم يكن هناك مبرر لهذه الضربة العسكرية التي استهدفته.
عادل المنثاري هو الناجي الوحيد من غارةٍ جوية أمريكية بطائرةٍ مسيَّرة في مارس/آذار 2018 في اليمن أسفرت عن مقتل أربعة من أبناء عمومته وأدَّت به إلى مشكلاتٍ صحية خطيرة سيعاني منها طيلة حياته، حسبما ورد في تقرير لموقع The Daily Beast الأمريكي.
جزء بسيط من تكلفة الصواريخ كفيل بعلاجه
المنثاري واحد من الأبرياء الذين راحوا ضحية الغارات الأمريكية على اليمن، عندما ضربت طائرةٌ مسيَّرة تابعة للقوات الجوية الأمريكية سيارته قبل أربع سنوات.
يمكن لوزارة الدفاع الأمريكية دفع تكاليف الجراحة المعقدة التي يقول أطباء المنثاري إنه بحاجة إلى الحفاظ على ساقيه، فقط مقابل جزء بسيط من تكلفة أحد الصواريخ البالغ قيمته 150 ألف دولار، التي أطلقته طائرةٌ أمريكية مسيَّرة على عائلته.
لكن هذا سيتطلب من البنتاغون القيام بشيء رفض حتى الآن القيام به في اليمن، ألا وهو الاعتراف بخطأ قتل مدنيين لا علاقة لهم بتنظيم القاعدة خلال الغارات الأمريكية على اليمن.
ضحايا الغارات الأمريكية على اليمن يحاولون تبرئة أنفسهم
أمضى المنثاري، مثل عدد من الضحايا الآخرين الذين قُتلوا أو أصيبوا جراء الغارات الجوية الأمريكية على اليمن، السنوات الأربع الماضية في محاولة تبرئة اسم عائلته، ودفع الولايات المتحدة إلى الاعتذار، وتعويض أسرته عن إصاباته وموت أبناء عمومته الأربعة- لكن دون جدوى.
ولكن نظراً لتدهور حالته الصحية وخطر حرمانه من القدرة المحدودة على الحركة التي لا يزال يتمتع بها، فإن جهود منثاري للحصول على تعويض وتبرئة اسم عائلته أصبح مُلِحّة، خاصة في ظل الظروف التي يعيشها هذا البلد المنكوب.
يحتاج إلى تدخل جراحي عاجل غير موجود باليمن
تُظهِر السجلات الطبية التي شاركها منثاري مع موقع The Daily Beast الأمريكي أنه "يحتاج الآن إلى تدخل جراحي في مستشفى متخصص"، غير متوفِّر في اليمن، وفقاً لأطبائه.
وفي مقابلةٍ مع الموقع الأمريكي، قال المنثاري إنه يكافح "طبياً وجسدياً ونفسياً" في أعقاب الضربة لكن حالته تزداد سوءاً، خاصة خلال الأسابيع القليلة الماضية. وأضاف: "لا أغادر المنزل على الإطلاق. اضطر أطفالي إلى ترك مدرستهم من أجل الاعتناء بي. لم أغادر المنزل منذ 2018. لا علاقة لي بهذا. لم يكن لدي أي اتصال مع أي شخص. لقد كنت مجرد موظف حكومي في الحكومة. وبسبب هذا الهجوم فقدت كلَّ شيء".
سأل موقع The Daily Beast القيادة المركزية الأمريكية عن سبب استهداف الغارات الأمريكية على اليمن لمركبة عائلة المنثاري، وماذا خلُص إليه "تقييم المصداقية" الذي أعلنه المسؤولون في أعقاب الهجوم بشأن الضربة، وما إذا كان المسؤولون مستعدين لتقديم تعويضات.
وكتب متحدِّثٌ باسم القيادة المركزية أن البنتاغون لن يكون لديه رد جاهز قبل الموعد النهائي، وأن طلب قانون حرية المعلومات سيكون ضرورياً على الأرجح (قدَّم The Daily Beast طلباً بموجب قانون حرية المعلومات). وحتى وقت النشر، لم يقدِّم المتحدِّث الأمريكي إجابات على الأسئلة التي طُرِحَت في وقتٍ سابق من هذا الأسبوع.
وفي رسالةٍ أُرسِلَت إلى وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن هذا الأسبوع، طلبت منظمة ريبريف، وهي منظمة غير ربحية لحقوق الإنسان تمثِّل المنثاري، من البنتاغون "إعادة فتح التقييم على وجه السرعة بشأن الخسائر المدنية في هذه الضربة وعلى وجه التحديد وضعه كمدني مصاب" و"تزويد السيد المنثاري بالإجلاء الطبي الطارئ إلى مصر والأموال التي يحتاجها للحصول على هذا العلاج المنقذ للحياة".
لا أحد يحاسب أقوى جيش في العالم
إن كفاح المنثاري لجعل الولايات المتحدة تعيد النظر في المعلومات الاستخباراتية التي قادت أفراد القوات الجوية الأمريكية لمحاولة قتله يسلط الضوء على الصعوبة التي يواجهها العديد من المتضررين من حروب أمريكا، في محاولة محاسبة أقوى جيش في العالم على قرارات الاستهداف.
تبرز المشكلات الصحية المستمرة التي يواجهها المنثاري أيضاً كيف أن تكلفة قرارات الاستهداف العسكرية يمكن أن تتراكم لفترة طويلة بعد أن يجد الناس أنفسهم في مرمى نيران الغارات الأمريكية على اليمن.
سافر إلى مصر بعدما اقترض 15 ألف دولار
السنوات التي تلت ذلك كانت صراعاً مستمراً من جانب المنثاري، وهو صراعٌ لم ينته بعد.
في عام 2018، تمكن من جمع ما يقرب من 15 ألف دولار، من القروض ومن العائلة، للسفر إلى مصر من أجل ترقيع الجلد وغير ذلك من العمليات الجراحية المتخصصة في 2018 و2019.
وبالفعل، سمحت مصر، الحليف الوثيق للولايات المتحدة، مرتين للمنثاري بزيارتها- مرة في 2018 ومرة أخرى في 2019- لتلقي الرعاية الطبية والعلاج الطبيعي غير المتاحين في اليمن، وفقاً لأختام جوازات السفر التي اطلع عليها موقع The Daily Beast.
قال: "لقد عانيت من حروق شديدة في ساقي وذراعي. وعانيت من كسر في الحوض مما يعيق الآن قدرتي على الحركة".
لكنه لا يزال غير قادر على سداد الدين من عملياته الجراحية الأخيرة ولا يمكنه تحمل تكلفة جراحةٍ يعتقد أطباؤه أنها يمكن أن تساعد في تخفيف الضغط والتورم في ساقيه وإنقاذهما من البتر- وهو أمر يأمل في الحصول على تعويض منه يمكن أن تقدِّمه الولايات المتحدة.
أطفاله تركوا المدرسة للاعتناء به
هناك ندوبٌ نفسية أيضاً. كانت ابنتاه تبلغان من العمر 10 و14 عاماً عندما أصابته غارة الطائرة المسيَّرة. قال: "اضطر أطفالي إلى ترك المدرسة من أجل الاعتناء بي". وأضاف: "إنها تجربة مؤلمة للغاية".
ليس من الصعب معرفة السبب. في يوم الضربة، نظر المنثاري حول سيارته التويوتا المحترقة ورأى ابن عمه عبد الله، الذي وصفه بأنه "رجل لطيف ذو أخلاق عالية جداً" و"كان متواضعاً وكان دائماً الابتسامة على وجهه"، مقطوع الرأس. ورأى محمد ممدداً وساقيه مفقودتين، ورأى سالم كذلك أيضاً، وهما ابنا عمومته ونشأوا جميعهم سوياً في نفس القرية، وجميعهم ماتوا، فيما عدا هو.
تمكَّن هو وابن عمه ناصر من الخروج من السيارة بينما ركض رجالٌ محليون لسحبهم من السيارة ونقلهم على وجه السرعة إلى المستشفى. عاش المنثاري. وتُوفِّيَ ناصر بعد صراعٍ دام أسبوعين في المستشفى.
العديد من المنظمات أكدت براءته
تقدِّمت العديد من المنظمات للتأكيد على براءة عائلة منثاري، لكن وزارة الدفاع الأمريكية رفضت التزحزح والاعتراف بأي خطأ.
لطالما أكد أفراد عائلة المنثاري أن الرجال الخمسة في سيارة تويوتا لاند كروزر الذين ضربتهم طائرةٌ أمريكية مسيَّرة في ذلك اليوم في محافظة البيضاء اليمنية كانوا متجهين إلى قرية العقلة ليكونوا بمثابة شهود على صفقة أرض.
خلصت التحقيقات التي أجرتها منظمة مواطنة، وهي منظمة حقوقية مقرها اليمن، ووكالة Associated Press الأمريكية، ومنفذ الصحافة الاستقصائية AirWars وزعماء القبائل اليمنية، إلى أنه لا يوجد دليل على ربط عائلة المنثاري بالقاعدة في شبه الجزيرة العربية، كما زعم البنتاغون في البداية.
وفي خطوةٍ نادرة، أصدر مجلس شيوخ قبلي من منطقة الصوامعة في اليمن، حيث وقعت الضربة، بياناً مشتركاً بعد فترة وجيزة من الحادث أكَّد أن عائلة المنثاري "ليس لها علاقة بالقاعدة أو أي جماعة أخرى".
وفي مارس/آذار، كتب السناتوران الديمقراطيان كريس مورفي وإليزابيث وارين رسالةً إلى وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن يحثان فيه على التحقيق في "تقارير موثوقة عن أضرار مدنية"، والتي استشهدت بمراجعة مواطنة تحدد هوية عائلة المنثاري كمدنيين غير منتسبين للقاعدة.