انتهت شهورٌ من الاستياء الاقتصادي في باكستان بأيامٍ من الدراما المتوترة، ولكن الاضطرابات لم تنتهِ بعد، وربما تعود بتداعيات على المنطقة بأكملها؛ نظراً للمكانة الكبيرة التي تتقلدها باكستان؛ لأنها أول دولة مسلمة تمتلك السلاح النووي، إضافة إلى أن عدد سكانها يصل لنحو 220 مليوناً أغلبهم من المسلمين.
إذ أدى السياسي المخضرم شهباز شريف، شقيق رئيس الوزراء الأسبق، القسَم يوم الإثنين 11 أبريل/نيسان لقيادة ائتلافٍ حكومي من أحزاب مختلفة تجمع أطراف الطيف السياسي من اليسار وحتى أقصى اليمين، بعد الإطاحة برئيس الوزراء السابق عمران خان الذي كان يملك الأغلبية في البرلمان قبل أن ينشق عدد من أعضاء حزبه، لكن هذه الأحزاب يجمعها تاريخٌ من التنافس، وبالتالي لن يكون حكمها سهلاً.
حيث حلّ شريف في محل عمران خان، نجم الكريكت المحبوب الذي تحول إلى سياسيٍ إسلاميٍ محافظ، قبل أن يُطاح به في تصويت سحب الثقة بعد معركةٍ وصلت حتى المحكمة العليا الباكستانية.
وإليكم نظرة على ما قد ينتظر باكستان في المستقبل، بحسب تقرير لصحيفة The Independent البريطانية.
ما الذي أحدث التغيير؟
في الثالث من أبريل/نيسان، أفلت خان من تصويتٍ أولي طالبت به المعارضة لسحب الثقة، وذلك عن طريق حل البرلمان والدعوة لانتخابات مبكرة. لكن المعارضة استأنفت ضد القرار أمام المحكمة العليا، متهمةً خان بسوء الإدارة الاقتصادية. وقد قضت المحكمة العليا بأن إجراءات خان لم تكن قانونية، ولهذا أُجرِيَ تصويت سحب الثقة صباح الأحد 10 أبريل/نيسان، وأُطيح به من السلطة.
بينما استغل خان مشاعر معاداة أمريكا داخل باكستان منذ أحداث 11 سبتمبر/أيلول، واتهم واشنطن بالتآمر مع خصومه للإطاحة به بسبب سياسته الخارجية المستقلة. لكن وزارة الخارجية الأمريكية أنكرت تورطها في الأمر.
مع ذلك فإن تغيير الحكومة يحمل أنباء سارة للولايات المتحدة، التي تسبب انسحابها الفوضوي من أفغانستان المجاورة، وسيطرة طالبان على البلاد، الأمر الذي ترك واشنطن دون حلفاء في المنطقة.
من سيشكل الحكومة الآن؟
تعتبر الحكومة الجديدة عبارةً عن مجموعةٍ من الأحزاب المختلفة التي حاربت بعضها من قبل بكل ضراوة.
وأكبرها هو حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية الخاص بنواز شريف، وحزب الشعب الباكستاني بقيادة ابن وزوج رئيسة الوزراء المغدورة بينظير بوتو. وكلاهما من الأحزاب التي تقودها وتهيمن عليها عائلةٌ سياسية واحدة، مما يقلل تحديات القيادة.
أما ثالث أكبر شريكٍ هنا فهو حزب جمعية علماء باكستان الديني المحافظ، والمؤيد لطالبان. وتنتشر المدارس الدينية لهذا الحزب بطول شمال غرب البلاد، على مقربةٍ من الحدود الأفغانية، حيث أمدت طالبان الأفغانية والباكستانية بالجنود على حد سواء. كما أن قادة الحزب هم سلالةٌ عائلية يقودها فضل الرحمن.
في ما تلطّخت أسماء قيادات الأحزاب الثلاثة بمزاعم الفساد. ومن بينهم شريف الذي أُدين يوم الإثنين بتهم غسيل الأموال. لكن الأحزاب تُنكر تلك التهم بحجة كونها ذات دوافع سياسية.
وقد تضافرت جهود تلك الأحزاب للإطاحة بخان، ولكن لا يجمع بينها الكثير من الناحية السياسية باستثناء أجندةٍ سياسية قائمة على تغيير قوانين الانتخابات وإعادة ترتيب الدوائر الانتخابية لتحسين فرصهم في الانتخابات المقبلة، التي يجب إجراؤها بحلول صيف 2023. كما تجمعهم أيضاً الرغبة في الحيلولة دون عودة خان، الذي يسعى لإنهاء سياسة الأسر الحاكمة في البلاد. ولكن ليست هناك أي ضمانات على أن الأجندة المشتركة ستبقيهم معاً.
من ناحيته يبدو أن خان يريد إجبار البلاد على الانتخابات المبكرة مستخدماً "قوة الشارع"، بعد أن شجعته المسيرات الحاشدة في أنحاء البلاد بقيادة مئات الآلاف من أنصاره يوم الأحد. لكن هذا الطريق قد يؤدي إلى العنف نظراً لكون قاعدته تتألف من جيل الشباب الشغوف والمتحمس في غالبها، بحسب ما تقول الصحيفة البريطانية.
وربما أطاحت به المعارضة بحجة سوء الإدارة الاقتصادية، ولكن لم يتضح بعد ما إن كان لدى الحكومة الجديدة أي حلول سهلة.
كيف سيؤثر هذا التغيير على السياسة الأمريكية في باكستان وأفغانستان؟
حين سُئِلَ خان عما إذا كان سيساعد الولايات المتحدة في ما يتعلق بالحقوق الإقليمية عقب سيطرة طالبان على أفغانستان؛ أجاب: "بالطبع لا". وأوضح أن بلاده ستصبح شريكةً "في السلام فقط، وليس الحرب".
كما كان خان من أشد منتقدي الحرب الأمريكية على الإرهاب عقب أحداث 11 سبتمبر/أيلول، وهو الموقف الذي يلقى أصداءً لدى العديدين في باكستان ممن يشعرون بأنهم تعرضوا للاستهداف بشكلٍ غير منصف، واتُّهِموا بـ"عدم فعل ما يكفي" لإيقاف طالبان أثناء حرب واشنطن التي دامت لـ20 عاماً في أفغانستان.
حيث قُتِلَ نحو 80,000 مدني باكستاني في هجمات المسلحين نتيجة الحرب، بينما لقي نحو 5,000 جندي مصرعهم كذلك وفقاً لخان، برغم عدم تورط أي باكستاني أو أفغاني في هجمات 11 سبتمبر/أيلول.
ورفض خان كذلك منح الولايات المتحدة حق استخدام الأراضي أو المجال الجوي الباكستاني من أجل الهجمات "العابرة للأفق" المزعومة ضد أهداف تنظيم الدولة الإسلامية في أفغانستان؛ إذ تسمح هذه الاستراتيجية للولايات المتحدة بإبقاء قواتها خارج أفغانستان، واستخدام القوة الجوية لضرب الأهداف المسلحة أينما وجدت.
من جانبه لم يجرِ الرئيس الأمريكي جو بايدن مكالمةً هاتفية مع خان منذ انتخابه، ليضفي بذلك المصداقية على نظريات المؤامرة حول النزاع بين إسلام أباد وواشنطن؛ حيث قال خان إن الولايات المتحدة تريد باكستان "خاضعة"، وتعارض علاقتها الدافئة مع الصين وروسيا.
بينما ضغطت حكومة خان بقوة من أجل أن يتفاعل العالم مع حكام أفغانستان من حركة طالبان، وقاومت المحاولات الأمريكية لمعاقبتهم. كما كان خان من أشد منتقدي قرار بايدن بتخصيص 3.5 مليار دولار من الاحتياطيات الأفغانية في الولايات المتحدة لأسر ضحايا 11 سبتمبر/أيلول.
ومن المرجح أن تعثر واشنطن على شركاء أكثر استعداداً وأقرب فكراً في أوساط الحكومة الجديدة لمساعدتها على التعامل مع حكام أفغانستان من حركة طالبان.
ما المشكلات الاقتصادية التي تنتظر البلاد؟
قالت المعارضة إن خان قد فشل في إدارة الاقتصاد بالشكل الصحيح، مع ارتفاع نسبة التضخم وأسعار الطاقة على حد سواء.
وقد حاول الشهر الماضي خفض أسعار الوقود في المحطات بـ10 روبيات باكستانية (أي بضعة سنتات أمريكية)، ولكن من شبه المؤكد أن خلفه سيرفعون الأسعار من جديد، فضلاً عن أن باكستان تستورد النفط والغاز من روسيا، التي تشن هجوماً شاملاً على أوكرانيا الآن.
في حين تتحكم عائلة رئيس الوزراء الجديد في إحدى أكبر الشركات الباكستانية، التي تمتلك العديد من مصانع السكر والحديد الصلب، فضلاً عن أن فوز شريف قد زاد قوة الروبية في مقابل الدولار، ليجري تداولها بسعر 82 روبية بدلاً 86 روبية مقابل الدولار الواحد، بينما حققت بورصة كراتشي المتعثرة في تحقيق مكاسب متواضعة.
ويُذكر أن حكومة خان قد تلقت الثناء دولياً من قبل بسبب إدارتها لجائحة فيروس كورونا باستخدام "الإغلاقات الذكية" التي حمت صناعة الإنشاءات المهمة، والمسؤولة عن توفير الوظائف لأشد الطبقات فقراً. كما أن سمعته المناهضة للفساد قد شجعت الباكستانيين في الخارج على إرسال 29.4 مليار دولار إلى أرض الوطن في السنة المالية 2020-2021. ومن المتوقع أن يرتفع الرقم إلى 31 مليار دولار في 2021-2022.
لكن المستقبل الاقتصادي يظل قاتماً؛ إذ يتوقع البنك الإسلامي للتنمية أن يتباطأ إجمالي الناتج المحلي من 5.6% العام الماضي إلى 4% فقط، بينما من المتوقع أن يرتفع التضخم من 8.9% عام 2021 إلى نحو 11% العام الجاري.