يبدو أن سياسة لوبان الخارجية ستُسعد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشدة، وقد تُحطم وحدة الغرب التي نشأت بعد الحرب العالمية الثانيةن والأهم أنها قد تدمر التحالف الألماني الفرنسي الذي يقود الاتحاد الأوروبي.
حيث توعّدت المرشحة الفرنسية اليمينية المتطرفة مارين لوبان ألمانيا والناتو إذا وصلت إلى الرئاسة، في مؤتمر صحفي خُصص لشرح سياستها الخارجية.
وبدا خطاب لوبان عدائياً ضد ألمانيا والولايات المتحدة، بينما جاء ودوداً تجاه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بطريقة لا تشي إطلاقاً بأنها أصبحت أكثر اعتدالاً كما تزعم.
سياسات لوبان الخارجية ليست لها أولوية عادة على أجندتها
وكما في عام 2017، تُركز لوبان على الاهتمامات المحلية، ولاسيما البطالة والتحريض ضد المسلمين في فرنسا، تاركة السياسة الخارجية في كثير من الأحيان في مكانة متأخرة.
وعادة ما توصف سياسة لوبان الخارجية بأنها إما غامضة أو متغيرة، اعتماداً على الظروف، حسبما يقول فيليب لو كوري، مسؤول حكومي فرنسي سابق وزميل غير مقيم في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، لمجلة Foreign Policy الأمريكية.
ولكن مارين لوبان أفصحت لأول مرة بشكل مفصل نسبياً عن سياستها الخارجية في مؤتمر صحفي موسع، استمر 75 دقيقة ومخصص للعلاقات الدولية، والذي تم تصميمه على ما يبدو لتعزيز أوراق اعتمادها على المسرح العالمي.
وفي هذا المؤتمر شرحت لوبان ماذا ستفعل بعضوية فرنسا في الناتو والاتحاد الأوروبي والعلاقة مع ألمانيا وروسيا.
وتعرضت لوبان لانتقادات في الماضي بسبب فهمها المشوش للجغرافيا السياسية، حيث أكدت ذات مرة أن روسيا لم تغزُ شبه جزيرة القرم في عام 2014. وبالنظر إلى دور الرئيس الفرنسي في تولي زمام القيادة في السياسة الخارجية، فإن عقد مؤتمر صحفي مخصص لشرح سياسة لوبان الخارجية يهدف إلى إظهار أنها تتمتع بمكانة قائدة كبرى، حسب وصف تقرير لوكالة Reuters.
وقالت لوبان لوسائل إعلام دولية وفرنسية إنها تريد توضيح "سوء التفاهم" حول سياستها الخارجية، وسعت للترويج لمؤهلاتها القيادية على المسرح العالمي، وحثّت على الانفصال عن الماضي الدبلوماسي الفرنسي الأخير، لكي تكون فرنسا دولة مهمة".
ماذا ستفعل بعضوية فرنسا في الناتو؟
وتقليدياً ينظر إلى اليمينية لوبان بأنها تشارك وجهة نظر منافسها اليساري الراديكالي، صاحب المركز الثالث في الانتخابات، جاك ميلينشون، بأن فرنسا ستكون أفضل حالاً بدون الحلف، بحيث "لن تنشغل فرنسا بعد الآن في صراعات ليست لها".
ولكن قالت السياسية اليمينية المتطرفة في المؤتمر الصحفي، إن فرنسا ستبقى في الناتو، وتحترم المادة 5 الأساسية، والتي تنص على أن الهجوم على أحد أعضاء التحالف هو هجوم على الجميع.
لكنها أضافت: "لن أضع قواتنا تحت قيادة الناتو الموحدة، ولا تحت قيادة أوروبية".
وأكدت مجدداً أنها في حالة انتخابها رئيسة فإنها ستُخرج فرنسا من هيكل القيادة المتكاملة لحلف الناتو، بقيادة الولايات المتحدة، لاستعادة السيادة الفرنسية في مسائل الأمن الدولي.
ماذا ستفعل مع بوتين؟
قالت لوبان إنها أسيء الحكم عليها في عباراتها السابقة عن تقديرها لبوتين، قائلة إنها كانت تدافع فقط عن المصالح الفرنسية في اتصالاتها القوية مع زعيم الكرملين، بما في ذلك الدعوات للتحالف مع موسكو.
وقالت لوبان: "بمجرد انتهاء الحرب الروسية الأوكرانية وتسويتها بموجب معاهدة سلام، سأدعو إلى تنفيذ تقارب استراتيجي بين الناتو وروسيا".
وتوقف المؤتمر الصحفي لفترة وجيزة عندما رفع أحد المحتجين صورة لاجتماع لوبان عام 2017 مع بوتين، مقطوعة على شكل قلب، قبل أن يجره الأمن للخارج.
انتقاد لاذع لألمانيا، وخطة ميركل السرية للهيمنة على أوروبا
وتضمن خطاب لوبان انتقاداً لاذعاً لألمانيا، الشريك الأكثر أهمية لفرنسا في بناء أوروبا الموحدة، حيث بنت الصداقة الفرنسية الألمانية بعد الحرب الاتحاد الأوروبي، حسب وصف صحيفة The New York Times الأمريكية.
وتوعدت لوبان بأن تضع حداً للتعاون العسكري الفرنسي الألماني، بما في ذلك برامج الطائرات الحربية والدبابات المستقبلية والتركيز على متابعة البرامج الوطنية.
وقالت في إشارة إلى المستشارة الألمانية السابقة، لفترة طويلة "سأواصل العلاقة مع برلين، دون اتباع نموذج ماكرون وميركل، الخاص بالعمى الفرنسي تجاه برلين".
وشجبت ما وصفته بـ"الهيمنة السرية والذكية على أوروبا" التي دبرتها أنجيلا ميركل، المستشارة الألمانية السابقة. وأشارت إلى أن ألمانيا شرعت في خطة سرية لتخريب نموذج فرنسا المركزي بنموذج فيدرالي ألماني، أو حتى إنشاء "مناطق عبور حدودية كبيرة بين البلدين".
وقالت لوبان إن فرنسا وألمانيا تواجهان "اختلافات استراتيجية لا يمكن التوفيق بينها، وحذرت من أن هذه الاختلافات ستعني طريقة جديدة للعمل مع برلين".
كما قالت لوبان إنها تريد مزيداً من المسافة في العلاقات مع ألمانيا.
ولكنها دعمت الصداقة الفرنسية الألمانية، وأكدت أن اللغتين الفرنسية والألمانية يجب أن تحلا محل اللغة الإنجليزية كلغات تشغيل للمؤسسات الأوروبية.
وقالت لوبان "تمثل ألمانيا بالتالي النقيض القطبي للهوية الاستراتيجية لفرنسا". ومع ذلك قالت "أريد أن أؤكد أنه ليس لدي أي عداء للأمة الألمانية".
وتعهدت لوبان بأن ألمانيا لن يُسمح لها بـ"تدمير الصناعة النووية الفرنسية". وأصرت على أن مصالح ألمانيا تباعدت عن مصالح فرنسا، حيث إن برلين "تعتبر الناتو الركيزة الطبيعية لأمنها، ما يدفعها إلى التقارب مع أمريكا".
هل تُخرج فرنسا من الاتحاد الأوروبي؟
دعت لوبان إلى نسخة أكثر مرونة من الاتحاد الأوروبي، رغم أنها أعادت التأكيد على أنها ستُبقي فرنسا في التكتل الذي يضم 27 دولة.
وقالت لوبان إن الخروج على الطريقة البريطانية من الاتحاد الأوروبي لم يكن في خططها، لكنها تفضل "تحالفاً أوروبياً للدول"، في إشارة إلى أنه سيكون فضفاضاً عن الوقت الحالي.
وكانت لوبان قد أسقطت في السابق دعوات للتخلي عن اليورو أو مغادرة الاتحاد الأوروبي، وهي التوجهات التي سبق أن كلفتها أصواتاً في الانتخابات السابقة.
وقالت "لا أحد ضد أوروبا، نريد إصلاح الاتحاد الأوروبي من الداخل، كلما حررنا أنفسنا من قيود بروكسل بينما بقينا في الاتحاد الأوروبي، نظرنا أكثر إلى العالم الأوسع".
وقالت: "يبدو لي أن هذا هو ما فهمه الإنجليز جيداً"، في إشارة إلى خروج بريطانيا في عام 2020 من الاتحاد الأوروبي.
رغم أنها ليست مؤيدة صريحة لـ"بريكسيت"، إلا أن لوبان انتقدت القيود التي قد يضعها قانون الاتحاد الأوروبي على أعضائه.
ومثل زملائها اليمينيين في بولندا، تعترض لوبان على أولوية قانون الاتحاد الأوروبي، بحجة أن الدستور الفرنسي يجب أن يأتي أولاً. قد تأتي آراؤها بشأن ضوابط الحدود في مواجهة مباشرة مع مبادئ حرية الحركة في الاتحاد الأوروبي.
ويهدف برنامجها إلى تفريغ الاتحاد الأوروبي، وسيضعها في مسار تصادمي مع معظم الشركاء الآخرين في العديد من النقاط.
ومن بين خططها خفض المساهمات الفرنسية في ميزانية الاتحاد الأوروبي، وإعادة ترسيخ أولوية القانون الفرنسي على قانون الاتحاد الأوروبي.
وهاجم ماكرون لوبان لأنها عازمة على تدمير الاتحاد الأوروبي، ووصف التصويت في 24 أبريل/نيسان 2022، بأنه استفتاء حول أوروبا، وقال أمس الثلاثاء في ستراسبورغ، إن القومية تؤدي إلى "تحالف الدول التي تريد شن الحرب".
ورفضت لوبان دعوات ماكرون المتكررة إلى "السيادة الأوروبية" و"الاستقلال الاستراتيجي الأوروبي".
من الناحية العملية، تفضل لوبان سلسلة من الإجراءات التي قد تغضب أوروبا، بما في ذلك إعطاء الأولوية للمواطنين الفرنسيين في الوظائف والإسكان.
وقالت إن "فرنسا ليست دولة متوسطة، ولكنها قوة كبيرة لها أهميتها"، وخصصت 30 دقيقة للحديث حول الإنجازات التاريخية لفرنسا، قبل أن تحدد الاختلافات مع ما وصفته بالدبلوماسية "الثرثية والخطيرة وغير المستنيرة" المؤيدة لأوروبا، الخاصة بماكرون.
الموقف من أمريكا
كانت إشارات لوبان لأمريكا قليلة، ولم تكن إيجابية على الإطلاق.
واقترحت لوبان أنَّ تقاربها المقترح مع روسيا "بمجرد انتهاء الحرب الروسية الأوكرانية وتسويتها بموجب معاهدة سلام"، سيكون في مصلحة الولايات المتحدة، لأن واشنطن لن تكون أمام خطر الاتحاد الروسي الصيني".
ورفضت مواقف إدارة بايدن، ووصفتها بأنها "عدوانية للغاية تجاه بكين"، قائلة إن الولايات المتحدة "تحتاج إلى أعداء من أجل توحيد حلفائها تحت هيمنتها".
وقالت لوبان إن فرنسا غير المنحازة التي تريدها "ستهدد أعداء المعسكر الغربي بطريقة أكثر فاعلية، لأنها لن تتبع بعد الآن تحالفاً مع الولايات المتحدة، وبالتالي ستسبب قلقاً أكبر ورادعاً في الحسابات، لجميع الأعداء، حسب وصفها.
وقالت إن "فرنسا ليست فرنسا بدون عظمة".
الموقف من الأزمة الأوكرانية
ومن المرجح أنه إذا وصلت لوبان لرئاسة فرنسا أن تزعزع وحدة الغرب في الرد على الغزو الروسي لأوكرانيا، ومن المحتمل أن تذهب إلى أبعد من رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، المتحفظ على دعم أوكرانيا.
وقد تمنع لوبان بعض القرارات في بروكسل التي تتعلق بأوكرانيا"
ومثل رئيس الوزراء المجري الذي أعيد انتخابه حديثاً، كانت لوبان صريحة بشأن عمليات نقل الأسلحة الأوروبية، قائلة إن إرسال أسلحة إلى أوكرانيا يهدد بتحويل فرنسا إلى دولة مشاركة في الحرب
رسائل لوبان واضحة حتى لو حاولت تخفيفها
كانت رسائل سياسة لوبان الخارجية المحتملة واضحة بما فيه الكفاية، رافضة التعاون الفرنسي الألماني، وحملت عداءً أو شكوكاً تجاه الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، والسعي إلى التقارب مع روسيا واتباع نهج أكثر ليونة تجاه الصين.
وصف ماكرون حديث لوبان بأنه مليء بالأكاذيب، والوعود الكاذبة التي تخفي أجندة يمينية متطرفة، من شأنها أن تؤدي في النهاية إلى خروج فرنسا من الاتحاد الأوروبي.
وقال دبلوماسي أوروبي لوكالة Reuters "إنها مزيج من موضوعات من خطاب ترامب وبريكست".
وقال الدبلوماسي "إذا تم تطبيق برنامجها الأوروبي، فإن فرنسا تخاطر بأن تصبح غير ذات صلة بأوروبا".
هل تستطيع لوبان الفوز برئاسة فرنسا؟
يقترب اليمين المتطرف الفرنسي من الوصول إلى السلطة أكثر من أي وقت مضى منذ الحرب العالمية الثانية.
وتُظهر استطلاعات الرأي أن ماكرون قد يحصل على 53 إلى 55% من الأصوات، متقدماً على لوبان التي تقول الاستطلاعات إنها ستحصل على نسبة 45 إلى 47%، وهو فارق ضئيل، كما أن الوضع السياسي متقلب، حيث يسارع ماكرون، وهو يندفع في جميع أنحاء البلاد، للتعويض عن حملة أولية باهتة.
وسيعتمد مصير لوبان إلى حد كبير على تصرفات ناخبي المرشح اليساري الراديكالي جان لوك ميلينشون (حصل على نحو 21% من الأصوات)، الذين، وفقاً لاستطلاع حديث، يفضلون في الغالب عدم التصويت على الإطلاق في الجولة الثانية، قال 44% إنهم يعتزمون الامتناع عن التصويت، بينما قال 33% إنهم سيصوتون لماكرون، في حين أن النسبة المتبقية البالغة 23% ستذهب إلى لوبان.
ومن خلال تركيز جزء كبير من حملته حتى الآن على السياسة الخارجية، في محاولة لتشويه صورة روابط لوبان مع بوتين، قد يُظهر ماكرون نفسه بعض السذاجة، ويعطي فرصة لها.
وقال نائب مدير مكتب باريس لصندوق مارشال الألماني لمجلة Foreign Policy: "أنا شخصياً أشعر بقلق بعض الشيء من حقيقة أن حملة ماكرون تركز بشدة على السياسة الخارجية في الوقت الحالي". لقد اعتقدوا أن العلاقة بين لوبان وبوتين ستكون كافية لجعل ماكرون المرشح الوحيد الموثوق، لكن انظر إلى استطلاعات الرأي، فإن أولوية الناخبين الفرنسيين هي التضخم، إنه ارتفاع الأسعار.